• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : القرآن والعترة .

القرآن والعترة

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

القرآن والعترة (*)

نفتتح نشرتنا في عددها الثاني بإطلالة الحديث عن موضوع يعتبر من أهمّ المواضيع في الفكر الإسلامي عند المسلمين, وهو الحديث عن العلاقة بين القرآن والأئمّة المعصومين الهداة (عليهم السلام) من بعد النبي (صلّى الله عليه وآله).

وقد أسّس لهذه العلاقة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولكن على الرغم من ذلك نعتقد بأنّها لا زالت من الإشكاليات التي لم تُحل بصورة صحيحة وصريحة من قبل مفكّري المسلمين في المدارس الإسلامية المتعددة رغم شدّة التأكيد عليها في النصوص الإسلامية التي وردت عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأسانيد صحيحة ومتواترة لا تقبل التشكيك والترديد.

ومن تلك الأحاديث حديث الثقلين المشهور والمقطوع بصدوره عند الفريقين, وحديث علم الكتاب الذي خصّ الله به عليّاً (عليه السلام) [شواهد التنزيل 1: 400], وكذا وراثة عترة النبي (صلّى الله عليه وآله) للكتاب العظيم, وغيرها العديد من النصوص الواردة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يبيّن دور أهل البيت (عليهم السلام) في حفظ الشريعة ووراثة علم تأويل وتفسير القرآن الكريم.

منهج أهل البيت (عليهم السلام) في التعامل مع القرآن الكريم

مارس أهل البيت (عليهم السلام) تطبيق ثقافة القرآن الكريم بوصفه مصدر الإلهام الفكري والمعرفي للمسلمين. وإنّ من أهمّ أولويّات الإمام المعصوم (عليه السلام) عند الشيعة تثبيت محوريّة القرآن ومرجعيّته في الفكر والسلوك العامين للمسلمين, فالقرآن هو المصدر الذي يستقي منه المسلمون الأصول الفكرية والتشريعية في العقيدة والسلوك.

وتأكيداً لهذا الهدف المقدّس الذي رسّخه الأئمّة الأطهار، فقد عمدوا إلى ممارسة عملية التثقيف المباشر على كتاب الله والاستشهاد بالآيات القرآنية, سواء في المجال التشريعي في عملية استنباط الأحكام الشرعية ـ حيث كان للأئمّة الأطهار دور مهمّ في تعليم شيعتهم كيفية استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والاستدلال لها بالآيات الشريفة ـ أو في المجال العقائدي والكلامي في تأصيل وتثبيت العقائد الإسلامية, وتكوين المعرفة الدينية بشكل عامّ.

نموذج من دفاع الإمام العسكريّ عن القرآن

للإمام العسكريّ (عليه السلام) الذي نحتفي هذه الأيّام بولادته الميمونة، دور مشهود في نشر الثقافة القرآنية ورفد الأمّة الإسلامية بالمعارف والعلوم القرآنية, إذ قام (عليه السلام) بتفسير القرآن وذلك بتناوله جزءاً كبيراً من آيات سورة البقرة, وهي المجموعة اليوم في الكتاب المعروف باسم (تفسير الإمام العسكريّ) رغم الاختلاف الموجود في تحقيق هذه النسبة, إلاّ أنّ المتداول والمعروف أنّ العلماء قد تناقلوا هذا التفسير واعتمدوا عليه في إيضاح بعض الآيات.

من الأفكار المهمّة التي سعى الإمام (عليه السلام) لتثبيتها وترسيخها في الوعي الإسلامي مسألة صيانة القرآن من التحريف والخطأ وخلوّه من التناقض والتضادّ في مضامين آياته الشريفة, ممّا أسّس لنهج واضح ورصين في تأصيل السلامة والمصونية الدينية والفكرية للقرآن الكريم.

إنّ الدور القرآني الذي مارسه الإمام (عليه السلام) جاء في أجواء موجة من الشبهات والإثارات الفكرية المشكّكة في القرآن الكريم التي اشتهرت وراجت في عصره, فلذلك كثّف الإمام دوره الرقابيّ  على الفكر الإسلاميّ حتى تجلّى نشاطه العلميّ في دفع هذه الأفكار بأتمّ صورة.

وفي هذا المجال ينقل لنا التاريخ أسلوب الإمام الهادف والهادئ في معالجة موجة التشكيك التي أطلقها الفيلسوف العربيّ الكنديّ الذي كان معاصراً للإمام, فقد روى المؤرّخون أنّ إسحاق الكنديّ كان فيلسوف العراق في زمانه, وقد أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك حتى تفرّد في منزله لأجل ذلك. وذات يوم دخل على الإمام الحسن العسكريّ بعض تلامذة الكنديّ، فقال له أبو محمّد (عليه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكنديّ عمّا أخذ فيه من تشاغله في القرآن؟! فقال التلميذ: نحن من تلامذته, فكيف يجوز لنا الاعتراض عليه؟ فقال له أبو محمّد: أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم. قال: فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله, فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها, فإنّه يستدعي ذلك منك, فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننت أنّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول لك: إنّه من الجائز؛ لأنّه رجل يفهم إذا سمع. فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه, فيكون واضعاً لغير معانيه.

فصار الرجل إلى الكنديّ وتلطّف معه إلى أن ألقى عليه هذه المسألة, فقال له: أعد عليَّ، فأعاد عليه, فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللّغة وسائغاً في النظر, فقال: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلا, ما مثلك من اهتدى إلى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة, فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمّد, فقال: الآن جئت به, وما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت، ثم إنّه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه [المناقب لابن شهر آشوب 3: 526].

__________________

(*) حديث الدار (العدد الثاني- ربيع الثاني 1432 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2445
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24