• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : الثالث والرابع والخامس من شعبان ولادة أقمار الهداية وأنوار الولاية .

الثالث والرابع والخامس من شعبان ولادة أقمار الهداية وأنوار الولاية

تميّز يوم الثالث والرابع والخامس من شعبان المعظم بولادة رجالٍ كانوا من التأريخ عظمائها ومن الإسلام أبطاله من سلالة سيّد المرسلين ومن صلب سيّد الوصيين أولهم سيّدهم بدمه أُرخت البطولة، وبمواقفه صح إعوجاج الدين وبقائه غضاً طرياً وهو سيّد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام وثانيهم رجلٌ عرف بالإيثار وتميّز بالشجاعة وبالصمود العقائدي العظيم واشتهر كونه باب الحوائج وهو أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام.

وثالثهم عرف بالعبادة وجمال الإمامة، كان دأبه التهجّد والدعاء وبجسد تميّز بثفناتٍ عرف بها وروح متعلّقةً بالمحل الأعلى وهو إمام المسلمين وسيّد الساجدين وزين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام.

 

الثالث من شعبان إنبثاق النور الحسيني العظيم

 ولادته عليه السلام:

المشهور ان ولادة الإمام الحسين عليه السلام في الثالث من شهر شعبان بالمدينة، وروى الشيخ الطوسي رحمه الله: انه خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد (الحسن العسكري) عليه السلام: إن مولانا الحسين بن علي عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان.

 

الرسول الأعظم وولادة الحسين:

روى الشيخ الطوسي رحمه الله وغيره بأسانيد معتبرة عن الإمام الرضا عليه السلام انه:

... قالت أسماء: فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام نفّستها به فجاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلمِّ ابني يا أسماء، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام. قالت: وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: (انه سيكون لك حديث، اللهم العن قاتله، لا تُعلمي فاطمة بذلك)، فقالت أسماء: فلما كان في يوم سابعه جاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلمي ابني فأتيته به، فعق عنه كبشاً أملح وأعطى القابلة الورك ورجلاً، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقاً (فضه)، وخلق رأسه بالخلوق، ثم وضعه في حجره، ثم قال: يا أبا عبد الله عزيز عليَّ (مقتلك)، ثم بكى، فقالت: بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو؟ قال: أبكي على ابني تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجل يثلم الدين، ويكفر بالله العظيم، ثم قال: (اللهم إني أسألك فيهما (الحسن والحسين عليهما السلام) ما سألك إبراهيم في ذريته، اللهم أحبهما وأحب من يحبهما والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض)البحار، ج44، ص250، عن الامالي للطوسي.

 

حسين مني:

وروى ابن شهر آشوب انه: (اعتلت فاطمة عليها السلام لما ولدت الحسين وجف لبنها، فطلب رسول الله صلى الله عليه وآله مرضعاً فلم يجد فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصها ويجعل الله له في إبهام رسول الله صلى الله عليه وآله رزقاً يغذوه ويقال: بل كان رسول الله يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغر الطير فرخه فيجعل الله في ذلك رزقاً، ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة فنبت لحمه من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) المناقب، ج4، ص50. والروايات بهذا المضمون كثيرة.

روي في علل الشرايع انه: مضى الحسين عليه السلام على تلك الحال حتى نبت لحمه من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من غيرها.

وروى الكليني في الكافي عن الصادق عليه السلام انه قال: (لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وآله فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه ليومين وثلاثة فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول الله ودمه صلى الله عليه وأله، ولم يولد لستة أشهر الا عيسى بن مريم والحسين بن علي عليهما السلام) الكافي، ج1، ص386 باب مولد الحسين عليه السلام.

وجاء في بعض الروايات بدل عيسى، يحيى.

قال السيد بحر العلوم:

لله مرتضع لم يرضع أبداً         من ثدي أنثى ومن طه مراضعه

 من صفات الإمام الحسين عليه السلام:

وروي أن الحسين عليه السلام كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيرة وصورة ويقعد في المكان المظلم فيهتدي إليه ببياض جبينه ونحره.

