• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : المنهج العلمي في القرآن الجذور والأسس ( القسم الثاني ) .

المنهج العلمي في القرآن الجذور والأسس ( القسم الثاني )

عبد الأمير المؤمن

يختلف القرآن عن غيره من الكتب السماوية الاخرى، كالتوراة والانجيل، فنصّه ومضمونه لهيان، في حين لا يمكن الاعتماد على التوراة والانجيل الموجودين بين ايدينا في الوقت الحاضر كنصين سماويين ومضمونين سماويين أيضاً.

فهما محرفان كما هو معروف، لذلك لا يمكن الاعتماد عليهما والوثوق بهما، في حين تبرز قيمة القرآن وأهميته في انه كتاب سماوي موثق بين يدي اهل الارض، فحين تقرأ، تقرأ كلام الله نفسه، وما اروعنا ـ نحن المسلمين ـ وما اسعدنا بهذا الكلام المقدس.

وهو كتاب واضح لا لبس فيه ولا لف ولا دوران، أراده الله ـ تعالى ـ ان يدخل القلوب والعقول على امتداد الزمان، ليؤدي دوره في نشر الدين الاسلامي ودخول مضامينه في صميم اهل الارض.

وهو كتاب هداية، جاء لينقذ العالم من مستنقعات الجهل والتخلف والقتل والصراع والامراض الاجتماعية.

وهو كتاب توجيه وتنبيه، جاء ليقول للانسان، ليس العالم والاشياء التي تحيط بك، هي كما يتصورها عقلك المحدود الذي خربه قومك، وانما هناك طاقات وقوى وامور كامنة في هذا الكون، عليك ان تبحث عن الطريقة والاسلوب المناسب لاستخراجها والاستفادة منها، ما عليك الا ان تحرر عقلك من ادران الجهل وما ران عليه من مخلفات وتراكمات وخزعبلات اعاقته عن العمل، ففي الكون نعم كثيرة ظاهرة وخفية، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(1).

وقال ايضاً (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(2).

عليك ايها الانسان الكشف عن سنن العالم ونواميس الكون، فامامك تعاليم وارشادات ومنهج هل شامل يناسب كل زمان ومكان، لا يخضع لتقلبات الزمان والمكان، فوق كل المتغيرات الارضية.

امامك آيات تؤكد النظر الى الأمور نظرة صحيحة، نظرة عقلانية، ابتعد عن خرافات قومك الأولين واهرب من أوهامهم وارواحهم واشباحهم وقواهم الخارقة غير المفهومة وخزعبلاتهم غير المحدودة، ابتعد عن عالمهم غير الواضح، لا تقلد آباءك دون وعي وادراك، وحين تنتهي من هذه الخزعبلات، سيصفو فكرك ويستعد لقبول الاشياء صافية رائعة، وحينها انظر بحسك وبحواسك كلها الى العالم الذي حولك تتبّع اشياءه واحدة واحدة، ثم تعقل ما استقرأته لتصل في النهاية الى فهم صحيح للاشياء والامور المختلفة.

هذا هو المنهج الصحيح في معرفة الاشياء معرفة صافية خالية من الشوائب والمكدرات واللامعقول، بهذا الاسلوب تستطيع ان تفهم العالم وتستغل خيراته، والحقيقة ان هذا الذي ذكره القرآن الكريم هو ملامح المنهج العلمي الصحيح الذي نادى به العلم الحديث ووصل باستخدامه الى مراحل علمية متطورة، لكن الفرق بين المنهج القرآني والمنهج الحديث، هو ان القرآن الكريم اشار ولمّح دون الدخول في التفاصيل ووضع المراحل، لانه ليس كتاباً علمياً منهجياً ككتب اهل الارض، جاء لمرحلة او لهدف واحد، وانما اشار الى ذلك، ضمن الهدف العام الذي نزل من أجله، وهو الهداية واخراج الناس من الظلام الى النور والزهور.

القرآن ينبذ الخرافة ويعقلن التفكير

نظرة عامة في التاريخ والجغرافية، وعلى كل المستويات، نجد الفارق واضحاً بين استراتيجيتين رئيسيتين، استراتيجية ما قبل القرآن الكريم، واستراتيجية القرآن وما بعده، في الحياة والحضارة الانسانية.

