• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) .

تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

علي كريم بورقراملكي - كاتب وباحث إسلامي، من إيران.

 ترجمة: د. الشيخ ميثم الربيعي - أستاذ في كلية الأديان والمذاهب، من العراق، وعضو هيئة التحرير في مجلة الإصلاح الحسيني.

 

المقدّمة

استودع النبي(صلى الله عليه واله) أُمّته ـ طبقاً لحديث الثقلين المعتبر والمشهور ـ جوهرتين ثمينتين: إحداهما القرآن الكريم، والأُخرى أهل البيت(عليهم السلام)، ولا يمكن أن يتحقّق القبول لهذا الحديث المأثور عن الرسول(صلى الله عليه واله) بقبول إحداهما دون الأُخرى، فلا بدّ أن يكونا ـ جنباً إلى جنب ـ موضعاً لاعتزازنا وتقديرنا، وفقاً لوصية النبي(صلى الله عليه واله).

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى إذا كانت كلّ واحدة من هاتين الجوهرتين بياناً وتفسيراً للأُخرى ـ كما يمكن أن نستشف ذلك جيّداً من حديث الرسول(صلى الله عليه واله) ـ فإنّ كلاً منهما ستُمثّل تجسّداً وتجلّياً للأُخرى. وعليه؛ فالمستفاد من حديث الرسول(صلى الله عليه واله) هو أنّ جميع أهل البيت(عليهم السلام) يمثّلون القرآن الكريم في حياتهم.

والجدير بالإشارة ـ والحال هذه ـ ما يمكن أن يُظنّ من أنّ نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وحركته ضدّ خليفة عصره (يزيد بن معاوية) تمثّل تخلّفاً عن العمل بالقرآن الكريم، بَيدَ أنّه إذا أخضع الإنسان سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى نظرة واقعية، ودرسها وفق رؤية قرآنية، تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية الحاكمة على تلك المدّة، فسيُدرك بسهولة أنّ سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) تكشف بذاتها أنّه(عليه السلام) لم يتنكّب طريق العمل بآيات القرآن الكريم في جميع مراحل حركته، وأنّ هدفه من النهضة أساساً هو هدف قرآني وسماوي، فالإمام الحسين(عليه السلام) يمثّل الشخصية التي استطاعت أن تجسّد القرآن الكريم بصورة واقعية في حياتها الحافلة بالمفاخر.

بناءً على ذلك، بوسعنا أن نقول: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ كجدّه العظيم(صلى الله عليه واله) وأبيه(عليه السلام) وسائر الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) ـ يمثّل تجسيداً للقرآن الكريم، وإنّنا في هذا المقال نحاول أن نلقي نظرةً على الآيات القرآنية التي تبلورت في حياته(عليه السلام)؛ لنبيّن أنّه(عليه السلام) كان الحامي والذائد الحقيقي عن دين رسول الله(صلى الله عليه واله) إزاء الأعداء من قبيل يزيد بن معاوية، وربّما تكون هذه الآيات كثيرة، ولكنّنا سنكتفي هنا بذكر موارد منها بصفتها أُنموذجاً.

أوّلاً: الآيات الدالة على إقامة الصلاة ومناجاة اللّه

تعدّ الصلاة من الموضوعات المهمّة جداً في الدين الإسلامي، ومن الواجبات المفروضة على كلّ مسلم، فمن جهة يعدّها الله تعالى من صفات المتقين؛ إذ يقول: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا..)[1]، ومن جهة أُخرى يقدّمها من الصفات المهمّة، كصفة الزكاة وفي آيات متعدّدة، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[2]، وغيرها من الآيات[3]، وحري بالذكر كذلك أنّ الصلاة ـ من جهة ـ قد عُدّت في الأحاديث المأثورة عن الأئمّة(عليهم السلام) عموداً للدين، كما في الحديث القائل: «الصلاة عمود الدين»[4]، وعدّت من جهة أُخرى ميزاناً لقبول سائر الأعمال، كما في الحديث القائل: «... فإن قُبلت قُبل ما سواها، وإن ردّت ردَّ ما سواها»[5].

صلاة الإمام الحسين(عليه السلام) ومناجاته

لنلحظ الآن ما هو دور هذه المسألة الحيوية في حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، ومن الأفضل ـ بُغية الوقوف على أبعادها ـ أن نُلقي نظرةً على ما ذكره المؤرّخون فيما يرتبط بهذه المسألة. يذكر الطبري وآخرون ـ مثلاً ـ أنّ العباس(عليه السلام) بعدما عاد إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ليطلعه على ما دار بينه وبين شمر بن ذي الجوشن من حديث، قال له الحسين(عليه السلام): «ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة، وتدفعهم عنّا العشية، لعلّنا نُصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أُحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار»[6].

وبعدما اشتدّ القتال يقول ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) قال أبو ثمامة الصائدي لأبي عبد الله(عليه السلام): «...أُحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها... فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المُصلّين الذاكرين! نعم، هذا أوّل وقتها، ثمّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي»[7].

تحليل وإيضاح

يمكننا أن نستفيد من هذه الحادثة نقطتين مهمتين:

الأُولى: أوضح الإمام الحسين(عليه السلام) في هذا الكلام أنّه يحبّ الصلاة، ممّا يكشف بوضوح أنّ المُصلّي الواقعي لا يكتفي بإقامة الصلاة فقط، بل ينبغي أن يكون محبّاً لها، ومروّجاً لثقافة الصلاة في وسط المجتمع، فإنّ الإمام(عليه السلام) بإقامته الصلاة جماعة ـ بمرأى من جيشه وجيش العدو ـ قد أوصل رسالة تُنبئ الجميع بأهمّية إقامة الصلاة في أوّل وقتها.

الثانية: أراد الإمام(عليه السلام) من خلال هذا السلوك العرفاني الخالص، أن يعرض في ظهيرة العاشر من محرّم ـ أمام الصديق والعدو ـ جميع أبعاد هذه العبادة، وأسرارها وأجزائها، في أجمل صورها وأكملها وبكل إخلاص وعشق.

وفيما يرتبط بحبّ الإمام(عليه السلام) للصلاة في ذلك الظرف الخطير يمكن أن نُشير إلى الأسباب الآتية:

1ـ قد ثبت من وجهة نظر علم النفس أنّ الصلاة تمنح الإنسان حالة من الطمأنينة، وأنّ الإنسان يصل في كنفها إلى الشعور بالسكينة والهدوء، وأنّه يتلقّى بواسطتها نوعاً من العلاج، ومن الطبيعي أنّ كلّ ذلك منوط بمقدار حضور القلب، واستجماع الحواس، ومناجاة الربّ الرحيم.

والسبب في أنّ الصلاة تبعث على الطمأنينة هو أنّ العلاج بواسطة الاسترخاء يعدّ في حدِّ ذاته من المواضيع التي حظيت بقبول المعالجين النفسيين، وليس هناك شك في أنّ الصلاة هي إحدى طرق الاسترخاء والسكينة، وقد وظّف أحد العلماء ـ ويدعى (ولبي) هذه الطريقة بصفتها وسيلة في العلاج[8].

2ـ إنّ طرح المشاكل والحوادث المسبّبة للاضطراب في جوّ من السكينة أثناء الصلاة يؤدّي بنفسه إلى تحرّر الإنسان من القلق والاضطراب.

3ـ إنّ ذكر المشاكل والتصريح بها يخفّف في حدِّ ذاته من شدّة اضطراب الإنسان، تماماً مثلما يسبّب التحدّث بالمشاكل إلى صديق حميم شعوراً بالراحة لدى الإنسان.

4ـ إنّ مجرد الدعاء والمناجاة يؤدّي في حدِّ ذاته إلى التقليل من حجم الاضطراب عند الإنسان، فالمؤمن ـ في الحقيقة ـ يزوّد نفسه من خلال عقد الأمل باستجابة الدعاء بسند قويّ في مواجهة المشاكل والحوادث والمصاعب، وبهذا الشعور من المدد الغيبي يهبّ لمواجهة الحوادث.

5ـ تؤدّي الصلاة بواسطة ما توجده من رابطة معنوية إلى النشاط المعنوي ومضاعفته لدى الإنسان، وربّما يكون هذا الشعور هو سبب الشفاء السريع لبعض المرضى عندما يقومون بزيارة الأضرحة والمعابد.

وبملاحظة النقاط المدرجة أعلاه يمكننا أن نعرف السبب الذي جعل من بعض الأحاديث تُرشد قائلة: «ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضّأ، فيدخل المسجد، فيركع ركعتين، يدعو الله فيهما، أَما سمعت الله يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة»[9]، وقد كان النبي(عليه السلام) ـ طبقاً لما رُوي عن الإمام علي(عليه السلام) ـ كلّما دخله هم وغم يقول: «أرحنا يا بلال»[10].

