• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : وعي القصص القرآني .. تثبيت الفؤاد من أبرز أهدافها .

وعي القصص القرآني .. تثبيت الفؤاد من أبرز أهدافها

السيد عبدالسلام زين العابدين

استاذ التفسير في الحوزة العلمية

(من ندوة عقدها في مرفأ الكلمة للحوار والتأصيل الإسلامي)

(وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)(1)

1 ـ أهداف القصص القرآني :

لعل أجمع آية في القرآن الكريم حول الهدف من القصص هي هذه الآية، حيث تحدد أربعة أهداف أساسية :

الاول : تثبيت الفؤاد.

الثاني : إعطاء الحقائق.

الثالث : الموعظة.

الرابعة : الذكرى

فلو قسمنا الآية لكانت هكذا : (وكلاً نقصُ عليكَ من أنباء الرسل ما) أولاً (نثبت به فؤادكًَ) ثانياً. (وجاءك في هذه الحق) ثالثاً، (وموعظة) رابعاً، (وذكرى للمؤمنين)

ونريد التركيز في هذه الندوة عن الهدف الأول (تثبيت الفؤاد)، والقرآن الكريم يعلمنا دعاءً رائعاً في ساحة المواجهة وميدان الصراع، إذ يقول ـ على لسان طالوت ومقاتلته ـ : (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (2)

تثبيت الأقدام هو نتيجة لتثبيت القلوب، والنصر نتيجة للصبر والثبات. فالأساس هو القلب. فحينما يثبت القلب لا يعيش القلق ولا الخوف والوجل. أما حينما يكون القلب فارغاً وقلقاً تصبح الأقدام قلقة أيضاً ومتزلزلة، فلا ينزل النصر، إن الخطاب في قوله تعالى (ما نثبت به فؤادك) وإن كان لرسول الله، إلا أنه لا يختص به، وإن اختلفت طبيعة التثبيت ودرجته.

جاءت آية التثبيت بعد عرض رائع في سورة هود لعدد من الأنبياء والمرسلين وهم يتحدون الظالمين والطغاة والمستكبرين ويبذلون كل ما في وسعهم للإصلاح. (إن أريدُ إلا الإصلاح ما استطعت) بعد ذلك يقول : (وماتوفيقي إلا بالله) (3)

2 ـ معنى تثبت الفؤاد :

إن تثبيت الفؤاد هو إزالة القلق والحيرة والشك من النفس، فهو يجعل الإنسان يمتلك رباطة الجأش والاطمئنان وهو يخوض أقسى ألوان الصراع مع الأعداء ويواجه أعتى الطغاة،  والقصص القرآني يؤدي هذه المهمة الرائعة، ولهذا يحثنا دائماً على النظر في التأريخ واستقراء حركة الأنبياء والمرسلين {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} (4).

{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(5)

إن القرآن في دراسة التاريخ يركز على القلب والصدر والفؤاد : (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).(ألم نشرح لك صدرك).

إننا عندما نستقرئ حركة التاريخ نتعرف على قواعد كلية، والذي يؤدي هذا الدور هو القلب والعقل لا الحواس، فالحواس لا تستقرئ (فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

ونحن حينما ندرس حركة التاريخ نستقرئ من خلال القصص الكثير من السنن والقوانين، فالقرآن الكريم يربط الظواهر المعاصرة لزمان النزول بالتاريخ ليعطي لها عمقاً تاريخياً، ومن ذلك يتولد تثبيت القلب. فكل حركة أو ظاهرة مرّ بها الرسول الأكرم، ومرت بها الدعوة الإسلامية يعطي لها القرآن عمقاً تاريخياً، ليجعلها قاعدة كلية ومفردة من مفردات الحركة التاريخية، وليست استثناء في حركة التاريخ. هذا الوعي الكبير يجعلك تعيش مع هذه المفردة عيشاً سننياً واعياً ثابتاً راسخاً، فحينما ترى أن هذه المفردة التي مرت عليك أو على المجتمع الإسلامي ليست بدعاً من حركة التاريخ، وإنما هي في صميم مسيرته، بل هي سنة من سننه، تجعلك تعيش القضايا والأحداث عيشاً واعياً مستوعباً وبالتالي تطمئن القلوب، وتثبت.

3 ـ نموذج :

عندما يطرح القرآن الكريم مفردة المهجورية {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} (6) تأتي سورة الفرقان لتطرح ظاهرة المهجورية ضمن السياق التاريخي، لتقول لنا أن مجهورية القرآن هي مفردة من مهجورية الرسالات السماوية، وأن هذه المهجورية ليست بدعاً في حركة النبوات، لأن القرآن يمثل رسالة، وهذه الرسالات مجهورة بطبيعتها من قبل الأعداء والمجرمين المنحرفين، ولهذا فالآية اللاحقة تقول : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ..}(7) لتعطيك سنة، مطردة فقوله (وكذلك) إشارة إلى المهجورية وجعل العداء، فالآية تقول : يا رسول الله، أيها المؤمنون، إن هذه المهجورية والعدوان ليست خاصة بالرسالة الخاتمة، بل هي مجهورية لكل الرسالات، وإن ما تواجهونه من الأعداء ضد حملة القرآن الكريم ليس بدعاً فأمام كل نبي مجرم، ولايمكن أن تخلو الأرض من مجرم، من طاغية، من فرعون أبداً.

4 ـ وعي السنن :

هذه وعي لسنة الإجرام، ففي كل عصر مجرم، وأمام كل نبي (لكلَّ نبي) ـ لا الرسل فقط ـ مجرم، لابد أن يكون في قبال النبوة أعداء مجرمون، هذه معادلة تاريخية وسنة إلهية ربانية أكدها القرآن في آيتين مباركتين من سورتين مختلفتين : سورة الفرقان الآنفة الذكر، والأنعام في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (8) مع وجود تفصيل فيها بشأن المجرم، لندرك أن هناك شياطين من الإنس كذلك، وكثيراً ما يتمثل بدولة كبرى فتكون (الشيطان الأكبر) على حدّ  تعبير الإمام الخميني وقوله : (ولو شاء ربك ما فعلوه) أي إن الله عز وجل ولو شاء أن لا يبقي مجرماً على الأرض لفعل في لحظة واحدة، لكنه أراد أن تكون الحياة صراعاً بين الأنبياء والمجرمين، ولاقيمة للحياة حينما لا يكون فيها مجرمون وشياطين، لأن الحياة اختبار وابتلاء، وإذا رفع المجرمون عن الأرض وفتح للأنبياء كنوز الذهبان ومعادن العقبان (لسقط البلاء، وبطل الجزاء.. ولا لزمت الأسماء معانيها) فلا ابتلاء حينئذ، لا قيمة للمجاهد، للمؤمن، للصابر للمبتلى، فهذه الكلمات ستسقط (ولا لزمت الأسماء معانيها) (9) فلو لم يكن هناك إجرام في الأرض ولا طغاة، فما معنى (مجرم) حينئذ و (مؤمن) و (مجاهد) و(صابر) وغيرها؟

في سورة هود كذلك : {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }(10).

فقد أراد الله للحياة أن تكون صراع إرادات وميدان ابتلاءات، ولذا جاء بعدها : {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ...} (11)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ هود : 120

2 ـ  البقرة : 250 .

3 ـ هود : 88

4 ـ محمد : 10

5 ـ الحج : 45 ـ 46

6 ـ الفرقان : 30

7 ـ الفرقان : 31

8 ـ الأنعام : 112

9 ـ نهج البلاغة : خطبة 192

10 ـ هود : 118 ـ 119

11 ـ هود : 120


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=256
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 10 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24