• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم ( آية الخمس نموذجاً ) .

أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم ( آية الخمس نموذجاً )

سماحة السيد حكمت أسد الموسوي

أكّد القرآن الكريم على حبّ أهل البيت(عليهم السلام) ووجوب مودّتهم في كثير من الآيات الكريمة، فعلى سبيل المثال نذكر قوله تعالى:

{قل لاَّ أَسْأَلكمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقرْبَى} الشورى: 23.

وقال سبحانه وتعالى في مدحهم ببيان جملة من صفاتهم(عليهم السلام):

{وَيطْعِمونَ الطَّعَامَ عَلَى حبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نطْعِمكمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نرِيد مِنكمْ جَزَاءً وَلا شكورًا * إِنَّا نَخَاف مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهم اللَّه شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهمْ نَضْرَةً وَسرورًا * وَجَزَاهم بِمَا صَبَروا جَنَّةً وَحَرِيرًا} الإنسان: 8-12.

وصرّح بعصمتهم(عليهم السلام) من الرجس والذنوب في آية التطهير في قوله عزّ وجلّ:

{إِنَّمَا يرِيد اللَّه لِيذْهِبَ عَنكم الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيطَهِّرَكمْ تَطْهِيرًا} الأحزاب: 33.

وآية الخمس هي من الآيات القرآنية الأخرى التي أولتهم (عليهم السلام) ذلك الاهتمام؛ ولكن بالتأكيد على وجوب دفع حقهم من الخمس وربط ذلك بالإيمان بالله تعالى ورسوله؛ لذا يجب على كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة معرفة أهل بيت الرسول  (ص)، ومعرفة منزلتهم عند الله تعالى، وتعظيم شأنهم؛ وذلك من خلال التمسّك بحبلهم وهديهم، حيث قال تعالى في آية الخمس المشار إليها:

{وَاعْلَمواْ أَنَّمَا غَنِمْتم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خمسَه وَلِلرَّسولِ وَلِذِي الْقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كنتمْ آمَنتمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّه عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الأنفال: 41.

والملاحظ في هذه الآية المباركة هي أنّها تحتوي على كم هائل من التأكيدات على معرفة أهل البيت (عليهم السلام) والالتزام بعقيدتهم الحقّة ـ ما يؤكد ما قلناه من عظم أمرهم (عليهم السلام) عنده تعالى ـ ؛ لذا ينبغي لنا التعرّف أكثر على ما تنطوي عليه هذه الآية الكريمة من معارف جمّة وإشارات إليهم (عليهم السلام).

حيث دلَّتْ الآية على وجوب الخمس في الغنائم، وإنّ الثابت عند الشيعة الإمامية هو صدقها على كل ما يغتنمه الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع.

ومن التأكيدات الواردة في الآية الكريمة ما يأتي:

1- إنّ (ما) اسم موصول ناقص و (مِنْ شيء) بيان لاسم الموصول، قد وردا في قوله تعالى: {وَاعْلَمواْ أَنَّمَا غَنِمْتم مِّن شَيْءٍ} مبهمان، حيث إنّهما لا يفيدان مقداراً محدَّداً مما اغتنمه الغانم ليتحقق فيه الخمس، بل هو مطلق في أيّ مقدار كان ـ قلّ منه أو كثر ـ .

2- إنّ (اللاّم) الواردة في قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلّهِ خمسَه وَلِلرَّسولِ وَلِذِي الْقرْبَى} هي للاختصاص وتفيد التملّك؛ لتوسّطها بين ذاتين؛ بين الخمس وهو ذات لأنّه عين، وبين لفظ الجلالة، والرسول، وذي القربى، و ...، وكل ما ذكر ذات.

وتكرّرت اللام فيمن اختصّ الخمس به؛ للإشارة إلى استقلالهم في أخذ سهامهم الخاصّة بهم.

3- التأكيدات الواردة في الآية الكريمة التي تدل على أهمية فريضة الخمس كثيرة، وقلّما نجدها متتابعة في آية واحدة من القرآن الكريم، فمنها:

أ- قوله تعالى: {لِلّهِ خمسَه وَلِلرَّسولِ وَلِذِي الْقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، حيث إنّ الله سبحانه وتعالى جعل نفسه من أصحاب الخمس كرامة للرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل؛ وبذلك يتأكد لنا ما لهذه الفريضة من اهتمام ومزيد عناية من قبل الله سبحانه ـ كما هو واضح ـ .

