• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : الدين والإنسان من منظور قرآني .

الدين والإنسان من منظور قرآني

محمد النجار

خطر في ذهني سؤال مهم: وهو ما هي العلاقة بين الدين والإنسان؟

فأحببت أن تكون النتيجة مستقاة من كلام الله المجيد لا غير فكتبت هذه السطور:

سُنّة الكمال

لو نظر أو تأمل كل إنسان إلى أي شيء في هذا الكون الرحيب لوجده متقناً ودقيقاً ومتكاملاً غاية الكمال في نفسه وفعله، ولو ظمّه إلى نوعه أو مجموعته لظهر له تكاملاً آخر وإتقاناً في الصُنع ودقةً في العمل بصورة تذهل العقول عن إدراك كنهها والإحاطة بدقائقها، وتعجز الألسن عن وصف مغزاها وحقيقتها، فكل شيء في هذا الكون مخلوق طبق حسابات دقيقة وموازين غير قابلة للخطأ.

قال تعالى: (وكُلّ شيءٍ عنده بمقدار)، (صُنع الله الذي أتقن كلّ شيءٍ).

وهناك الكثير من الآيات القُرآنية الشريفة الدالة على دقة الصُنع والكمال في الخلقة والعمل والمسيرة(1).

(فسُنة الكمال مترشحة في كل زاوية من زوايا هذا الكون الرحيب وهذه الزوايا والأجزاء مرتبطة فيما بينها إرتباطاً يحكم هذا الكمال لأنها مترشحة من الكمال المطلق، والكمال المطلق لا يترشح منه إلاّ الكمال)(2) فغايته سبحانه في الخلق تتناسب مع عظمته، وهدفه في الصنع يتناسب مع كماله المطلق، قال تعالى: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلاّ بالحق ولكنّ أكثرهم لا يعلمون).

الإنسان والسنة الكونية

والسؤال هنا هو هل انّ الإنسان مشمول وداخل تحت هذه السنة الكونية ـ سنة الكمال في الأشياء ـ أم لا؟

من المعلوم أنه غير شاذ عن هذه السنة الكونية، وإلاّ لتنافى مع هدف وغاية الله سبحانه من الخلق المتناسبة مع عظمته وكماله المطلق.

والمهم في البحث هو أن نعرف هل انّ المنهج في المسيرة التكاملية للإنسان هو نفسه في الجمادات والعجماوات أم يوجد هناك فرق؟

الجواب: شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل الإنسان سيد المخلوقات، فكرّمه وفضله على جميع المخلوقات، فقال عز اسمه (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهُم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً)، بل شاء سبحانه أن يُسخر هذا الكون في خدمة الإنسان فقال عز اسمه (ألم ترو أنّ الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض).

وهناك آيات كثيرة تُشير إلى هذا المعنى، إلاّ أنّ أكثرها شمولاً هذه الآية الشريفة (لقمان / 20) حيث تشير إلى أنّ ما في السماوات والأرض في خدمة الإنسان.

ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن يُعطي للإنسان مرتبة أعلى من مرتبة التكريم والتفضيل، وأعلى من مرتبة تسخير الكون وخدمته له، ألا وهي: مرتبة خلافة الله سبحانه وتعالى، وهي أعلى منزلة ومرتبة في هذا الكون قد أُعطيت لهذا المخلوق (الإنسان).

قال الله سبحانه وتعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة)، وقال سبحانه أيضاً (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض)، بعد هذا نعرف أنّ المسيرة التكاملية للإنسان يجب أن تتناسب مع هذه الصفات والمميزات التي اختص بها.

ما هو كمال الإنسان

يفترق الإنسان عن جميع المخلوقات في هذا العالم بأنّ له جنبتان في مسيرته الحياتية:

الأولى: الجنبة الجسدية.

الثانية: الجنبة الروحية.

والدليل على وجود هاتين الجنبتين في الإنسان من قوله سبحانه وتعالى:

(وإذ قال ربك للملائكة اني خالقٌ بشراً من طين فإذا سويته ونفختُ فيه من روحي فقعوا  له ساجدين) فخلق الإنسان من طين يمثل الجانب الجسدي للإنسان، والنفخ من روح الله سبحانه يمثل الجانب الروحي له.