ففي كل العالم ما قبل القرآن، كان اخطبوط الخرافة والاساطير والاوهام والخوارق وحيوية الجمادات، مسيطراً على العالم كله، وناشراً اجنحته، موظفاً الطاقات المختلفة باتجاهه وغاياته، فالقوى الخفية والاوهام والخوارق والآلهة المتخيلة الوهمية وخزعبلات لا حدود لها، كانت من صميم التفكير السائد في عصر ما قبل القرآن، فكان للكواكب والنجوم ارواح، وللشجر والحجر كذلك، وليس هناك ربط صحيح بين السبب والمسبب، فمثلاً كان الطبيب البابلي حين ينطلق لمعالجة مريض اذا رأى خنزيراً اسود في الطريق، معنى ذلك ان المريض ميت اما اذا رأى خنزيراً ابيض فان المريض سيحيا(3)، ومثلاً يعزو ألم الصدغين وعضلات الرقبة الى يد الشيطان(4)، اما العلاج فكان ادوية مقززة وغير مستحبة لاثارة تقزز الشيطان وارغامه على الخروج من جسد المريض(5). ومثل ذلك الربط بين ظاهرة سماوية وخاصة الغريبة منها وبين حدوث قحط أو موت ملك أو أمير او كاهن، ومثل هذه الظواهر البابلية، كانت عند الحضارات الاخرى، وعادات الجاهليين القريبة من الاسلام زمنياً اوضح من ان تذكر.

في حين نظر القرآن الى الامور نظرة مختلفة، نظرة علمية موضوعية، بعيدة عن أية شوائب خرافية، فحين يصف لك طريقة الاكل الصحيح يقول لك: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)(6)

وحين يتحدث عن السماء والنجوم والكواكب والشمس والقمر والظواهر الكونية الاخرى يتحدث حديثاً علمياً (اجمالياً لا تخصصياً) واضحاً، فلا مبالغات ولا اوهام ولا ربط بين ظاهرة سماوية وحادثة ارضية لا علاقة لها بها، وما اكثر الآيات التي تتحدث عن الكون ومفرداته (وبالطبع في سياق الهدف العام الهداية).

وحين يتحدث عن الارض والمعادن والشجر والماء والجبال والثمرات والدواب يتحدث حديثاً موضوعياً معقولاً مفيداً، فيه حقائق علمية، وفي الوقت نفسه لا لبس فيه ولا شوائب ولا ايّ غموض قال تعالى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(7)، ثم يدعوك للتعقل والاعتبار والتفكير في مخلوقات الله الكثيرة.

وعلى هذا، فانت من خلال القرآن الكريم مضطر لان تجري باستقامة وعلى وفق طريق صحيح معقول، وممنوع ان تشرّق وان تغرّب وان تتحدث دون علم، قال تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)(8).

ولا تتحدث بالظن قال تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً)(9).

ولا تقلد آباءك او تقدسهم وتقبل كل شيء منهم، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(10).

وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)(11).

وهناك آيات اخرى عديدة تؤكد المعنى نفسه، تؤكد الابتعاد عن التقليد واساطير الاولين، وتحث على الدخول الى عالم الواقع، العالم المستقل عن خرافات الآباء والأجداد وأوهامهم الكثيرة، العالم الذي يضع كل شيء في موضعه، ويقدر كل شيء بقدر، يعطي للحس والحواس قيمتها الحقيقية في معرفة الاشياء، وادراكها وفي الوقت نفسه يمجد العقل ويؤكد استعماله مكملاً لتلك الادوات.

القرآن يؤكّد الحسّ والنظر المباشر

لاشك ان هناك أنباءً وأخباراً ومعلومات لا تخضع للحس والملاحظة المباشرة، فهي كما عبر عنها القرآن الكريم من انباء الغيب، والتي لا يعلمها سوى الله، والذي اختصه بها من عباده، قال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ)(12) وهذا النوع من المعلومات والأخبار لا يخضع لحواسنا، وانما يجب ان نسلم به، نتيجة لتسليمنا بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن تلك الانباء، الايمان بعالم الجن والملائكة ومشاهد يوم القيامة واخبارها واهوالها وما الى ذلك، ولا سبيل للايمان بهذه الاخبار غير القرآن أو الصحيح من الحديث الشريف المفصّل للقرآن، حيث لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.