ب- كلمة (واعلموا) التي وردت في صدر قوله تعالى: {وَاعْلَمواْ أَنَّمَا غَنِمْتم مِّن شَيْءٍ...}، تفيد: التأكيد، وتعني أنّ المخاطَبين بهذه الآية الكريمة يجب أن يعلموا بوجوب أداء هذه الفريضة، ويتيقّنوا بشأنها، ويحملوها على محمل الجدّ، خصوصاً أنّها وردت بهيئة فعل الأمر.

ج- (أَنَّ) التي تفيد: التأكيد وفي مورد الإثبات، مع ملاحظة أنّها وردت مرّتين في صدر الآية: {أَنَّمَا غَنِمْتم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ...}.

د- تقديم الجار والمجرور على (خمسه)، الذي يفيد التأكيد ـ أيضاً ـ ، وذلك في قوله تعالى: {لِلّهِ خمسَه وَ...}.

هـ- قوله تعالى: {إِن كنتمْ آمَنتمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}، فهو دال على المبالغة في التأكيد، والتشجيع، وتحفيز الناس على دفع حق الخمس لله تعالى، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل؛ حيث جعل الله ذلك شرطاً للإيمان بالله سبحانه وما أنزل على عبده يوم الفرقان.

وواضح إنّ هكذا حكم بما له من صفة اقتران بالإيمان بالله تعالى وما أنزل يوم الفرقان، فهو حكم أبدي ـ كذلك ـ ، ولا يمكن أن يكون مؤقتاً ـ كما هو واضح ـ .

يتحصّل من جميع ذلك، أنّ الله تعالى فرض الخمس، وبالغ في التأكيد عليه وأولاه مزيد عناية، والذي قلّما نشاهده في آيات أخر، ما ينبئنا عن الأهمية العظيمة التي أولاها الله تعالى لتلك الفريضة.

ونحاول هنا التعرّف على المعاني اللّغوية والاصطلاحية للخمس ـ الذي هو موضوع الآية الكريمة ـ إتماماً لفائدة البحث، واعتمدنا في ذلك المعاجمَ اللغوية المعتمدة والمصادر المعتبرة، عسى الله سبحانه أن يعيننا على ذلك بأكمل وجه وبيان، فهو المقصود والمستعان.

الخمس في اللغة والاصطلاح

الخمس لغةً

الخمْس ـ بضمّ الميم أو سكونها ـ (one) fifth ـ أصله ثلاثي مزيد فيه: خَمَسَ، على وزن: (فَعَلَ) كقَتَلَ: اسم يطلق على خمس الأموال، وهو جزء من خمسة أجزاء. فنقول: خمست مال فلان، أي: أخذت واحداً من خمسة أجزاء ماله.

قال الفراهيدي (100 ـ 170 هـ ):

((والخمس: تأنيث الخمسةِ. والخمس: أخذكَ واحداً من خمسةٍ، تقول: خمست مالَ فلانٍ، وتقول: هذا خامس خمسةٍ، أي: واحدٌ من خمسةٍ، والخمس: جزءٌ من خمسةٍ)).

وقال الجوهري (ت 393 هـ ):

((وَخَمَّسْت القَومَ أَخْمسهم بالضّمِّ، إذا أخذْتَ مِنْهم خمْسَ أموالِهِم)).

أما الفيروز آبادي (729 ـ 817 هـ )، فقال:

((وَخَمَّسْتهم أَخْمسهم، بالضّمِّ: أَخَذْت خمْسَ أموالِهِم)).

وجاء في مجمع البحرين:

((الخمْس بِضَمَّتين وإسْكان الثّاني لغَةً إسْمٌ لِحَقٍّ يَجِب في المالِ يَسْتَحِقّه بَنو هاشِمٍ... وخَمَّسْت المالَ مِنْ بابِ قَتَلَ: أَخَذْت خمسَه)).

إذن، فحاصل أقوال أصحاب المعاجم اللغوية هو أنّ (الخمْس) جزء من خمسة أجزاء، وهذا المعنى اللغوي لكلمة (الخمس) على ما يبدو، لم يقل بخلافه أحد من أرباب المعاجم.

