• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : الأبعاد السياسية والإجتماعية للحج في القرآن الكريم .

الأبعاد السياسية والإجتماعية للحج في القرآن الكريم

بقلم المرجع الديني الشيخ جعفر سبحاني

الفكر السلفي (الوهابي)، كما ((الفكر الماركسي)) استطاع أن ينشأ ويترعرع في بيئة متناحرة خلال إصطدامه بالأحداث وشؤون الساعة، والتي كانت أهدافها تتعارض وأهداف هذا المدرسة، وبمرور الوقت شيئاً فشيئاً إتجهت هذه المدرسة الفكرية نحو الهيمنة على الساحة الدينية وإتخذت منحى يصدر عبرها أوامر وأحكاماً جديدة للمسلمين وتتحكم بمصيرهم.

إن انتصار الثورة الاسلامية في ايران أحدثت هلعا ُ كبيرا ً لدى زعما ء الفكر السلفي (الوهابي) حيث زاد قلقهم من احتمال تغلغل الفكر الشيعي في المناطق المجاورة وإن فكرة نهوض الامة صار يزيد من ازعاجهم.

في موسم الحج الذي أدى الشعب الايراني العظيم والثائر الفريضة بما تمليه عليه الواجبات الثورية دعا الشعوب الاسلامية للوحدة ونبذ الفرقة أمام الهيمنة الامريكية والشيوعية العالمية والصهيونية، فمن اجل حظر المظاهرات في ايام الحج طالب الحكام السعوديون الزعماء الدينيون للمكتب السلفي لايجاد حلول لهذه القضية وان يصدروا فتاوى بهذا الشأن.

عبد العزيز بن باز، مفتي الديار السعودية، أصدر فتوى تحظر جميع أشكال التظاهر في ايام الحج بحجة أن الحج فريضة عبادية يجب عدم الخلط فيها مع بقية القضايا من هذا المنطلق قامت شرطة ما يسمى بمكافحة الشغب باستخدام الهروات والاسلحة وانقضت على حجاج بيت الله الحرام وباستخدام كل الوسائل من سب وشتم وضرب وجرح استقبلوا حجاج بيت الله الحرام وإن هذه الحساسية لدى النظام السعودي كما هي لحد الان.

قمت بكتابة هذا الكتاب من اجل الرد على فتاوى المفتي السعودي عبد العزيز بن باز و قمت ببسط مفصل يتناول اهداف فريضة الحج السياسية منها والاجتماعية عبر استخدام الآيات والروايات وسيرة المسلمين ذات الصلة:

إن الهدف التشريعي من وراء فريضة الحج، دعوة الناس للخضوع امام الله وإن هذا الأمر نظرا لفرائض الحج الدينية يبدو لا غبار عليه اطلاقا.

إن القيام بعبادة الله و الوحدانية له،بدءا بأول أعمال فريضة الحج انتهاءا بأخر عمل يؤدى في الحج من قبل المسلم هي أمور واضحة كوضوح الشمس،خاصة وأن هذه الاعمال تتزامن و ادعية مستحبة و تذاكير ترد ضمنها وتتزامن معها في بعض الاحيان ومن بين جميع هذه الاعمال نخلص الى أن:

الحج: التضرع والخشوع للباري عز وجل، في انقى و أعمق حالاته.

الحج: عبارة عن عبادة تتحد فيها جميع العناصرمنها الخضوع و التضرع والزهد والتقوى والانقطاع من الشهوات وملذات الدنيا لاظهار العبودية والخشية لله عزو جل.

ان حجاج بيت الله الحرام بارتدائهم قطعتي قماش يبتغون الانقطاع من مظاهر الدنيا وبهارجها المادية ويسلمون لله وحده وينقطعون عن الابناء واللاسرة والوطن ليتجهون لله وحده وان أجواء البيت الحرام لايعمها سوى نداءات لبيك اللهم لبيك التي تدعو لله الخالق الاحد.