ثانياً: الآيات الدالة على التمسّك بالعهد والميثاق

إنّ الوفاء بالعهود والمواثيق في الإسلام من المسؤوليات الحتمية لكلّ فرد مسلم، وقد عدّ القرآن الكريم هذا الموضوع من علامات المؤمنين؛ إذ يقول(عز وجل): (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[11]، ويقول تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[12]، ويقول الرسول(صلى الله عليه واله): «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفِ إذا وعد»[13]، ويقول الإمام موسى الكاظم(عليه السلام): «لا دين لـمَن لا عهد له»[14].

تمسّك الإمام الحسين(عليه السلام) بالعهود والمواثيق

لنلحظ الآن ما لهذا الموضوع من دور في حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، وإلى أيّ مدى كان(عليه السلام) ملتزماً بهذا الموضوع المهم؟

عندما يبتغي الإمام الحسين(عليه السلام) أن يُثني على أصحابه يُشير ـ قبل كلّ شيء ـ إلى صفة الالتزام بالعهود والمواثيق، يقول(عليه السلام) كما نقل الشيخ المفيد(رحمه الله): «أمّا بعدُ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي...»[15]، وكذلك ينقل رحمه(رحمه الله) فيما يرتبط برفض الإمام(عليه السلام) لنقض العهد في حياة معاوية: «وكتبوا إلى الحسين(عليه السلام) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدّة»[16].

ويقول الشيخ المجلسي(رحمه الله): «إنّ الطرماح بن حكم قال: لقيت حسيناً وقد امترت لأهلي ميرةً، فقلت: أُذكرك في نفسك، لا يغرّنك أهل الكوفة، فو الله، لئن دخلتها لتُقتلَن، وإنّي لأخاف أن لا تصل إليها، فإن كنت مجمعاً على الحرب فانزل أجأ، فإنه جبل منيع، والله، ما نالنا فيه ذلّ قطُّ، وعشيرتي يرون جميعاً نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم. فقال: إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أن أخلفهم»[17].

وفي مقابل ذلك، فإنّ أكثر ما أحزن الإمام الحسين(عليه السلام) وآذاه هو نقض أهل الكوفة لعهدهم، وقد بلغ هذا الموقف الشنيع منهم حدّاً استدعى لعن الإمام(عليه السلام) لهم؛ إذ يقول(عليه السلام): «تباً لكم أيّتها الجماعة وترحاً وبؤساً لكم، حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين...أَلا لعنة الله على الظالمين الناكثين، الذين ينقضون الأيمان بعد التوكيد»[18].

تحليل وإيضاح

توجد هنا نقطتان جديرتان بالالتفات والتأمّل:

الأُولى: لم يكن الثبات والتمسّك بالعهد أمراً بعيداً عن التوقّع بالنسبة لشخصية كشخصية الإمام الحسين(عليه السلام)، فهو الذي تربّى على يدي النبي)صلى الله عليه واله) الذي تمكّن بسيرته أن يعلّم الآخرين درس الوفاء، ذلك النبيّ الذي لم يتخلَّ عن عهوده ومواثيقه وهو يتعامل مع الكفار، حتّى وإن كانت تعود عليه بالضرر... يقول تعالى: (...فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ...)[19].

الثانية: يمثّل مدح الإمام(عليه السلام) لأصحابه ـ في الواقع ـ مدحَ القرآن لـمَن يتحلّون بصفة الوفاء بالعهد في قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ)[20]، وفي المقابل يمثّل الأشخاص الذين لعنهم الإمام(عليه السلام) لنقضهم العهد ذات الأشخاص الذين استحقوا اللعن في القرآن الكريم للسبب ذاته؛ إذ يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[21].

ثالثاً: الآيات الدالة على الكرم والسخاء

يُعدّ الجود والسخاء من الفضائل الإنسانية التي أثنى عليها القرآن الكريم؛ إذ يقول تعالى في سورة الإنسان: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)[22].

جود الإمام الحسين(عليه السلام) وسخاؤه

يقول العلّامة المجلسي(رحمه الله) فيما يرتبط بجود الإمام(عليه السلام) وكرمه: «جاءه رجل من الأنصار يُريد أن يسأله حاجة، فقال(عليه السلام): يا أخا الأنصار، صن وجهك عن بذلة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنّي آتٍ فيها ما سارّك إن شاء الله. فكتب: يا أبا عبد الله، إنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار، وقد ألحّ بي، فكلّمه ينظرني إلى ميسرة. فلمّا قرأ الحسين(عليه السلام) الرقعة دخل إلى منزله، فأخرج صرّةً فيها ألف دينار، وقال(عليه السلام) له: أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، وأمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروّة، أو حسب، فأمّا ذو الدين فيصون دينه، وأمّا ذو المروّة فإنّه يستحيي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك»[23].

وجاء في رواية أُخرى: «أتاه رجل فسأله، فقال(عليه السلام): إنّ المسألة لا تصلح إلّا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو حمالة مفظعة»[24].

يقول الشيخ المفيد(رحمه الله): «وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين(عليه السلام) في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدو أسيافهم، فقال الحسين(عليه السلام) لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا، وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها»[25].

ويقول الشيخ عباس القمّي(رحمه الله): «يقول علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذٍ، فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين(عليه السلام) ما بي وبفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية. والراوية عندي السقاء، فقال: يابن أخي، أنخ الجمل. (مراده الجمل الذي يحمل الماء)، فأنخته، فقال: اشرب. فجعلت كلمّا شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء. أي: اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل، فقام فخنثه، وسقيت فرسي»[26].

إنّ سلوك الإمام(عليه السلام) الحافل بالجود والسخاء تجاه أعدائه في واقعة عاشوراء وفي حين الشدّة يكشف عن أخلاقه الحسنة؛ ولذلك عندما سأله أمير المؤمنين(عليه السلام): «يا بُنيّ ما السؤدد؟ قال: اصطناع العشيرة، واحتمال الجريرة»[27]، وفي رواية أُخرى: «قيل للحسين بن علي(عليه السلام): ما الفضل؟ قال: ملك اللسان، وبذل الإحسان»[28]، وقال(عليه السلام):«أجود الناس مَن أعطى مَن لا يرجوه»[29]، وقال(عليه السلام): «أجود الناس مَن جاد بنفسه وماله في سبيل الله»[30]، وأخيراً قدّم الإمام الحسين(عليه السلام) لحبيبه كلّ ما عنده في صحراء كربلاء على طبق الإخلاص.

التفاتة: طبقاً لمنطق الإمام الحسين(عليه السلام) ينبغي ـ بناءً على ما ذُكر في الروايات المتقدّمة ـ
أن يقترن السخاء بالحفاظ على العزّة والكرامة الإنسانية، فلا ينتهي الجود إلى إذلال الشخص المحتاج، والانتقاص منه، من هنا كان(عليه السلام) يولي الكرامة الإنسانية كلّ الاهتمام، ويؤكّد أنّه لا ينبغي النيل من كرامة الإنسان بلا حق، فقد كان(عليه السلام) ـ على كلّ حال ـ متحلّياً بهذه الصفة المتميّزة على أفضل وجه، وكان(عليه السلام) يعمل وفقاً لهذه الصفة الحسنة، مراعياً جميع الجوانب الأخلاقية، ويمكن القول: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ في الحقيقة ـ هو القرآن الناطق.

رابعاً: الآيات الدالة على العزّة والإباء

يَعدّ القرآن الكريم في بعض آياته رفضَ الذلّ من الصفات الحسنة، يقول تعـالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...)[31]، وينسب هذه الصفة إلى الله تعالى والرسول(صلى الله عليه واله) والمؤمنين: (...وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...)[32]، حتّى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: «فَإِنَّه جَلَّ اسْمُه قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَه، وإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّ»[33]، وعليه ينبغي لكلّ شخص ـ طبقاً لتعاليم القرآن الكريم والأحاديث ـ أن يذبّ عن شرفه وعن كرامته الإنسانية، وليس له أن يُهين منزلته بالرضوخ للذلّ بأيّ شكل من الأشكال، من هنا يُعدّ الانتحار في الدين الإسلامي ذنباً، يستوجب العذاب بنار جهنّم يوم القيامة؛ لأنّه ليس لأيّ إنسان الحق في أنّ يطأ بقدميه شرف الإنسانية وكرامتها.

نظرة إلى عزّة الإمام الحسين)عليه السلام) ورفضه للذلّ

جاء في الأحاديث أنّ الرسول(صلى الله عليه واله) اعتبر الإمام الحسين(عليه السلام) أُسوةً في العزّة والفخر، وأنّه(صلى الله عليه واله) قال فيه: «إنّه لمكتوب عن يمين عرش الله)عز وجل): مصباح هدى وسفينة نجاة، وإمام خير ويُمن وعزّ وفخر وعلم وذخر»[34]، ويعني هذا الحديث أنّ الطريق إلى الخير والكمال والعزّة والشرف هو التأسي والاتّباع لسيرة الإمام الحسين(عليه السلام)، لما يتبوّأه(عليه السلام) من مكانة رفيعة، ولذلك لم يخضع الإمام(عليه السلام) للظلم والضيم إطلاقاً، وآثر الدفاع عن الحقّ على أن يعيش ذليلاً، وأصبح الصوت المطالب بالحرية في العالم، وكمثال على ذلك: عندما واجه(عليه السلام) صفوف الأعداء خاطبهم قائلاً: «أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك، هيهات منّي الذلّة! أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طهرت، وحجور طابت، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»[35].