وفي المقابل، هناك الاشياء المادية الكثيرة الموجودة في الكون، هناك الاشياء المحسوسة، وهي جمة لا تعدّ ولا تحصى، هناك الارض والجبال والانهار والنجوم والكواكب والمجرات والانسان والحيوان والذرة والالكترون والخلية والنبات وما الى ذلك.

وهنا، علينا في سبيل معرفة هذه الاشياء المتنوعة ان لا نخلط بين الغيب القرآني الجاهز، والمادة المحسوسة التي بحاجة الى طريقة محددة لمعرفتها، وفي لغة العلم، لكل واحد (الغيب والشهادة) طريق او منهج يجب اتباعه في سبيل معرفة المطلوب، ولا يجوز الخلط لاننا سنقع في اشكالات عويصة، فمعرفتنا بانباء الغيب جاءت من خلال صريح القرآن وصريح الحديث الشريف، اما معرفتنا بالاشياء الاخرى، انواع المواد والقوانين، فمن خلال الجهود العلمية والبحثية، والتي وضع القرآن خطواتها اثناء العملية التغييرية الكبرى التي نزل القرآن من أجلها، والتي دعا الانسان لاستخراجها واستخدامها في بناء حياته وحضارته، ولو كان كل شيء جاهزاً لانتهى الابداع عند الانسان وانتهى معه دوره الحضاري الكبير، ولجمدت الحياة وبقيت كما هي.

وفي سبيل الاتجاه نحو هذا الخط والاسلوب في فهم الحياة ودراسة اشيائها، اكد القرآن الكريم الحس والحواس وفي الوقت نفسه اكد العقل والتعقل، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(13).

من خلال هذا المنهج وهذه الطريقة، وحيث القرآن هو دستور المسلمين ومرشدهم الى كل شيء، امتزج مع عقولهم وقلوبهم، حيث ذلك اتجهوا ـ من حيث يريدون او لا يريدون ـ الى النزعة الصحيحة في البحث، اتجهوا الى المنهج العلمي في دراسة المادة، وخاصة العلوم الطبيعية من فلك وفيزياء وكيمياء وحيوان ونبات وما الى ذلك، متأثرين بالقرآن كله باسلوبه وارشاداته والتفاتاته وحفرياته في عالم الواقع، متأثرين بطريقته في النظر الى الاشياء التي تحيط الانسان من كل جانب، متأثرين بكلماته الدافعة الى النظر والعمل، فهو مليء بكلمات من قبيل انظروا، سيروا، مؤكداً استخدام السمع والبصر والحس بشكل عام ومن ذلك قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)(14).

(فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)(15).

(فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً)(16).

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(17).

 (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(18).

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً)(19).

وهناك آيات كثيرة اخرى تؤكد هذه المعاني وردت في القرآن الكريم، وهي في مجملها تخالف المنهج اليوناني التجريدي الذي اراد ان يدرس الاشياء من خلال أوليات عقلية واستنتاجات نظرية بعيدة عن الواقع، كما المحنا من قبل.

وماذا بعد الحس والملاحظة؟

لم يُرد منا القرآن الكريم ان نسير أو ننظر في الارض أو السماء، او نرى ونسمع أو نحس وكفى، وينتهي كل شيء، ولو كنا كذلك، لم يكن هناك فرق بيننا وبين اولئك السابقين الذين لم يقدموا شيئاً مهماً، لانهم لم يسيروا على وفق اساس ومنهج محدد.

لم يرد منا القرآن ذلك، وانما ارادنا ـ ضمن العملية التغييرية الكبرى الذي نزل القرآن من اجلها ـ ان نجمع معلومات وملاحظات، ان نستقرئ ما يتوافر امامنا من أشياء ونعتبر بذلك الذي جهدنا في الحصول عليه، ارادنا ان نفكر بهذا الذي نحسه ونراه ونسمعه، لا نمرّ عليه مروراً عابراً، ارادنا ان نتعقله ونخضعه لعمليات فكرية وعقلية حتى نخرج بنتيجة، نخرج بقانون او قوانين او نواميس تخدمنا دنياً وآخرة، وهي لاشك ستضعنا امام الطاقة الكامنة التي اودعها الله في هذا الكون في ارضه وسمائه، لتؤكد مرة اخرى عظمة الباري المطلقة.

