• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : تعظيم شعائر الله .

تعظيم شعائر الله

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

تعظيم شعائر الله (*)

قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].

تحدّثت الآية الشريفة عن ثلاثة مفاهيم:

الأوّل: شعائر الله.

الثاني: التعظيم.

الثالث: التقوى.

الشعار ـ كما في كلمات اللغويين ـ يطلق على العلامة وما يستدلّ به على شيء معيّن. ومفردة الشعيرة تعني العلامة.

وفي التعبيرات الحديثة تطلق كلمة الشعار ويقصد بها العنوان الذي يرفعه الإنسان منطلقاً لسلوكه مع الآخرين، أو ما يعبّر عن نهجه في حياته وعمله. فهو الذي يدلّ على قصده وهدفه.

والآية القرآنية تخبر بأنّ لله تعالى شعائر وشعارات منتسبة له، فهي بذلك تكون أموراً عظيمة ومقدّسة لا يجوز التفريط بها أو التهاون في التعامل معها.

ولذلك أطلق لنا القرآن الكريم حكماً واضحاً، وهو تعظيم هذه الشعائر التي جعلها الله تعالى بمشيئته دلالات عليه وعلى توحيده ودينه وشرعه وطاعته وعبادته.

إنّ التعظيم سلوك خارجي وعملي، وهو ينطلق من أمرين:

الأمر الأوّل: البُعد المعرفي، ونعني به سلوك التعظيم والتقديس الذي ينطلق من إدراك العظمة والقدسية المحيطة بذلك الشيء. ومن هنا فإنّ الجاهل لا يستطيع أن يعظّم الشيء الذي يستحق التعظيم وإن أظهر ذلك؛ لأنّ سلوكه مبنيّ على الجهل والوهم.

وهذا معناه أنّ فهم وجه العظمة هو المحفّز الذي يدفع الإنسان لممارسة سلوك التعظيم والاحترام وإظهار القداسة لهذا الشيء.

وهنا نطرح السؤال التالي: كيف يمكن لنا أن نقدّس شعائر الله ونعظّمها؟

الجواب: أنّ السبيل لذلك هو العلم والمعرفة بها، وهذا ما نفهمه من الحديث المروي عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ـ وهو يوصي عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا عليّ، ركعتان يصلّيهما العالم أفضل من ألف ركعة يصلّيها العابد» [عوالي اللئالي 4: 73].

والسرّ في ذلك أنّ عبادة العالم وصلاته قد انطلقت من أساس المعرفة والعلم، فهي عبادة واعية وفاعلة في النفس والروح، وهذا الأفضلية منبثقة من الأثر الذي تتركه صلاة العلم في نفسه وسلوكه؛ لأنّ العلم الصحيح يدعو إلى العمل. بينما صلاة العابد تكون مقبولة لكنّها محدودة ومقيّدة في إطار الحركات والفعل الخارجي.

إذاً نحن مدعوّون لمعرفة شعائر الله والإحاطة بها؛ كي نؤدّي واجب التعظيم، وهذا ما نحتاج فيه للرجوع إلى الشارع نفسه لنأخذ منه علاماته التي نصبها لنا؛ لتكون مورد تعظيمنا وتقديسنا.

وقد بيّن الله في القرآن الكريم بعض مصاديق هذه الشعائر، كالصفا، والمروة، وهما ما يشاهدهما الحاجّ في أداء فريضة الحجّ، فهما جزء من الشعائر. والعنوان الأشمل للشعائر هو كلّ ما دعا له الله تعالى في شرعه ودينه ودلّ عليه، (إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينية التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب) [الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 10: 344].

لذلك تكون أحكام الله تعالى من الحلال والحرام من شعائره التي أوجب علينا الالتزام بها، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [ الحج: 30].

كما أنّ أنبياء الله ورسله (عليهم السلام) من علامات الله التي تدلّ على دينه وطاعته، فهم مقدّسون ومعظّمون في نفوس المؤمنين، ولهذا قال الله في كتابه: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285].

فقد عُلّق دعاء المؤمنين في المغفرة على الإيمان بالله تعالى والملائكة والكتب والرسل صلوات الله عليهم أجمعين؛ لأنّ الإيمان بذلك هو سبب الطاعة والمغفرة.

ومن قوله تعالى عن أهل البيت (عليهم السلام): ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: 23]، وكذا قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33]، نفهم أنّ الله تعالى قد أوجب علينا تعظيمهم وتقديسهم وإظهار شأنهم؛ لأنّه تعالى بيّن أنّه طهّرهم، ونسبهم إلى البيت، وهو ليس بيت أحد من الناس، بل هو بيته تعالى الذي وضعه قبلة لعبادته وتوحيده وتقديسه، وآل محمد آل البيت وأهله، فهم حرّاس توحيد الله القائمون على تقديسه وعبادته وطاعته، ومن أراد تقديساً لله تعالى وبيته فليأت من طريقهم، فإنّ مَن عظّمهم فقد عظّم بيت الله وآياته وقبلته، ومَن قدّسهم فقد قدّس شرع الله ودينه.

الأمر الثاني: السلوك النفسي، وهو إظهار التعظيم بعد الاستشعار بتلك الشعائر وإدراكها نفسياً ووجداناً، فإنّ التعظيم معناه إظهار الانجذاب والانبهار والتفاعل مع الشيء المقدّس، فهو انجذاب الروح وانصياعها أمام العظمة، وهي لله تعالى أوّلاً، ولكل ما ينتسب إليه جلّ وعلا ثانياً.

إنّ تطبيق هذا السلوك وإظهار التعظيم يمكن إبرازه في إحياء المناسبات المتعلقة بأهل البيت (عليهم السلام)، فهم أوضح وأجلى مصاديق شعائر الله، ولا بأس بأن نغتم الفرص في ذلك لاسيما في أيّام شهر رجب الأصب، إذ تطل علينا فيها رحمة الله الواسعة بمجموعة من المناسبات المتعلّقة بأئمّة الهدى (عليهم السلام).

والذي ينبغي في هذا المضمار أن يقوم المؤمنون بتعظيم وتقديس جميع هذه الشعائر وإعطاء كل شعيرة ومناسبة حقّها دون الاهتمام ببعضها وإهمال البعض الآخر، أو إحياء جانب منها وترك جانب آخر؛ لأنّه خلاف واجبنا في إحياء أمر أهل البيت ومعرفة حقّهم وواجبهم على المسلمين والمؤمنين.

إنّ إحياء هذه الشعائر الإلهية عملية اجتماعية وفردية، فإنّ أغلب المناسبات تقوم على الحضور الجمعي في المساجد أو الحسينيّات أو المراكز أو البيوت، ومن هنا نرى أنّ الواجب على الآباء حثّ الأبناء وتربيتهم على الحضور الدائم والمتواصل في هذه المناسبات المقدّسة؛ لأنّ تشكيل الشعور النفسي والروحي تجاه هذه الشعائر الإلهية أعظم ما يمكن أن نقوم به في ربط أبنائنا بأمّتهم وقادتهم (عليهم السلام).

__________________

(*) حديث الدار (العدد الخامس- رجب الأصب 1432 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2456
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24