• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : دَورُ القُرآن في الأمنِ الاجتِماعي .

دَورُ القُرآن في الأمنِ الاجتِماعي

الشيخ: علي كرَمي

تعريفُ الحَق:

الحَقُّ في اللغة: بمعنى الصواب، الصحيح، اللائق، الجميل، الملائم، الثابت، المحكم، والنصيب المعيّن لأي إنسان، واستعمال هذا المصطلح القيّم في المراجع الإسلامية واسعٌ جداً، بحيث وردَ استعماله في مجال القرآن، الإسلام، الدين، الواقعيات والمخلوقات، والخالق أيضاً.

وفي اصطلاح الحقوقيين: يُطلق الحقّ على الشيء الذي يوجد تسلّطاً واختياراً للفرد والمجتمع، فيمكنهم أن يفيدوا منهُ لمنفعتهم الخاصّة، أو أن يغضّوا النظر عنهُ(1).

الحُقوق:

الحُقوق: هي جمعُ حقّ، وتُفسّر في اصطلاح الحُقوقيين بـ:

(مجموعةُ القوانين والمقرّرات التي توضَع لحفظ نظام المجتمع، وتنظيم روابط الأفراد والأمم، وتحسين وضع الناس في أبعاد الحياة المختلفة).

الأصولُ الأساسيّة لحُقوق الإنسان:

لقد شخّصَ المفكرون والحُقوقيون منذُ القِدَم وحتى وقتنا المعاصر، ضوابط وقواعد معيّنة على أنّها مبادئ الحقوق الطبيعيّة، والاجتماعيّة، والإنسانيّة، وأشاروا إلى أنّهُ ـ في أي نظامٍ حُقوقي أو ديني ـ إذا ما رُوعيت هذه الأصول بالشكل اللائق؛ فإنّ ذلك النظام أو الدين ـ في مجال حقوق الإنسان ـ يُعتبر أغنى وأعدَل من سواه، وإنّ نظاماً أو مدرسةً كهذه، ستضمن حصةً أعلى من العدالة، والحريّة، وحقوق الفرد والمجتمع، وكذلك سيكون لها تماسك وشمول أكثر.

وهذه المبادئ والمرتكزات الأساسيّة التي عُرِفت بأنّها أساس، وقاعدة لحقوق الفرد والمجتمع، يمكن ذكرها بهذه الصورة:

أ ـ حقُّ الحياة.

ب ـ حقُّ المساواة.

ج ـ حقُّ الحرية.

د ـ حقُّ الأمن.

هـ ـ حقُّ الدفاع.

حيث نُلقي نظرةً قصيرة على هذه الأُصول، في ضوء تعاليم القرآن المبدِعة للإنسان، ثم على دورها في ضمان حقوق الإنسان.

أ ـ حقُّ الحياة:

من أهم الحقوق الطبيعيّة والأساسيّة للإنسان، حقُّ الحياة والعيش، وهذا الحق هو منشأ ومَنبع الحقوق البشريّة الأخرى؛ لأنّهُ إن لم يتمتّع الإنسان بحقِّ الحياة ولم تؤمِن له حياته، فلن يكون له القدرة على الحركة والتكامل، ولا الشرائط والإمكانات للتمتع بسائر حقوقه.

وقد أولى الإسلام أهميّة فائقة، ووظّف الإنسان ـ صاحب الحق ـ والمجتمع، والحكومة، لحماية وصيانة هذا الحق الإنساني الكبير.

يقول القرآن: (وَلاَ تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلّا بِالْحَقّ) (الإسراء: 33).

ويقرِّر حقّ القَصاص لأولياء المقتول من القاتل: (وَمَن قُتِلَ مُظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً...) (الإسراء: 33).

ويعتبر الاعتداء على حياة إنسانٍ واحد، بمثابة الاعتداء على حياة جميع الناس، كما أنّه يعتبر إحياء نفس، وحفظ حياة إنسانٍ واحد، مُعادلاً لحفظ حياة الجميع: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً...) (المائدة: 32).

ويقرِّر أيضاً الجزاءَ الأخروي الشديد للمُعتدين، وهو عقابٌ أليم، مثل: (دخول جهنّم، الخلود في النار، التعرّض للغضب، والنقمة، واللعنة الإلهيّة، والعذاب العظيم الإلهي الآخر):

(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنّمُ خَالِداً فِيهَا...) (النساء: 93).