الخمس اصطلاحاً

يمكن لنا أن نكوّن تصوراً إجمالياً عن المعنى الاصطلاحي للخمس؛ وذلك بالالتفات إلى التعريفات التي ذكرها فقهاؤنا لهذه المفردة في البحوث الفقهية من باب الخمس.

إنّ المعنى الاصطلاحي للخمس يختلف عن المعنى اللغوي له، وذلك بإضافة قيود وشروط محفوظة؛ وهو: أخذ جزء من خمسة أجزاء من المال الواجب فيه الخمس.

ذكر الشهيد الأول (قد) (ت 786 هـ ) في تعريف الخمس:

((الخمس وهو حق يَثْبت في الغنائم لبني هاشم بالأصالة عوضاً من الزكاة)).

وقال الميرزا القمي (1150 ـ 1221هـ ):

((الخمس وهو حق مالي ثَبت لبني هاشم بالأصالة عوض الزكاة)).

كما قال المحقق النراقي  (قد) (ت 1245هـ ):

((الخمس وهو في الاصطلاح: حق مالي ثبت لبني هاشم بالأصل)).

وقال الشيخ محمد حسن النجفي (قد) (1202 ـ 1266هـ ):

((الخمس وهو حق مالي فرضه الله مالك الملك بالأصالة على عباده في مال مخصوص، له، ولبني هاشم)).

قال الشيخ محمد أمين زين الدين (ت 1419هـ ):

(الخمس وهو: فرض فرضه الله سبحانه في صريح كتابه الكريم، وجعله للرسول (ص) وعترته وذريته عوضاً لهم عن الصدقات التي حرمها عليهم).

ويَرد على تلك التعريفات للخمس ـ على ما ذكره الشيخ مكارم الشيرازي، سوى ما ذكره الشيخ محمد حسن النجفي (قد) ـ بأنها تعريفات لنصف الخمس لا جميعاً؛ لأنّ سهم الله تعالى خارج، ويَرد أيضاً بأنّ سهم المعصومين(عليهم السلام) ثابت بمقتضى كونهم ذوي ولاية مطلقة إلهية لا بما أنّهم من بني هاشم.

فالأَولى تعريف الخمس بما يلي: (هو حق مالي محدود برابع الكسور يثبت لله تعالى ولرسوله   (ص) والأئمة المعصومين من أهل بيته (عليهم السلام) وبني هاشم في مالٍ مخصوصٍ بالأصالة عوضاً عن الزكاة وصدقات الناس المحرّمة عليهم).

فلسفة الخمس

إن الهدف من طرح بحث فلسفة الخمس و وجوبه؛ هو تحقيق مسألة وجوب الخمس في ميزان العقل في ظل المؤيدات الدينية من الكتاب والسنة والإجماع؛ بالشكل الذي يمكننا إيجاد ـ وبحدود معينة ـ علل وجوب الخمس وآثاره الوجودية في أبعاده الفردية والاجتماعية.

ومن هنا، فإن الشيء الذي يمكن أن يقال في مورد مفاد آية الخمس والروايات وآراء فقهاء الشيعة في شأن موارد وجوب ومصرف الخمس و... يصب في هذا الاتجاه.

وتظهر ضرورة التعرض لموضوع فلسفة الخمس لجهتين:

الجهة الأولى: وهي أن دين الإسلام المبين وبسبب اهتمامه الذي أولاه للعقل والمعرفة وفي الأمور المختلفة، أظهر بعضاً من علل الشرائع من جهة، ومن جهة أخرى أوصى بالعلم والمعرفة في مختلف الأمور، خصوصاً في ميدان العمل؛ من هنا، يعتبر التعرض لعلل وفلسفة العبادات، وفي الحدود الواردة في المصادر الدينية، أو ما وجده العقل البشري، من الأمور المقبولة؛ والخمس وفلسفته غير مستثنيين من تلك الأمور.

الجهة الثانية: هي أنه يمكننا ـ بمرور الزمان وتحت تأثير بعض العوامل ـ التعرض لأهمية بعض الفرائض التي لا يتفاعل معها المجتمع بشكل واسع أو حتى التي انطوت في بوتقة النسيان، ومن هذا الاتجاه فإن التأكيد على تلك الفرائض في كل مدة زمنية والتذكير بها وبأنحاء مختلفة، وخصوصاً في زماننا الذي يتقبل فيه البشر العبادة في ظل العقل، يظهر لنا أن التوجه إلى فلسفة العبادات من الأمور الضرورية جداً.