إن هذه القضية واضحة وضوح الشمس وهي أن مناسك فريضة الحج و تلك الاماكن بالتحديد التي تتم فيها تلك الشعائر والمواقف التي يقف فيها الحاج، جعلت من مناسك الحج لتصبح من بين أعظم الشعائر العبادية والفرائض الدينية في الاسلام على الاطلاق.

هنالك نقطة مهمة ايضا ً وهي أنه هل أن للشعيرة هذه بالاضافة الى بعدها المذهبي هنالك أبعادا أخرى من بينها الابعاد السياسية و الاجتماعية أم أنها تنحصر على البعد الديني فقط ؟أوأن فريضة الحج تعتبر فريضة مثل فريضة صلاة الليل محصورة في عبادة الخالق فقط دون أن تكون لهذه الفريضة علاقة ببقية القضايا السلامية العامة ؟

بعبارة أخرى، هل أن الله فرض الحج على كافة المسلمين ؛ سواءا إمرأة كانت أو رجل أو شاب أو كهل كي يقوم هؤلاء بعبادة الخالق حصريا ًعبر هذه الفريضة دون الاخذ بأبعادها السياسية او الاجتماعية ؟ ! أو أن هذه الفريضة همزة وصل العبادة بالسياسة ومركز التقاء عبادة الله بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية وهذا ما نرمي بحثه في موضوعنا الحالي.

هل أن الايات القرانية والسنة النبوية وسيرة السلف الصالح تؤيد الشق الاخر من بحثنا وهو تمازج العبادة بالدين والسياسة والاقتصاد سوف نأتي بذكرهذه الامور أنفا ً.

1- لنراقب منافع شعائر الحج:

يصف القرآن الكريم الحج الابراهيمي للبيت الحرام بما يلي:

((و أذ ّن في الناس بالحج يأتوكَ رجالاً وعلى كلّ ضامر ٍ يأتينَ فجّ ٍ عميق ٍ ))

((ليشهدوا منافعَ لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام منها وأطعموا البائس الفقير))

((ثم ليقضوا تفثهم وليروا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ))

((ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الانعام الا مايتلى عليكمم فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور ))

((حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ))

((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من ت قوى القلوب ))

((لكم فيها منافع الى أجل مسمى ثم محلها الى البيت العتيق ))

من بين جميع الايات الواردة أعلاه خذوا الاية الثانية على سبيل المثال وتعمقوا في مفهوم الجملة التالية ((وليشهدوا منافع لهم)) لكي يتضح أنه:

أولا ً: الهدف من كلمة ((المنافع )) الواردة في الاية وما المنافع التي تجلب في إطار مناسك الحج فإذا اخذنا الشق الثاني من الاية ((ويذكروا إسم الله )) سوف يتضح لنا أن في الحج منفعتان الاولى هي البعد العبادي وهو يحصل بذكر الله والشق الثاني هو البعد الاجتماعي والسياسي ويأتي عبر الحصول على منافع.

ثانيا ً: إن كلمة منافع في الاية الكريمة هي تدل على البعد السياسي والاجتماعي حيث اللافت للانتباه انها تقدمت على ذكر الله الذي تجسد في الآية مفهومها العبادي.

ثالثا ً: ذكر القرآن الكريم كلمة ((منافع )) بصورة مطلقة ولم يقيدها بقيد ما. وهذا إن دل على شئ فهو يدل على مفهوم المنافع الاشمل الذي يضم البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فيه ولا يحق لنا أن نطلق مفهوم المنافع في الاية الواردةعلى بعد محدد سواء اردنا ان نحدده بالبعد الاقتصادي الفردي أم البعد العام. هذه الجملة تدل على أن الحج إضافة الى كونه شعيره عبادية فردية بوجود قرينة معنوية وهي ((ويذكروا اسم الله)).