وروي في مناقب ابن شهر آشوب وغيره: ان فاطمة عليها السلام أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى اله عليه وآله وقالت: انحل ابني هذين يا رسول الله، فقال: أما الحسن فله هيبتي وسؤددي وأما الحسين فله جرأتي وجودي، فقالت: رضيت يا رسول لله.

وفي رواية ان النبي صلى الله عليه وآله قال: (أما الحسن فانحله الهيبة والحلم وأما الحسين فانحله الجود والرحمة) الخصال، ج1،ص77.

جانب من مناقبه عليه السلام:

روي في أربعين المؤذن وتاريخ الخطيب عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: (ان الله عز وجل جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل ذريتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب، ان كل بني بنت يُنسبون إلى أبيهم الا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم).

قد كثرت الأحاديث المشارة إلى ان الحسنين عليهما السلام ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد أمر أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين لمّا أسرع الحسن عليه السلام للقتال ان يُمنع من الذهاب إلى المعركة مخافة ان ينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله وقتل الحسين عليه السلام.

قال ابن أبي الحديد: فإن قلت: أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرية رسول الله ونسل رسول الله؟ قلت: نعم، لأن الله تعالى سمّاهم (أبناءه) في قوله تعالى: (نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) آل عمران/61، وإنما عنى الحسن والحسين، وسمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم في قوله: (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ) الأنعام/84، ولم يختلف أهل اللغة في أن ولد البنات من نسل الرجل.

فان قلت: فما تصنع بقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ) الأحزاب/40؟ قلت: أسألك عن أبوّته لإبراهيم بن مارية فكما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهما السلام، والجواب الشامل للجميع انه عني زيد بن حارثة، لأن العرب كانت تقول: زيد بن محمد على عادتهم في تبني العبيد، فأبطل الله تعالى ذلك ونهى سنة الجاهلية، وقال: ان محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس أباً لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزي إليه بالنبوة وذلك لا ينفي كونه أباً لأطفال لم تطلق عليهم لفظة الرجال كإبراهيم وحسن وحسين عليهما السلام.

 

 اذهب وأنت طليق:

وروى ابن شهر آشوب انه: أذنب رجلاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فتغيب حتى وجد الحسن والحسين عليهما السلام في طريقٍ خالٍ فأخذهما فإحتملهما على عاتقيه وأتى بهما النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى رد إلى فمه ثم قال للرجل: اذهب وأنت طليق وقال للحسن والحسين عليهما السلام: قد شفعتكما فيه أي فتيان، فأنزل الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) النساء/64.

وروى ابن شهر آشوب عن سلمان الفارسي، قال: كان الحسين عليه السلام على فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقبله ويقول: (أنت السيد ابن السيد أبو السادة، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة، أنت الحجة إبن الحجة أبو الحجج، وتسعة من صلبك وتاسعهم قائمهم) المناقب، ج4، ص70.

 

أيقنت بالفناء:

وروى ابن شهر آشوب أيضاً عن أم سلمة إنها قالت: ان الحسن والحسين عليهما السلام دخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وبين يديه جبرائيل فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحيه الكلبي، فجعل جبرائيل يومي بيده كالمتناول شيئاً فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة، فناولهما وتهلل وجهاهما وسعيا إلى جدهما، فأخذ منها فشمها ثم قال: صيرا إلى أمكما بما معكما وابدءا بأبيكما، فصارا كما أمرهما فلم يأكلوا حتى صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم فأكلوا جميعاً، فلم يزل كلما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الحسين عليه السلام: فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى توفيت، فلما توفيت فقدنا الرمان وبقي التفاح والسفرجل أيام أبي، فلما استشهد أمير المؤمنين عليه السلام فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي، فلما اشتد عليّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء.

 

الحسن والحسين قدوة العالمين:

وكان الحسين بن علي عليه السلام زاهداً في الدنيا في صغره وفي كبره، يأكل مع أمير المؤمنين من طعامه المخصوص (وهو الخبز اليابس جداً واللبن الحامض) ويشاركه في العسر والضيق والصبر، وصلاته كصلاته وقد جعل الله تعالى الحسن والحسين عليهما السلام قدوة للناس وأسوة لكن فرّق في إرادتهما كي يقتدي الناس بأيهما شاءوا ولو كانا على طريقة واحدة لعسر على الناس إتباعهما.