وعندما حمي وطيس المعركة، وبينا كان الإمام(عليه السلام) في ميدان القتال إلى اللحظة التي استُشهد فيها، كانت تشع في خطابه هذه الكلمات:[36]

 

الموت خير من ركوب العار

 

والعار خير من دخول النار

 

تحليل وإيضاح

يقول الشيخ جوادي آملي: «ميزة العزّة أنّها لا تقف عند حدّ عدم التسليم إلى المعتدي، بل تقوم بقمعه، وميزة العزيز أنّها لا تقف عند حدّ الحفاظ على نفسه، والدفاع عن حقّه، بل يقوم بالتصدّي والقضاء على كلّ مَن يُثير الشغب بُغية تضييع الحق»[37].

والآن يمكننا القول بضرس قاطع: إنّ منشأ التفكير والرؤية المتحلّية بالعزّة ورفض الذلّ هو الإيمان والاعتقاد القلبي الصادق، ذلك الإيمان الذي يحرّر أتباع الحق من الرذائل، والعلائق المادّية الفانية، ويشدّهم إلى الأبدية، ويقودهم إلى مذبح الحق باختيارهم وهم في حالة جذل وهيام.

طبقاً لهذه الرؤية تكون الحياة مع الطغاة عاراً، ولا تنسجم مع الإيمان والكرامة الإنسانية، وينبغي يقيناً مقاومة الظلم، والوقوف بوجهه، ويمثّل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام) ـ على حدّ تعبير ابن أبي الحديد ـ الشخصية التي لقّنت الأُمّة درس الحمية، وإيثار الموت تحت ظلّ السيوف على حياة دنية وفانية، وإنّه(عليه السلام) سيّد أهل الإباء[38]، وبحسب تعبير الإمام الخميني(رحمه الله): «إنّ المدرسة التي كادت تندثر بسبب الانحرافات التي جسّدتها نفايات الجاهلية، تحت شعار (لا خبر جاء ولا وحي نزل)، ظهر من أجلها شخص كبير، ليحقق إنجازاً عظيماً، بتضحيته الفريدة، ونهضته الإلهية»[39].

نعم، خلاصة الكلام هو أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو الشخصية التي استطاعت بسيرتها أن تعلّم المسلمين العزّة في العلاقات الفردية والاجتماعية، وأن تُظهر للبشرية المفاهيم القرآنية السامية، وأن تصطبغ كالقرآن بلون الأبدية والخلود.

خامساً: الآيات الدالة على إقامة علاقة الحبّ مع الله

يُشير القرآن في عدد من الآيات ـ كما في الآية (54) من سورة المائدة[40] ـ إلى هذا الموضوع المهم من أنّ هناك رجالاً مشوا في طريق الله، فأحبّوا الله بصدق، وأحبّهم الله. إنّ علاقة هؤلاء الرجال بالآخرين هي في سبيل الله، ولأجل مرضاته تعالى، فهم يحبّون الله من صميم أفئدتهم، وهم يتحلّون بالثبات والاستقامة في هذا السبيل؛ لأنّ حبّهم حقيقي وواقعي، لا يبتغون به مطامع دنيوية، فلا يقومون بمثل هذه الأعمال مراءاة بالتزامهم الديني، وإبرازاً لشخصياتهم أمام الآخرين، بل انطلاقاً من حبّهم الصادق، حتّى أنّهم على استعداد للتضحية بأنفسهم في سبيل المحبوب الخالق لتلك النفوس، يقول الرسول(صلى الله عليه واله) في هذا المجال: «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه، ويكون عترتي أحبّ إليه من عترته، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله، ويكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته»[41].

حبّ الإمام الحسين(عليه السلام) للّه تعالى

ولننظر الآن كيف تجسّد وتبلور هذا الحبّ والعشق الإلهي في وجود الإمام الحسين(عليه السلام)؟

في بداية حركته يقول الإمام الحسين(عليه السلام) حين زيارته لقبر الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله): «اللّهمّ، إنّي أُحبّ المعروف، وأُنكر المنكر»[42]، ثمّ يقول لابن الزبیر: «لأنْ أُقْتَلَ خارِجاً مِنها [أي: الكعبة] بِشِبْر أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ داخِلاً مِنْها بِشِبْر»[43]، ومع تسليمه(عليه السلام) بالقضاء والقدر الإلهي بيّن أنّ الهدف من حركته هو مقارعة الظالمين، وفي خطبة أُخرى بيّن أنّ الله تعالى ملاذه عند الشدائد، وفي كلام آخر بعد أن يبثّ إلى الله حاجته، مبيّناً أنّ إرادة الله هي إرادته، يغيّر لهجة الخطاب قائلاً: «اللّهم، هذا قبر نبيّك محمد، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللّهم، إنّي أُحبّ المعروف، وأُنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومَن فيه إلّا اخترت لي ما هو لك رضى، ولرسولك رضى»[44]، إلى أن يقول(عليه السلام): «يا إلهي، صبراً على قضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين»[45].

إنّ جميع هذه الكلمات، ومناجاة الإمام(عليه السلام) لله تعالى، وكلّ تلك الصفات، تُظهر ـ دون شك ـ أنّ محبّة الله قد ضربت بأطنابها على قلبه وروحه، فهو لا يرى وجهاً سوى وجهه تعالى، فلا خيرة له إلّا ما يختاره الله، ولا يسكن إلّا إليه تبارك وتعالى.

بناءً على ذلك؛ يمكننا أن ندّعي بضرس قاطع أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) استطاع أن يتنازل عن عواطفه، وأن يختار ما اختاره الله له، برغم حبّه الشديد لأولاده وأصحابه، وعدّه إيّاهم من نِعم الله عليه؛ لأنّ حبّ الله يجري في قلبه وعروقه، ولابتغائه رضا الله تعالى، ولأنّ إرادة الله تمثّل إرادته.

وكمثال لذلك: لمّا توفّيَ أحد أبنائه لم تظهر على محيّاه آثار الكآبة، فعُوتب على ذلك، فقال(عليه السلام): «إنّا أهل بيت نسأل الله)عز وجل) فيُعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحبّ رضينا»[46]، ويقول(عليه السلام) موجّهاً الخطاب للفرزدق في كلمة قصيرة وهو في طريقه إلى العراق: «وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يبعد مَن كان الحق نيته والتقوى سريرته»[47]، ويقول(عليه السلام) في موقف عرفات في يوم عرفة: «إلهي، تقدّس رضاك أن تكون له علّة منك، فكيف يكون له علّة منّي، إلهي، أنت الغني بذاتك أن يصل إليك النفع منك، فكيف لا تكون غنياً عنّي»[48]، ويقول(عليه السلام) في موضع آخر: «لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت»[49].

إنّ الداعي لحبّ الموت من قِبل المحبّين لله هو أنّ ذلك يمثّل إرادة الله تعالى، وصدق أولياء الله قولاً وفعلاً، فأولياء الله لا يدّخرون جهداً إزاء التسليم لأمر الله وقضائه وقدره، ولا يبالون بالموت في سبيل ذلك، وقد جاء في الحديث: «مَن أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه»[50].

تحليل وإيضاح

1ـ يرى أكثر العرفاء فيما يرتبط بتعريف الحبّ والعشق أنّهما لا يخضعان للحدّ والتعريف وإن قال ـ بعضهم معرّفاً أصل الحبّ والعشق ـ: «حقيقة الحبّ هي رابطة من روابط الاتحاد تشدّ المحبّ إلى المحبوب، وجذبة من جذبات المحبوب تدعو إليها المحب»[51]، أو هو: «قبس في القلب ينشأ من جذبة الحقّ إلى ذاته، وانجذاب العبد إليه، تبتغي هذه الشعلة المباركة من البداية أن تزيل الفاصلة بين المحبّ والمحبوب، وأن توصل المحبّ إلى المحبوب، وتجعل الفاني في الله خالداً بخلود الذات الإلهية، إنّ هذه الخصوصية لتلك الشعلة هي التي تعني الحبّ»[52].

يقول الخواجة عبد الله الأنصاري: «العشق نار محرقة، وبحر لا نهاية له، هو الروح، وهو روح الروح، وهو قصّة لا تنتهي، وداء بلا دواء، والعقل متحيّر في إدراكه، والقلب عاجز عن استيعابه، يخفي الظاهر، ويظهر المستور»[53].

