• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : سورة الحمد: أهدافها، معطياتها ـ المقطع الثاني .

سورة الحمد: أهدافها، معطياتها ـ المقطع الثاني

السيد محمد باقر الحكيم

المقطع الثاني

ويتضمّن قوله تعالى (إيَاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتعَين)(1)، ونشير في دراسة مضمونه إلى نكتتين:

النكتة الأُولى: مضمون العلاقة بين العبد والله

يتناول هذا المقطع الشريف العلاقة بين الله والعبد في بعدها الثاني وهو علاقة (العبد بالله) تبارك وتعالى، فهذه الآية إذن ترتبط بالآيات السابقة ارتباط سياق، وانّها تمثّل الطرف الثاني لحالة التكامل التي أشير إليها في المقطع الاول.

إذ هناك عاملان مؤثّران في عملية تكامل الإنسان:

عامل يرتبط بالله تبارك وتعالي والمتمثّل بالمضامين التي تناولها المقطع الاول من تعلق الحسن والتربية والرحمة والعدل والجزاء.

وعامل يرتبط بالإنسان نفسه وموقفه من الله تعالى والمتمثل بالشكر والعبادة لله تعالى والشعور بالحاجة إليه والاستعانة به، التي يتناولها المقطع الثاني.

ولكي تتّضح صورة هذا العامل، لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الامور المستفادة، وهي:

أولاً: الإرادة والاختيار في العبادة والتعبير عن الاستعانة:

ذلك ان المراد من قوله تعالى (إيَاكَ نَعْبُدُ وإيَاكَ نَسْتعَين) أما:

1 - اخبار الإنسان عن حالة قائمة فيه فهو بصدد بيان جملة خبرية، أي: انه إنسان يعبد الله ويستعين به، فكما يقول الإنسان (أنا حّي) يقول (أنا عابد لله) و (أنا مستعين بالله)، فكأن الإنسان يخبر عن حاله وواقعه بأنه موجود ومخلوق عابد لله ومستعين به، هذا الإخبار نفسه والإعتراف بهذه الحقيقة هو نحو من أنحاء العبادة والشكر.

2 - أو أن يكون مضمون هذه الآية هو جملة إنشائية - وهو الارجح - والمراد منه إيجاد موقف من مواقف العبادة والاستعانة فكأنه يريد أن يوجد العبادة، ويقول: أنا الآن بصدد عبادتك والاستعانة بك، كما يقول البائع - عندما يريد أن يوجد عقد البيع - : (بعتك الدارك أو (أيّاك أبيع الدار).

وعلى كلا الاحتمالين فإنّ الهيئة التركيبية لجملة (إيّاك نعبد) تدل على حصر العبادة: - (الخضوع المشوب بالتقديس التأليهي والتعظيم) - بالله تبارك وتعالى، إذا يذكر أهل اللغة بأن تقديم المفعول على الفعل والفاعل، فيه دلالة على حصر الفعل بالمفعول، ويستفاد من هذا الحصر أيضاً بأنّ خضوع الإنسان لله تبارك وتعالى خضوع مطلق ينسحب على كل أعماله وتصرّفاته.

كما انّ هذا الخضوع هو خضوع اختياري، وبذلك يختلف عن الخضوع والعبادة الثابتة لكل الموجودات والكائنات التي تحدّث عنها القرآن الكريم.

قال تعالى: (إن كُلّ مَنْ في السموات والارض إلاّ آتي الرحمن عبداً)(2).

(ولله يَسْجدُ مَنْ في السموات والارض طَوْعاً وكَرهاً)(3).

(ألمْ تَرَ انّ الله يَسْجدُ لَهُ مَنْ في السموات ومَنْ في الارض والشمس وَالقَمَر والنُجوم والجِبالُ والشَجزُ والدَواب وكَثيرُ مِنَ الناس)(4).

وهذا مستفاد أيضاً على كلا الاحتمالين، فلو قلنا بأنّ مضمون (إيَاك نعبد) هو إنشاء للعبادة وإيجادها لدلّ على إرادة الإنسان إنشاء العبادة حال النطق فهو خضوع وعبادة اختيارية، وأمّا لو كانت ذات مضمون اخباري فإنّ تغيّر إسلوب الحديث من الحديث عن الغائب (الحمد لله...) إلى الحديث عن الحاضر المخاطب (إيَاك نعبد...) يفهم منه التعبير عن حالة الاختيار أيضاً.

وعلى كل حال فإنّ الفهم العرفي لـ(إيَاك نعبد) يدل على انّ العبادة الصادرة عن الإنسان عبادة اختيارية.