ولكل من هذه الجنبتين كمالها الخاص بها، المقدّر والمرسوم من الله سبحانه وتعالى، أما الجنبة الجسدية فتمر بمسيرتها التكاملية بصورة طبيعية من دون تدخل للإنسان في ذلك حيث (إنا خلقناكم من ترابٍ ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغةٍ مخلّقة وغير مخلقة لنبيّن لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخركم طفلاً ثم لتبلغوا أشدّكم).

وهذا الكمال لا يميز الإنسان عن غيره من العجماوات فإنها تسير بمسيرتها التكاملية الجسدية كما يسير الإنسان طبق موازين وقوانين ربانية من دون تدخل للمخلوق في منع سيرها ونموها.

فهذا الكمال إذن ليس هو المراد، فيبقى الكمال الروحي للإنسان.

وقبل أن نخوض في غمار البحث عن ماهية الكمال الروحي وكيفية تحصيله لابدّ أن نضع بعين الإعتبار المميزات التي يتميز بها الإنسان عن غيره، ووظيفته والمسؤولية الملقاة عليه في هذا الكون حتى يكون كماله الروحي مناسباً للميزات التي يتمتع بها الإنسان، ومتناسباً مع وظيفته في هذه الحياة.

فماهية الكمال الروحي أو الكمال الإنساني بتناسب تناسباً طردياً مع الوظيفة والمسؤولية الربانية (الخلافة) الملقاة على عاتق الإنسان فكلما أدى مسؤولية الخلافة بصورة أكمل كان وصوله إلى الكمال أقرب.

أي كلما اقترب الإنسان من الكمال المطلق (الله سبحانه) كلما ازداد كمالاً.

كيف يمكن تحصيل الكمال

هناك تفسيران للجماعة البشرية:(3)

التفسير الأول: هو التفسير الذي ذكرناه سابقاً، وهو أنّ الإنسان أو وجود الإنسان أو الجماعة البشرية إنما هم خلفاء الله سبحانه وتعالى في الأرض.

التفسير الثاني: ينظر إلى الجماعة البشرية بما هم جماعة بشرية لذلك يضع القوانين والنظم التي تُنظّم وتسيّر الحياة البشرية بما يتناسب مع هذه الجماعة البشرية ومصالحهم. وهذه النظرة للجماعة البشرية قاصرة وغير كاملة، وغير شاملة لذلك تكون معرضة للخطأ أو النقيصة، أو تكون لها فائدة آنية مترتبة عليها أضرار مستقبلية كبيرة أو تكون خادمة لطبقة معينة في المجتمع دون غيرها... الخ.

أما القوانين والقواعد الموضعة على التفسير الأول فلا تطرأ عليها هذه الإشتباهات ؛ لأن الإنسان لا يسير في مسيرته الحياتية التكاملية بما هو يُريد أن يسير وإنما يسير بما يريد الله سبحانه له أن يسير لأنه خليفة الله فيجب أن يفعل ما يريده الله سبحانه.

وحيث أنّ الله سبحانه رحيمٌ بعباده لطيف خبير لا يكلفهم ما لا يطيقون، ولا يأمرهم إلاّ ما به مصلحة لهم، فهو غني عن عباده ((خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن إطاعتهم، آمناً من معصيتهم لأنه لا تضره معصيةُ من عصاه، ولا تنفعه طاعةُ من أطاعه))(4) وإنما أراد سبحانه أن يجعل الإنسان غاية ومُنتهى في التكامل بعيداً كل البعد عن الرذائل التي تحطّه عن تفضيله وتكريمه، وتسخير الكون له. وأراد له أن يكون بمستوى العطاء الذي أعطاه الله سبحانه له (الخلافة) فرسم له الطريق القويم والصراط المستقيم لكي يوصله إلى أعلى مراتب الكمال في هذا الكون فلا تصل الكمالات الأخرى المرسومة لغيره إلى كماله فيكون أفضل منها، بل سيّدها التي تُطيعه.

