• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : نساء أهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : حقائق تاريخية حول السيّدة رقيّة عليها السلام* .

حقائق تاريخية حول السيّدة رقيّة عليها السلام*

أنّ كثيراً من المقاطع التاريخيّة والمواقف والشخصيّات لم يُسلَّط عليها الضوء لِتُعرَّف إلى الأجيال؛ فيتّضح الرأي وتتبيّن الحقائق. ووراء هذه الغفلة أو ذاك التغافل، أو التقصير أو القصور، أو عدم الاهتمام أو التعمّد..

إنّ بعض مقاطع التاريخ خُصّصت حول سيرة المجهولين الذين لم يكن لهم أيّة خدمةٍ للبشريّة، وإنّما لمجرّد أنّهم كانوا من حاشية السلاطين أو مِن مُريديهم. ومع الأسف الشديد، مقابل إفراطٍ كهذا، نجد أنّ الكثير من عظماء التاريخ قد بُخِسوا حقَّهم، وضاعت سيرتهم المعطاء التي كانت مركزَ إشعاع واستفادة. والمسؤوليّة في ذلك تقع على عاتق كتّاب التاريخ الذين خضعوا لأهوائهم، أو استسلموا لضغوط الحكومات الظالمة التي دعتهم إلى طمس الحقائق المفيدة التي يمكن أن تخدم الأجيال.

ومن الذين بُخِسوا حقَّهم وضاعت معظم تفاصيل سيرتهم الوضّاءة هم أبناء الأئمّة المعصومين عليهم السلام، حيث تعمّد الكثير من المؤرّخين ـ بإيعازٍ من سلاطين الجور ـ في إخفاء الحقائق المهمّة من حياتهم أو تضييعها أو تحريفها، حتّى أنّ الباحث اليوم لا يجد من تاريخ بعضهم سوى بعض المقتطفات اليسيرة التي لا تتجاوز الأسطر القليلة.

السيّدة رقيّة في المستندات التاريخية

يقول المؤرخ الخبير والناقد البصير عماد الدين الحسن بن علي بن محمّد الطبري المعاصر للخواجة نصير الدين الطوسي في الكتاب الجليل «كامل البهائي»: إنّ نساء أهل بيت النبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم وكن يقلن لهم: أنّ آبائكم قد سافروا إلى كذا وكذا وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد أن يدخلن داره وكان للحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين فإنّي رأيته في المنام مضطرباً شديداً؟ فلمّا سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال وارتفع العويل فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ ففضحوا عن الواقعة وقصّوها عليه فأمر (لعنه الله) أن يذهبوا برأس أبيها فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟ قالوا: رأس أبيك ففزعت الصبية وصاحت فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشام.[كامل البهائي ج ٢ ص ١٧٩]

يقول المرحوم المحدّث القمّي قدس سره: كتاب «كامل البهائي» تأليف عماد الدين الطبري ذلك الشيخ العالم، والماهر الخبير، والمتدرّب النحرير، والمتكلّم الجليل، والمحدّث النبيل، والفاضل الفهّامة فرغ من تأليفه سنة ٦٧٥ هـ بعد عناء طويل استغرق (١٢) سنة انعكف فيها على تأليفه، وهو كتاب مليء بالفائدة.

وأضاف المحدّث القمّي قائلاً: ويعلم من الكتاب أنّ الكثير من نسخ الأُصول والكتب القديمة للأصحاب كانت موجودة عند المؤلّف، ونحن نشير إلى أحد هذه الكتب التي كانت بيد المؤلّف ولم تصلنا إلّا وهو كتاب «الحاوية في مثالب معاوية» تأليف قاسم ابن محمّد بن أحمد المأموني وهو أحد علماء السنّة.

وقد نقل عماد الدين الطبري قصّة السيّدة رقيّة من هذا الكتاب [الفوائد الرضوية ص ١١١].

وعلى ضوء ذلك يمكن القول أنّ تأريخ قصّة السيّدة رقيّة عليها السلام يرجع إلى سبعمائة عام ونصف تقريباً.

وبغضّ النظر عن ذلك فإنّ هناك بعض مصنّفات التاريخ أشارت إلى وجود السيّدة رقيّة عليها السلام منها كتاب «اللهوف» لابن طاووس قدس سره.