2ـ مَن يحبّ الله يحبّ كلّ شيء يرتبط بالله وفقاً للرؤية القرآنية[54]، يقول العلّامة الطباطبائي في تفسير الآية (122) من سورة الأنعام: «وأمّا محبّة الله (سبحانه) فإنّها تطهّر القلب من التعلّق بغيره تعالى من زخارف الدنيا وزينها، من ولد أو زوج أو مال أو جاه، حتّى النفس وما لها من حظوظ وآمال، وتقصر القلب في التعلّق به تعالى، وبما ينسب إليه من دين أو نبي أو ولي وسائر ما يرجع إليه تعالى بوجه، فإنّ حبّ الشيء حبّ لآثاره.

فهذا الإنسان يحبّ من الأعمال ما يحبّه الله، ويبغض منها ما يبغضه الله، ويرضى برضا الله ولرضاه، ويغضب بغضب الله ولغضبه، وهو النور الذي يُضيء له طريق العمل»[55].

وأخيراً، فإنّ حياة الإمام الحسين(عليه السلام) حافلة بالمحبّة والنور، وقد كان إظهار الحبّ لله والتعلّق به قولاً وعملاً أمراً مشهوداً في جميع شؤون حياته(عليه السلام)، فقد اتخذ طريق المحبّة والسلوك، وسعى إلى وصال الله تعالى، ليقوده نور الله إلى طور الوصال، فيتزيّن بالحقائق التي يتحلّى بها المقرّبون، وینخرط في سلك المجذوبين، ليتولّى الله تدبير أُموره كلّها، وينظّم أُموره بنظمه واختياره.

سادساً: الآيات الدالة على التوكّل على اللّه والاعتماد عليه

يُعدّ الإصغاء لله والتوكّل عليه من أركان الإسلام وتعاليمه الحيوية، فالقرآن الكريم يؤكّد ذلك، ويدعو إليه في مواضع مختلفة، يقول تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[56]، فالآية تتحدّث عن المؤمنين الذين خاطبهم المنافقون بالقول: إنّ مشركي مكّة وأتباع أبي سفيان قد اجتمعوا لكم فاحذروهم، فما كان منهم إلّا أن قالوا: حسبنا الله في مقابل كل عدو، ونعم العون هو الله.

وفي موضع آخر يدعو الله إلى التوكّل عند اتخاذ القرارات؛ إذ يقول: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)[57]، ويدعو المؤمنين إلى التوكّل قائلاً: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[58]، ويقول كذلك: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[59]، وفي آية أُخرى يبيّن الله عجز الشيطان عن أن يطال سلطانه المؤمن المتوكّل: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[60]، وفي موضع آخر يُبيّن الله تعالى أنّ المؤمن يتحلّى بسبع خصال مهمّة: (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)[61].

في هذه الآيات يُبيّن الله تعالى سبعة برامج للمتوكّلين، وهي كالآتي:

1ـ اجتناب الكبائر والفواحش.

2ـ العفو عند الغضب.

3ـ الاستجابة لدعوة الله.

4ـ إقامة الصلاة.

5ـ المشورة في أُمورهم.

6ـ الإنفاق.

7ـ عدم الاستسلام للظلم.

توكّل الإمام الحسين(عليه السلام) واعتماده على اللّه

ولننظر الآن كيف تحلّى الإمام الحسين(عليه السلام) بهذه الخصال في حياته الغالية.

يقول الشيخ المفيد(رحمه الله) في هذا المجال: «لما صبَّحت الخيلُ الحسينَ رفع يديه وقال: اللّهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك؛ رغبةً منّي إليك عمَّن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت ولي كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة»[62].

وفي موضع آخر يعتبر الإمام الحسين(عليه السلام) العزّة والغنى رهينتي التوكّل على الله، فيقول(عليه السلام): «إنّ العزّ والغنى خرجا يجولان، فلقيا التوكّل فاستوطنا»[63].

فمثل هذا الخطاب يظهر منه ـ بلا شك ـ مدى إدراك قائله لأهمّية هذا الموضوع وكونه أساساً، فلم يكن الإمام(عليه السلام) متمسّكاً بالتوكّل على الله القادر في كلامه ورؤاه فحسب، بل في عمله وسيرته كذلك، وهذه الحقيقة يمكنها أن تكشف لنا عن السبب الذي جعل الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة عاشوراء يكرّر قول: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم»[64]، وجعله يستسهل كلّ تلك المصاعب والمشاق في ساحة كربلاء، بل جعلت من وجهه ـ خلافاً للعادة ـ يزداد نوراً وإشراقاً كلّما ترادفت المصائب عليه.

تحليل وإيضاح

يتضح ممّا ذكرنا أنّ التوكّل من المواضيع الأخلاقية المهمّة في الحياة، فهو موضوع يمكنه أن يمتدّ إلى جميع شؤون الإنسان في حياته، ولا سيّما عندما تقصر يد الإنسان عن التشبّث بالأسباب الطبيعية المادّية، فلا يتمكّن من خلالها من بلوغ غايته ومراده، ففي مثل هذه الظروف يستطيع الإنسان أن يتحلّى بالجرأة ورباطة الجأش، ليبلغ هدفه معتمداً على هذه الدعامة الروحية والنفسية المهمّة، من هنا تمسّك الإمام(عليه السلام) بحبل التوكّل على الله حينما قلّ ناصره وكثر عدوه، فلم يكن أمام الإمام(عليه السلام) في مثل تلك الظروف سوى طريق الشهادة في سبيل الله، ولم يكن له سوى التوكّل على الله[65].

سابعاً: الآيات الدالة على أهمّية الصدق في شؤون الحياة

 يقول تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) [66]، ويقول العلّامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: «وبالجملة، هو أن يرى الصدق في كلّ مدخل منه ومخرج، ويستوعب وجوده، فيقول ما يفعل، ويفعل ما يقول، ولا يقول ولا يفعل إلّا ما يراه ويعتقد به، وهذا مقام الصدِّيقين»[67].

بالتأمّل في معنى الآية يتضح أنّ الصدق لا يقف عند حدِّ المجالات الفردية والشخصية من حياة الإنسان، فالصدق بحسب مورد استعمال الآية مطلق، وبناءً على ذلك تشمل الآية بعمومها جميع الميادين، حتّى السياسية منها والاجتماعية، ومن هنا ينبغي لكلّ مسلم أن يُقيم حياته على أساس الصدق، ولا يحيد عن هذا المبدأ في جميع الظروف والأحوال.

صدق الإمام الحسين(عليه السلام) في حياته

أشار الإمام الحسين(عليه السلام) إلى مبدأ الصدق منذُ اللحظة الأُولى لانطلاق حركته السياسية الدينية؛ إذ قال(عليه السلام): «... إنّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأنّ الجنّة والنّار حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي(صلى الله عليه واله)»[68].

من الجدير الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد شهد الشهادتين
وذكر أنّ المعاد حق؛
لئلّا يحمل أحد خروجه على محمل المروق عن الدين، كما مرق عنه الخوارج بجهلهم، وليشير إلى نوع من الخروج المطلوب في المجتمع الإسلامي، وهو الخروج الإصلاحي في الإطار الديني الإلهي بعدما عدّد أنواعاً من الخروج السلبي التي تقف في الجهة المنافية للدين، كالخروج أشراً أو بطراً، أو فساداً أو ظلماً، وهكذا كان الإمام(عليه السلام) يتلو قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[69] كلّما بلغه نبأ استشهاد أحد أصحابه كمسلم قيس وبن مسهر وعبد الله بن يقطين، ليُظهر أنّ هدف هؤلاء الشهداء لم يكن سوى الصدق والوفاء بالعهد مع الله.

كان الإمام الحسين(عليه السلام) ـ بناءً على ذلك ـ لا يدعو إلى شيء حتّى يكون قد عمل به سابقاً، ولا يقول كلاماً حتّى يقرّه بعمله، فإذا دعا إلى الغيرة على الدين أظهر بعمله الغيرة الدينية الإسلامية، وإذا رغّب في صفات حميدة تحلّى هو بها، والعكس صحيح أيضاً، فإذا قام(عليه السلام) بعمل نصح الآخرين به، فقد كان(عليه السلام) يسعى إلى أن يجسّد الصدق بتمام معناه في حياته الإسلامية والقرآنية، مثلما عمل هو(عليه السلام) بهذه الحقيقة.

تحليل وإيضاح

إذا لم تكن مواقف الحكومة قائمة على أُسس الشريعة، وأدّى ذلك إلى تلوّث أفراد المجتمع مثل قيادته، فإنّ مثل هذه الحكومة وسياستها ستفتقد الشرعية الإلهية، وفي ظلّ غياب المشروعية والوجاهة الدينية ـ كما هو معلوم ـ تكون مسؤولية معالجة الحوادث على عاتق الجميع، فمن خلال تحقق هذه المسؤولية الجماعية سينكشف كذب كلّ دعوى أو موقف يقف في الجهة المخالفة، وعليه سيتضح لجميع أفراد المجتمع ماهية الحقائق وحقيقة الأشخاص.