إذن: فهناك منهج مرسوم من الله سبحانه وتعالى ليسير عليه البشر للوصول إلى كمالهم.

هذا المنهج الرباني لتقويم البشر هو ما يُسمّى بـ (الدين).

ما هو الدين

الدين: هو مجموعة القوانين والأحكام المُنزلة من الله سبحانه وتعالى لتنظيم حياة الإنسان وإيصاله إلى كماله.

أو قُل: هو الطريق القويم والصراط المستقيم المرسوم من الله سبحانه لتقويم المسيرة البشرية.

وإليك بعض خصائص هذا الدين:

1 ـ الدين عبادة: أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل الوسيلة الموصلة إلى قربه ومعرفته هي العبادة له وحده فقال عز اسمه (وما خلقتُ الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون) ومن المعلوم أنّ العبادة بحد ذاتها المتكونة من حركات وسكنات غير مطلوبة، وإنما المراد الحقيقي شيء آخر، فعبّر عنه سبحانه بقوله (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) والأداة (حتى) تفيد الغاية، فرتب سبحانه وتعالى كمال الإنسان المتمثل بمعرفة الله حق معرفته (اليقين) على العبادة.

إذن: فلا يحصل الكمال إلاّ بالعبادة، فالعبادة هي القوام الأساسي والعمود الفقري للمنهج التكاملي للإنسان.

قال سبحانه وتعالى (أمرَ أن لا تعبدوا إلاّ إياه ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فهذه الآية صريحة بأن العبادة لله سبحانه هي الدين القيم (الذي هو المنهج التكاملي للإنسان).

2 ـ الدين هو الإسلام العالمي: لو رجعنا إلى آيات الذكر الحكيم لوجدنا أنّ المنهج الرباني (الدين) المرسوم للبشر من نزول آدم عليه السلام إلى الأرض إلى قيام الساعة هو منهجاً واحداً متكاملاً.

قال سبحانه: (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى...) فهذه الآية الشريفة صريحة في أنّ الدين الذي جعله الله سبحانه للبشر واحداً أنزله الله ووصى به أنبياءه واحداً تلو الآخر، غاية الأمر أنّ المسيرة التكاملية للبشر تقتضي تعدد الرُسل والأنبياء ، وكل نبي يأتي بدين الله الواحد بأسلوب يتناسب مع عصره وزمانه، فدين الله واحداً ولكن الأساليب في إيصاله مختلفة.

هذا الدين الواحد (المنهج الرباني) هو ما يسمى بالإسلام ومن اعتنقه يُسمى مُسلماً.

قال تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكُم المسلمين من قبل)، وقال تعالى: (ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ  انّ الله اصطفى لكُم الدين فلا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون) وأدنى إلتفاتة إلى هاتين الآيتين المتتاليتين في ترتيب الذكر الحكيم نجد أنه سبحانه عبر تارة بأنه دينه المصطفى للبشر هو الإسلام بقرينة (لا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون)، وعبّر تارة بالعبادة له سبحانه (ما تعبدون من بعدي) مقترنة مع الإسلام (ونحن له مسلمون) جاعلاً كلمة العبادة تقوم مقام الدين مؤكداً انّ الدين هو العبادة، والعبادة هي الدين.

وقال تعالى (إنّ الدين عند الله الإسلام) الذي هو المنهج الرباني لهداية البشر إلى كمالهم والأخذ بيدهم نحو الطريق الحق.

بعد هذا يترقى القرآن الكريم عن هذا المستوى ـ بجعل الإسلام هو الدين الذي جاء به الأنبياء والرُسل ـ إلى مستوى جعل الإسلام هو المنهج الرباني لجميع هذا الكون فيُحدّثنا القرآن مؤنباً من اتخذ منهجاً وديناً غير الإسلام بقوله تعالى (أفغير دين الله يبغون وله أسلمَ من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يُرجَعون).

