• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : الأسلوب التربوي في القرآن الكريم .

الأسلوب التربوي في القرآن الكريم

يعتبر القرآن الكريم نهجاً أساسياً للإسلام والمسلمين، ويمكن من خلاله التعرف على الثقافة الإسلامية وأصول الفكر الإسلامي، وأنّ العمل بأحكامه وإدراك مضامين آياته يتيح لنا فرصة للتعرف على جماليات هذا الكتاب الكريم.

إنّ من جملة أبعاد هذا الكتاب الإلهي هو موضوع التربية و التعليم وأبعاد مواضيعها المتنوعة. إنّ القرآن الكريم يناقش المسائل التربوية بشكل خاص، فإنّه يحافظ على فردية وشخصية الإنسان، ولا يتعامل مع الجميع بصورة مشابه، ويأخذ بنظر الاعتبار المسائل المشتركة في وجود البشرية ويصف علاجاً مشتركاً لآلامها المشتركة.

وفي هذا المقال سنناقش قصة نبي الله موسى (ع) ورحلته مع الخضر (ع) التي عبر عنها القرآن الكريم بأنّها ملتقى رجلين من عبادنا الصالحين في مستوى مختلف من حيث العلم والمعرفة، ويمكن من خلالها أخذ الدروس والعبر في مجال التربية والتعليم.

إنّ أوّل مايلفت اهتمامنا في هذه القصة هو أنّ نبي الله موسى (ع) عزم على السفر بُغية العلم والمعرفة، ولابد للإنسان من الانقطاع عن تعلقاته وارتباطاته ومكانته والعزم على سفر الذي يعتبره البعض سفراً ذاتياً، و البعض الآخر يعتبره سفراً خارجياً.

إنّ تعلّق الإنسان بأموره يكوّن أحياناً عقبة كبيرة أمام طريق تقدمه وكماله، وكأنها العدو اللدود الذي يحاصر الإنسان من جميع جهاته ويقيد تصرفاته.

إنّ رحلة موسى (ع) هي مثال بارز من السفر الروحي لسالكي درب الحق وطلاب العلم التي لابد من بدايتها يوماً ما، إنّ نبي الله موسى (ع) أبلغ صاحبه ـ الذي لم يذكر اسمه في القرآن سفر ـ عن كل شيء حتى يبلغا مجمع البحرين. إنّ هذا يدل على أنّ رحلة وسفر موسى (ع) هي أمر خاص ببلوغ كمال واتباع رشده، ولكن لابد من الصحبة في هذا السفر الروحي والاستعانة من رفيق له فيه.

إنّ بعض سالكي درب الكمال ينضم في سلوكه وبلوغ كماله إلى جمع من الأصدقاء ونفر من الناس، ويبدأ سفره معهم حتى بلوغ مراده.

إنّ ما يمكن تعلمه من سفر نبي الله موسى (ع) هو أنّ مرافقة وصحبة سالكي درب الحق في حين يمكن قبولها على  ألا تجرّ الإنسان إلى الغفلة والغرابة من نفسه ، وعليه أن يدرك غايته ويعرف مراده والتحلي بالصدق والصراحة للوصول إلى ما يروم اليه.

عندما بلغ مجمع البحرين تُحيا سمكتهما وتعود إلى البحر، ام وكلاهما لم يدرك هذا حتى واصلا مسيرة سفرهما، وعندما أرادا الراحة وتناول تلك السمكة علما بحياتها وعودتها إلى البحر ثم عادا إلى أثرها ومن خلال ذلك أدركا الخضر (ع). إنّ السمكة هي مثال بارز من الحياة والحركة. إنّ آية إحياء السمكة بإذن الله التي أدركها موسى (ع) تدل على الهداية وإلى السبيل والكمال المطلوبين ، والماء يدل على البحر المعنوي والولاء الذاتي للإنسان، كما أنّ تفسير بعض الآيات الكريمة من خلال بعض الروايات التي نصت على أنّ ولاية الإمام المعصوم (ع) في كل زمان قد تمّ تشبيهها بالماء.

إنّ إحياء السمكة وعودتها إلى البحر ـ المكان الذي كان الخضر في نهايته ـ تعلمنا درساً هو أنّ عنصر الحياة والحركة عنصر وعامل ذاتي، ويبلغ الإنسان مراده من خلال البعد المعنوي والولاء الإلهي. إنّ مرور وعبور موسى (ع) وصاحبه في السفر من مكان إحياء السمكة وبعدها بقليل أدركا الحادثة ورجعا إليها يعلّم طلبة الحق وسالكي هذا الدرب أنّ ما هو موجود هو الغاية ولكنّنا لاندركه ونمر عليه مرَّ الكرام، وفي حين نبحث عن شيء آخر.

لربما أنّ هنالك الكثير من الآيات الموجودة في السموات والأرض التي نراها أياماً وسنين لاتعرفها ولايمكن لنا أنّ نعقل أنّ من خلالها والتحديق فيها يمكن بلوغ غايتنا والوصول إلى مرادنا.

إنّ القرآن الكريم يصف الخضر (ع) بوصف (عبداً من عبادنا) أي عبدَ الله، وأنّ الله أعطاه رحمةً منه وعلماً. إنّ أوصاف الخضر (ع) التي ذكرت في القرآن الكريم تعلمنا على أنّه بالعبادة والعبودية لله بلغ مرتبة مما جعل موسى(ع) يتعلم منه، هذا أولاً.