وستكون النتيجة أنّ القيام بأيّ خطوة ضدّ الجهاز الأُموي الحاكم مصداقاً للخروج الصادق، والموقف الذي يحظى برضا الله تعالى، نظراً إلى أنّ هذا الجهاز كان مُبتلى بمثل تلك الأوضاع، وأنّه ـ طبقاً للشواهد التاريخية، وما نقله المؤرّخون ـ حافل بالظلم والفساد؛ ولذلك أقدم الإمام الحسين(عليه السلام) على نهضته الصادقة المستتبعة لرضا الله تعالى، لتتجلّى للمسلمين الحقائق، وليعرفوا أحقيّة أهل البيت(عليهم السلام).

ثامناً: كيفية العلاقات الإسلامية في القرآن

يقدّم القرآن الكريم تعاليم متنوّعة فيما يرتبط بطريقة تعامل الفرد المسلم إزاء سلوكيات الآخرين وتوجّهاتهم المختلفة، سواء كانوا مسلمين أم غيرهم، وكذلك أُسلوب التعاطي مع المسائل الاجتماعية والسياسية في الميادين الداخلية والعالمية، وهي في مجموعها على أربعة أقسام:

الأوّل: التعامل الحسن والمنطقي مع الجميع، بما فيهم الأعداء، يقول تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[70]، ويقول تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)[71].

الثاني: التعامل بمحبّة واحتفاء الأشخاص النادمين والتائبين، يقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)[72]، ويقول تعالى كذلك: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[73].

الثالث: التعامل بقسوة وشدّة مع أعداء الإسلام والقرآن الكريم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[74]، ويقول تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)[75]. يقول العلّامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: «... فإنّ المعنى: فإذا كانوا يتثاقلون في أمر الجهاد، ويكرهون القتال، فقاتل أنت يا رسول الله بنفسك، ولا يشقّ عليك تثاقلهم ومخالفتهم لأمر الله سبحانه، فإنّ تكليف غيرك لا يتوجّه إليك، وإنّما يتوجّه إليك تكليف نفسك لا تكليفهم، وإنّما عليك في غيرك أن تحرّضهم»[76].

الرابع: التعامل بخشونة وحزم مع الأصدقاء المنحرفين والمذنبين، فيأمر الله تعالى في موضع بعدم إطاعة المنحرفين فيقول: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)[77]، ويقول في موضع آخر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا)[78]، ويقول تعالى أخيراً في موضع آخر: (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[79].

أنواع العلاقات الاجتماعية للإمام الحسين(عليه السلام)

لننظر الآن كيف طبّق الإمام الحسين(عليه السلام) سلوكياً وعملياً هذه التعاليم المذكورة أعلاه، ففيما يرتبط بالقسم الأوّل ينبغي أن نقول: طبقاً لتلك الآيات وظّف الإمام(عليه السلام) أساليب مختلفة؛ بُغية الوصول إلى أهدافه الإسلامية الطاهرة، من جملتها:

1ـ أُسلوب الموعظة والنصيحة: إنّ هذا الأُسلوب يُعطي ثماره أحياناً، كما في قصّة زهير بن القين في الطريق بين مكّة وكربلاء[80]، ولا يجدي نفعاً في أحيان أُخرى، كما في قصّة عبيد الله بن الحر الجعفي[81].

2ـ أُسلوب التلطّف والمرونة: يتجلّى هذا الأُسلوب بشكل كامل في طريقة تعامل الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه مع جيش الحر بن يزيد الرياحي وتقديم الماء لهم، بل لخيلهم كذلك[82].

3ـ أُسلوب التوعية والتنوير: كما فعله الإمام الحسين(عليه السلام) ليلة عاشوراء مع أصحابه، فقد زوّدهم بالوعي الوافي والبصيرة الكافية[83].

أمّا فيما يرتبط بالقسم الثاني، فينبغي لنا أن نُشير إلى أنّ العفو والتسامح إزاء الأعداء الذين أخطأوا ثمّ تابوا وأظهروا الندم، قد تجلّى على أكمل وجه في واقعة كربلاء، وذلك حين قال الحر بن يزيد: «إنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أَفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك»[84]، وقد تجلّى مثل هذا السلوك ـ بلا شك ـ في تعامل سائر الأئمّة(عليهم السلام)، فقد سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن مكارم الأخلاق، فقال(عليه السلام): «العفو عمَّن ظلمك...»[85].

وفيما يرتبط بالقسم الثالث ينبغي أن نقول: إنّ نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وحركته مستلهمة أساساً من أمثال تلك الآيات، فقد بذل(عليه السلام) كلّ جهده للعمل بها، ولذلك قال(عليه السلام): «لا والله، لا أُعطي بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»[86]، وقال(عليه السلام): «أَما والله، لا أُجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله تعالى وأنا مخضّب بدمي»[87].

أمّا فيما يرتبط بالقسم الرابع المعني بكيفية تعامل الإمام(عليه السلام) مع المعاندين والمنحرفين فقد وجّه الإمام الحسين(عليه السلام) خطابه لأهل الكوفة لمّا رأى غدرهم، ونقضهم العهد، وهم الذين كتبوا له يدعونه بشوق أن يقدم إلى الكوفة مركز الخلافة، فقال(عليه السلام) مخاطباً تلك الجماعة التي احتشدت لقتله: «تباً لكم أيّتها الجماعة وترحاً...»[88]، وكذلك قال لابن عباس حينما حذّره من خطورة الخروج: «أنا أعرف بمصرعي منك، وما وكدي من الدنيا إلّا فراقها»[89].

تحليل وإيضاح

كما اهتمّ القرآن الكريم بالجوانب الروحية والمعنوية في حياة الأفراد، وفرض أحكاماً بُغية الوصول إلى الكمال المطلوب، أصدر كذلك تعليمات ترتبط بالبعد الظاهري، والحياة المادية، وكيفية تنظيم العلاقة الاجتماعية، فلم يُعنَ الإسلام بالجوانب الفردية من حياة الناس فقط، بل اهتم كذلك بالجوانب الاجتماعية، والعلاقات التي تربط أفراد المجتمع.

 من هنا كانت للإسلام تشريعات شاملة تهدف إلى الحفاظ على القيم والمبادئ، والوقوف بوجه ما يعارضها، ولذلك قسّم الإسلام الأفراد إلى مؤمن وكافر ومنافق وفاسق، وحدّد لكلّ صنف مواصفاته الخاصّة، ولا ينبغي الشك في أنّ تمييز هؤلاء الأشخاص ومعرفة هذه التعاليم سيترك تأثيراً كبيراً في بقاء الإسلام، وديمومة القيم الدينية.

 وقد تمكّن الإمام الحسين(عليه السلام) ـ مستلهماً من هذه الآيات، ومتبعاً لتعاليمها ـ أن يُحيي الإسلام، ويخلّد كيانه، فمن خلال الكشف عن حقيقة هؤلاء الأفراد وماهيتهم الباطنية تبيّن أنّهم ليسوا حماة للإسلام، ليس هذا فحسب، بل تبيّن أنّهم يقفون ضدّ الإسلام، وأنّ حراكهم يصبّ في الجهة المناوئة للقرآن.

تاسعاً: الآيات الدالة على ضرورة استشعار الحضور في محضر اللّه تعالى

ينبغي لكلّ مسلم ـ وفقاً لتعاليم القرآن ـ أن يعلم أنّ الله شاهد وناظر إلى أعماله وأعمال الآخرين، وأن يرى نفسه بمرأى من الله تعالى ومحضره، ولا يغفل عن ذلك لحظة واحدة؛ ذلك لأنّ الله تعالى عالم الغيب والشهادة، لا حدود لقدرته، ولا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عن علمه فرد أو عمل، ولذلك يقول تعالى منوّهاً بذلك: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[90]، فهذه الآية عامّة لا تختصّ بمورد نزولها مع أنّها ترتبط بأعمال الكفّار والمنافقين.

 ولذلك يمكننا أن ندعي بسهولة ـ طبقاً لهذه الآية ـ أنّ كلّ عمل يقوم به أيّ شخص يراه الله ورسوله والمؤمنون، كما يقول تعالى في آية أُخرى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[91]، فهذه الآية كذلك جاءت لتؤكّد في مقام البيان أنّ جميع الناس ـ وبخاصّة الظالمون ـ ينبغي أن يعلموا أنّ الله ناظر إلى أعمالهم، وأنّهم لا يغيبون عن علمه لحظة، فبالرغم من أنّها نزلت في خصوص الظالمين، إلّا أنّ المورد لا يُخصّص، ولا يمكنه أن يحدّ من المفهوم الواسع الذي تشمله الآية، ليجعله منحصراً في مورد واحد فقط.