إن مناسك الحج تتجاوز البعد الفردي العبادي لتصل االى المفهوم الشامل الذي يتصل اتصالا مباشرا بحياة المسلمين كافة. لنرى ماذا يقول الاستاذ الاسبق للازهر الشيخ محمود شلتوت في تفسيره لهذه الآية حيث يقول:

((أن المنافع التي يجلبها الحج للانسان المسلم هي عبارة عن فلسفة اولية لفريضة الحج وإن المفهوم الاعم والاشمل لفريضة الحج لا يمكننا إيجازه في بعد واحد إطلاق الحصر عليه ولكن في الحج تتكون شبكة عامة وشاملة تضم جميع المنافع التي يتصورها الفرد منها الشخصية والاجتماعية فإذا كان التقرب لله وتزكية النفس هو الهدف من وراء الحج فإن تبادل الاراء وترسيم الخطوط العريضة للعلم والثقافة ايضا تجلبها مراسم الحج عبر هذا الملتقى العظيم فهي من منافع هذا الاجتماع وإن دعوة المسلمين من جميع انحاء العالم للتجمهر في نقطة واحدة إسمها مكة لابد أن تكون وراء هذه الدعوة منفعة سامية وكذلك... فإن المنفعة تتغير عبر تغير الزمان وظروف المسلمين )).

ويضيف الشيخ الاسبق للازهر قائلا ً: ((نظرا لما تتمتع به فريظة الحج من أهمية في الدين الاسلامي وكذلك الاهداف التي تجلبها شعائر الحج بشقيها الفردي والاجتماعي فمن المهم أن يهتم جميع رجال العلم والفكر والشخصيات العلمية والثقافية والمسؤولين السياسيين والحكوميين والاخصائيين الاقتصاديين والماليين و أساتذة الشريعة ورجال الحرب والجهاد (وأن يهتم كل فرد بحوزته واختصاصه)).

و يجدر بجميع الشرائح الاجتماعية أن يقبلوا نحو الاهتمام بهذه الفريضة على أصحاب الفكر والقلم والعقيدة وأهل الايمان وأصحاب الهمم والاهداف النبيلة الاجتماع في موسم الحج لجعل مكة كندوة يجتمع فيها المسلمون حول راية الاسلام والتوحيد الخفاقة لجمع شمل المسلمين وأن يقوم هؤلاء بالسعي لمعرفة الاخر وأن يقدموا إستشارات وتعاون لبعضهم الاخر لنيل تلك الاهداف ومن ثم يعودوا ادراجهم نحو بلدانهم وبذلك حصلوا على أهداف تحقيق الوحدة الاسلامية وبذلك توحدت القلوب والمشاعر.... ))

انظروا الى هذه الايات:

((أنّ الله يدافع ُ عن ِ الذين آمنوا أنّ الله لايحب كل ّ خوان ٍ كفور )).

((أذنَ للّذينَ يقاتلون َ بأنهم ظُلوا وإنّ الله على نصرهم لَقَدير )).

الذينَ أخرجوا من ديارهم بغير ِ حقّ ٍ إلاّ أن يقولوا ربّنا الله ولو لا دفع ُ الله الناس َ بعضهم ببعض ٍ لهدّمت صوامع ُوبيع ٌ وصلوات ٌ ومساجد ُ يذكرُ فيها سام الله كثيرا ً، ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ٌ.

((الّذينَ إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة َ وأتوا الزكاةَ وأمروا بالمعروف ِ ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور)).

هل أن تقدّم فريضة الحج على فريضة الجهاد في الايات الاتية أعلاه في القرآن كان على سبيل الصدفة ؟ ونقول حاشا للقرآن أن يأتي بآيات بصورة غير مدروسة وفي غير موضعها ومن المستبعد جدا ً أن يفقد القرآن تسلسله والترابط الوثيق بين آياته.

الوحدة في السياق والعلاقة والترابط بين آيات القرآن الكريم يدفعنا الى القبول بان هنالك صلة بين الجهاد والحج وبين غرفة العمليات (ندوة الفكر ) وميدان العمل والجهاد لإن في مكة أفضل بقعة على وجه الارض لتلاقي وتلاقح افكار مسلمي العالم عبرلقاء زعمائهم الفكريين والروحيين خلال إقامتهم في مكة ايام مناسك الحج و التفكير لايجاد حلول عملية لمواجهة العدو المتغطرس الذي يريد النيل من إرادتهم ومقدرات شعوبهم وأن يرغموالعدو على الاستسلام لقرارهم.