3 ـ لا إكراه في الدين: من أهم الميزات التي يمتاز بها هذا المنهج الرباني هو عدم الإكراه فالله سبحانه وتعالى أودع في النفس البشرية خصلتي الخير والشر (ونفسٍ وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها)، وأودع في النفس أيضاً محفزات الخير وروادع الشر ألا ترى أنّ الإنسان الغير متدين إذا ارتكب الذنب الأول أو الجريمة الأولى يجد في نفسه وازع خفيٍ يؤنبه ويؤلمه فقال سبحانه (وهديناه النجدين) أي أنرنا له الطريق في معرفة الخير ومعرفة الشر(5).

هذا من جانبٍ.

ومن جانبٍ آخر امتاز الإنسان عن غيره بالرسول الباطني الذي هو العقل ليرشده إلى الصواب ويحذره من الخطأ إلى الخير والشر، ولكن لكثرة الملابسات والشبهات والمغالطات ربما يقف العقل ولا يستطيع التمييز، أو ربما يقع في الإشتباه من حيث لا يعلم فلا تتحقق الغاية الربانية من إيجاد البشر ـ وصولهم للكمال ـ فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسول الظاهري المتمثل بالرسُل عليهم أفضل الصلاة السلام ليهدوا الإنسان إلى الصراط المستقيم لذلك نرى أمير المؤمنين عليهم السلام يبيّن أحد وظائف الأنبياء بقوله ((ويُثيروا لهم ـ الناس ـ دفائن العقول))(6) فالأنبياء، والدين يرسمان المنهج القويم للعقل لكي يسير عليه الناس وأما الفاعل الحقيقي والمنفذ الفعلي هو الإنسان أو قُل عقل الإنسان وهذا ما نجده في الأحاديث الشريفة عن الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ مُوضحاً وظيفة العقل بقوله ((العقل نور القلب يُفرّق بين الحقّ والباطل)).

ومثله عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ في بيانه لحقيقة العقل حيث يقول ((العقل ما عُبد به الرحمن واكتسب به الجنان)).

فبعد هذه السلسلة من النِعَم:

أ ) إيداع الخير والشر في النفس البشرية.

ب) إيداع الحافز للخير والرادع عن الشر في النفس البشرية.

ج ) وجود الرسول الباطني (العقل) المميّز بين الحق والباطل بين الخير والشر.

د ) وجود الرسول الظاهري (الأنبياء) والرسالات (الدين) المرشدة للعقل إلى الطريق المستقيم والمبيّنة له طريق الحق وطريق الباطل.

لا يبقى للإنسان عذراً في المخالفة والجحود والكُفر، وبعد كلّ هذا يكون الخيار للإنسان في إختيار الطريق والمنهج في مسيرته الحياتية، حيث أنه (لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُشد من الغي) و (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).

4 ـ لا دين غير الإسلام: بعد أن جعل الله سبحانه وتعالى عدم الإكراه للإنسان في إعتناق الدين ووضح سبحانه السبيل له وجعل زمام الإختيار بيده فله أن يختار وله أن يرفض، أراد أن يوضح بأنه لا طريق موصل حقيقة إلى الكمال إلاّ الدين الحق الذي هو الإسلام، فقال (إنّ الدين عند الله الإسلام) أي المنهج في هذا الكون هو الإسلام.

ثم بيّن سبحانه في كتابه العظيم بأنّ منشأ ومنبع جميع المناهج الأخرى غير المنهج الرباني هو إما من الظن ـ أي عدم العلم الكامل ـ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم لا يصل بمقدار قطرة في بحر من علم الله سبحانه فالله يخاطب عباده بقوله (وما أوتيتم من العلمِ إلاّ قليلاً) فلا يستطيع الإنسان الوقوف على حقائق الأشياء ودقائقها، ولا يستطيع تشخيص المصلحة الحقيقية في كثيرٍ من الأحيان وفي كثيرٍ من الأمور(7).

أو مِنَ الأهواء النفسية أي المنهج الذي يتألف ويتوافق مع الغرائز المادية والأهواء النفسية للإنسان مستنكراً سبحانه عليهم بأنهم يتبعون الظنون والأهواء وعندهم المنهج القويم والصراط المستقيم في قوله (إن يتبعون إلاّ الظنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) وما إعراضهم عن الدين الإسلامي إلاّ عناداً لأنه يخالف أغراضهم الشخصية وأهواءهم النفسية لا لحجة وبينة وبرهان (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً).