وروي عن مسروق انه قال: دخلت يوم عرفة على الحسين بن علي عليهما السلام فرأيت أقداح السويق أمامه وأمام أصحابه وإلى جنبهم القرائين وكانوا صائمين منتظرين الإفطار، فسألت الإمام مسائل فأجابني عليها ثم خرجت فدخلت على الحسن عليه السلام فرأيت كثرة وفود الناس عليه وهم يأتون ويأكلون أنواع الطعام عنده ويأخذون معهم.

فتغيرت وأطرقت أفكر، فانتبه الإمام الحسن عليه السلام إليَّ وسأل عن سبب تغيري وعدم أكلي الطعام، فقلت: أعوذ بالله من وقوع الاختلاف بينكما، دخلت على الحسين عليه السلام فرأيته صائماً منتظراً الإفطار وجئت إليك فرأيت هذا المنظر، فلما تم كلامي ضمني الإمام الحسن عليه السلام إلى صدره وقال:يا ابن الأشرس أما تعلم ان الله تعالى جعلنا مقتديا هذه الأمة جعلني مُقتدى المفطرين وجعل أخي الحسين مُقتدى الصائمين كي تكونوا في سعة.

* * * * *

العباس امثولة الإقتداء والفداء

نسبه الشريف: هو العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب.

أمه: فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعه بن الوحيد بن كعب بن عمار بن كلاب بن ربيعه.

صفاته عليه السلام:

لقد كان من عطف المولى سبحانه وتعالى على وليه المقدس سلالة الخلافة الكبرى سيد الأوصياء أن جمع فيه صفات الجلالة من بأس وشجاعة واباء ونجدة وخلال الجمال من سؤدد وكرم ودماثة في الخلق وعطف على الضعيف كل ذلك من البهجة في المنظر ووضاءة في المحيا من ثغر باسم ووجه طلق تتموج عليه امواه الحسن ويطفح عليه رواء الجمال وعلى اسرة جبهته أنوار الايمان كما كانت تعبق من أعراقة فوائح المجد متأرجة من طيب العنصر ولما تطابق فيه الجمالات الصوري والمعنوي (قيل له قمر بني هاشم) حيث كان يشوء بجماله كل جميل وينذ بطلاوة منظره كل احد حتى كأنه الفذ في عالم البهاء والوحيد في دنياه كالقمر الفائق بنوره اشعة النجوم وهذا هو حديث الرواة:

(كان العباس وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الارض ويقال له قمر بني هاشم).

 كنيته:

اشتهر أبو الفضل العباس عليه السلام بكنى وألقاب وصف ببعضها في يوم الطف والبعض الآخر كان ثابتاً له من قبل فمن كناه ـ:

1ـ أبو قربة:

 لحمله الماء في مشهد الطف غير مرة، وقد سدت الشرايع ومنع الورود على ابن المصطفى وعياله وتناصرت على ذلك اجلاف الكوفة واخذوا الاحتياط اللازم ولكن أبا الفضل لم يرعه جمعهم المتكاثف ولا أوقفه عن الاقدام تلك الرماح المشرعة ولا السيوف المجردة فجاء بالماء وسقى عيال أخيه وصحبه.

 2ـ أبو القاسم:

لم ينص المؤرخون وأهل النسب على كنيته بأبي القاسم إذ لم يذكر احد له ولداً اسمه القاسم نعم خاطبه جابر الانصاري في زيارة الاربعين بها قال (السلام عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا عباس بن علي) وبما أن هذا الصحابي الكبير المتربي في بيت النبوة والامامة خبير بالسبب الموجب لهذا الخطاب فهو أدرى بما يقول.

3ـ أبو الفضل:

قد اشتهر بكنيته الثالثة (أبي الفضل) من جهة ان له ولداً اسمه الفضل وكان حرياً بها فان فضله لا يخفى و نوره لا يطفى ومن فضائله الجسام نعرف انه ممن حبس الفضل عليه ووقف لديه فهو رضيع لبانه وركن من أركانه.

 

ألقابه:

اشتهر بين العامة والخاصة بأنه سلام الله عليه باب الحوائج لكثرة ما صدر منه من الكرامات وقضاء الحاجات ومن هنا قيل فيه.