وهذا أمر واضح نفهمه أيضاً من الشرع ومن الفقه الإسلامي الذي جعل (قصد القربة) عنصراً أساسياً في مفهوم العبادة وهو عنصر اختياري، فإذا توفّر هذا العنصر في ما يكون هذا الفعل عبادياً وإلاّ فلا.

إذن، فالعبادة التي تمثّل جزء العامل الآخر المؤثّر في مسيرة تكامل الإنسان لا بدّ أن يشتمل على عنصر الاختيار وأن تكون عبادة اختيارية.

ثانياً: تطابق الإرادة مع الأحكام الشرعية

والامر الآخر الذي يمكن أن نفهمه من الآية الكريمة بعد إدخال عنصر الإرادة والاختيار في الموضوع هو انّ عملية تكامل الإنسان إنمّا تتحقّق مع وجود هذا الاختيار، ولكن فيما إذا تمكّن هذا الإنسان من أن يجعل إرادته واختياره متطابقاً مع الحكم الشرعي وما يسمّى بالإرادة التشريعية لله تبارك وتعالى في مقابل الإرادة التكوينية القاهرة في هذا الكون الذي يشير إليها القران الكريم في مثل قوله تعالى:

(إنمّا قَولنُا لِشىءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقول لَهُ كُن فَيَكون)(5).

(إنمَّا أمْرُهُ إذا أرادَ شَيئْاً أن يقولَ لَهُ كُنْ فَيَكون)(6).

ولعلّ من الآيات التي ورد فيها استعمال كلمة الإرادة في الإرادة التشريعية هي قوله تعالى:

(يُريدُ الله بِكُم اليُسْر وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسر)(7).

(ما يُريدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج وَلكِنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرون)(8).

فالإنسان بصفته موجوداً يختلف عن بقية الموجودات(9) في ان تكامله لا يكون من خلال إرادة الله التكوينية فحسب مع ما لها من دخل في ذلك، إذ أحسن الله خلقه، وأعطاه العقل والإدراك والفطرة... بل لا بد له من استخدام إرادته للوصول إلى هذا التكامل، وهنا لا بد من أن تتطابق إرادته مع الإرادة التشريعية لله تعالى والتي تشمل كل واجب ومحّرم ومستحب ومكروه، بل وحتى المباحات(10).

وكلّما كان هذا التطابق واسعاً وشاملاً لكلّ تصرّفات الإنسان كلّما كانت مسيرة هذا الإنسان التكاملية أسرع وأفضل.

ومن هنا كانت عبادة الإنسان مختلفة في آثارها ونتائجها التكاملية عن عبادة السماوات والارض، لانّها عبادة اختيارية وإرادية كما ذكرنا، فعندما تتطابق هذه العبادة مع الحكم الشرعي تصبح طريقاً أساسياً لتحقيق هذا التكامل.

وبهذا يمكن أن نفهم ضرورة أن تكون العبادة (توقيفية) حتى تتطابق مع الحكم الشرعي، لأنّ الشارع المقدّس وقف العبادة على صيغ معينّة وإطارات معيّنة لا يصح للإنسان أن يتعدّاها ولا يكفي الاختيار في تحقيق التكامل ما لم تكن العبادة وفق الصيغ الشرعية، وإلاّ كانت بدعة وتكون سبباً لانتكاسة الإنسان في مسيرته.

معطيات الأُسلوب القرآني

وأما فيما يتعلّق باستخدام القران لصيغة الخطاب المفرد والمتكلّم الجمع (أيَاك نعبد) ولم يقل (ايّاكم نعبد) او (اياكم اعبد) او (اياك اعبد) فأستخدم ضمير المفرد طلب لله تبارك وتعالى، وهيئة فعل المضارع الدال على الجميع للعبد، فإنّ بالإمكان استخلاص مجموعة من الخصوصيات من هذا الاستخدام قد توضّح بصورة أكبر ما أشرنا إليه من معنى في (إيّاك نعبد)، ومن هذه الخصوصيات :

1 - انّ ضمير المخاطب المفرد (إيّاك) يدلّ على الإخلاص والتوحيد في العبودية مع التعبير عن حالة الحضور، حيث انّ ضمير الجمع قد يوهم الشرك والتعدّد، وإن كان يستخدم لتعظيم الفرد - أحياناً -، ولكن العبادة بنفسها غاية في التعظيم والتقديس، فهو مدلول عليه بمفهوم العبادة ومن خلال مادتها اللغوية.