ففريضة الخمس من جملة الفرائض التي أصبحت في زماننا ـ ولأسباب مختلفة ـ من الأمور التي قلّ الاهتمام بها من قبل المجتمع المسلم؛ ومن هنا فإذا لم تتّضح للمسلمين أهمية هذه الفريضة في الشريعة الإسلامية المقدسة وفلسفتها وآثارها الفردية والاجتماعية، فسوف لا ننتظر من المسلمين التوجه والتفاعل معها، ولا أن يرغبوا فيها؛ لذا نرى من الضروري البحث عن فلسفة الخمس وآثاره على المجتمع. ولبيان هذا البحث نقول:

يوجد في التشريع الإسلامي نوعان من الصدقة؛ أحدهما: واجب، والآخر: مستحب، ولكل منهما شروط وخصائص ونصاب معين. وأيضاً في كلا نوعي الصدقة فإن المعطي والمعطى له يجب أن يمتلكا مزايا معينة.

والخمس والزكاة يعدّان من أهم الواجبات المالية، فالشريعة الإسلامية ـ باعتبارها قانون الحياة الإنسانية ـ شرّعت قوانين تمنع من تكدّس الثروات والاستئثار بالأموال، ومكنت جميع أفراد المجتمع من الاستفادة منها.

الزكاة، والكفارات، والصدقة: هي من الموارد التي يمكن لجميع أفراد المجتمع الاستفادة منها، لكن قرابة النبي(ص) وبسبب المكانة الخاصة لهم، استثنوا من بعض هذه الموارد، وخصص الشارع لهم الخمس عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم؛ لقربهم من رسول الله (ص).

ولكن يوجد رأي آخر في هذا المجال، يقول: إن تشريع الخمس ليس هو فقط لرفع احتياجات أهل بيت النبي (ص) وذريته وتعويضهم عمّا حرموا من الزكاة ـ كما هو رأي أكثر الفقهاء ـ بل يمكن طرح مبدأ آخر هو: (تأمين مصارف الدولة الإسلامية)، فإنّ أمر الخمس يكون بيد الحاكم الإسلامي يصرفه حسبما تقتضيه المصلحة الإسلامية.

وهذا المنحى هو القائل بإمارية وحكومية الخمس. قال الزنجاني:

(الخمس، حق مالي وإماري محدود برابع الكسور).

فإن النظام الاجتماعي السياسي الإسلامي ـ طبقاً لهذا الاتجاه ـ ولأجل الوصول إلى إدارة المجتمع الإسلامي وتحقيق هدفه المقدس، هو ـ لا محالة ـ بحاجة إلى مقدار من الدخل المالي، كما يمكن أن نستدل عليه بتحليل وتدقيق آية الخمس، والبعض من الروايات.

وعليه، يكون أمر الخمس بيد الحاكم الإسلامي بما هو ولي أمر الخمس والقيّم عليه، الذي تمَّ له تفويض ذلك من قبل الباري تعالى.

لذلك، فقد تبيّن لنا أن هناك اتجاهين في تفسير الخمس وبيان علته؛ أولاهما ـ وعليه أكثر الفقهاء ـ : يرى إن الخمس تعويض للنبي وذريته عمّا حرموا من الزكاة، وسدِّ احتياجاتهم، وثانيهما: يرى ـ إضافة إلى الموارد المذكورة ـ أنّ الخمس هو تأمين لمصارف الدولة الإسلامية، وحسبما يراه الحاكم الإسلامي الشرعي.

تأريخ الخمس

يعدّ الخمس ـ قبل الشريعة المحمدية ـ من السنن الإبراهيمية، وكان يعمل به في الجزيرة العربية بخصوص الكنز من قِبل عبد المطلب، ونال هذا قبول، وإمضاء، وتأييد الشريعة المحمدية مع بعض الاختلافات.

ويؤيد ذلك بعض الروايات الشريفة، فقد روى السكوني عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال:

(وأوّل مَنْ أخرج الخمس إبراهيم).

فكان عبد المطلب في إخراجه للخمس، تابعاً لملة إبراهيم (عليه السلام).