والقرآن الكريم في إطار ضمان حق الحياة، لا ينهى الآخرين عن الاعتداء على حياة الناس فقط، بل لا يُجيز للإنسان نفسه أيضاً الاعتداء على حياته أو الانتحار، ويُنذر القرآن الناس في هذا المجال أن: (لاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التّهْلُكَةِ...)، ويقول بصراحة: (لاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً).

ب ـ حقُّ المساواة:

المساواة بين الناس.

الإنسان بمقتضى فِطرته الإنسانيّة، يعتبر حقّ المساواة من الحقوق البشريّة، وينظر إلى التمييز والتفرقة على أنّه ظلمٌ وإجحاف.

ومع هذا؛ فإنّ التجربة المؤلمة والمُرّة للتاريخ البشري، مسرحٌ لهذه الحقيقة المُحزنة وهي: أنّ دعاة التمييز على امتداد القرون والأعصار ـ لغرضِ تفوّقهم الكاذب على الأغلبيّة ـ قد توسّلوا بأدوات ذات ظاهر خادع ومُضلّل؛ ليُبرِّروا النظريّة المنحطّة لتقسيم الإنسان إلى متفوّق ومتخلّف، وفي النتيجة التفرقة العنصريّة والفواصل الطبقيّة الهائلة.

وقد تمثّلَ ذلك في أرض الهند الخَياليّة، بالتقسيم المتخلّف للإنسان إلى طاهِرين ونَجسين، وفي نظام ملوك إيران الكسرويّة إلى طبقاتٍ متعددة: الملوك، علماء الدين، المُحاربين، الأغلبيّة المقيّدة، وفي الروم إلى مجموعات: الأشراف، الطبقة المتوسطة، والعبيد، وفي بلاد الحِجاز في صورة النظام القَبَلي، مشفوعاً بتفاخر الأنساب والامتيازات الظالمة.

أمّا في الغرب: فكانت متمثلةً بظهور الفاشية، والنازية، والصهيونيّة، ونتيجةً لافتراض الفكرة الاستعماريّة القائلة: إنّ عقل الغربي، عقل العلم، والفكر، والتَقنيّة، وإنّ باقي العالَم متخلِّف ومحكومٌ بالتَبعيّة، وكذلك الجماعات الإجراميّة التي تؤمِن بالتفرقة العنصريّة، والتي تَتصيّد وتَغتال باقي العناصر، وخاصّة العنصر الأسود والملوّن(2)، كما حَصلَ ذلك في المعسكر الشرقي، حيث رُفِعت طبقة البرولتياريا ـ التي كانت أداة تسلّط وحصرٍ لإمكانيات ملايين البشر ـ بيد أقَليّة نزّاعة للتحكّم والتفرقة.

وفي العالَم الثالث أيضاً، فقد تَستّر في كلّ مكان عدم المساواة، والفواصل الطبقيّة المخيفة، تحت عناوين، وشعارات، وأشكال أخرى مختلفة.

تساوي البشر.

الإسلامُ: هو دين الفطرة، والمنهج المثالي للحياة، ومفتاح سموّ الإنسان، وعقيدة الأمة النموذجيّة، وضامن حقوقها الفرديّة والاجتماعيّة.

من الخصائص المميّزة لهذا الدين الحنيف وكتابه السماوي، هي: التعاطف، ووحدة الاتجاه، والمُماشاة للفطرة الإنسانيّة السليمة وغير الممسوخة، ولهذا السبب ـ ومساوقةً مع متطلّبات الفطرة، واحتياجات الخِلقة ـ فقد استنكرَ أشكال الظلم، وادِّعاءات التفوّق، وطرَحَ مبدأ تساوي البشر وعدّهُ من حقوقهم الطبيعيّة، حيث سنُشير إلى أقسامٍ ومظاهر منه:

1 ـ المُساواة في الإنسانيّة:

دُعاة التفرقة في المجموع يعتبرون عوامل مثل ـ: اللون، العنصر، اللغة واللسان، الأصل والطائفة، العامل الجغرافي، التشكيلات الحزبيّة، الرفاه المادي، المواقع السياسيّة، والاجتماعيّة، والمَذهبيّة وغيرها ـ مِلاكاً للتفوّق والتفرقة، ويَبنون نظريّة التفرقة المفضوحة، والفواصل الطَبَقيّة المقيتة على هذا الأساس المتآكل، في حين أنّ هذه الفروقات الظاهريّة لا تصحّ أبداً دليلاً على التفاوت في الناس والإنسانيّة، كي نعتبرها ملاكاً لعدم المساواة، وتبريراً لظلم التفرقة العنصريّة الفادح، وتقسيم المجتمع إلى قطبين: مستغِلّ، ومستغَلّ.