شعور الإمام الحسين(عليه السلام) أنّه بمحضر اللّه تعالى

1ـ ينقل المجلسي(رحمه الله) الرواية الآتية: «رُوي أنّ الحسين بن علي(عليه السلام) جاءه رجل، وقال: أنا رجل عاصٍ، ولا أصبر عن المعصية، فعِظني بموعظة، فقال(عليه السلام): افعل خمسة أشياء، واذنب ما شئت، فأوّل ذلك: لا تأكل رزق الله واذنب ما شئت، والثاني: اخرج من ولاية الله واذنب ما شئت، والثالث: اطلب موضعاً لا يراك الله واذنب ما شئت، والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت، والخامس: إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل في النار واذنب ما شئت»[92].

2ـ بعد شهادة أصحابه في يوم عاشوراء رفع الإمام الحسين(عليه السلام) رأسه إلى السماء، وقال: «اللّهمّ إنّك ترى ما يُصنع بولد نبيّك»[93].

3ـ عندما ذُبح ولده الرضيع (علي الأصغر) وضع(عليه السلام) كفّه المباركة تحت نحره، فلمّا امتلأت دماً رمى به نحو السماء، وقال: «هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله»[94].

وفي مطلع دعاء عرفة يقول(عليه السلام) بعدما يطلب من الله تعالى مقام الإحسان: «اللّهمّ، اجعلني أخشاك كأنّي أراك... إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار... عميت عين لا تراك عليها رقيباً»[95]، يقول الشيخ جوادي آملي: «و(كأنّ) هذه استمرّت إلى أن وقع الإمام من ظهر الفرس، وهنا أصبح الكلام عن (إنّ) وليس (كأنّ)، قال: إلهي رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك، في هذا المقام أخذ (كأنّ) وأسقطها، ووضع (إنّ) مكانها... وفي مراسم وداع الأهل قال: أستودعكم الله، ولم يقل: كأنّي استودعكم الله»[96].

تحليل وإيضاح

الإحساس بالحضور من الأُمور الروحية والنفسية التي لا تتوفّر إلّا عند مَن بلغ مرحلة من الكمال، فما لم يستنشق الإنسان نفساً من هذه المراحل لا يمكنه أن يُدرك مثل هذا الإحساس، إنّ الشعور بالحضور الإلهي يطلق على حالة لدى الإنسان يغضّ النظر معها عن مطالبه ورغباته، فلا يرى لنفسه وجوداً، ويرى الله ومظاهره بدلاً من ذلك.

حينها سيرى الله في نفسه، ويشعر أنّه بمحضر الله تعالى دائماً، فلا يقوم بعمل إلّا إذا كان فيه رضا الله تعالى، فيعتبر رضا الله رضاه، وسخط الله سخطه، وفي مثل هذه الحال يهون عليه تحمّل المشاكل؛ لأنّه يرى الله ناظراً وشاهداً على تلك الحوادث، ويرى نفسه في حالة أداء لامتحان واختبار، ويسعى أن يخرج من هذا الامتحان مرفوع الرأس.

كان الإمام الحسين(عليه السلام) قد بلغ هذه المرحلة من الكمال، فهو يعلم أنّ العالم بأسره خاضع لربوبية الله، فلا تدور الأيّام ولا الحوادث بعيداً عن نظره، فينبغي أن تكون الغاية من جميع الأعمال هي رضا الله تعالى؛ لأنّ رضا الله تعالى يستتبع ارتقاء الدرجات، ونيل رحمته تعالى، والمزيد من هدايته.

 من هنا كان الإمام الحسين(عليه السلام) يرى نفسه بمرأى الله تعالى دائماً[97]، نظراً إلى حاجته إلى الله، وقدرة الله تعالى غير المتناهية من حيث ساحته الوجودية، وبهذه الرؤية استطاع(عليه السلام) أن يوجد واقعة بتلك الدرجة من العظمة، ويوظّفها بالشكل المطلوب في سبيل إحياء الإسلام.

عاشراً: الآيات الدالة على وجوب الثبات والمقاومة

أوصى القرآن الكريم الناس في موارد مختلفة بضرورة الاستقامة والصبر في مقابل المشاكل والمكاره، ففي موضع يقول مثلاً: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)[98]، وفي موضع آخر يقول: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)[99]، وقد أكّدت الأحاديث الإسلامية كذلك بشدّة أهمّية الصبر والاستقامة في العبادة، وتحمّل المشاكل، وغيرها، يقول الإمام الحسين(عليه السلام) فيما يرتبط بالصبر: «... فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً، والجزع لا يؤخّر أجلاً»[100]، ويقول(عليه السلام) كذلك: «اصبر على ما تكره فيما يلزمك الحق، واصبر عمّا تحبّ فيما يدعوك إليه الهوى»[101].

مقاومة الإمام الحسين(عليه السلام) وثباته أمام الصعاب والمشاكل

نقلت لنا كتب التاريخ ـ بلا شك ـ صوراً كثيرةً لصبر الإمام الحسين(عليه السلام)، وسنكتفي هنا بنقل عدد منها تجنباً للإطالة، وهي:

1ـ لقد صبر الإمام الحسين(عليه السلام) سنين عدّة بعد رحيل الإمام الحسن(عليه السلام) إلى موت معاوية، لم يُقدِم على أيّ عمل بسبب المعاهدة بين أخيه الحسن(عليه السلام) ومعاوية بن أبي سفيان، ولم يستجب لجميع الدعوات التي كانت تُشير عليه بالخروج والنهضة[102].

وبعد موت معاوية، وتربّع ابنه يزيد على مسند الحكم، ومطالبة الإمام الحسين(عليه السلام) بالبيعة، بدأ الإمام(عليه السلام) بالنهضة، وفي خضم هذه الحادثة العظيمة أظهر(عليه السلام) صوراً مختلفة للصبر والثبات، ممّا جعل منه(عليه السلام) شخصية مزيّنة بجميع أنواع الصبر: كالصبر على العبادة، والصبر على المشاكل، والصبر في مواجهة المصائب، والصبر عند الغضب، وغير ذلك.

وقد بلغ صبره(عليه السلام) حدّاً جعل الملائكة تعجب منه، فقد جاء في زيارة الناحية: «قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات»[103]. وقد صبر إلى حدٍّ كان يرى آثار العطش على عياله وأطفاله، وهو في كامل ثباته واستقامته.

ويقول الإمام الحسين(عليه السلام) في خطابٍ وجّهه إلى أبي هرة: «يا أبا هرة، إنّ بني أُميّة أخذوا مالي، وشتموا عرضي، فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله، لتقتلني الفئة الباغية»[104]، وقال(عليه السلام) لمّا تقدّم رجال أهل بيته إلى الميدان واحداً تلو الآخر، واستشهد جمعٌ منهم: «صبراً يا بني عمومتي! صبراً يا أهل بيتي! لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً»[105]، كما دعا أُخته زينب(عليها السلام) إلى الصبر.

2ـ ومن صور صبره (عليه السلام) امتناعه عن البدء بالقتال، فعلى الرغم من علمه (عليه السلام) بأنّ جيش الكفر لن يرحمه هو وأهل بيته وصحبه، وأنّ هذا الجيش سيقدم على أعمال يشقّ الصبر عليها، أتمّ الحجّة عليهم، فلم يبدأهم هو ولا أصحابه بقتال. ولمّا منعوه الماء هو وأصحابه، وتسلّل إلى سمع الإمام(عليه السلام) صوت النساء والأطفال يشكون العطش، لم تمتد يده إلى سلاحه، ليس هذا فحسب، فلم يأذن لأصحابه كذلك أن تلامس أيديهم مقابض سيوفهم وأن يبدأوا القوم بقتال[106]؛ حرصاً منه(عليه السلام) على يتصف قتاله بصورة الدفاع.

من هنا نشاهد ثبات الإمام(عليه السلام) على عزمه في مواجهة الباطل عندما يواجه هو وأصحابه حوادث مرّة أو بغيضة، أو حوادث غير متوقعة تقف بوجه هدفه المقدّس، ونراه يفضح الظلم الذي كان يتّصف به الحاكم في عصره، متمسكاً بالدفاع عن الحق، دون أن يُظهر وهناً أو ضعفاً، فلم يتراجع الإمام(عليه السلام) مقدار ذرّة عن مواقفه السابقة إزاء جميع تلك التغيّرات المفاجئة، بل واصل(عليه السلام) طريقه، مصرّاً على غاياته وأهدافه، ومبيناً ـ
وهو ينشد أبيات من الشعر
ـ تفاهة الحياة الفانية، ومشدّداً في أصحابه العزم والقوة.

تحليل وإيضاح

إنّ حياة الإنسان الدنيوية ـ أساساً ـ مصحوبة بالإقبال والإدبار في كلّ زمان، وتشتدّ هذه الظروف أكثر حينما تكون هذه الحياة قائمة على أُسس دينية إسلامية، ففي مثل هذه الحالة تواجه الحياة منعطفات أكثر، ومن الضروري أن تتوفّر لدينا الركيزتان الآتيتان لنتمكّن من الهيمنة على المشاكل: إحداهما باطنية، وهي كفاءة الإنسان الخاصّة في مواجهة الصعاب والإخفاقات، والأُخرى ظاهرية، وهي أن يكون للإنسان سند قوي يستمدّ منه قوّته دائماً، ويتمكّن بواسطة الاستعانة به للانتصار على المشاكل.