يُعدّ كتاب (اللهوف) للسيّد ابن طاووس المتوفّى عام ٦٦٤ هـ المعروف بكثرة إحاطته بالنصوص الروائية والأحداث التاريخية الإسلامية الشيعية، من أقدم الكتب التي جاء فيه ذكر اسم السيّدة رقية عليها السلام، فقد ذكر السيّد رحمه الله في كتابه هذا عبارة للإمام الحسين عليه السلام حينما دعا أُخته زينب عليها السلام للصبر والتحمّل فقال: «يا أُختاه يا أُمّ كلثوم وأنتِ يا زينب، وأنتِ يا رقية، وأنتِ يا فاطمة، وأنتِ يا رباب انظرن إذا أنا قُتلت فلا تشققن عليَّ جيباً ولا تخمشن عليَّ وجهاً ولا تقلن عليَّ هجراً [اللهوف في قتلى الطفوف ص ١٤٠ ـ ١٤١ تحقيق الشيخ فارس تبريزيان ط أُسوة ١٤١٤].

وهذا يعني أنّ السيّدة رقيّة عليها السلام كانت في كربلاء، وممّا يؤيّد ذلك أيضاً ما ذكره الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (المتوفّى عام ١٢٩٤ هـ) في كتابه «ينابيع المودّة» نقلاً عن مقتل أبي مخنف: فبعدما ما ذكر كيفية استشهاد أصغر أولاد الحسين عليه السلام وهو الذي لم يتجاوز الستّة أشهر قال: ثمّ نادى عليه السلام : يا أُمّ كلثوم ويا سكينة ويا رقيّة ويا عاتكة ويا زينب يا أهل بيتي عليكنّ منّي السلام [ينابيع المودّة ص ٣٤٦ ، وإحقاق الحقّ ج ١١ ص ٦٣٣ وانظر مقتل أبي مخنف ص ١٣١ طبع الشريف الرضي].

والسؤال هنا هو: أيمكن أن نجد للسيّدة رقيّة عليها السلام ذكراً في المصادر التي هي أقدم من هذه إذا رجعنا إلى التأريخ أكثر؟

من الواضح لدى كلّ مَن له إلمامة واطّلاع على التأريخ الإسلامي الشيعي أنّ الشيعة تعرّضوا لجميع أنواع الاستبداد والعنف والقهر من قِبل السلاطين وحكّام الجور على طول التاريخ، فكم مرّة ومرّة كانوا عرضة لهجوم المستبدّين ووحشيتهم حتّى تعرّض أبرز رجالهم للقتل والاستشهاد، كما وتعرّضت الآثار العلمية لعلمائهم من كتب ورسائل وموسوعات إلى عمليات إبادة وحرق، ومنها: المجزرة الشهيرة التي قام بها محمود الغزنوي في عام ٤٢٣ هـ وحرقه للكتب، وحادثة إحراق الكتب التي قام بها طغرل في بغداد في عصر الشيخ الطوسي، وهكذا حادثة حسَنَك الوزير.. ومجزرة «الجزّار» الحاكم العثماني في الشام وحرقه للكتب في جنوب لبنان و... الخ.

وعلى كلّ فقد عانى الشيعة الكثير من الآلام والمآسي والاضطهاد في التأريخ ممّا أدّى إلى أمرين:

أوّلاً : عدم توفّر الفرص المناسبة لتدوين هذه الحوادث التاريخية.

ثانياً: عدم القدرة على حفظ ما تمّ تدوينه لا سيّما تلك المطالب التي لها صلة في إثبات مظلومية الشيعة، أو عن جرم وقساوة أعدائهم من حكّام الجور. فقد أدّت الحوادث العصيبة إلى ضياع أكثر هذه المدوّنات ولم يبق إلّا القليل القليل، أو ما هو يتناول شفهياً بين رجال الشيعة من جيل إلى جيل فبقى شاخصاً في الذهنية الشيعية ولكن من دون سند بل هي مشهورات تأريخيه.

ولهذا لا ينقضي العجب حينما نرى الوثائق التاريخية حول السيّدة زينب الكبرى عليها السلام مثلاً قليلة جدّاً مع جلالتها وعظمتها ودورها الكبير في ثورة الإمام الحسين عليه السلام، بل يمكن القول: أنّ ما هو موجود عن هذه السيّدة الجليلة يُعدّ صفراً على الشمال إذا قيس مع دورها التاريخي المهمّ، وعليه فكيف سيكون الحال مع غيرها كالسيّدة أُمّ كلثوم أو السيّدة رقيّة عليها السلام؟!