باب الحوائج ما دعته مروعة           في حاجة الا ويقضى حاجها

وقيل له (قمر بني هاشم) لوضاءته وجمال هيئته وان اسرة وجهه تبرق كالبدر المنير فكان لا يحتاج في الليلة الظلماء إلى ضياء.

الخال أحد الضجيعين:

يروى ان أمير المؤمنين عليه السلام عندما اراد ان يكون للحسين عليه السلام اخاً فارساً شجاعاً ينصره في واقعة الطف قال لأخيه عقيل أريد امرأة قد ولدتها الفحولةُ من عرب وكان عقيل عالم بأنساب العرب مشهور بذلك فقال له أين انت من فاطمة بنت حزام الكلابية فليس في العرب اشجع من اهلها وذلك أن مراد أمير المؤمنين من البناء على امرأة ولدتها الفحولة من العرب فان الآباء لا بد وان تعرق في البنين ذاتياتها وأوصافها فاذا كان المولود ذكراً بانت فيه هذه الخصال الكريمة وان كانت أنثى بانت في أولادها وإلى هذا أشار صاحب الشريعة الحقة بقوله: الخال احد الضجيعين فتخيروا لنطفكم.

وقد ظهرت في أبي الفضل الشجاعتان الهاشمية التي هي الاربى والارقى فمن ناحية أبيه سيد الوصيين والعامرية فمن ناحية أمه أم البنين.

 الولادة:

لقد أشرق الكون بمولد قمر بني هاشم يوم بزوغ نوره من افق المجد العلوي مرتضعاً ثدي البسالة متربياً في حجر الخلافة وقد ضربت فيه الإمامة بعرق نابض فترعرع ومزيج روحه الشهامة والاباء والنزوع عن الدنيا وما شوهد مشتداً بشبيبته الغضة الا وملء اهابه إيمان ثابت وحشو ردائه حلم راجح ولب ناضج وعلم ناجع فلم يزل يقتص أثر السبط الشهيد عليه السلام الذي خُلق لا جله وكُون لأن يكون ردءاً له في صفات الفضل ومخائل الرفعة وملامح الشجاعة والسؤدد والخطر فان خطى سلام الله عليه فإلى الشرف وان قال فعن الهدى والرشاد وان رمق فإلى الحق وان مال فعن الباطل وان ترفع فعن الضيم وان تهالك فدون الدين.

فكان أبو الفضل جامع الفضل والمثل الاعلى للعبقرية لانه كان يستفيد بلج هاتيك المآثر من شمس فلك الامامة (حسين العلم والبأس والصلاح) فكان هو وأخوه الشهيد عليه السلام من مصاديق قوله تعالى في التأويل (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها) فلم يسبقه بقول استفاده منه ولا بعمل أتبعه فيه ولا بنفسية هي ظل نفسيته ولا بمنقبة هي شعاع نوره الاقدس المنطبع في مرآة غرائزه الصقيلة وقد تابع امامه في كل اطواره حتى في بروز هيكله القدسي إلى عالم الوجود فكان مولد الإمام السبط في ثالث شعبان وظهور أبي الفضل العباس إلى عالم الشهود في الرابع منه سنة ست وعشرين من الهجرة.

* * * * *

ولادة جمال العبادة وسيّد السادة الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام

  ولادته عليه السلام:

ولد إمامنا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عام 38هـ، أمّه المكرمة شهربانو بنت يزدجر بن شهريار بن پرويز بن هرمز بن انوشيروان ملك الفُرس، وقيل شاه زنان كما قال شيخنا الحر العاملي في ارجوزته:

وأُمه ذات العلا والمـجـد           شاه زنان بنت يزدجــر

وهو ابن شهريار ابن كسـرى      ذو سؤدد ليس يخاف كسرى

وروى القطب الراوندي بسند معتبر عن مولانا الباقر عليه السلام انه قال: لما قدموا ببنت يزدجر بنت شهريار ـ آخر ملوك الفرس وخاتمهم ـ على عمر وأدخلت المدينة إستشرقت لها عذارى المدينة وأشرق المجلس بضوء وجهها ورأت عمر فقالت: أفيروزان، فغضب عمر، فقال: شتمتني العجلة، وهم بها، فقال له علي عليه السلام: ليس لك إنكار ما لا تعلمه، فأمر (عمر) أن ينادى عليها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجوز بيع بنات الملوك وان كانوا كافرين ولكن أعرض عليها أن تختار رجلاً من المسلمين حتى تزوج منه ويحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال يقوم مقام الثمن، فقال عمر: أفعل، وعرض عليها أن تختار، فاختارت الإمام الحسين عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام له: احتفظ بها وأحسن إليها، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك وهي أم الأوصياء الذرية الطيبة، فولد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

 الرؤيا الصالحة:

وروي أنها قالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا، كأن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله دخل دارنا وقعد ومعه الحسين عليه السلام وخطبني له وزوجني أبي منه، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطب غير هذا، فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد عليها السلام وقد أتت وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إن الغلبة للمسلمين وانك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين عليه السلام سالمة لا يصيبك بسوء أحد، قالت: وكان من الحال إني خرجت من المدينة ما مس يدي إنسان.

وروى الشيخ المفيد رحمه الله ان أمير المؤمنين عليه السلام ولى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه ابنتَي يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان منها، فأولدها زين العابدين عليه السلام، ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم (جد الإمام الصادق عليه السلام من أمه) فهما (أي القاسم والإمام زين العابدين عليه السلام) ابنا خالة.

 ألقابه ونقش خاتمه عليه السلام:

أما كناه وألقابه عليه السلام فأشهرها أبو الحسن وأبو محمد الباقر وألقابه المشهورة زين العابدين وسيد الساجدين والعابدين والزكي والأمين والسجاد وذو الثفنات، وكان نقش خاتمه (الحمد لله العلي) وعلى رواية الإمام الباقر عليه السلام:  (العزة لله) وعلى رواية مولانا أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام: (خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام).

روى ابن بابويه عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: (ان أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله تعالى عند سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك).

 الثفنات في اللغة:

وقال عليه السلام أيضا: (كان لأبي عليه السلام في موضع السجود آثار ناثئة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات، فسمي ذا الثفنات لذلك).

قال أهل اللغة ان الثفنة مفرد ثفنات البعير أي الموضع الذي يمس الأرض من البعير فيشتد ويغلظ، فيعلم حينئذ ان جبهة زين العابدين عليه السلام وكفّى يديه وركبتيه ظهرت فيها ثفنات من كثرت السجود فكانت تقطع في السنة مرتين.

وروي أيضاً ان الزهري إذا حدث عن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثني زين العابدين علي بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولم تقول له زين العابدين؟ قال: لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة ينادي منادي أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف.

وفي كشف الغمة انه: كان سبب لقبه زين العابدين، انه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجده، فتمثل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه، فجاء إلى إبهام رجله فإلتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته، فلما فرغ منها وقد كشف الله له فعلم انه شيطان فسبه ولطمه وقال له: اخسأ يا ملعون فذهب وقام إلى تمام وروده، فسمع صوت لا يرى قائله وهو يقول: (أنت زين العابدين حقاً) ثلاثاً، فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقباً له عليه السلام.

 مكارم أخلاقه عليه السلام:

الأول: روى الشيخ المفيد وغيره انه: وقف على علي بن الحسين عليه السلام رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب ان تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه، فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب ان تقول له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران:134، فعلمنا انه لا يقول له شيئاً، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين، قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك انه إنما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا أخي انك كنت قد وقفت عليّ آنفاً قلت وقلت، فان كنت قد قلت ما فيّ فانا استغفر الله منه وان كنت قلت ما ليس فيّ، فغفر الله لك، قال (الراوي): فقبل الرجل بين عينيه، وقال: بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به، قال الراوي للحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن عليه السلام.

الثاني: روي في كشف الغمة انه: كان (السجاد عليه السلام) يوماً خارجاً فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم علي: مهلاً كفّوا، ثم أقبل على ذلك الرجل، فقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها، فإستحيى الرجل فألقى إليه على خميصه كانت عليه وأمر له بألف درهم، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: اشهد انك من أولاد الرسل.