 وقد أوصى الله تعالى بالتمسّك بالصبر والصلاة لتأمين هاتين القوّتين (الباطنية والظاهرية) في الفرد المؤمن، فبالصيام وتجنب مبطلات الصوم تتضاعف معنويات المقاومة لدى الإنسان في مواجهة المكاره، ومن خلال الصلاة، والارتباط بقدرة الإله الأزلية، والاستعانة بالربّ الرحيم، ترتفع معنويات الإنسان، ويمتلك عزيمة أكبر لحل المشاكل.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى يمثّل الصبر ـ كما يستشف من الآيات والروايات ـ
مفتاحاً للبركات، ومقدّمة لنيل المراتب المعنوية، وشرطاً للتوفيق في كلّ عمل حسن أو علم أو اكتساب أيّ فضيلة، فضلاً عن علو مراتب الصابرين، يقول الإمام علي(عليه السلام) فيما يرتبط بذلك: «لا ينعم بنعيم الآخرة إلّا مَن صبر على شقاء الدنيا»[107].

 من هنا يمكننا أن ندّعي أنّ المكاره التي انهالت على النبيّ يوسف(عليه السلام) كان لها بركات مهمّة في جوانب مختلفة من حياته(عليه السلام)، فقد استدعت ـ من جهة ـ أن يعود إخوته إلى طريق الهداية، وأن يتوبوا من أعمالهم السابقة، واستدعت ـ من جهة أُخرى ـ
أن يرتقي النبيّ يعقوب(عليه السلام) مراتب عالية بسبب صبره على إياب ولده،
ومن جهة ثالثة كانت سبباً لنجاة أهل مصر من آثار الجدب والقحط الوخيمة؛ نتيجة التدابير التي اتخذها يوسف(عليه السلام)، وأخيراً كانت السبب في أن يتمتع المجتمع المصري ببركات خلافة يوسف(عليه السلام) وإمارته.

وعلى كلّ حال، فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو المصداق الكامل والتام لهذه الآية الشريفة: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[108].

حادي عشر: الآيات الدالة على ضرورة الحفاظ على سلامة المجتمع الديني

للإسلام تعاليم مهمّة فيما يرتبط بضرورة إصلاح المجتمع والشؤون الاجتماعية، كقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعدّ من حيث القيمة بمستوى مبدأ العدالة؛ لأنّ العدالة وتطبيقها في المجتمع متوقفة على إصلاح الأُمور، وكذلك فإنّ تطبيق العدالة هو من أجل الإصلاح الاجتماعي، بناءً على ذلك يكون الإصلاح الاجتماعي والعدالة متكافئين في القيمة، من هنا يعتبر العلّامة الطباطبائي في ذيل قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى)[109] أنّ موارد العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى هي من أهم الأُمور التي يقوم بها المجتمع، ويقول في معرض استدلاله لإثبات ذلك: «لما أنّ صلاح المجتمع العام أهمّ ما يبتغيه الإسلام في تعاليمه المصلحة فإنّ أهمّ الأشياء عند الإنسان في نظر الطبيعة وإن كان هو نفسه الفردية لكن سعادة الشخص مبنية على صلاح الظرف الاجتماعي الذي يعيش فيه»[110].

وعلى أيّة حال، يعتبر القرآن الكريم أنّ إحدى صفات المؤمنين هي العمل بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ....)[111]، كما يُعدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبباً لاختيار الأُمّة الإسلامية، وتفضيلها على سائر الأُمم، يقول تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...)[112]، ولدينا الكثير من الأحاديث الإسلامية التي تتضمّن توجيهات مفيدة في هذا المجال، والتي ينبغي أن تحظى بمزيد من التأمّل والدقة.

العمل الإصلاحي للإمام الحسين(عليه السلام) في الوسط الاجتماعي

يمكننا أن ندّعي بصراحة وبضرس قاطع أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد أولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طيلة حياته عناية خاصّة، فقد أكّد(عليه السلام) ذلك مراراً طوال حياته، حتّى في عهد معاوية، وقبل خروجه على يزيد، وبعد ذلك في عهد حكومة يزيد، حتّى أنّه(عليه السلام) قدّم نفسه العزيزة وأهل بيته(عليهم السلام) فداءً للإسلام من أجل إحياء هذا المبدأ المهم، وما أكثر الموارد التي أشار فيها الإمام الحسين(عليه السلام) إلى هذا المبدأ، وسنُشير إلى بعضها على سبيل المثال:

1ـ في عهد إمامته(عليه السلام) حذّر معاوية ـ ردّاً على كتاب بعث به إليه معاوية ـ من تأميره يزيد بصفته صبياً فاسقاً يشرب الخمر، وذلك بعد أن ذكّر(عليه السلام) معاوية بالفجائع التي ارتكبها بحقّ الشيعة، وإقدامه على قتلهم[113].

2ـ قبل خروجه من المدينة زار الإمام الحسين(عليه السلام) قبر جدّه(صلى الله عليه واله)، وقال وهو بجوار قبره: «اللّهمّ، إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللّهمّ، وإنّي أحبّ المعروف، وأكره المنكر»[114].

3ـ قام الإمام الحسين(عليه السلام) خطيباً بذي حسم (اسم موضع)، وقد جاء في خطبته: «أَلا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً»[115].

4ـ وقد خطب الإمام الحسين(عليه السلام) في أصحابه وأصحاب الحر بن يزيد الرياحي بالبيضة (اسم موضع) خطبة كشف فيها عن أهدافه، وسبب خروجه، وبيّن فيها عقيدته فيما يرتبط بالمبدأ المذكور أعلاه، واعتراضه على الفوضى التي تسود المجتمع، فقال(عليه السلام):«أَلا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غيّر»[116].

5ـ وفي خطبته(عليه السلام) في يوم عاشوراء تحدّث الإمام الحسين(عليه السلام) صمم الكوفيين عن الحق، واقترافهم وأمرائهم المنكر، وتحريفهم لكتاب الله والدين الإسلامي، وقال في خطبته: «أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله...»[117].

وعلى كلّ حال، فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ علاوة على إيمانه الراسخ بهذا المبدأ المهم ـ
كانت سيرته العملية مرآة لمدى تعظيمه له.

تحليل وإيضاح

نظراً إلى أنّ نيل الكمال والسعادة حقّ مشروع للجميع من جهة، وأنّ هذا الحق الجمعي ـ من جهة أُخرى ـ لا يمكن أن يتحقّق إلّا إذا تمسّك به الجميع، فلا يكون التخلّف الفردي ـ بطبيعة الحال ـ بمعزل عن الإضرار بالآخرين، من هنا يمتلك الفرد الملتزم ـ بصورة طبيعية ـ الحقّ في الاعتراض على الشخص المتخلّف، فضلاً عن حقّ الحفاظ على نفسه من آثار المخالفات الاجتماعية السلبية؛ لأنّ ذلك الشخص المتخلّف يوجّه بسلوكه ضربة لأخلاقه وعقيدته، ويجعل منه عرضة للأمراض الروحية والجسمية.

فمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ بناءً على ما ذُكر ـ حقّ يولد متزامناً مع حياة كلّ فرد بمعية سائر أفراد المجتمع، وليس لأحد الحق في أن يسلبه عن نفسه، وليس لغيره الحق في أن يسلبه منه.

من هنا يرى الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه أولى من الآخرين بممارسة هذا الحق؛ بُغية تغيير الأوضاع الفاسدة في المجتمع؛ وذلك لما يمتلكه من وعي أكبر في إدراك الحقائق نسبة إلى الآخرين، ولكونه خليفة رسول الله(صلى الله عليه واله)، الأمر الذي يمنحه مسؤولية ورسالة أعظم، ليكون أحرص من غيره على دين جدّه(صلى الله عليه واله).

خاتمة

يتبيّن لنا ممّا تقدّم أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد أثبت ـ من خلال حياته المليئة بالعرفان والعشق الإلهي ـ ضرورة التزام الإنسان في جميع مراحل حياته العلمية والعملية بجميع التكاليف والتعاليم الإلهية التي جاءت لتأخذ بيد الإنسان نحو السعادة، وممّا لا شك فيه أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو من جملة أولياء الله الذين تمكّنوا من العمل بتلك التكاليف على أجمل وجه.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة، تحقيق: صبحي صالح، الطبعة الأُولى، بيروت، 1387هـ/1967م.