نعم هذه الندوة الالهية العظيمة التي لمت شمل ممثلي جميع البلدان الاسلامية تمثل فرصة ذهبية لكي يقوم الزعماء الروحيون للامة الاسلامية بالبحث عن حلول لازماتهم و اتخاذ مواقف سياسية ودفاعية مشتركة حيال قضاياهم وأن يقفوا صفا واحدا بوجه العدو الذي يتربص بمقدراتهم وان يلقنوه درسا لن ينساه أبدا ً.بالرغم من أن هذا الواجب الديني ليس محدودا بايام الحج فقط وانما على المسلمين كافة الوقوف بوجه العدو بغض النظر عن الزمان والمكان.ولكن في الحج فرصة ليس لها مثيل تسنح للمسلمين للعمل بواجبهم الديني.

وليس الشيخ شلتوت وحده الذي يرى في الاية شمولا من ناحية المنافع فهنالك مفسرون كثر من المذهب السني مثل المفسر العملاق الطبري حيث يقوم بتفسير الاية بعد أن يقوم بنقل أقوال عديدة حولها ويقول: ان القرآن يهدف من هذه الاية معنى شموليا وهو أن على المسلمين استيعاب جميع المنافع الدنيوية والاخروية في موسم الحج ولم ولم نجد رواية أو حكما عقليا يحدد معنى الاية الشامل وأن يقوم باطلاق تخصيص عليها.

2) الكعبة هي المقوم الاساسي للحياة:

يصف القرآن الكريم الكعبة وبيت الله الحرام بجملة ((قياماً للناس )) حيث يقول اله عزوجل في محكم كتابه: ((جعلَ الله الكعبة البيت َ الحرام َ وقياما ً للناس ِ والشّهرَ الحرام َ والهدي والقلائدَ وذلكَ لِتعلوا أنّ الله يعلمُ ما في السمواوات ِ و ما في الارض ِ وأنّ الله بكل ِ شئ ٍ عليم ٍ )).

كلمة قيام والتي جاءت في هذه الآية وكذلك جاءت في الاية التالية:

((ولا تؤتوا السفاءَ أموالكم التي جعلَ الله ُ لكم فيها قياماً ))

والقيام في هاتين الايتين تعني وهي مرادفة لمفردة )) عماد )) و )) سناد )) و المعني المراد بالاية هو: أن موسم الحج وزيارة الكعبة والحضور بالقرب من بيت الله الحرام هو المقوم الاساسي للحياة الدنيوية والاخروية للمجتمع الاسلامي برمته )).

فأداء فريضة الحج لا يلبي فقط المتطلبات المعنوية لحياة المسلمين وانما يقوم بتلبية جميع المتطلبات للحياة الفردية والاجتماعية للمجتمع الاسلامي.

الاجتماع في الموسم الحج لا يلبي الحاجات المعنويه للمسلمين فحسب وانما يلبي جميع المتطلبات في الحياة الفرديتة و الاجتماعية وان التدقيق في معنى الاية سيقودنا نحو معنى شامل لادارة الحياة و كذلك ما يخص مصالح المسلمين يعتبرالامران ذووا علاقة ببعضه البض فهذا الامر انما يشكل قوام الحياة و كيانها حيث في هذه المراسم تلبي هذه الطامح اذن هل يصح في هذه الحالة ان ننظر الى الحج بكونه محدود بالعبادة حصرياً.

اي مصلحة أسمى من هذا العمل المفصلي و هوان يتحد المسلمون بوجه الاستعمار و الاستثمار ويشكلون جبهة موحدة ضد الهيمنة الاجنبية و ان يقفوا صفا واحدا لمقاومته و ان لايسمحوا لاحد بنهب ثروات الامة الاسلامية التي تعتبر قواما لكيانهم و ان لا يتركوا ترواتهم بيد هولاء.