فإضافة او تكميلاً للنظر والسير الماديين وما شابههما من الدعوات الحسية والملاحظاتية، اكد القرآن العقل والتعقل والتفكر والتفقه، فوردت كلمات من قبيل (يعقلون) (يتفكرون) (يفقهون) في آيات عديدة من القرآن الكريم، سنكتفي ببعض منها:

قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(20).

لاحظ مع التنبيه الى السموات والارض وعدد من مخلوقات الله، لاحظ تأكيد التعقل، فهي ايات على الانسان ان يتعقل ما فيها وما هو كامن وراءها.

وآية اخرى تؤكد التفكر قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)(21).

وآية اخرى تؤكد التفقه قال عز وجل: (فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)(22).

هذه مجرد امثلة قرآنية، والا فهناك الكثير من امثال هذه الآيات.

ان التعقل والتفكر والتفقه، هي مفاتيح حقيقية لتحريك الانسان باتجاه اكتشاف كنوز الكون وخباياه، وهي غاية ما يطلبه الانسان في بناء حياته وحضارته، وهي في الوقت نفسه مصاديق لعظمة خالق الكون.

لقد اوردنا العناصر الاساسية للمنهج العلمي الصحيح، كما وردت في القرآن الكريم وتتلخص على اجمالها فيما يأتي:

1 ـ التخلص من الافكار الموروثة والتقليد.

2 ـ المباشرة الحسية والنظر واستخدام الحواس.

3 ـ الاستنتاج العقلي من خلال ما تم جمعه.

وهذه العناصر، هي نفسها المنهج العلمي الحديث، الذي وضعه الفلاسفة الغربيون في القرون الحديثة، وطوّروا من خلاله العلم والتكنولوجيا.

ان هذه الاشارات الى المنهج العلمي في القرآن الكريم والتي استوحى من خلالها العلماء المسلمون منهجهم في دراسة المادة، والموضوعات التي يمكن ان تخضع له، هي نفسها دعوة الى الانسان للنظر في الحياة والاشياء التي تحيط به نظرة علمية عقلانية صحيحة، هي نفسها دعوة لتفسير ما يجري في الحياة تفسيراً عقلانياً علمياً يناسب الموضوع المدروس، فليس هناك عذر ان نفسر الامور الجارية تفسيراً عاطفياً آنياً انفعالياً، تقليدياً، وهذا ما لا يقبله القرآن بنصوصه الصريحة في ذم تقليد الاباء والاساطير واستخدام الظن عوضاً عن اليقين، والقول بغير علم، ان الطبيعة امامنا واضحة دعانا الله الى النظر اليها دعوة صريحة، وفي الوقت نفسه سلحنا بالعقل، هذا الجهاز الجبار، وما علينا الا العمل والحركة في هذا الاتجاه، وهو اتجاه واضح يجمع بين الدنيا والآخرة، الدنيا صنع الحياة والمستقبل، والآخرة الايمان بالقدرة المطلقة للباري عز وجل من خلال مخلوقاته غير القابلة للإحصاء.

وبذا نكون مع القرآن، ومع منهجه الذي دعانا إليه.

 المصادر :

ــــــــــــــــــــــ

(1) سورة ابراهيم، الآية 34.

(2) سورة لقمان، الآية 20.

(3) روتن، مرجريت، علوم البابليين، ترجمة يوسف حبي،بغداد، ص70.

(4) المصدر نفسه، ص72.

(5) المصدر نفسه، ص 73.

(6) سورة الاعراف، الآية 31.

(7) سورة فاطر، الآيتان 27 و 28.

(8) سورة الاسراء، الآية 36.

(9) سورة يونس، الآية 36.

(10) سورة البقرة، الآية 170.

(11) سورة المائدة، الآية 104.

(12) سورة آل عمران، الآية 44.

(13) سورة النحل، الآية 78.

(14) سورة الاعراف، الآية 185.

(15) سورة الطارق، الايات 5 ـ 7.

(16) سورة عبس، الايات 24 ـ 31.

(17) سورة الغاشية، الايات 17 ـ 20.

(18) سورة العنكبوت، الآية 20.

(19) سورة غافر، الآية 82.

(20) سورة البقرة، الآية 164.

(21) سورة الأنعام، الآية 50.

(22) سورة النساء، الآية 78.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=430
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 03 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24