  1. الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.
  2. إقبال الأعمال، علي بن موسى بن طاووس، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1417هـ/1996م.
  3. الأمالي، محمد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية (مؤسسة البعثة)، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.
  4. الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن، محمد جواد مُغنية، دار الثقافة.
  5. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية المصحّحة، 1403هـ/1983م.
  6. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1403هـ/1983م.
  7. تحف العقول، الحسن بن علي المعروف بابن شعبة الحرّاني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1404هـ.ق/1363هـ. ش.
  8. تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، قم ـ إيران.
  9. تفسير موضوعي، عبد الله جوادي آملي.
  10. الحماسة والعرفان، عبد الله جوادي آملي، الترجمة: تحت إشراف مركز الإسراء للبحوث، دار الإسراء للنشر، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1389هـ.ش/1431هـ.ق.
  11. دفتر عقل وآيت عشق، إبراهيمي ديناني.
  12. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله المعروف بابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، الطبعة الأُولى، 1378هـ/1959م.
  13. صحيفه إمام، روح الله الخميني.
  14. عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1404هـ/1984م.
  15. عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1376هـ.
  16. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الخامسة، 1363هـ. ش.
  17. الكامل في التاريخ، علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير، دار صادر للطباعة والنشر (دار بيروت للطباعة والنشر)، بيروت ـ لبنان، 1386هـ/1966م.
  18. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1405هـ/1985م.
  19. اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى المعروف بابن طاووس، أنوار الهدى، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.
  20. مثير الأحزان، محمد بن جعفر المعروف بابن نما الحلّي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف ـ العراق، 1369هـ/1950م.
  21. المحجّة البيضاء، محمد بن المرتضى المعروف بالفيض الكاشاني، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، مكتب النشر الإسلامي التابع لجامعة المدرسين بقم المشرّفة، قم ـ إيران، الطبعة الثانية.
  22. المزار، محمد بن جعفر المشهدي، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، نشر القيوم، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1419هـ.
  23. مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1408هـ/1987م.
  24. مصباح الهداية ومفتاح الكفاية، عزّ الدين محمود بن علي الكاشاني، تصحيح: جلال الدين همايي، مؤسسه نشر هما، طهران ـ إيران.
  25. مقتل الحسين(عليه السلام)، محمد بن أحمد الخوارزمي، تحقيق: الشيخ محمد السماوي، دار أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1418هـ.
  26. المقنع، محمد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي(عليه السلام)، مؤسسة الإمام الهادي(عليه السلام)، 1415هـ.
  27. منتهى الآمال في تواريخ النبيّ والآل، الشيخ عباس القمّي، دار المصطفى(صلى الله عليه واله) العالمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1432هـ/2011م.
  28. موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم(عليه السلام)، دار المعروف للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1416هـ/1995م.
  29. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحسين بن محمد المعروف بالحلواني، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي(عليه السلام)، مدرسة الإمام المهدي(عليه السلام)، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1408هـ.
  30. النوادر، فضل الله بن علي الراوندي، تحقيق: سعيد رضا علي عسكري، دار الحديث الثقافية، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1377هـ.
  31. ينابيع المودّة لذوي القربى، سليمان بن إبراهيم القندوزي، تحقيق: السيّد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأُسوة للطباعة والنشر، الطبعة الأُولى، 1416هـ.

المواقع الإلكترونية

  1. روان درماني در قرآن، مقال منشور على موقع: (سايت اطلاع رساني مجمع جهاني شيعه شناسي): https://shiastudies.com/fa/10067
  2. شجاعي، محمد، مقالات، على الموقع: https://rayabook.net/bookid/20111

 

 

[1] البقرة: آية3.

 

[2] المائدة: آية55.

 

[3] اُنظر: التوبة: آية71.النمل: آية3.لقمان: آية4.وسائر الآيات الأُخرى.

 

[4] الصدوق، محمد بن علي، المقنع: ص73.

 

[5] المصدر السابق.

 

[6] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص216ـ217.

 

[7] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص70.وأيضاً: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص251.وأيضاً: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص21.

 

[8] اُنظر: درماني روان در قرآن (العلاج النفسي في القرآن).

 

[9] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج88، ص341.

 

[10] الفيض الكاشاني، محمد بن المرتضى، المحجة البيضاء: ج1، ص377.

 

[11] المؤمنون: آية8.

[12] الإسراء: آية34.

 

[13] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص364.

 

[14] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج77، ص96.

 

[15] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص91.وأيضاً: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص392.

 

[16] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص32.

 

[17] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص369.

 

[18] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم(عليه السلام)، موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص513.

 

[19] التوبة: آية4.

 

[20] الأحزاب: آية23.

 

[21] الرعد: آية25.

 

[22] الإنسان: آية13-9.

 

[23] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص118ـ 119.

 

[24] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص246.

 

[25] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص78.

 

[26] القمّي، عباس، منتهى الآمال: ج1، ص463-464.

 

[27] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص102.

 

[28] النوري، حسين، مستدرك الوسائل: ج9، ص24.

 

[29] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص400.

 

[30] الراوندي، فضل الله بن علي، النوادر: ص138.

 

[31] فاطر: آية10.

 

[32] المنافقون: آية8.

 

[33] نهج البلاغة، تحقيق: صبحي صالح: كتاب رقم53، ص427.

 

[34] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ص62.

 

[35] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص83.

 

[36] الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص242.

 

[37] جوادي آملي، عبد الله، تفسير موضوعي قرآن (فارسي): ج3، ص19ـ20.

 

[38] اُنظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج3، ص249.

 

[39] الخميني، روح الله، صحيفه إمام (فارسي) : ج3، ص181.

 

[40] يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

 

[41] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج27، ص112.

 

[42] المصدر السابق: ج44، ص328.

 

[43] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم(عليه السلام)، موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص293.

 

[44] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص328.

 

[45] القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة لذوي القربى: ج3، ص82.

 

[46] الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين(عليه السلام): ج1، ص215.

 

[47] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص67.

 

[48] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص225.

 

[49] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص38.

 

[50] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج3، ص134.

 

[51] الكاشاني، محمود بن علي، مصباح الهداية ومفتاح الكفاية (فارسي): ص406.

 

[52] شجاعي، محمد، مقالات (فارسي): ص168.

 

[53] إبراهيمي ديناني، دفتر عقل وآيت عشق(مكتب العقل وآية العشق) :ص77.

 

[54] اُنظر: الجاثية: آية18.الأنعام: آية151.آل عمران: آية31.

 

[55] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان: ج11، ص160.

 

[56] آل عمران: آية137.

 

[57] آل عمران: آية159.

 

[58] الطلاق: آية3.

 

[59] آل عمران: آية122.

 

[60] النحل: آية99.

 

[61] الشورى: آية36ـ 39.

 

[62] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد:ج2، ص96.

 

[63] النوري، حسين، مستدرك الوسائل: ج11، ص218.

 

[64] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص47.

 

[65] اُنظر: مُغنية، محمد جواد، الحسين(عليه السلام) والقرآن: ص115.

 

[66] الإسراء: آية80.

 

[67] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان: ج13، ص176.

 

[68] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص330.

 

[69] الأحزاب: آية23.

 

[70] النحل: آية125.

 

[71] البقرة: آية83.

 

[72] آل عمران: آية159.

 

[73] البقرة: آية222.

 

[74] التوبة: آية73.

 

[75] النساء: آية48.

 

[76] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان: ج5، ص25ـ26.

 

[77] الإنسان: آية24.

 

[78] النساء: آية135.

 

[79] هود: آية18.

 

[80] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص72ـ73.

 

[81] اُنظر: المصدر السابق: ص81ـ82.

 

[82] اُنظر: المصدر السابق: ص78.

 

[83] اُنطر: الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص220ـ221.

 

[84] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص325.

 

[85] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص355.

 

[86] ابن نما، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص37.

 

[87] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص61.

 

[88] المصدر السابق: ص58.

 

[89] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص273.

 

[90] التوبة: آية105.

 

[91] الفجر: آية14.

 

[92] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص126.

 

[93] المصدر السابق: ج44، ص321.

 

[94] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص69.

 

[95] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص218ـ226.

 

[96] جوادي آملي، عبد الله، الحماسة والعرفان: ص99.

 

[97] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج8، ص245ـ253.

 

[98] هود: آية112.

 

[99] البقرة: آية45.

 

[100] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج22، ص413.

 

[101] الحلواني، الحسين بن محمد، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص85.

 

[102] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص360.

 

[103] المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص504.

 

[104] ابن نما، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص33.

 

[105] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص36.

 

[106] اُنظر: المصدر السابق: ج44، ص380.

 

[107] الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ: ص539.

 

[108] فصلت: آية30.

 

[109] النحل: آية90.

 

[110] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان: ج12، ص330.

 

[111] التوبة: آية71.

 

[112] آل عمران: آية110.

 

[113] اُنظر: لجنة الحديث في معهد باقر العلوم(عليه السلام)، موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص313ـ314.

 

[114] المصدر السابق: ص349.

 

[115] ابن نما، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص31 ـ 32.

 

[116] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص304.

 

[117] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص59.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2585
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 08 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24