بناءا على هذه الاية هل يصح ان تترك فريضة الحج بيد جماعة لاتعرف المعنى الحقيقي للحج و هي في غفلة تامة ولاتعرف التحرك الحقيقي للامة.

ولكي يتعرف القارئ العزيز على رأي المفسرين الذين اجمعوا على تفسيرجملة ((قياماً للناس)).

يقول الطبري: جعل الله الكعبة و بيت الله الحرام قواما للناس و يضيف: ((و جعلنا معالم لدينهم و مصالح امورهم))

يذكر مؤلف المنار في تفسير الاية المذكورة ويقول: «جعل الله الكعبة قواما للاعمال الدينية للمسلمين حيث تلعب دورا في تهذيب و تربية النفوس والاخلاق وذلك عبر فريضه الحج التي تعتبر من اهم اركان الدين الاسلامي و هذه الفريفتة عبادية و معنوية و لها ابعادها الاقتصادية و الاجتماعية و يضيف ايضاً:

أي ((جعل)) في آية ((جعل الله... )) و يضيف ان مفردة جعل لا تنحصر على التكوين والتشريع فحسب و ضمان حقيقي لجيع المصالح الدينية والدنيوية للناس».

3) اعلام البراءة في موسم الحج:

اذا انتابكم الريبة و الشك في الجملتين هاتين «ليشهدوا منافع لهم » و ((قياما ً )) لن تستطيعوا ان تمثلوا بالفعل الرسوم الاكرام في مواسم الحج الذي يعتبر عملا سياساً مائه في المائة.

لان الرسول في السنة التاسعة من الهجرة أمر علي (ع) ان يقوم بقراء ة قرار يمشل اعلام البراءة من المشركين في موسم الحج و هذا في حين ان هناك ستة عشر أية وردت على صدر الرسول تنضمن البراء ة من المشركين اول اية تتضمن البراء ة هي كالتالي:

((براءةٌ منَ اللهِ ورسولهِ الى الذين َ عاهدتم من المشركين َ. فَسيحوا في الارض ِ أربعة َ أشهر وأعلموا أنّكم غير ُ معجزي الله ِ وأن ّ الله مخزي الكافرين َ. وأذانٌ من َ الله ِ ورسوله ِ الى الناس ِ يوم َ الحج ّ ِ الأكبرِ أنّ الله برئٌ من َ المشركين ورسولهُ فإن تبتم فهو خيرٌ لكم وإن توليتم فاعلوا أنكم غيرُ معجزي اللهِ وبشّر الذذين كفروا بعذاب أليم))

امير المومنين علي عليه السلام قام بقراء ة القرار الذي يمتضمن اربعة نقاط و قال الامام حين قراءته لقرار البراءة من المشركين:

الا يا ايها المشركون:

1- لايحق لكم (للمشركين) دخول بيت الله الحرام.

2- لايحق الطواف الحاج بجسم عارمن الملابس.

3- من الان و صاعدا لايحق للمشركين حج بيت الله الحرام.

4- الذين عاهدوا الرسول والتزموا بنود المهادنة مع الرسول سيكون عهدهم مصانا ً وحتى انتهاء فترة الهدنة طالما يلتزمون بعهودهم ستصان نفوسهم وأعراضهم من قبل المسلمين و لكن المشركين الذين نقضوا عهدهم سوف يمنحون فترة محددة أقصاها من الان (العاشر من ذي الحجه) فصاعدا و سيمنحون اربعة اشهر لكي يقرروا كيف سيتعاملوا مع الحكومة الاسلامية إما ان يتسلموا وان يتركوا مظاهر الشرك و الاثنية جانبا ً او ان يستعدوا للقتال و المعركة.