ويعتبر القرآن هذا الاختلاف الظاهري في اللون والعنصر، دليلاً على إرادة خالق الوجود وقدرته، حيث إنّ جميع هذه الأشكال والصور المتنوِّعة من الخلق، من مظاهر قدرته من جهة، ومن جهةٍ أخرى فهي وسيلةٌ لتمييز الناس عن بعضهم، وليست مِلاكاً لتبرير نظريّة التفرقة العنصريّة، ونَتائجها الدَمويّة والظالمة:

(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ ألسِنَتِكٌم وَأَلْوَانِكُمْ) (الروم: 22).

ويقول كذلك: (يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...) (الحجرات: 13).

وقد أعلنَ الرسول الأكرم مراراً هذه الحقيقة، في خطبة حجّة الوداع الخالدة قائلاً: ((أيها الناس، إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، وكلّكم لآدم وآدم من تراب، إنّ أكرَمَكم عند الله أتقاكم؛ وليس لعربيٍ على عَجمي فضلٌ إلاّ بالتقوى)).

نَماذجٌ عَمليّة:

لقد ضَمنَ القرآن في ضوء هذه التعليمات حقّ المساواة، باعتباره واحداً من مرتكزات الحقوق الاجتماعيّة، وأثبتَ أنّهُ يمكن بحقّ، اجتثاث البلاء الكبير للتفرقة العنصريّة بصورة مُدِهشة، وإبدالها بالأخوّة والمساواة، ومثالُ ذلك:

1 ـ لم يكتفِ الإسلام في هذا المضمار بالخطاب، والطرح النظري المقبول، بل كان عمله حكيماً ومحسوباً، حيث أوجدَ للمساواة بين البشر في مجتمعه النموذجي، واقِعاً مَلموساً.

ولم يكن عبثاً أنّ المُرسَل بالقرآن، قد شكّلَ في المراحل الأولى لدعوته مجتمعاً جديداً أعضاؤه وأفراده، من العناصر، والألوان، والمواقع الاجتماعيّة، والمناطق الجغرافيّة المختلفة، ومن جنسيّات متباينة.

بلالٌ: من القارّة السوداء، سلمانٌ: من بلاد الأكاسرة (إيران)، خباب: من مصر الفراعنة، صُهيب: من دولة القَياصرة، عمّار، وياسر، والمقداد: وزيد من المسحوقين، علي (عليه السلام)، وحمزة: من عالَم العرب، وفاطمة، وخديجة، و: بالنيابة عن النساء،...

هؤلاء كانوا الأعضاء والأفراد المميّزين البارزين لهذا المجتمع العالَمي الجديد، والذين شقّوا طريقاً جديداً في مجتمعهم الجديد، بتبنّي المساواة الإنسانيّة، وبالزهد في أي امتياز، وسلطة، وبالأخوّة، والمحبّة.

2 ـ هذا القرآن والمُرسَل به، هما اللذان نَجَحا في ميدان العمل في جَمع الأسوَد والأبيض ـ العرب والعجم، العبد والحرّ، الشرقي والغربي، القُرَشي والحَبَشي، صاحب العشيرة والحَسب والإمكانات وفاقدها ـ تحت سقفٍ واحد، جَنباً إلى جَنب، وأوجدَ من هذه العناصر، والقبائل، والأمم المتباعدة، والنزّاعة للتفرقة، أمةً ذات اتجاهٍ واحد، وشعارٍ واحد، تتمثّل فيها مظاهر المساواة والأُخوّة:

(إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10).

3 ـ لقد وضعَ القرآن مجتمعه النموذجي المثالي، في معرض أنظار الجميع، مُنزّهاً من التفرقات العنصريّة، والفواصل الطَبَقيّة؛ وذلك بابتكاره أصل التآخي في الله، وبالإقامة المخلِصة للعبادات الجماعيّة والفرديّة، وبتأسيس المؤتمر العظيم للحج، حيث يشارك الملايين من عناصر، وجنسيّات، وأماكن مختلفة بلباسٍ، وهدف، وحقوق متساوية، وقولٍ، وشعار واحد:

(وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) (الحَجّ: 25).

4 ـ وفي ضوء تعاليم القرآن النيّرة، أمكنَ للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يُزوِّج الابنة البيضاء الحَسناء ـ لأشرف رجال قبيلة بني بياضة، وأكثرَهم وَجاهة ـ من شابٍ أسود، مُعدم، لا أصلَ لهُ، ولا عشيرة كـ(جُوَيبر) الذي ازدانَ وجوده بالقيم المعنويّة(3)، وأن يدعو ابنة عمّته زينب التي كانت من أشرف العرب أصلاً، إلى الزواج من عبدٍ مُحرّر، كان له حظٌّ من المعرفة والتقوى.