ففي ظلّ الأوضاع الصعبة كيف سيكون عمل المحقّقين الذين تصل بهم الطرق إلى نقطة مغلقة فلا يحصلون على المستندات التي قد تساهم في إبراز الواقع التاريخي بما هو مطلوب؟

وقد نحى بعض المحقّقين في مثل هذه المطالب منحىً سلبيّاً تمثّل في نفي هذه الحوادث الشهيرة تحت ذريعة «الاستحسان والذوق الشخصي» أو «مجرّد الاستبعاد» القابل للمناقشة والبحث العلمي، أو قولهم إنّ هذه الحوادث والمطالب لم تستند إلى دليل قوي، وهذا الطريق من أهل الطرق ـ أعني نفي الحقائق التاريخية المعروفة والشهيرة ـ بلا بذل أي جهد وعناء في الكشف عنها يمحو الحقيقة من الواقع أكثر من أن يحلّ معضلتها.

والطريق الآخر الذي سلكه البعض الآخر من المحقّقين تمثّل في تحمّلهم لعناء البحث العلمي وصبرهم في الوصول إلى الحقيقة وإثباتها بدل نفيها، وهمّتهم في تجميع أكبر قدر يمكن تحصيله من القرائن والمؤيّدات التي تدعم الحادثة من مراجعة كتب التأريخ، والتفسير واللغة والحديث بل ومراجعة دواوين الشعراء المعاصرين لتلك الحقبة الزمانية والدقّة في فهم النصوص ومدى دلالتها الالتزامية والمطابقية والبحث في منطوقها ومفهومها وأبعاد السياق اللفظي ومعالجة كلّ ذلك مع الواقع التاريخي آنذاك بكلّ تتبّع وإشراف، ومن خلال ذلك يصل رويداً رويداً إلى اكتشاف الكثير من الحقائق فمثلاً:

عندما نتأمّل في موضوع إحراق الكتب الشيعية قديماً وعمليات الإبادة التي تعرّض لها رجالات الشيعة، أو محاكم التفتيش العقائدي ـ إن صحّ التعبير ـ من قِبل سلاطين الجور ووعّاظهم نعرف الحقيقة التالية:

أوّلاً: أنّ عدم الحصول على الدليل التاريخي مع شهرة الحادثة لا يدلّ على عدمها وكما قالوا: عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.

ثانياً: لا يمكن دائماً وأبداً إجراء المقولة: لو كان لبان فننكر المشهورات تحت هذه الذريعة وذلك لأنّ للظروف مدخلية لا يمكن البتّ بدون ملاحظتها.

ثالثاً: لا يمكن وبكلّ بساطة أن ننكر ما عندنا من بعض الأدلّة والوثائق بدافع الاستبعاد أو الاستحسان الموجّه، ونعدها من جملة الخرافات أو الموضوعات، لأنّه من الممكن أن يكون الاستبعاد ناتجاً عن عدم الاطّلاع أو عن الغفلة ببعض جوانب القضيّة التي لو عرفت لتبدّل الاستبعاد إلى حالة من القبول وفقاً للتحليل العلمي، أو في أقلّ التقادير ينقدح في أُفق الذهن تصوّر جديد.

رابعاً: علينا أن ندرك أنّ دلالة الخبر الواحد أو غير المعتبر لا يستلزم بالضرورة الكذب وما هو خلاف الحقّ، بل المطلوب هو أن نجعل مثل هذه الأخبار بديلاً عن قراراتنا القطعية في نفي الواقعة التاريخية، لتكون ـ الأخبار ـ مورداً للبحث والتحقيق الواسع ويمكن الموازنة بينها وبين روايات أُخرى لنعرف الصحيح ، بل يمكن أن تكون هذه الأخبار الآحاد رأس خيط للوصول إلى حقائق كبيرة أو أنّها قد تصلح في حالة تعارض الأدلّة مؤيّداً ومرجّحاً لإحدى الطوائف.