4- قصيده فرزدق السياسية في المسجد الحرام:

في يوم من الايام حيث كان هشام بن عبدالملك حاضرا في مراسم الحج و كانت مراسم الطواف مكتضة بالحجيج حاول هشام بن عبد الملك لعدة مرات ان يمسك الحجر الاسود لكن اعداد الحجيج المزدحمة لم تسمح له بالقيام بذلك العمل مما اضطر هشام بن عبدالمك الجلوس في زاوية و القيام بمشاهدة مراسم الحج فجئة رأى رجلا نحيفا ً جميل المنظر و هوفي حالة التقدم ببطي نحو الحجر الاسود و كان الجميع يقدم له احتراماً خاصاً و يتراجع الى الخلف كي يفسحوا المجال لذلك الرجل ليصل الى الحجر الاسود. سال اهل الشام الذين كانوا يحيطون بهشام بن عبد الملك عن هذا الرجل لكن هشام بن عبد الملك أبى ان يقوم بتعريف الرجل رغم معرفته الكاملة بالرجل و قال لاهل الشام كاذباً انه لايعرفه بتاتا ً.

في تلك الاحيان كان الشاعر الفرزدق و هو يتمتع بحريه خاصة فانشد اشعاراً و قام بتعريف الامام السجاد لاهل الشام في ابيات نارية حيث قال:

هذا الذي تعرف البطحاء ُ وطأته ****والبيت ُ يعرفه والحلّ والحرم ُ

هذا إبنُ خير عبادش الله كلهمُ ****هذا التقي الطاهرُ العلم ُ

هذا ابن ُ فاطمة َ إن كنت جاهله ****بجدّه أنبياء الله قد ختموا

يكادُ يمسكه عرفان راحته****ركن ُ الحطيم ِ إذا ما جاءَ يستلم ُ

تركت اشعار الفرزدق أثراً بالغاً حيث أغضبت تلك الاشعار هشام بن عبدالملك فاصدر أمراً باعتقال الفرزدق و قام الامام السجاد بعد و صوله نباء إعتقال الفرزدق ومن ثم الافراج عنه بلقاءه و مداراته.

5: الابعاد الجتماعية و السياسية للحج في الاحاديث الاسلامية:

عرفنا ان للحج في الايات و السيرةالنبوية السمحاء إضافة الى كونه عملاً عبادياً فانه يعتبر ذا بعد سياسي ايضا حيث إن الرسول الاكرم كان يجسد في بعض الاحيان عبر الاحاديث التي وصلتنا من حضرته الحالة السياسية للحج و من جملة هذه الاحاديث و كلام الرسول كمايلي:

نقل عن الرسوم الاكرم في كتاب ((التاج الجامع الاصول)) المجلد الثاني الصفحة تسعة و تسعون و ثمانية و تسعون حيث يقول الرسول صلواة الله عليه وعلى أله وصحبه اجمعين:

1-أفضل الجهاد حج مبرورٌ

2- جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة، والحج والعمرة.

3- نعم عليها جهاد لاقتال فيه، الحج والعمرة

4- وفدُ الله ثلاثة ؛ الغازي و الحاج والمعتمر.

تقوم هذه الاحاديث بتعريف الحج على أنه جهاد اكبرو تشارك فيه المرأة و في حديث اخر يعتبرالفريق الحاج او القاصد لبيت الله الحرام كفريق اصطفاه الله و اختاره لهذا العمل.

لو نظرنا لهذه الروايات التي نقلت أهمية الحج ودققنا في ما اوردته خاصة عندما تأتي بالحج والجهاد معا ً لراينا أن هناك تناسق و تكافؤ موجود بين الحج والجهاد حيث يمكننا أن ننظر الى الحج باعتباره نوع من انواع الجهاد حسب التسلسل الذي ذكرته الاية وإن إحدى أسباب إمكانية إطلاق كلمة الجهاد على الحج تكمن في أن الحج كالجهاد في المأثر و الاهداف حيث ان هذه الفريضة الاهية رغم كونها نوع من انواع العبادة هي في واقع الامر عبارة عن مسعىً خاص في توقيت محدد من قبل المسلم وويعتبر الحج ألية بناء شبكة علاقات واسعة بين المسلمين و مجالاً للتعاون المثمر بين المسلمين و تجد تخطيطا ً مميزا ً تتصف به عملية الحج حيث أن مخطط الجهاد العملي وشبكة الاتصالات بين المسلمين انفسهم تتكون في موسم الحج برمتها.