فلأجل هذا وذاك أبى الله سبحانه إلاّ أن يكون دينه الإسلام ولا يقبل غيره أبداً فقال عز اسمه (ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) فلا يوجد منهجاً متكاملاً وديناً حقاً يتناسب مع سمو الإنسانية وكمالها إلاّ دين الله الذي هو الإسلام.

5 ـ الوعد الموعود: وعد الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله بأن ينصر دينه وينشره وسيأتي اليوم الذي يأتي له من السماوات والأرض مسلمين كما خلقهم أوّل مرة وفطرهم على الإسلام (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) فسيتحقق حلم الأنبياء في القريب العاجل (ويكون الدين كله لله) فهو القائل سبحانه وقوله الحق ووعده الصدق مخاطباً رسوله الأكرم (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره الكافرون).

وقال سبحانه (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).

كلمة أخيرة

ما أحلى أن يقتبس الإنسان وظيفته وعمله في هذه الدنيا من الأنبياء.

وما أجمل أن يُعطي الإنسان نفسه رخيصة في سبيل إحياء الدين الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، فمن غيره نحن أموات ولكن.. نمشي على الأرض، لقد أعطانا الإسلام الدنيا بأسرها، بل الآخرة، بل الكون بأسره جعله في خدمتنا وتحت قبضتنا، فما أرخص النفوس تجاهه.

لقد وضّح لنا معنى الإنسانية بما لها من فضل وسمو وسيادة وتكريم وكرامة ومن غيره فنحن كالأنعام، بل أضلُّ سبيلاً.

وما أجمل أن يجعل الإنسان سيرته الذاتية ومسيرته الحياتية مطابقة للمنهج الذي اختاره الله سبحانه لعباده ورضيه رسوله، فخاطبنا الرسول الخاتم متكلماً عن الله سبحانه في اليوم الذي ختم رسالته بتعيين ابن عمه وصياً من بعده (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً).

وختاماً لا أظن أن تحقيق طموحنا في نشر الدين (الإسلام) أمرٌ مستحيل ما دام الله قد وعدنا، وما دام الأمر يجري في عروقنا، وما دامت الفطرة النقية (فطرة الدين) مُودعة عند كل إنسان فلا يبقى علينا إلاّ رفع المانع من ظهورها.

ومن المعلوم أنّ رفع المانع أسهل بكثير من إنشاء وجعل القابل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من أراد الأمثلة والأرقام فليراجع كتاب (أسرار الكون في القرآن) للدكتور داوُد سلمان السعدي، وكتاب (مع الله في السماء) و (مع الله في الأرض) للدكتور أحمد زكي وغيرها من الكتب المختصة.

(2) موسوعة التكامل في الإسلام للدكتور أحمد زكي: ج5 ص45 بتصرف.

(3) الإسلام يقود الحياة / خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء / محمد باقر الصدر.

(4) نهج البلاغة لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: خطبة رقم 193 (في صفة المتقين).

(5) تفسير شبر / ص524 مؤسسة الأعلمي ـ بيروت لبنان.

(6) نهج البلاغة / الخطبة الأولى.

(7) والتأريخ الفكري شاهد على ذلك فقد اعترف كبار الفلاسفة والمفكرين بخطأهم كما عدل الكثير عن آراءه، فيُذكر أن انشتاين قبل وفاته كان يقول انّ 99% مما توصلت إليه كان خطأً.

ويذكر أيضاً أنّ ماركس في أواخر حياته كان يقول (أنا لست ماركسياً)، وفي يوم من الأيام كان يلقي محاضرة أما جمهور فنقض نظرية له فاحتج الجمهور فاحتج عليهم بقوله (أنتم ماركسيون أكثر مني) وهكذا غيرهم من الفلاسفة والمفكرين يذكر بعضهم كتاب  التكامل في الإسلام: ج2 ص13 ـ 14.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=370
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 01 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16