• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : التفسير الموضعي والموضوعي .

التفسير الموضعي والموضوعي

د. صلاح عبد الفتاح الخالدي

  المطلب الأوّل : الفرق بين التفسير الموضعي والموضوعي :

الأَولى أنْ نسمي التفسير التحليلي التفسير الموضعي، وأنْ نسمّي التفسير المقابل له التفسير الموضوعي. وهناك فروق بين التفسير الموضعي والتفسير الموضوعي، يمكن أنْ نذكر بعضَها :

1 ـ المفسّر في التفسير الموضعي ينظر في القرآن وسوره وآياته، يبدأ منه، ويبقى معه، وينتهي به، يجلس أمام القرآن، ويتلقّى منه، ويستمع إليه، ويسجّل ما يتلقّاه ويأخذه منه.

بينما المفسّر في التفسير الموضوعي يبدأ من الواقع الذي يعيش فيه، ويدرك حاجات الأُمّة والإنسانية في عصره على مختلف جوانبها، حاجاتها الفكرية والنظرية والعلمية والسلوكية والإنسانية والحضارية والسياسية والاقتصادية، وغير ذلك.

وبعدما يعي هذه الحاجات الواقعية، ويحسن تشخيصها واستيعابها، يتوجّه إلى القرآن، ليتفاعل معه، ويتعلّم منه، ويعرف رأيه في هذه الحاجات والقضايا الواقعية المعاصرة.

يجلس الباحث في التفسير الموضوعي أمام القرآن، جلسة إيجابية فاعلة، يحاور القرآن، ويستنطقه ويسأله، ويطلب من القرآن رأيه الإيجابي الصادق الصائب في القضايا والموضوعات التي يعيشها الناس في واقعه وعصره، ويأخذ من القرآن حقائقه اليقينية القاطعة.

وبعدما يتلقّى عن القرآن الإجابات العلمية الموضوعية الصائبة، يقوم بترتيب هذه الإجابات، ويقدّمها لأُمّته ؛ ليصلحوا واقعهم على أساسها.

إنّ الباحث في التفسير الموضوعي دائم الربط بين الواقع الذي تعيشه الأُمّة وبين القرآن، وهو يريد إصلاح الواقع على هَدْي موضوعات القرآن، ويدرك الأبعاد الواقعية للموضوعات القرآنية.

إنّ المفسّر في التفسير الموضعي لا يلتفت لواقع أُمّته، ويبقى مع الآيات القرآنية، شارِحاً مفسِّراً محلِّلاً مفصِّلاً.

بينما المفسّر في التفسير الموضوعي يحسن الصِلَة بين الواقع وبين القرآن، ويُدرك إيحاءات القرآن الواقعية، ويُصلح الواقع على هَدْي القرآن، فهو يبدأ من حسن تشخيص حاجات الواقع، وينتهي إلى حسن تقديم العلاج القرآني لهذا الواقع !

2 ـ المفسّر في التفسير الموضعي التحليلي يكتفي بتحليل الآيات وجُمَلِهَا وتراكيبها، واستخراج دلالاتها التفصيلية الجزئية، بينما المفسّر في التفسير الموضوعي، يجمع بين هذه المدلولات التفصيلية، وينسّق بينها، ويَصِل بين جزئياتها المفردة، وبين الكلّ العام الجامع لها، ويستخرج من مجموعها نظريةً قرآنيةً واقعيةً متكاملة !

يجمعُ المفسّرُ في التفسير الموضوعي بين الدلالات التفصيلية المتفرّقة عن النبوّة، أو عن السنن الربّانية، أو عن الحاكميّة، أو عن العبادة ؛ ليستخرج منها نظرية قرآنية متكاملة متناسقة عن النبوّة، أو عن السنن الربّانية، أو عن الحاكميّة، أو عن العبادة. أي إنّ التفسير الموضعي هو التمهيد واللَبِنَات الأولى المتفرّقة للتفسير الموضوعي المتكامل !!

3 ـ المفسّر في التفسير الموضعي يقدّم للمسلمين علماً تفسيريّاً نظريّاً، ومعلومات تفسيرية ثقافية، ومجالات علمية متنوّعة، في العقيدة والحديث واللغة والبلاغة والنحو والفقه، وغير ذلك.

بينما المفسّر في التفسير الموضوعي يقدّم للمسلمين فكراً وحضارة، وحلولاً قرآنية لمشكلات واقعية، وحقائق قرآنية عن قضايا اجتماعية وحضارية، فالعلاج والشفاء في التفسير الموضوعي أهمّ وأدَق وأَشْمَل.

4 ـ إذا كان التفسير الموضعي التحليلي يخدم الآية والجملة والمفردة القرآنية، فإنّ التفسير الموضوعي يخدم مهمّة القرآن ورسالته ووظيفته في حياة المسلمين، ويزيد تفاعل المسلمين مع القرآن، وقناعتهم بحقائقه، ودعوتهم إليه.

