• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : شهر رمضان ربيع القرآن .

شهر رمضان ربيع القرآن

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلّاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

شهر رمضان ربيع القرآن (*)

حبيب لطالما انتظرنا قدومه وترقّبناه، وضيف لطالما كنا نصبو لحلوله بتلهّف واشتياق، ألفناه سروراً يملأ قلوبنا، وروحانية طاهرة تحيط بأنفسنا، وحياة من طراز الذكر والعبادة والتهجّد عشناها في قدومه وحضوره، إنّه طبيب النفوس ومحيي القلوب الميتة التي أجهزت عليها الذنوب ودثّرتها تراكمات المعاصي والخطايا، إنّه شهر رمضان، وشهر الله العظيم. ها هو قد طرق الأبواب وآذن بالقدوم، فهل نحن أهل لضيافته واستقباله بقدره وجلاله؟

جاءنا حاملاً معه أعظم العطايا وأحسن المنح، ولعلّنا لا نرى تلك العطايا ولا نبصر ما بين يديه من الخيرات والبركات، لكن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يخاطبنا في كل عام عند مجيئه قائلاً: «أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنّ الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم» [وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج ١٠، ص: ٣١٣].

وهنا يتساءل البعض: لماذا خصّ شهر رمضان بهذا الفضل والتكريم من الله تعالى رغم أنّ كل الأيام هي أيام الله، خلقها بقدرته، ووقّتها بحكمته وتدبيره؟

والجواب: أنّ في شهر رمضان مزايا عديدة على غيره من الشهور، وفضائله المذكورة تفوق ما عداه، لكنّ الشيء الذي يتمحور حوله شهر رمضان هو القرآن الكريم، وهذا ما يبيّنه لنا القرآن الكريم في تعريفه لهذا الشهر: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185].

فالقرآن الكريم هو محور هذا الشهر الكريم بروحانيّته وعبادته والجهد الذي يؤدّيه الإنسان في صيامه وامتناعه عن الشهوات، وإذا كان القرآن الكريم هو ربيع القلوب ـ والربيع كما نعرف هو فصل الاخضرار والازدهار والحياة الجديدة ـ فإنّ شهر رمضان هو ربيع القرآن الكريم ويجعلنا نُقبل بروح جديدة وقلوب خضرة وطاهرة على كلام الله سبحانه وتعالى.

فشهر رمضان هو شهر نزول القرآن، والقرآن هو معجزة الله الخالدة لكل الأجيال البشرية منذ نزوله إلى قيام الساعة، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الكتاب العظيم هو المنهج الذي يقود الإنسان إلى السعادة في مختلف جوانب حياته، فهو سرّ النجاح والفلاح للإنسان في حياته الفردية والاجتماعية، في حاضره ومستقبله، في دنياه وفي أخراه، فنحن مطالبون في هذا الشهر أن نقرأ كتاب الله، لكن ليست قراءة السطور والحروف والحركات، بل قراءة التدبّر والتأمّل والنظر والفكر.

إنّ كتاب الله حيّ مُخضرّ في كل آن، وهو غضّ جديد بروحه ومعانيه وتعاليمه المقدّسة. لكنّنا نموت رغم إنّنا نأكل ونشرب ونمارس شهواتنا من غير شعور، لكن الله تعالى بلطفه ورحمته أعطانا فرصة الحياة من جديد، وهيّأ لنا أسباب تلك الحياة وأمطرنا بمطر الرحمة في هذا الشهر، وأعظم تلك الأسباب للعودة إلى الطهارة النفسية والسعادة الحقيقة هو القرآن الكريم، وشوقنا لذلك بعظيم الثواب وجزيل الأجر في تلاوته والتدبّر فيه. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور» [فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق: ص ٧٨].

فهنيئاً للتالين لكتاب الله في هذا الشهر، وهنيئاً للمحْيين ليله بالأنس بالقرآن والتدبّر في آياته.

__________________

(*) حديث الدار (العدد السابع- شهر رمضان المبارك 1432 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2463
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24