5 ـ كانت تعاليم القرآن، هي التي اختارت في ميدان العمل، العبد الأفريقي الأسود (بلال) ـ في ضوء التحلّي بالقيم الإنسانيّة، والتغاضي عن لونه وفقره ـ لإعلان أسمَى شعار ديني في أوقات الصلوات، وهي التي زَينّت زيداً، الغلام المعتَق بالكفاية والأمانة، وانتخبتهُ لقيادة جيشٍ عظيم في حرب (مؤتة)، مع حضور وجوه المهاجرين والأنصار، الأكبر عمراً، والأرفع أصلاً.

ونَصبت أُسامة بن زيد ـ ابن العبد المعتَق، الذي كان يطوي ببركة القرآن مراحل الإيمان، والعمل لقيادة جيش التوحيد ـ واستدلّت بتقواه ولياقته للردّ على اعتراضات بعضهم، واختارت بعد فتح مكّة شاباً ذا كفاية، وأمانة لحُكم المدينة، ودافعت عنه أمام الكلمات اللائمة للبعض، وضِمن إنكارها القِيم الجاهليّة الخاوية، فقد أشارت إلى لياقته وإيمانه، وهي التي مَنَحت العَظمة عمّاراً الذي كان من المحرومين، وجعلتهُ مسؤولاً عن إدارة الكوفة، وعدّت سلمان الذي كان من أصلٍ غير عربي، من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأرسَلتهُ لحُكم منطقة المدائن(4)، وبهذه الطريقة طوَت أغلال الأسْر، والتفرقة، والظلم.

2 ـ المساواةُ في الحُقوق:

المساواةُ في الحُقوق، تنبع من التساوي في الإنسانيّة.

والإسلام كما ينظر إلى الناس على أنّهم متساوون في الإنسانيّة، فهو يرفض في مجال الحقوق الأساسيّة أي نظريّة، أو ادِّعاء للتفوّق والاستعلاء على الآخرين، ويحرص على ضمان المساواة في الحُقوق.

وكأمثلةٍ على مظاهر المساواة في الحقوق:

1 ـ من وِجهة نظر تعاليم الوحي؛ فإنّ جميع الناس متساوون ومتماثلون في الحقوق الطبيعيّة، والاجتماعيّة كحقّ الحياة، حقّ إبداء الرأي، حقّ الحريّة، حقّ الأمن والدفاع، وهذه الحقوق غير مختصّة بطبقة أو مجموعة:

(الناس يولَدون ويظِلّون أحراراً متساوين في الحقوق)(5).

2 ـ ومظهرٌ آخر لمسألة تساوي الحُقوق: هي أنّ الحقوق دوماً وفي كل مكان متبادِلة ومتقابِلة، وليست ظالمة، ومن طرفٍ واحد:

((يا أيّها الناس، إنّ لي عليكم حقّاً، ولكُم عليّ حقّاً))(6).

3 ـ ومظهرٌ آخر للتساوي في الحُقوق هو: تساوي الأجر على العمل، والوظيفة الواحدة.

في المجتمعات المستبِدّة، يُنظر فقط إلى موقعيّة وإمكانات العامل، بَدلاً من النظر إلى العمل، ويُعيّن الأجر والعقاب على أساس شخصيّة العامل الظاهريّة، وليس على أساس العمل، والأكثر ظلماً من ذلك، أنّ جميع أعمال الآخرين الجيّدة، ونقاطهم المضيئة، تُضاف بحذاقة إلى حساب أصحاب القدرة، وفي المقابل فالنقاط السَلبيّة والسوداء لأعمال الظالمين، تُسجّل في حساب المظلومين!

لكنّ تعاليم القرآن تُعطي الأجر المساوي للعمل الواحد المتساوي، وهذا مظهرٌ آخر لتساوي الحقوق:

(إِنّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف: 30).

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمان هذا الحق:

((ثمّ اعرف لكلّ امرئٍ منهم ما أبلى، ولا تضمّن بلاء امرئٍ إلى غيره، ولا تقصرنّ به دون غاية بلائه، ولا يدعونّك شرف امرئٍ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً، ولا ضعة امرئٍ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيماً))(7).

4 ـ المظهر الآخر للتساوي في الحقوق هو: تساوي الناس في الاستفادة من الأموال والإمكانات العامّة.