إنّ التفسير الموضوعي هو الذي يتناسب مع مقاصد القرآن وأَوّليّاته، ومنطلقاته الأساسية، ويخدمها، ويحسن عرضها والدعوة إليها.

المطلب الثاني : الموضعي والموضوعي : مرحلتان متكاملتان :

ليس معنى كلامنا عن الفروق بين التفسير الموضعي والتفسير الموضوعي، وتقريرنا أنّ التفسير الموضوعي هو المتّفِقُ مع مقاصد القرآن وحاجات العصر الحاضر، ليس معنى هذا أنْ نزهد في التفسير التحليلي الموضعي، أو أنْ نتركه باعتباره تفسيراً تقليديّاً كان يناسب المسلمين السابقين، لكنّه لا يناسب عصرنا !

إنّ مَن يقول بهذا مُخطِئ، لا يُحسنُ فَهْم القرآن، ولا يعرف تفسيره !

وإنّ مَن يخوض في التفسير الموضوعي بدون علم بالتفسير الموضعي، سيقع في أخطاء لا محالة، وسيحرّف معاني وموضوعات القرآن.

إنّ التفسير الموضعي شرط للتفسير الموضوعي، وهو تمهيد له، فلابدّ أنْ يسبقه.

إنّ النوعين من التفسير ـ الموضعي والموضوعي ـ مرحلتان متكاملتان، وخطوتان متتابعتان متدرّجتان، لا يجوز أن نخطو الخطوة الثانية، بمعزل عن الأولى، ولا يجوز أنْ نصل إلى المرحلة الثانية دون تحصيل المرحلة الأولى.

يجب على مَن أراد الخوض في التفسير لموضوعي أنْ يحقّق ويحصل التفسير الموضعي أوّلاً، وأنْ يتمتّع بعلم تفسيري تحليلي، وأنْ يقرأ في كتب التفسير الموضعي على اختلاف تيّاراتها ومدارسها.

وبعد أنْ يتمكّن من هذه المرحلة، ويتزوّد مِن هذا الزاد، يخطو الخطوة الثانية، وينتقل إلى المرحلة الثانية، فينظر في موضوعات القرآن وحقائقه، مستصحباً علمه التفسيري التحليلي.

وعندما يجمعُ آيات موضوعه المختلفة، لابدّ أنْ يطّلع على تفسيرها عند أُمّهات كتب التفسير التحليلي الموضعي، مثل تفاسير : الطبري، والزمخشري، والرازي، وابن كثير، وسيد قطب ؛ وذلك ليكون فهمه للآيات وإيحاءاتها صائباً، وتدبّره لها صحيحاً.

القرآن نزل بلسان عربي مبين فصيح معجِز، فكيف يُدرك موضوعاته، ويُفهم حقائقه، ويَقف على حلوله وعلاجاته، مَن لم يفهم لغة القرآن وبلاغته وأساليب تعبيره ؟ ومَن لم يقف على المأثور الصحيح في تفسيره ؟ ومَن لم يتعلّم معاني غريبه وأسباب نزول آياته، والناسخ والمنسوخ فيه ؟

إنّ المفسّر في التفسير الموضوعي لن يكتب في هذه الجوانب التفسيرية التحليلية، ولنْ يقدّمها ضمن بحثه الموضوعي القرآني، ولنْ يُشْغِل قُرّاءه بهذه التحليلات والتفصيلات، لكنّه يطّلع عليها، ويعرفها، ويجعلها عِدّة ووسيلة له في حسن إدراك حقائق وموضوعات القرآن !

قال الشيخ الصدر حول هذه المسألة : ( إذن : فالتفسير الموضوعي في المقام هو أفضل الاتّجاهين في التفسير، إلاّ أنّ هذا لا ينبغي أنْ يكون المقصود منه الاستغناء عن التفسير التجزيئي، هذه الأفضلية لا تعني استبدال اتجاه باتجاه، وطرح التفسير التجزيئي رأساً، والأخذ بالتفسير الموضوعي.

وإنّما إضافة اتّجاه إلى اتّجاه ؛ لأنّ التفسير الموضوعي ليس إلاّ خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى التفسير التجزيئي، ولا معنى للاستغناء عن التفسير التجزيئي باتّجاه الموضوعي.

إذن فالمسألةُ هنا ليست مسألة استبدال، وإنّما هي مسألة ضمّ الاتّجاه الموضوعي في التفسير إلى الاتّجاه التجزيئي، يعني افتراض خطوتَين: خطوة هي التفسير التجزيئي، وخطوة أخرى هي التفسير الموضوعي.. ).

منقول عن الموسوعة الإسلامية لموقع البلاغ.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=512
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20