• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : خلاصة تفسير سورة الحمد (*) .

خلاصة تفسير سورة الحمد (*)

مقدّمة

انّ سورة الحمد المباركة الّتي هي فاتحة الكتاب ومستهلّ كلام الله سبحانه قد كرّمها الله في كلامه المجيد حتّى جعلها في مصافّ «القرآن العظيم» فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [سورة الحجر، الآية 87] وفي الأحاديث النبويّة وكلمات العترة الطاهرين (عليهم السلام) ذُكِرت بأسماء وصفات مثل (أعظم جامعة للحكمة) و(كنز من كنوز العرش) و(أشرف ما ادّخر من كنوز العرش) و(سورة الشفاء) و(النعمة العظمى والثقيلة) و(أفضل سورة في القرآن)، فقد جاء في الأحاديث: «ليس شيء من القرآن والكلام جُمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد» [البحار، ج82، ص54]، «انّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش» [نور الثقلين، ج1، ص6]، «فاتحة الكتاب شفاء من كلّ داء» [مجمع البيان، ج1، ص87]، «فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب». [تفسير البرهان، ج1، ص41؛ نور الثقلين، ج1، ص6]

والنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) عندما اقترح تعليم السورة على جابر بن عبد الله الأنصاري وصفها له بأنّها أفضل سُوَر كتاب الله حيث قال له: «ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟» قال: فقال له جابر: بلى بأبي أنت واُمّي يا رسول الله علّمنيها. فعلّمه الحمد اُمَّ الكتاب. [تفسير البرهان، ج1، ص42] وفي حديث آخر أوضح ملاك هذا التفضيل أيضاً فقال: «لو أنّ فاتحة الكتاب وضعت في كفّة الميزان ووضع القرآن في كفّة لرجحت فاتحة الكتاب سبع مرات» [جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص89] وأيضاً قارنها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مع الكتب السماويّة فقال: «والّذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها هي اُمّ الكتاب». [جامع الأخبار، الفصل 22، ص43؛ مجمع البيان، ج1، ص88]

هذه السورة الّتي تبتدئ بتعظيم اسم الله الرحمن الرحيم وتستمرّ بحمد الله وعدِّ صفات جماله وجلاله وحصر العبادة والاستعانة به، وتُختتم بطلب الهداية من حضرة كبريائه وعظمتهِ، مع كلّ ما فيها من تلخيص واختصار قد تضمّنت لباب المعارف القرآنيّة الواسعة؛ لأنّ الخطوطَ العامّة والاُصول الثلاثيّة للمعارف الدينيّة وهي معرفة المبدأ ومعرفة الرسالة ومعرفة المعاد، الّتي هي أساس هداية السالكين نحو صلاح الدنيا والآخرة، وسورة الحمد قد بيّنت هذه الاُصول بأقلّ الألفاظ وأوضح المعاني، ودلّت على طريق سلوك الإنسان نحو ربّه.

وسورة فاتحة الكتاب المباركة كلام الله سبحانه، ولكنّه يتحدّث نيابة عن العبد السالك الّذي وجَّه وجه روحه نحو ذات الله المقدّسة وراح يناجيه مناجاة المحبّ الواله.

وفي هذه السورة يعلّم الله سبحانه السالكين نحوه أدب التحميد واُسلوب اظهار العبوديّة وطريقة التحدّث بين العبد السالك والربّ المالك، وجعل ذلك عموداً للدين حيث: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» [غوالي اللئالي، ج1، ص196]، فهي تُتلى بصورة الفرض عشر مرّات في اليوم والليلة للمتقرّبين بالفرائض، وتتلى أضعاف ذلك العدد للراغبين في قرب النوافل.

ولو لم تكن سورة الحمد متضمّنة لخلاصة المعارف القرآنيّة وهي أسرار المبدأ والمعاد وعلم سلوك الإنسان نحو الله لم تقرن في الكتاب الإلهيّ مع القرآن العظيم [سورة الحجر، الآية 87] ولم تذكر بتلك العظمة في أحاديث أئمّة وقدوات السلوك الى الله (أهل البيت (عليهم السلام)).