 في عبادته عليه السلام:

ان كثرة عبادة زين العابدين أشهر من ان تُذكر، فانه عليه السلام أعبد أهل زمانه كما أشير إليه في ذكر ألقابه عليه السلام ويكفينا في الإشارة إلى هذا المعنى عدم تمكن أحد من الناس على مضاهاة أمير المؤمنين عليه السلام في العبادة إلا هو، فإنه يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا دخل وقت الصلاة ارتعش جسمه الشريف واصفر لونه، وإذا شرع فيها كان كجذع الشجرة لا يتحرك إلا ما حركت منه الريح، وإذا وصل في القراءة إلى (مالك يوم الدين) ظل يكررها إلى ان يوشك على الموت، وإذا سجد لم يرفع رأسه الشريف حتى يتصبب عرقاً، وإذا أصبح أصبح صائماً وإذا أمسى أمسى عابداً وكان يستمر في صلاته ليلاً حتى يصيبه التعب إلى درجة انه لا يقدر على النهوض إلى الفراش فكان يذهب إليه كهيئة الأطفال الذين لا يقدرون على المشي، وإذا دخل شهر رمضان لم يتكلم إلا بالدعاء والتسبيح والاستغفار، وكانت لديه صرّة فيها تراب قبر الحسين عليه السلام فإذا أراد السجود سجد عليها.

وفي عين الحياة عن حلية الأولياء انه: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا فرغ من وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم؟ ومن أريد أناجي؟

وفي كتبنا: انه كان إذا توضأ أصفر لونه، وأتت فاطمة بنت علي بنت أبي طالب عليها السلام إلى جابر بن عبد الله، فقال له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله إن لنا عليكم حقوقاً ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً ان تذّكروه الله، وتدعوه إلى البقيا على نفسه وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد إنخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه أذاب نفسه في العبادة، فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد أنضته العبادة، فنهض عليّ فسأله عن حاله سؤالاً حفياً، ثم أجلسه بجنبه ثم أقبل جابر يقول: يا بن رسول الله أما علمت ان الله إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال علي بن الحسين عليه السلام: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له وتعبّد ـ بأبي هو وأمي ـ حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال: يا بن رسول الله البقيا على نفسك فانك من أسرة بهم يستدفع البلاء وبهم تستكشف اللأواء وبهم تستمسك السماء، فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبوي مؤتسياً بهما حتى ألقاهما.

أما إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين:

روى القطب الراوندي وغيره عن حماد بن حبيب الكوفي انه قال: خرجنا سنة حجّاجاً فرحلنا من زبالة فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة فتقطعت القافلة، فتهت في تلك البراري فانتهيت إلى واد قفز وجنني الليل فآويت إلى شجرة، فلما اختلط الظلام إذا أنا بشاب عليه أطمار بيض، قلت: هذا ولي من أولياء الله متى أحس بحركتي خشيت نفاره، فأخفيت نفسي فدنا إلى موضع فتهيأ للصلاة وقد نبع له ماء ثم وثب قائماً يقول: (يا من حاز كل شيء ملكوتا، وقهر كل شيء جبروتا، صل على محمد وآل محمد وأولج قلبي فرح الإقبال إليك، وألحقني بميدان المطيعين لك)، ودخل في الصلاة فتهيأت أيضاً للصلاة ثم قمت خلفه وإذا بمحراب مُثّل في ذلك الوقت قدامه، وكلما مر بآية في الوعد والوعيد يرددها بانتحاب وحنين، فلما تقشع الظلام قام، فقال: (يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا، وأمّه الخائفون فوجدوه معقلا، ولجأ إليه العائدون فوجدوه موئلا متى راحة من نصب لغيرك بدنه؟ ومتى فرح من قصد سواك بهمّته؟ الهي قد انقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً ولا من حياض مناجاتك صدراً، صلي على محمد وآل محمد وافعل بي ما أولى الأمرين بك)، ونهض فعلّقت به، فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالاً ولكن اتبعني واقف أثري، وأخذ بيدي فخُيل إلي ان الأرض تميد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح قال: هذه مكة، فقلت: من أنت بالذي ترجوه؟ قال: أما إذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=640
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29