وطبيعياً فإنّ الانكار يحتاج إلى دليل كما أنّ إثبات أي شيء بحاجة إلى دليل، نعم ما لا يحتاج إلى دليل هو قول: لا أدري بل إنّ النفي يستلزم مؤونة أكثر من الإثبات، وعلينا أن لا ننسى أنّ الاستحسانات أو الاستبعادات والتحليلات العقلية لها مكانها الخاص بها ولا يمكن أن نغليها تماماً، كما لا يمكن أن نطرح الأُمور خلافاً للقواعد العقلية المسلّمة، ولا ننسى أيضاً أنّ الكلمة الأخيرة في هذا الميدان هي: التتبّع والتحقيق التحليل في الأدلّة والوقائع التاريخية بشكل مباشر أو غير مباشر.

والبحث الذي نحن بصدده عن السيّدة رقيّة عليها السلام لا يستثنى من هذه الأُصول والقواعد، فمضاناً لما تقدّم منّا من ذكر المصادر التاريخية القديمة الدالّة على وجود هذه الشخصية، أيمكن أن نستدلّ بمصادر أُخرى أكثر قدماً من «اللهوف» و «كامل البهائي» على وجود هذه الشخصية الشريفة من خلال التتبّع؟ الجواب بحمد لله هو نعم يمكن أن نجد أكثر من هذه المصادر لإثبات ذلك بالتتبّع والتحقيق.

فمن أقدم النصوص ـ على حسب تتبّعنا ـ الذي أشار إلى وجود هذه السيّدة الشريفة المظلومة المضطهدة بنت سيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء المسّماة بـ (رقية) ـ إلى جانب السيّدة سكينة ـ هي القصيدة المؤلمة لسيف بن عميرة أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.

إنّ سيف بن عميرة النخعي الكوفي هو من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام الأجلّاء، وهو من رواة الشيعة المتألّقين والمشهورين فقد وثّقه الشيخ الطوسي في كتاب (الفهرست) وكذا النجاشي في كتاب «الرجال»، والعلّامة الحلّي في كتاب (خلاصة الأقوال) وابن داود في الرجال أيضاً والعلّامة المجلسي في كتاب (الوجيزة)، وقد عدّه ابن النديم في «الفهرست» من مشايخ الشيعة الذي يروي الفقه عن الأئمّة عليهم السلام وذكر الشيخ الطوسي في رجاله أنّ سيف ابن عميرة له كتاب رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد ذكره المرحوم السيّد بحر العلوم في الفوائد الرجالية مع جملة رواة الشيعة المشهورين أمثال محمّد بن أبي عمير ويونس بن عبد الرحمن اللذين رويا عنه، وسيف بن عميرة من جملة الذين رووا زيارة عاشوراء المعروفة نقلاً عن الإمام الباقر عليه السلام وهي زيارة مشهورة قد راج قراءتها طوال السنين عند الشيعة.

على كلّ فإنّ لسيف بن عميرة قصيدة مؤلمة في رثاء سيّد الشهداء عليه السلام وهي التي مطلعها:

جلّ المصائب بمن أصبنا فاعذري *** يا هذه وعن الملامة فاقصري

وهي قصيدة أليمة ومؤثّرة، إلّا أنّ العلّامة السيّد محسن الأمين [أعيان الشيعة ج ٧ ص ٣٢٦ ط دار التعارف بيروت عام ١٩٨٣ م] وتبعه الشهيد السيّد جواد شبّر ـ وهو من خطباء لبنان [أدب الطفّ أو شعراء الحسين عليه السلام ج ١ ص ١٩٦ ط مؤسّسة البلاغ بيروت ١٩٨٨ م] ـ لم يذكرا إلّا هذا البيت، وأمّا الشيخ فخر الدين الطريحي ـ الفقيه والرجالي والأديب الألمعي والعالم الشيعي اللغوي الكبير صاحب كتاب مجمع البحرين ـ ذكر كلّ القصيدة في كتابه المنتخب [المنتخب في جمع المراثي والخطب ج ٢ ص ٤٣٦ ط الأعلمي بيروت عام ١٤١٢ هـ] ـ وهو كتاب يتناول رثاء سيّد الشهداء عليه السلام بالنثر والشعر، إذ يصرّح الشاعر في أواخر القصيدة بهويّته النسبية والولائية فيقول:

وعُبيدكم سيف فتى ابن عميرة *** عبدٌ لعبد عبيد حيدر قنبر

أمّا ما يخصّ بحثنا هنا هو ذكر للسيّدة رقيّة في طيّات أبياته حيث قال:

وسكينة عنها السكينة فارقت *** لمّا ابتديت بفرقة وتغيّر

ورقيّة رقّ الحسود لضعفها *** وغدا ليعذرها الذي لم يعذر

ولأُمّ كلثوم يجد جديدها *** لثم عقيب دموعها لم يكرّر

لم أنسها وسكينة ورقيّة *** يبكينه بتحسّر وتزفر

يدعون أُمّهم البتولة فاطماً *** دعوى الحزين الواله المتحيّر

يا أُمّنا هذا الحسين مجدلاً *** ملقى عفيراً مثل بدر مزهر

في تربها متعفّراً ومضخّماً *** جثمانه بنجيع دم أحمر

[لبس السواد في عزاء أئمّة النور ص ٣٢٠ نقلاً عن المنتخب للطريحي]

عمر السيدة رقية عليها السلام المبارك

كان عمر السيّدة رقيّة عليها السلام حين شهادتها حسب بعض الروايات ثلاث سنين، وفي البعض الآخر أنّ عمرها كان أربع سنين، ونقل في بعض الأخبار أنّ عمرها كان خمس سنين وفي بعضها سبع سنين.

وقد ذكر في كتاب «وقائع الأيّام والشهور» للعلّامة البيرجندي: أنّ طفلة صغيرة للإمام الحسين عليه السلام توفّيت في الخامس من شهر صفر سنة ٦١ هـ، كما نُقل نفس هذا المطلب في كتاب «رياض القدس».

السيّدة رقيّة في عاشوراء

نقل في بعض الأخبار: أنّ السيّدة سكينة عليها السلام قالت لإحدى خواتها ـ ويحتمل أن تكون هي السيّدة رقيّة ـ يوم عاشوراء: هلمّي نأخذ برداء والدي ونحول بينه وبين الذهاب إلى الميدان.

وعندما سمع سيّد الشهداء عليه السلام صوتهنّ بكى كثيراً، وإذا بالسيّدة رقيّة تناديه قائلة: أبتاه! لن أحول دون ذهابك إلى الميدان ولكن قف لي هنيئة لأراك وأتزوّد منك.

فأخذها سيّد الشهداء عليه السلام في حضنه وجعل يقبّلها ويصبّرها وإذا بها تقول له: أبتاه، العطش العطش، فإنّ الظمأ قد آلمني.

فأشار عليها الإمام الحسين عليه السلام أن تدخل الخيمة ليذهب إلى الميدان ويطلب لها ماءً وما أن أراد سيّد الشهداء عليه السلام الذهاب إلى ميدان إذا بالسيّدة رقية عليها السلام تأخذ بأذياله من جديد وهي تقول: أبتاه أين تمضي عنّا؟

فأخذها الإمام الحسين عليه السلام في حضنه ثانية وطيّب خاطرها وهدّأ من روعها ثمّ ودّعها بقلب حزين [وقائع عاشوراء للسيّد محمّد تقي مقدّم ص ٤٥٥، حضرة رقية للشيخ علي الفلسفي ص ٥٥٠].

مواساة السيّدة رقيّة لعطش الإمام الحسين عليه السلام

عندما حمل أزلام يزيد وجلاوزته على حرم الرسول صلى الله عليه واله وأخذوا يحرقون الخيام وجدوا ما يقارب ٢٣ طفلاً كلّهم يصيحون واعطشاه، فأخبروا عمر بن سعد بالأمر وقالوا له: إذا أردت حفظ هؤلاء الأطفال من الموت فابعث الماء لنسقيهم.

وبالفعل فقد أذن عمر بن سعد لهم أن يسقوهم الماء فجاءوا إليهم بالماء وجعلوا يسقونهم واحداً بعد الآخر.

ولمّا وصل الساقي إلى السيّدة رقيّة عليها السلام وناولها قدح الماء أخذته وهرولت نحو الميدان، فتساءل منها الرجل وقال: إلى أين تذهبين؟ فقالت: أمضي إلى والدي لأسقيه الماء.

فأجابها اللعين: دعي عنك هذا واشربي الماء فقد قتل أباك ظمآناً.

وبمجرّد أن سمعت منه هذا الكلام التفت إليه بدموع جارية وقالت: إذن لن أشرب الماء أبداً.