وكذلك، عن علي بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا  (عليه السلام)، أنّه قال:

(فكانت لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله عزّ وجلّ في الإسلام... ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس).

الخمس في الكتاب والسنة

ورد هذا المصطلح مرةً واحدةً ـ صريحاً ـ في القرآن الكريم؛ وهو في قوله تعالى:

{وَاعْلَمواْ أَنَّمَا غَنِمْتم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خمسَه وَلِلرَّسولِ وَلِذِي الْقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كنتمْ آمَنتمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّه عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الأنفال: 41.

أما بالنسبة للخمس في الحديث الشريف، فقد أولت الأحاديث الشريفة موضوع الخمس اهتماماً بالغاً، وبلغت عدد الروايات الشريفة عن المعصومين(عليهم السلام) بهذا الخصوص حد الكثرة، ووصفت المنكِر لهذه الفريضة بالكافر، وأوعدت الجاحد لها بالعذاب الأليم، وهذا ينمّ عن عِظم هذه الفريضة عند الرسول(ص) والأئمة الطاهرين المطهرين من آله(عليهم السلام).

وهنا نذكر بعضاً منها:

1- عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال:

(إنّ الله لا إله إلا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس).

2- وأيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) أنه قال:

(من اشترى شيئاً من الخمس لم يَعذرْه الله، اشترى ما لا يَحلّ له).

4- كما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، أنه قال:

(إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا، وعلى أموالنا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم).

5- وعن الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، أنّه قال ـ مخاطباً الشيخ محمد بن عثمان العمري  (قد) ـ :

(وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا؛ فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه... فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه؛ فكيف يحلّ ذلك في مالنا؛ أنّه من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم عليه، ومن أكل من مالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً).

هذا الحديث الأخير الذي ورد عن إمام زماننا (أرواحنا له الفداء) إنّما هو تحذير لكل من تسوّل له نفسه احتساب الخمس كجزء من أمواله الخاصة، ولا يحل له التصرّف فيه، ومعاملته محرّمة وباطلة حينئذٍ، وجزاء من فعل ذلك عذاب جهنم.

وطبقاً لهذه الرواية الشريفة، يعدّ التصرّف في الخمس تصرّفاً في مال الغير وبغير الإذن المسبق والرضا من المالك، وهو بمنزلة تحليل مال اليتيم وأكله بالباطل، حيث اعتبر الله تعالى في القرآن الكريم أنّ صاحب هذا العمل يستحق أشد أنواع العذاب، قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكلونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظلْمًا إِنَّمَا يَأْكلونَ فِي بطونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} النساء: 10.

البعد العقائدي لآية الخمس

ويتجلّى هذا البعد من خلال تأكيده سبحانه من خلال آية الخمس في الارتباط بالله تعالى واليوم الآخر، وبالرسول (ص) وذوي القربى، وبالمجتمع المسلم.

أ- الارتباط بالله عزّ وجلّ والإيمان باليوم الآخر

إنّ الله سبحانه قد أعطى فريضة الخمس بالغ الاهتمام وأولاها مزيد تأكيد وعناية، وهذا ما نشاهده من خلال كونه تعالى جعل نفسه من أصحاب الخمس، وجعل دفع هذه الفريضة العظيمة مقترنة بالإيمان باليوم الآخر، حيث قال:

{وَاعْلَمواْ أَنَّمَا غَنِمْتم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خمسَه وَلِلرَّسولِ وَلِذِي الْقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كنتمْ آمَنتمْ بِاللّهِ} الأنفال: 41.

وهو باعث على ارتباط مؤدي هذه الفريضة بالله عزّ وجلّ وإيمانه باليوم الآخر. ولهذا الأمر بعد معنوي وعقيدي واضح، وهو أنّ الفرد المؤمن يجب أن يرعى العقائد والتعاليم التي نزلت لتزكية مبادئ الفطرة في الإنسان، وبخاصة إحكام الصلة بالله تعالى، وتبصير الفرد بغايته من الحياة وبدوره الأخروي الذي هو صائر إليه.

ب- الارتباط بالرسول (ص) وذوي القربى

إنّ الله سبحانه وتعالى قد بعث الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين قد اصطفاهم من بين جميع خلقه، كل ذلك رحمة ولطفاً لهم. قال تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} الأحزاب: 34.