خلاصة التفسير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

«الله» هو أعلى وأفضل اسم إلهيّ يتضمّن جميع صفات الكمال الوجوديّ، و(الرحمن) و(الرحيم) من صفاته الّتي تدلّ على رحمته المطلقة الّتي لا نهاية لها، مع فرق بينهما وهو انّ الرحمن تدلّ على (كثرة) الرحمة، والرحيم تدلّ على (ثبات ودوام) الرحمة. إذاً فالرحمن هو الله الّذي وسعت رحمته كلّ شيء وشملت كلَّ فرد: (المؤمن والكافر والدنيا والآخرة)، ومثل هذه الرحمة لا تقابل الغضب، بل انّ الغضب من مصاديقها وامّا الرحيم فهو الله الّذي له رحمة خاصّة بالمؤمنين، وهذه الرحمة تقابل الغضب الإلهيّ. والله سبحانه يفتتح القرآن وهذه السورة باسمه، وبهذه الطريقة يعلّم الناس أدب ابتداء أعمالهم باسم الله.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

انّ حمد كلّ حامد ازاء كلّ جمال وكمال، هو في الحقيقة حمد لله، فليس هنالك أهل للحمد سواه. والله سبحانه ربّ كلّ (عالَم) ويسوقه نحو كماله المناسب له و(العالَم) هو الشيء الّذي بواسطته يحصل العلم (ما يُعلم به)، وحيث انّ كلّ شيء في عالم الوجود هو علامة لله، إذن فكلّ شيء في نفسه يُعَدُّ عالماً وهو يسير نحو كماله بربوبيّة الله سبحانه. وهذه الآية الكريمة هي أفضل تعبير جامع عن حمد الله، وببيانها للاُلوهيّة والربوبيّة المنحصرة بالله، دلّت على اختصاص الحمد به؛ فالله الّذي يتميَّز بجميع أنحاء الكمال (الله) وهو ربّ كلّ شيء (ربّ العالمين) هو أهل للحمد، وحيث انّ الحمد يكون في مقابل اعطاء الكمال والجمال، وهذا أيضاً منحصر بالله، فالحمد إذن مختصّ به والله هو المحمود الأوحد.

وليس الله هو المحمود الأوحد فحسب، بل هو الحامد الوحيد أيضاً، لأنّ الحمد الحقيقيّ لا يتحقّق ولا يتيسّر من دون معرفة وليّ النعمة وكلّ ما لديه من نعم وكمال، ومثل هذه المعرفة لا توجد عند غير الله سبحانه.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)

الرحمة الواسعة والشاملة الإلهيّة هي (الرحمة الرحمانيّة)، والرحمة الخاصّة له هي (الرحمة الرحيميّة). في هذه الآية الكريمة دليلان على حصر الحمد بالله، لأنّ الرحمة الواسعة تشمل المؤمن والكافر وكذلك الرحمة الخاصّة المختصّة بالمؤمن وكلّها منحصرة في الله، وتلك الرحمة هي سبب استحقاق الحمد، فالمربّي للموجودات هو الله ذو الرحمة الواسعة للجميع والرحمة الخاصّة للمؤمنين، ومثل هذه التربية وهذا المربّي أهل للحمد.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

الله سبحانه هو المالك المطلق لكلّ العوالم ومن فيها. وهذه الملكيّة المطلقة غير المحدودة تظهر يوم القيامة، لا انّها تحدث في المعاد. الله المدبّر والمربّي لأفراد الإنسانيّة ومن خلال اقامته ليوم الجزاء يفتح سبيل التكامل النهائيّ للناس ويربّيهم على الاعتقاد بالقيامة الّذي هو أفضل وسيلة لتطهير الإنسان وتحريره من الفساد، وفي يوم القيامة حيث محلّ ظهور المِلكيّة المطلقة لله وفيه يعترف الجميع بمالكيّة الحق تعالى، هنالك يهب الله للناس جوائزهم فهو الله المحمود.

واليوم في الآية هو بمعنى الظهور، لا بمعنى الفترة من الزمان، وفي القيامة تظهر جميع أبعاد وأركان الدين كالتوحيد، والأسماء الحسنى لله والأسرار والحقائق الاُخرى.