وقد أشار القرآن الكريم إلى مسألة التوحيد في العبودية، أي (الإخلاص) وجعلها العنصر الاساس في قدرة الإنسان على الوصول إلى الدرجة العالية من التكامل.

قال تعالى :

 (إنّا أنزلنا إليكَ الكِتابَ فاعْبُدِ الله مُخلِصاً لهُ الدِين * ألا لله الدِينُ الخالِصُ والذينَ اتَّخذوا مِنْ دونِهِ أولياءَ ما نعبُدُهُمْ إلاّ لِيُقرِبونا إلى الله زُلفى إنَّ الله يحكُمُ بينهُم في ما هُم فيهِ يختلِفُون إنَّ الله لا يهدي مَنْ هُوَ كاذِبُ كفَّار)(11).

 (قُلْ إنّي اُمِرتُ أنْ أعبُدَ الله مُخلِصاً لهُ الدِينَ)(12).

(والذينَ اجتَنَبوا الطاَّغُوتَ أنْ يعبُدوها وَأنابوا إلى الله لهُمُ البُشرى فبشرْ عِبادِ * الذينَ يستَمِعونَ القولَ فَيَتَّبِعون أحسنَهُ اُولئِكَ الذينَ هداهُمُ الله واوُلئِكَ هُم اُولو الألبابِ)(13).

وفي آيات اُخرى إشارة إلى انّ الذي اُنزل على الانبياء ـ عليهم السلام ـ أو اُمِرَ الناس به وطلب منهم ما هو إلاّ العبادة المخلصة.

قال تعالى:

 (وما اُمِروا إلاّ لِيَعبُوا الله مُخلِصينَ لهُ الدين حُنفاء ويُقِيموا الصلاة ويُؤتوا الزّكاة وذلكَ دِينُ القيمة)(14).

(هُوَ الحيّ لا إلهَ إلاّ هُوَ فادعوه مُخلِصينَ لهُ الدين)(15).

وانّ إخلاص الإنسان في عبادته سبيل نجاته وعدّه في صف المؤمنين.

قال تعالى :

 (إلاّ الذينَ تابوا وَأصلَحوا واعتَصَموا بِالله وأخلَصوا دينُهم لله فاُولئِكَ معَ المُؤمِنين)(16).

فالدين الذي هو دين الله إنّما هو الدين الخالص.

والعبادة لا بد أن تكون خالصة منزهة عن مسألة الشرك.

وقد كانت قضية الشرك بالله من أهم القضايا الاساسية التي عالجها القرآن الكريم في مختلف سوره ومراحل نزوله، حيث كانت مطروحة في التأريخ البشري وفي البيئة التي نزل فيها القرآن بشكل خاص.

اضافة إلى دلالة ضمير المفرد المخاطب على مسألة الإخلاص ونفي الشريك، فإنّ في تقدّمه على الجملة (إيّاك نعبد) دلالة على حصر العبودية به تعالى الذي يفهم منه (الإخلاص الكامل) له تعالى، أيضاً.

وفي اسلوب الخطاب دلالة على (الحضور)، وقد اهتمّ القرآن الكريم في آيات عديدة ببيان حقيقة قربه عزّ وجلّ من الإنسان في كل مكان وزمان وانّه يسمع الإنسان ويراه ويعرف سرّه ونجواه.

قال تعالى :

(ونحنُ أقربُ إليهِ مِن حبلِ الوريد)(17).

(ونحنُ أقربُ إليهِ مِنكُم ولكِن لا تُبصِرون)(18).

(أم يحسبون انا لا نسمعُ سِرّهُم ونجواهُمْ)(19).

2 - تدلّ الصياغة في (إيّاك نعبد) على انّ العبادة مسؤولية جماعية وليست مسؤولية فردية، حيث يمكن أن توحي بذلك فيما لو كان الفعل بصيغة المفرد (إيّاك أعبد)، فالإنسان مسؤول عن عبادته ومسؤول عن أن يعبد الآخرون معه الله تعالى.

قال تعالى:

(وتواصَوا بِالحق وتواصَوا بِالصَبر)(20).

(ولتكُنْ مِنكُمْ اُمةُ يدعونَ إلى الخيرِ ويَأُمرون بِالمَعروفِ وينهَونَ عنِ المُنكَر واوُلئِكَ هُمُ المُفلِحون)(21).

(والذينَ إن مكنّاهُم في الأرضِ أقاموا الصلاةَ وآتوا الزّكاة وأمروا بِالمَعروفِ ونهوا عنِ المُنكرِ ولله عاقِبَةُ الاُمور)(22).