فبعثة الأنبياء والمرسلين من قبل الباري سبحانه هو لطف بعباده ورحمة لهم، ومنها بعثة نبينا محمد  (ص)، قال تعالى مخاطباً إياه (ص):

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107.

وتزكية لنفوسهم، قال تعالى:

{هوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسولاً مِّنْهمْ يَتْلو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيزَكِّيهِمْ} الجمعة: 2.

ومن سبل وطرق الوصول إلى تزكية النفس هو النظر بنظرة الاحترام والتبجيل إلى شخص النبي الكريم محمد  (ص) والعرفان لعلو منزلته، ومكانته السامية عند الله سبحانه، التي حباها الله إيّاه هو وأهل بيته الطاهرين، حيث جعل أجر تبليغ الرسالة هو المودة له (ص) ولأهل بيته(عليهم السلام). قال تعالى:

{قل لاَّ أَسْأَلكمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقرْبَى} الشورى: 23.

فجعل الله تعالى الخمس حقاً للنبي الأكرم، وذريته، وجعل نفسه أحد أصحاب الخمس؛ الأمر الذي لم يحصل في غيره من الموارد المالية التي ذكرها سبحانه في كتابه الكريم، كما جاء ذلك في آية الخمس.

(وذلك لأنّ محمداً (ص) أعطاه الله تعالى غاية ما يمكن فرضه من الكمالات المعنوية الممكنة للبشر، فهو (ص) بدء نزول الفيض، ومنتهى قوس صعود الاستفاضة، ومن كان كذلك يكون وجوده وجود جمعي من كل حيثية وجهة، فيكون أصل الدنيا له لا أن يكون الخمس فقط حقه، فقدر الدنيا بالنسبة إلى هذا النبي العظيم وخلفائه المعصومين، وجميعها بما فيها لديهم أنزل من جناح بعوضة).

فمن جميع ذلك نستنتج أنّ الحكمة من تشريع الخمس هي ارتباط الناس ارتباطاً وثيقاً، ومستمراً بأهل بيت النبي (ص)؛ ليثيب الله سبحانه الناس ويكرمهم لما قدّموه للنبي (ص)، وذريته(عليهم السلام) من الحقوق التي فرضها لهم تنزيهاً لهم عما في أيدي الناس من الصدقات المحرمة عليهم.

وهذه عناية خاصة من الله سبحانه لذرية النبي  (ص) الذين هم (بقايا النبوات الإلهية والرسالات الربانية من إبراهيم الخليل  (ص) إلى يوم القيامة تشكراً من الله تعالى، فجعل ذريتهم باقية إلى يوم القيامة، وفرض على خلقه أداء حقهم إليهم تخليداً لذكرهم بين الناس واهتماماً بشؤونهم إلى يوم الدين).

وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

(إنّ الله لا إله إلا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال).

ج- الارتباط بالمجتمع المسلم

كما إنّ لفريضة الخمس دوراً كبيراً في دفع الفرد المسلم إلى الارتباط بمجتمعه الإسلامي، وحثّه على أن يكون فرداً فعّالاً في مجتمعه، وذلك من خلال كفالته للصالح العام من أمور المسلمين وتواصله مع أبناء جنسه في المجتمع الإسلامي، وذلك من خلال أدائه لهذه الفريضة إلى الحاكم الشرعي المتمثّل بشخص الإمام المعصوم (عليه السلام) أو نائبه، ومن خلال ما تتكفّل به الدولة الإسلامية بما يحقق للمجتمع الإسلامي منافع معنوية ومادية، أو بما يرد عنه مكروهاً يوشك أن يقع به.

وهذا الأمر إنّما يتأتّى من خلال حثّهم، وتشجيعهم بأداء هذه الفريضة. فإنّ في الأفراد طاقات لا حد لها في حب الخير، والاستعداد لمختلف الخدمات الاجتماعية بما له من ثروة أساسية للأمة من النفوس السامية الكريمة.

والأمة التي تعنى بهذا الطراز الرفيع من التعاليم، ترقى بالإنسانية إلى أكرم قيمها؛ وذلك هو المثل الأعلى الذي أراده الله سبحانه للإنسانية والحياة.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=755
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24