• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : فلينظر الانسان .

فلينظر الانسان

بقلم: الشيخ رمضان العميري

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(1)

تشير الآية الكريمة إلى علّة وغاية خلق الله تعالى للجن والإنس هي العبادة، فقد نصت على أنّ العلة في ذلك هو لأجل عبادته سبحانه وتعالى، وكما أشارت إلى ذلك كثير من الروايات ، كالرواية المروية عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألت عن قول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} قال: (( خلقهم للعبادة)) قلت: خاصة أم عامة ؟ قال: ((لا ، بل عامة ))(2).

فإذن من خلال الآية والرواية فإنّ العلة من خلق الجن والإنس هو عبادة الله عز وجل ، وحيث إنّه ليس من الممكن أن نعبده من دون معرفة ولو بسيطة ، فإذاً خلقنا لعبادته فيعني ذلك أنّه خلقنا لهدف معرفته , وثم لعبادته فكيف نعرفه عز وجل؟ وبأيّ سبيل وطريق تكون معرفته؟

إنّ أهل البيت (عليهم السلام) أعطونا مفاتيحاً في كيفية معرفة الله عز وجل، وأحد هذه المفاتيح قولهم (عليه السلام): (( من عرف نفسه عرف ربه )).

فتوضيح هذه الرواية قد يحتاج إلى كتاب، ولكن من الممكن اختصار الطريق بذكر أحد مصاديق معرفة النفس التي توصلنا إلى معرفة الله سبحانه، والشيء العجيب هنا أنّه كيف يعرف الإنسان نفسه فيتوصل إلى معرفة ربه ؟!

وكيف يُتصور ويُتعقل ذلك فهل كون الإنسان عارفاً بأنّه ابن فلان، وولد في تاريخ كذا، وفي ذلك المكان وهو يدرس او يعمل في المكان الكذائي وأصدقاؤه فلان وفلان ، فبهذا يكون قد عرف نفسه ؟

لا ، ليس المراد من معرفة النفس التي يتوصل بها إلى معرفة الله عز وجل هذه المعرفة البسيطة الساذجة التي يعرفها العاقل والمجنون والكبير والصغير والمؤمن والكافر !

إذن أيّة معرفة يكون الإنسان بها قد عرف نفسه حتى يعرف ربّه ؟

أحد مصاديق معرفة النفس هنا ما تضمنه قوله تعالى {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}(3).

وهذا أمر من الباري عز وجل يحث ويحض الإنسان ذكراً وأنثى بالتفكر في خلقته ووجوده ويقول له: أنت من ماذا خلقت ؟ وكيف ومن خلقك ؟ ولماذا خلقك ؟

فهل أوجدَتكَ الطبيعة أو أوجدك أبوك أو مَنْ  ؟

من خلق الحيوان المنوي وخلق منه جنيناً يعيش في رحم أمه ، وثم تراه يخرج إلى الحياة الدنيا ؟

فستعرف أيها الإنسان أنّ خالقك هو الله، وأنّه هو ربك وله عليك حقوق منه عبادته وشكره .

وهنا سؤال يطرح نفسه ويستوقف القلم كيف يكتب هذه الصفحة !

لماذا أذن خلق الله الإنسان من نطفة نجسة شرعاً قذرة عرفاً مع أنّه عز وجل قادر على غير ذلك ؟

لا أظن إلا أنّه لكي يعرف الإنسان قيمته أنّه في بداية الأمر، وأنّه لاتساوي حبة من تراب، وأنّه خُلِق من نجس لا لأنه يبقى كذلك أو يزداد كذلك ، بل خُلق من نجس ليكون طاهراً ويتكامل فهو وإن خلق من نطفة قذرة إلا أنّ المجال أتيح له وفسح حتى يتكامل ويتطهر لمعرفة الله وحبه وعبادته، ولكي يتذلل لمن خلقه ولا يتكبر: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

المصادر:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الذاريات: 56

2 ـ علل الشرائع 1: 25 .

3 ـ الطارق: 5 ـ 7 .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=391
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 02 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24