(والمُؤمِنونَ والمُؤمِنات بعضُهُم أولِياء بعض يأمُرونَ بِالمَعروفِ وينهونَ عنِ المُنكر ويُقِيمونَ الصلاةَ ويُؤتون الزكاةَ ويُطيعونَ الله ورسولَه اُولئِكَ سيرحمُهُم الله إنَّ الله عزيزُ حكيم)(23).

3 - وعندما تكون صيغة الفعل (نعبد) تدلّ أيضاً على انّ عبادة الإنسان الاختيارية هي حالة منسجمة مع ما هو موجود وقائم في الكون كلّه، اذ اشير سابقاً الى ان ظاهرة العبادة لله ظاهرة موجودة في كل الكون الذي يسير بها نحو تكامله من خلال الإرادة التكوينية، وتشمل هذه الظاهرة حينئذ الإنسان أيضاً، غاية ما في الأمر انّ تكامله لا يتم إلاّ من خلال إنسجام إرادته مع الإرادة التشريعية لله تبارك وتعالى، كما قلنا، ولعلّ هذا هو الذي تشير إليه الآية (18) من سورة الحج، حيث جاء التعبير (وكثير من الناس) في مقام العطف على سجود الشمس والقمر والنجوم.

4 - كما إنّ هيئة الفعل الدالة على الجمع (...نعبد...) تجعل الفرد مندكاً وذائباً في الجماعة ولا يرى العابد نفسه شيئاً أمام الله تبارك وتعالى، وبذلك يعالج الإنسان حالة الانانية في شخصيته التي هي المصدر الاساسي لنمو عنصر الطغيان ووجود حالة الطاغوت في الإنسان، وهذا بخلاف ما لو ورد التعبير ب(إيّاك أعبد)، فقد يحس الإنسان بأنّه شيء مستقل في مقابل الله تعالى الواحد الاحد، فهو وجود قبالة وجود الله، غاية ما في الامر انّه وجود عابد لله تعالى، وحينئذ تتكرّس عنده حالة الانانية من خلال هذا الشعور الخاطئ.

ثالثاً: الاستعانة تعبير عن الحاجة

ويمكن أن نفهم جميع الابعاد والخصوصيات في (إيّاك نستعين) ممّا ذكر من خصوصيات لعبارة (إيّاك نعبد)، إذ انّ الفرق بينهما انّما هو في الفرق بين مادتي (الاستعانة) و(العبادة)، وأما الابعاد الاُخرى المرتبطة بالهيئة واسلوب التعبير و صياغته فهي تأتي بنفسها في (إيّاك نستعين) فلا نحتاج أن نعيدها.

وأما الاستعانة فهي عنصر أساسي أيضاً في التكامل المرتبط بالإنسان كالعبادة. والآية بجزئها الثاني (إيّاك نستعين) في معرض تنبيه الإنسان إلى انّ تكامله لا يتم بمجرّد أن يكون مريداً لذلك، بل هو لا يستطيع شيئاً إلاّ بإرادة الله تبارك وتعالى وبالاستعانة به.

وان هذه الاستعانة مطلقة ايضاً وتنسحب على كل وجوده.

وانّ إحساس الإنسان بالحاجة إلى الله، الامر الذي يفرض الاستعانة بالله تبارك وتعالى سيكون علاجاً لما قد يحدث في نفسه من شعور من خلال (إيّاك نعبد) من انّ ارادته ارادة مستقلة عن إرادة الله، بل هي إرادة خاضعة لإرادته عزّ وجلّ، خصوصاً بعد أن اشير إلى انّ تكامل الإنسان لا يتم إلاّ من خلال تطابق إرادته مع إرادة الله عزّ وجلّ الامر الذي يوحي بوجود إرادتين مستقلة إحداهما عن الاُخرى.

وقد أكدّ القرآن الكريم هذا الامر من خلال آيات كثيرة، وبيّن انّ الإرادة والإشارة الحاكمة على كل الإرادات والمشيئات هي إرادته عزّ وجلّ.

قال تعالى :

(إنّما أمرهُ إذا أراد شيئاً أن يقول لهُ كُن فيكون)(24).

(وما تشاؤون إلا أن يشاءَ الله)(25).

(ولا تقُولنّ لِشيءٍ انّي فاعِلُ ذلِك غداً * إلا أن يشاءَ الله...)(26).

اضافة إلى انّ الشعور بالحاجة الذي تعبّر عنه (الاستعانة) يعالج في الإنسان أيضاً (الهوى) والميل إلى الطغيان، حيث يرى نفسه يملك الإرادة والاختيار، بحيث يتصرّف أحياناً بما يخالف الإرادة التشريعية لله تعالى.