ويعتبر الإسلام أنّ ناتج عمل أيّ شخص هو حقٌّ له، ولا يُعطي الإذن لأن يتسرّب إلى جيوب الآخرين بأي عُذر؛ لأنّه: (لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلّا مَا سَعَى).

ولضمان عدم انقسام المجتمع إلى قطبين: غني، وفقير، وظهور الفواصل الطبَقيّة المخيفة وآثارها المدمِّرة؛ فإنّهُ يعتبر الجميع متساوين في إمكان الإفادة من الإمكانات العامّة.

يقول أميرُ المؤمنين (عليه السلام): ((ألا وإنّ حقّ من قبلك وقبلنا من المسلمين، في قِسمة هذا الفيء سواء))(8).

ويقول: ((فإنّ للأقصى، مثل الذي للأدنى))(9).

ويقول: ((لو كان المالُ لي لسوّيتُ بينهم، فكيف وإنّما المال مال الله))(10).

نماذِجٌ عَمليّة:

1 ـ جاء شخصان، أحدهما عربي، والآخر أعجمي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وطلَبَا حقّهما من الأموال العامّة، فأمرَ علي (عليه السلام) بإعطائهما حقّهما بشكلٍ متساوٍ، مِمّا أثار اعتراض العربي، فقال الإمام (عليه السلام): ((إنّي لا أرى في هذا الفيء فضيلة لبني إسماعيل على غيرهم)).

2 ـ في حرب بدر كان من جملة الأسرى (أبو العاص)، صهر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحين قرّر مفاداة الأسرى وإطلاق سراحهم، أرسَلَت زوجتهُ عَقدها الذي كان تذكاراً من خديجة كفِدية، وقد تأثّر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند رؤيته العقد، فقال بعض الصحابة: يا رسول الله، آمر فليُطلق سراحهُ بدون فِدية، فردّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ((إنّ هذه الفدية هي حقّكم، واختيارُ التصرف فيها بأيديكم جميعاً))(11).

3 ـ المساواةُ في الواجبات:

المساواة في الواجبات تنشأُ أيضاً من المساواة في الإنسانيّة، فكما يتساوى الناس في إنسانيّتهم، يتساوون أيضاً في الجانب التكليفي وفي العناوين المتعدِّدة: المُباحات، الواجبات، المكروهات، والمستحبّات، والمحرّمات، وإتّباع القيَم والمُثل الحَسنة من شأن الجميع، كما أنّ محاربة ما ينافي القيَم من شأن الجميع أيضاً، والكلُّ في أداء الواجبات، سواسية في الشرائط.

وعلى سبيل المثال، فالقرآن حين يدعو الإنسان إلى التوحيد ـ والحركة التوحيديّة، والعبادة، والدعاء الخالص، وإلى الصِدق في القول والاستقامة في العمل، وعزّة النفس والسَخاء، لعلوّ الهمّة والاستقامة، للعدالة، والقسط، والإنصاف وغير ذلك ـ فهو في الحقيقة يرسم تكاليف الجميع، كما يفعل عندما ينهى عن المُنافيات وأضداد القيَم حين يخاطب جميع خلق الله، وهذا تبيان للمساواة في الواجبات.

4 ـ المساواة في التقاضي وإجراء القوانين:

تَعتبر تعاليم القرآن جميعَ البشر ـ من زاوية التقاضي وإجراء القوانين ـ مُتساوين وعلى حدٍّ سواء، وشَخّصت هذا الحقّ كواحدٍ من المسلّمات للجميع، في اعتبارهم متساوين أمام جهاز القضاء، والحُكم، وفي الإفادة منه؛ لحماية حقوقهم وحريّاتهم.

يقول القرآن الكريم في بيان هذه الحقيقة: (أَنّ النّفْسَ بِالنّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسّنّ بِالسّنّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ... وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) (المائدة: 45).

ويقول نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ((الناس كُلّهم سواء كأسنان المشط))(12). 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ إعلاميه هاي حقوق بشر: 6.

2 ـ سرنوشت دردآلود سياهان: 48، از بردگى تا آزادى: 230.

3 ـ الوسائل 7: 44.

4 ـ العدالة الاجتماعيّة: 162.

5 ـ جوان از نظر عقل وإحساسات: 20.

6 ـ الوسائل 3: 243.

7 ـ نهجُ البلاغة، خطبة: 53.

8 ـ نهجُ البلاغة، عبده 3: 75.

9 ـ نهجُ البلاغة فارسي، نامه: 53.

10 ـ نهجُ البلاغة، خطبة: 126.

11 ـ تنبيه الأمة: 30.

12 ـ مَن لا يحضرهُ الفقيه: 579.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=454
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 04 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16