اللقاء الأخير

على الرغم أنّ كلّ وقائع وداع سيّد الشهداء عليه السلام مع أهل بيته عليهم السلام مؤلمة ومحزنة إلّا أنّ الوداع الأخير وهو وداعه مع عزيزة قلبه الصغيرة السيّدة رقيّة عليها السلام أكثر حزناً وأشدّ إيلاماً على قلوب المؤمنين.

فمن كلام لهلال بن نافع الذي كان في جيش عمر بن سعد قال فيه: كنت واقفاً خلف صفوف العسكر فرأيت الإمام يتقدّم نحو الميدان بعد أن ودّع عياله وأهل بيته ، وفي ذلك الأثناء شاهدت طفلة خرجت من الخيمة ورجلاها ترجفان فأخذت تعدو خلف الإمام الحسين عليه السلام حتّى وصلت إليه وتشبّثت بأذياله وهي تقول : أبتاه انظر إليّ فإنّي عطشانة.

وما أن سمع سيّد الشهداء عليه السلام هذه الكلمات المشجية من عزيزة قلبه رقيّة عليها السلام إذا به ينقلب حاله ويجهش بالبكاء فخاطبها بدموع جارية وقال: الله يسقيك فإنّه وكيلي عليكم.

يقول هلال بن نافع: سألت من هذه الطفلة؟ وما هي علاقتها بالإمام الحسين عليه السلام؟ فقالوا لي: إنّها السيّدة رقيّة صغيرة الإمام الحسين عليه السلام.

سؤال وجواب

الكثير من الناس يتساءلون قائلين: الكثير من المصنّفات القديمة مثل الإرشاد للشيخ المفيد، وأعلام الورى للطبرسي، وكشف الغمّة للإربلي، ودلائل الإمامة للطبري لا يوجد فيها ذكر للسيّدة رقيّة أصلاً وهذا خير دليل على عدم وجودها؟

وفي جواب مثل هذا السؤال نقول:

١ ـ في تلك العصور التي كانت الإمكانات قليلة جدّاً، وكثرة أولاد الأئمّة عليهم السلام من جانب آخر وشدّة مضايقة حكّام بني أُميّة للكتّاب وتتبّعهم لما يكتبون فضلاً من عدم الاهتمام الزائد بضبط وتدوين كلّ صغيرة وكبيرة من حياة الأئمّة عليهم السلام ضيّع علينا الكثير من حياة الأئمّة وأخفى على البشرية الكثير من الحقائق، ولهذا يمكن أن يقال: إنّ عدم ذكر أمثال العلماء الأعلام مع التوجّه إلى ما ذكرنا لا يكون دليلاً على عدم وجود السيّدة رقيّة عليها السلام.

٢ ـ لعلّ الكتّاب في تلك العصور مع قلّة الإمكانات ووجود أكثر من طفلة آنذاك باسم رقيّة عاقهم عن التطرّق إلى هذه السيّدة الجليلة.

٣ ـ قد يكون لبعض بنات سيّد الشهداء عليه السلام اسمين، فمثلاً هناك الكثير من القرائن القويّة الدالّة على أنّ السيّدة رقيّة عليها السلام هي نفسها فاطمة الصغيرة وربما كان هذا هو السبب الرئيسي للغفلة عن اسم السيّدة رقيّة عليها السلام.

٤ ـ ذكرنا قبلاً أنّ بعض العلماء الأعلام من القدماء ذكروا أنّ هناك طفلة لسيّد الشهداء باسم السيّدة رقية كانت قد استشهدت في خرابة الشام.

ومن تعرّض هؤلاء البعض للسيّدة رقيّة عليها السلام يتّضح أنّه كانت في أيديهم دلائل اعتمدوا عليها في ذكرهم للسيّدة رقية عليها السلام ولم تصل ـ هذه الدلائل ـ إلى أيادي الغير حتّى يومنا هذا.

وعلى أيّة حال فإنّ عدم ذكر بعض القدماء للسيّدة رقيّة عليها السلام في مصنّفاتهم لا يكون دليلاً على عدم وجودها.

فكما أنّ عدم ذكر الكثير من الأحداث ووقائع عاشوراء وما جرى على أهل البيت عليهم السلام في طريقهم عندما كانوا في الأسر لا يكون دليلاً على عدم وجودها، كذلك الحال بالنسبة إلى قضية السيّدة رقيّة عليها السلام.

__________________

* كتاب السيدة رقية بنت الامام الحسين عليهما السلام للشيخ علي الرباني الخلخالي/ بتصرف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2299
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 10 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24