النكتة الثانية: الأهداف التربوية والعقائدية

يتضمّن هذا المقطع مجموعة من القضايا العقائدية والتربوية المهمة، ومنها :

اولاً - العقائدية :

حيث تمّ تأكيد جانب التوحيد الخالص والعبادة الخالصة لله تبارك وتعالى من خلال (إيّا نعبد) وهي أهم فكرة عقائدية في الإسلام، ومن خلال (إيّاك نستعين) على حاجة وفقر الإنسان للاستعانة بالله تبارك وتعالى في كل أعماله وتصرّفاته التي هي فكرة عقائدية أيضاً، حيث تدل على انّ الإنسان (حادث) ومخلوق لله تعالى (الغني).

ثانياً: التربوية

1 - يفهم من قوله تعالى (إيّاكَ نعبُد) العبادة المطلقة الشاملة، وهذا يدل على انّ بإمكان العبد أن يجعل حالة العبادة تعم كل تصرّفاته وأفعاله حتى تلك التي يهواها في نفسه من أكل وشرب وغرائز مختلفة، حيث يمكنه أن يمارس كل ذلك بقصد التقرّب لله تعالى والشكر له على هذه النعم، واعطاء هذه الفرصة الكبيرة للإنسان للتعبير عن عبادته وشكره هو من أفضل النعم الإلهية عليه، ولعلّ الميزة الاساسية التي يتفاضل بها الانبياء وغيرهم من المعصومين على بقية البشر - اضافة إلى العصمة من الذنوب - هي انّهم يحوّلون جميع أعمالهم وتصرّفاتهم إلى أعمال عبادية يقصدون بها التقرّب إلى الله تعالى ـ كما يذكر ذلك عن المعصومين عليهم السلام ـ.

2 - وانّ الإنسان كلّما اقترب من الحالة الواقعية ل(إيّاكَ نعبدُ) بمعنى المطلق الشامل، أي بمعنى انّه يجعل كل وجوده خاضعاً لله تعالى كلّما اقترب من الله عزّ وجلّ وترقّى في سلم التكامل والتطوّر، لانّ طريق التكامل للإنسان هو العبادة الاختيارية له.

3 - وانّ الإنسان ليس له وجود مستقل قبالة الجماعة، وانّ تكامله وإن كان بالإمكان أن يحصل بشكل فردي ولكنّه تكامل محدود، وانّ الحالة الفضلى للتكامل ما يتم من خلال الجماعة، ولذلك جعل مكلّفاً وموظّفاً لتغيير الجماعة وإيجاد التكامل فيها.

4 - وانّ الإنسان لا يمكنه أن يسير في طريق التكامل اعتماداً على إرادته واختياره فحسب، بل لا بدّ له من الاستعانة بالله تبارك وتعالى حتى وإن كان عابداً مختاراً، وإنّ مستقبله وتكامله مرهون بيد الله ولا يستطيع أن يرسمه هو وحده، إذ لا بدّ فيه من أن تتطابق إرادته مع إرادة الله التشريعية، وهذا الامر لا يحصل إلاّ من خلال العون الإلهي.

________________________

(1) الحمد: 5 .

(2) مريم: 93.          

(3) الرعد: 15 .

(4) الحج: 18 .

(5) النحل: 40 .

(6) يس: 82 .

(7) البقرة: 185 .

(8) المائدة: 6 .

(9) قد يشترك الجن مع الانسان في هذه الخصوصية بمستوى ما باعتبار امتلاكه للارادة وأنه مكلف كما يفهم من بعض الآيات الكريمة.

(10) الاباحة والحلية قد تعبّر عن مصلحة ايضاً في اطلاق العنان لانسان ومنحه الحرية فاذا تطابق سلوك الانسان مع الاباحة والاطلاق والحرية تحقق التكامل بخلاف ما اذا الزم نفسه ببعض الالتزامات، كما في الرهبانية المذمومة فإنه لا يتكامل بهذا الالتزام.

(11) الزمر : 2 - 3.   

(12) الزمر : 11.

(13) الزمر : 17 - 18.

(14) البينة : 5.

(15) غافر : 65.

(16) النساء : 146.

(17) ق : 16.    

(18) الواقعة : 85.

(19) الزخرف : 80.   

(20) العصر : 3.

(21) آل عمران : 104.

(22) الحج : 41.

(23) التوبة : 71.

(24) يس : 82.     

(25) التكوير : 29.

(26) الكهف : 23 - 24.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=323
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24