وهذه الآية ومن خلال بيانها للنظام الغائيّ للخلق، تشكّل دليلاً آخر على حصر الحمد بالله، كما انّها سند لكون الله معبوداً ومستعاناً به، ولهذا فانّها مرتبطة بالآيات السابقة واللاحقة.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

انّ المعرفة والاعتقاد بالأسماء الإلهيّة الحسنى (الاُلوهيّة والربوبيّة والرحمانيّة والرحيميّة والمالكيّة) نقلت الإنسان الغائب عن الله الى مقام الحضور وأهّلته للخطاب المباشر مع الله ولهذا فانّ العبد السالك بعد معرفة الله والاعتقاد بأسمائه الحسنى وجد نفسه حاضراً أمام الله، وبالالتفات من الغيبة الى الخطاب يقول: إلهي ايّاك وحدك نعبد وايّاك وحدك نستعين (حتّى في العبادة) ولا أحد سواك أهل للعبادة والخضوع.

فالله سبحانه هو المعبود الوحيد والمستعان الفرد في عالم الخلق، لأنّه المبدأ الوحيد لجميع أنواع الكمال فهو (الله)، وهو الّذي يدبّر ويربّي كلّ موجود فهو (ربّ العالمين) وله رحمة لاحدّ لها ولا منتهى لأمدها وهي لجميع المخلوقات ورحمة خاصّة بالمؤمنين فهو (الرحمن الرحيم)، وهو المرجع والحاكم الوحيد الّذي يَظهر سلطان ملكه للجميع في القيامة وفي ذلك اليوم يثيب ويعاقب بعدله وحكمته فهو (مالك يوم الدين).

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

انّ العبد السالك الّذي يرغب في الوصول الى لقاء الله محتاج الى صراط لا عوج فيه ولا انحراف وفي أمان من كيد الشيطان، ويحتاج الى نور هداية يُريه الطريق ويقوده حتّى يبلغ الى الهدف الأخير.

وفي هذه الآية يطلب العبد السالك من الله أن يهديه الى الصراط المستقيم وهذه الهداية هي الهداية التكوينيّة، لأنّ القائل (المصلّي أو قارئ القرآن) بعد معرفة الله والإيمان به يطلب نور الهداية كي يميّز بأشعّته بين الطريق والمهوى (حافّة السقوط)، وحيث انّ الإنسان في سعي وحركة دائمة، وطريق الحقّ له مراتب ومنازل كثيرة لذلك فانّ على العبد السالك أن يطلب دائماً من الله الهداية الى الصراط المستقيم.

والصراط هو الطريق الرئيسيّ المرتبط بالله سبحانه من جهة (وبهذا اللحاظ يكون واحداً وليس كثيراً)، ومن جهة اُخرى يتّصل بفطرة كلّ فرد من أفراد الإنسانيّة ويبدأ من باطن كلّ واحد منهم ولهذا فانّ سلوكه ليس صعباً، وكلّ من يسير فيه يصل الى لقاء الله.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)

انّ الصراط المستقيم الّذي هو المطلوب من قِبَل العبد السالك. هو طريق الأفراد الّذين وهبهم الله نِعَمه المعنويّة، والّذين لم يقعوا في غضب الله ولم يتورّطوا في الضلال.

واُولئك هم الأنبياء والصدّيقون والشهداء والصالحون الّذين أفاض الله عليهم نِعَم النبوّة والصدق والشهادة والصلاح وجعلهم خير رفاق درب للسالكين في الصراط المستقيم.

والصراط المستقيم واحد ليس أكثر، والمهتدون يسيرون عليه باستقامة وثبات والآخرون ينحرفون عنه، وليس في نظام الوجود غير طريق واحد، ولم يخلق الطريق المنحرف أبداً، ولذا فلو لم يضلّ الإنسان وينحرف لما كان هناك انحراف ولا ضلال ولا غضب.

ولا ينزل من الله سوى الخير، وأمّا غضبه واضلاله فهو جزائيّ وليس ابتدائيّاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مقتطف من تفسير تسنيم، لآية الله العظمى الشيخ جوادي آملي، ج1 (عربي)، -  تفسير سورة الحمد.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2267
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28