وثانياً : إنّ هناك الكثير من عباد الله أمثال الخضر (ع) وأنّ ما يلاحظه الفرد في التربية الإلهية لا تنحصر بفرد واحد بل يصدق على جميع الناس.

خاطب موسى (ع) الخضر (ع) قائلاً : (اتبعك على ان تعلمني مما عُلّمت رشداً) ،  وأنّ هذا أدب التخاطب ينص عليه القرآن الكريم.

وأنّ ما يُسْتلهم منه هو أنّ التعلم يحتاج إلى اتباع المعلم العالم، ولا يمكن بلوغ العلم بمجرد معرفة كلمات أو حفظ عدة مصطلحات. وينبغي على المتعلم معرفة هذا الأمر على أن معلمه ليس لديه شيئاً من عنده،  بل إنّ كل ما لديه هو من عند الله.

ثالثاً  : أنّ التعلم يجب أن يكون بغية الرشد والهداية، وعلى المعلم والمتعلم معرفة هذا الأمر هو أنّ العلم يمكن أن يكون مصلحاً للإنسان ومدمّراً له في نفس الوقت، وهذا ما نلاحظه في أدب الخضر (ع) أنّه على رغم إدراكه لضعف موسى (ع) في بداية الأمر إلا أنّه بطلب من موسى (ع) وأصراره عليه جعله يتعلم منه بعض الشيء،  وفي حين عدم إصرار موسى (ع) عليه لربما لم يتوفق اللقاء بالخضر. وفي السفر لم يذكر شيء عن صاحب موسى الذي كان معه في السفر، ولربما لم ينطق بحرف، وكان الفلاح من نصيب موسى(ع) على أن يلتقي بالخضر (ع)؛ وذلك لقدرته على إثبات جدارته في التعلم في حين لم يكن صاحبه الذي أتى معه قادراً على إبداء الرأي أو السؤال لأنّ  المتعلم الفاقد لقدرة الحوار والتعبير لربما يفقد فرصة التعلم في نفس الوقت.

فعندما ركب موسى والخضر (عليهما السلام) السفينة وأغرقها الخضر، وبعدها قتل نفساً بغير ذنب، وثم أقام حائطاً في مدينة كان فيها غريباً ومتعباً وفي جميع هذه الأمور أبدى موسى اعتراضه. إنّ اعتراض موسى (ع) للخضر من منظوره العلمي صائب وصحيح، لكن في منظور الخضر ليس كذلك. صحيح إنّ الخضر ليس بنبي ولكن سلوكه وأعماله لها أفق بعيدة وكل مافعله هو بأمر الله.

إنّ الأنبياء بعثوا لكي يتعاملوا مع الناس بظاهرهم، ولكن الراسخون في العلم يكشفون الحقائق للخواص ليس إلا. اذا كان الخضر (ع) نبياً مرسلاً فإنّ سلوكه المخالف للعرف والمجتمع لكان له صبغة توحيدية في نظر العامة من الناس؛ في حين أنّ أسس التوحيد عند الأنبياء هي أنّ تبليغها يجب أن يكون بغلة قومهم وأعرافهم ومقدار فهم أهل زمانهم. فلم يكن الخضر (ع) هو الذي ترك موسى (ع) في سفره،  بل إنّه شرط موسى الذي اشترطه مع الخضر إذا  لم يستطع معه صبراً سوف يتركه، وهذا درس وعبرة لكل معلم رباني.

قبل أن يترك موسى الخضر في سفره شرح الخضر حكمة أفعاله بدون أن يطلب موسى ذلك منه، وهذا يعني أنّه في سيرة الحق يجب اطلاع المتعلم على ما يجري عليه، ويجيب تفسير ماعند المعلم لمتعلمه مستخدماً كافة الوسائل من عقل أو فطرة في هذا الأمر.

وآخر ما نستلهمه من هذه القصة هو أنّ الخضر فَسّر حكمة أفعاله ونسب منها إلى نفسه مرة، ومرة إلى ربه، ومرة استخدم صيغة الجمع ونسبها الى نفسه وربه. هذه هي إحدى الدروس التربوية في القرآن الكريم، لأنّ تفسير سلوك البشر يكون له عدة أبعاد، وكل منها في حد ذاته منطقي وقابل للاستدلال.

إنّ ما ذكرناه في هذه القصة هي نبذة مختصرة من الأساليب التربوية في القرآن الكريم، ويوجد الكثير منها في هذا الكتاب، وعلى الإنسان الدقة فيها وآخذ العبر منها؛ لكي يستخرج الحقائق التي هي جوهر ثمين متواجد في كلمات ومفردات آياته.

جعل الله طريق المعرفة وإدراك الحقيقة مفتوحاً أمام الجميع على أن يبلغوا هذا السبيل بإرادتهم وهممهم.

المصادر :

1 ـ سورة الكهف  الآية 60 إلى 82 .

2 ـ جاء في تفسير آية 30 من سورة الملك (قل أرايتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن ياتيكم بماء معين)  عن الإمام الكاظم (ع) أنّه قال : (إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد) الكافي  1 : 339.

وكذلك في تفسير هذه الآية من سورة الحج (وبئر معطلة وقصر مشيد) عن الإمام الكاظم (ع) قال : ((البئر المعطلة الإمام الصامت وقصر مشيد الامام الناطق)). الكافي 1 : 427. كذلك شبه الإمام الرضا (عليه السلام) في خطبة طويلة له الإمام المعصوم بالماء المعين.  الكافي  1 : 198.

3 ـ سورة يوسف الآية  : 105.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=42
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 06 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28