6) الخطاب السياسي النبوي في مراسم الحج:

في المسجد الحرام و بيت الله الحرام تأسس إجتماع هائل حيث يجتمع المشرك و بالمسلم و الصديق بالعدو جنباً الى جنب في موسم الحج حيث تلف البيت العتيق باركانه و المسجد الحرام بباحته قدسية الرسول الاكرم و عظمته وهالة مشعة من وجوده المبارك.

في تلك الاثناء يلقي الرسول الاكرم خطيبته بالناس و ويقوم بتجسيد صورة حقيقتة عن الدعوة الاسلامية التي بدأت منذ عشرين عاما ً وننقل مقتطفات من خطاب الرسول الاكرم بما يلي نصه:

1- أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بإبائها ألا إنكم من آدم وآدم من طين ٍ ألا إن ّ خير عباد الله عبد إتقاه.

2- ألا إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ٍ ناطق فمن قصّر عمله لم يبلغ به حسبه.

3- إن الناس من لدن آدم الى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل لعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى.

4- ألا إن كل مال ومأثرة ٍ ودم ٍ في الجاهلية تحت قدمي هاتين.

5- المسلم أخ المسلم والمسلمون إخوة وهم يد واحدة على من سواهم تتكافؤا دمائهم يسعى بذمتهم أذانهم.

6- لا ترجعوا بعدي كفارا مضلين يملاك بعضكم رقاب بعض.

7- إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.

8- ودماءُ الجاهلية موضوع وأول دم ٍ أضعه دم ربيعة بن الحارث.

9- إن كل مسلم أخ المسلم وغن المسلمين إخوة فلايجعل لإمرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفسه.

10- ثلاث لايغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة لائمة الحق واللزوم لجماعة المؤمنين (روضة الكافي ص246 –سيرة ابن هشام ج2ص412 – المنار للواقدي ج2ص8826 وغيره )

7- الشعارات السياسية في فتح مكة:

عندما قام المسلمون بفتح مكة امام ذهول المشركين وهم في حال قرأءة الدعاء و هم يؤدون فريضة الحج المليئة بروح التوحيد و الحماس و الكل كان يناديي مردداً الدعاء الاتي:

((لا اله الا الله وحده لاشريك له وله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير)).

((لا اله الا الله وحده وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده )).

8- الاشارات و التنويهات:

لم يكتف الرسول الاكرم بتحديد البعد السياسي للحج بهذا القدرالممكن حيث كان يلوح في كلامه الى ان الحج في جميع شؤونه لايمكن أن يبتعد عن البعد السياسي في ايام الحج كان الرسول الاكرم في مسعى بين الصفا و المروة و في نقطة محددة اسرع في مشيه كي يقوم الرسول بتكذيب الدعاية المغرضة للمشركين الذين اتهموا فيها الرسوم الاكرم و المهاجرين بالضعف و الهوان بسبب سوءالاحوال الجوية و كذلك أمر الرسول في احدى مراسم الحج ان يقوم المعمترون بالسعي بسرعة في الحج و ان يطوفوا بشكل يشبه حالة العدو كي يظهروا قوتهم الي المشكرين بجلاء.

في إحدى المواقع قام الرسول بقراءة سورة التوحيد و في الركعة الثانية قام بقراءة سورة الكافرون اثناء الصلاة إن الجميع يعلم بان مفهوم هاتين السورتين يحتوي على معان كثيرة و ايضا ً كيف كان الرسول يرد على اية فكرة مناهضة للتوحيد و يقف بوجه اي فكر الحادي او رفض الوقوف في معسكرات الكفر جاء في التاريخ ان المسلمين كانوا عندما يمسكون بالحجر الاسودة كانوا يقولون:

((بسم الله والله اكبر على ما هدانا لا اله الا الله لاشريك له آمنت بالله وكفرت بالطاغوت ))

9: الابعاد السياسية للحج في كلام الائمة الهداة المعصومون:

1- في كلام الامام الصادق (ع) جاء حول فلسفه الحج و رموز تشريع فريضة الحج قائلا عليه السلام:

((وجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا ولتعرف آثار رسول الله وتعرف أخباره ولا تنسى ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد وسقطت الجلب والارباح وعميت الاخبار ولم يقفوا على ذلك وذلك علة الحج)).

تبين هذه الجملة ان للحج أبعادا ً علمية، اقتصادية و سياسة و في الحقيقه ان الحج همزة وصل بين جميع المسلمين و يتم عبرهذه الالية تبادل الاخبارو المعلومات حول مايجري في العالم و معرفة الاوضاع الراهنة في العالم الاسلامي و كسب المعرفة والعلم حيال سنة الرسول الني تناقلها الصحابة و التابعون و ونقلة الاحاديث في شرق العالم الاسلامي وغربه و إضافة الى ذلك يقوم كل حاج بعرض بضاعة بلده و وهناك تتحدث شبكة تجارية واسعة لتداول البضائع والسلع بين حجاج بيت الله الحرام.

2: و مره ثانيه يقول الامام الصادق:

((ما من بقعة أحب الى الله من المسعى لأنه يذل فيه كل جبار))

لاتوجد منطقة في العالم اجمع احب الى الله من المسعى بين الصفا و المروة وإن في تلك النقطة من العالم ينحني رأس جميع المستكبرين و تصبح العبودية وحدها لله الواحد الاحد.

3: ينقل التاريخ لنا ان السلف الصالح من الصحابة و التابعين كان يستغل موسوم الحج و خدمة لمصالح الاسلام و المسلمين و كانت الكثير من الحركات الشعبية و التحررية قد أعلنت عن وجودها في موسم الحج و دعت الناس للقيام بوجه الظلام الجبابرة من الحكام باستخدام ايام الحچ يكفي ان نمعن في خطبة الحسين بن علي في يوم يوم منا حيث دعا الامام الهمام في موسم الحج بني هاشم و الشخصيات الكبار من رجال و نساء و من محبي اهل البيت و حتي جمع غفير من الانصار الذين ابدوا رغبة رؤية الامام و تجمعوا في منا و حضر حوالي الف شخص للاستماع الى خطبة الامام في هذه الاثناء خطب حفيد الرسول و قائلا ً:

((أما بعد فإن هذا الطاغية قد صنع بنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغتم وإني أريد ان أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصقوني وإن كذبت فكذبوني إسمعوا مقالتي واكتموا قولي زثم ارجعوا الى أمصاركم وقبائلكم من أمّنتموه ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب الله والله متم نوره ولو كره الكافرون...))

من ثم قام الامام الحسين بتلاوة عدد من الايات الشريفات التي نزلت بحق الرسول و اله و استحلف الناس بايصال كلامه الى اولئك الذين مازالوا يثقون بأل البيت و من ثم نزل من على المنبر و تفرق الناس.

ليس الحسين بن علي وحده الذي استتخدم موسم الحج لإيصال رسالة ما للمسلمين حيث كان موسم الحج يستخدم من قبل بعض اهل الكتاب الذين انتهكت حقوقهم ويأتوا في هذا الموسم ليطالبوا بحقهم المسلوب ويتضرعوا للحاكم الاسلامي كي يقوم بالاخذ بحقوقهم المنتهكة و هذا الامر إن دل على شئ فهو يدل على وجود سنة متوارثة بين المسليمين منذ القدم.

حيث يحدثنا التاريخ أنه:

كان احد الاقباط في مصرفي عهد عمرو بن العاص اجرى سباقا مع نجل الحاكم و تقدم القبطي على نجل الحاكم حيث ان فوز هذا القبطي أثار حفيظة نخل الحاكم و ترك اثراً سيئاً على عمر بن العاص و ابناءه.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=770
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 10 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29