• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : ‌‌‌عالم‌ الكتب الأخلاق بين القرآن والمذاهب الفلسفية (القسم الثالث) .

‌‌‌عالم‌ الكتب الأخلاق بين القرآن والمذاهب الفلسفية (القسم الثالث)

تأليف: الشيخ مسيح مهاجري

ترجمة وتـلخيص‌:نـاظم‌ شـيرواني‌

الفصل الثالث الأخلاق‌ القائمة على الوحي

توصلنا خلال بحثنا إلى النتيجة التالية وهي ان‌ جـميع‌ المـذاهب‌ الأخلاقية لا تخلو من النقص. ولذلك يتحتم عـلينا البـحث عن غـاية للبـشر فـي هذه الحياة واعتبارها هـدفا ‌‌اساسيا‌ لتقييم جميع الأشياء على ضوثه.

وهنا نصل إلى مذهب أخلاقي افضل يدعي «المذهب‌ الأخلاقي‌ القـائم‌ على اساس الوحي» أو «الأخلاق الدينية».

ويجب ان نـبحث عـن هـذا النـوع مـن الأخلاق في‌ القـرآن المـجيد باعتباره الكتاب السماوي الذي لم يتم التلاعب به وحافظ على وجوده‌.

اما المسائل التي يلزم‌ اعتبارها‌ مفاتيح لرمـز الأخـلاق القـرآنية فهي على التالي:

1- ما هو رأي القرآن الكـريم حـول أفـعال البشر؟

 2-مـا الشيء الذي يـعتبره القرآن الكريم غاية لأفعال البشر؟

3- ما الدور الذي تلعبه الغايات الفانية والمؤقتة في عملية‌ التكامل الانساني؟

 1-رأي القرآن الكريم حول افعال البشر:

يلزم التطرق إلى افعال البشر من زاويتين:

1- من زاوية الفعل نـفسه وقابليته لإيصال المطلوب.

2- من زاوية علاقة الفعل بالفاعل ودور هذه العلاقة لإيصال المطلوب‌.

ففي‌ ما يتعلق بالفقرة الاولى فإننا نبحث حول فعل مجرد عن فاعله. والمسألة هي؛ هل ان كل فعل يستطيع ان يـؤثر فـي السعادة الانسانية، أم لا؟ واذا لم يكن لكل فعل تأثير‌ في‌ السعادة فكيف يمكن لفعل ما ان يكون له مثل هذا التأثير؟

يبدو لنا جليا من الناحية العقلية ان الأفعال لا تستطيع كلها أن تؤثر في السعادة، ذلك ان القاعدة التي‌ تـصرح‌ بلزوم وجود علاقة بين العلة والمعلول تحكم بأن الأمور التي لها علاقة مع بعضها هي الوحيدة التي تستطيع أن تؤثر على بعضها.

وعلى هـذا الأسـاس فان جواب العقل هو‌؛ ان الأفـعال‌ التي تستطيع ان تؤثر في‌ سعادة‌ الانسان‌ هي تلك الأفعال التي لها علاقة بالسعادة وتحوي في داخلها على مجال لتنمية وايجاد الغاية المطلوبة.

والقرآن يـحمل نـفس التصور، فعند‌ ما‌ يـدور‌ الحـديث في القرآن الكريم حول المؤمنين فان (اعمالهم‌ الصالحة‌) هي التي تؤخذ بنظر الاعتبار، لأنّ (العمل الصالح) هو الشرط الأساسي للمؤمنين لتحقيق الغاية المطلوبة التي يشير اليها القرآن‌ الكريم‌. في‌ حـين ان الأشـخاص الذين يرتكبون الذنوب والمعاصي سيبتلون بالغايات اللا مطلوبة‌  والمؤلة التي يعبر عنها القرآن الكريم بـ « العذاب الأليم » و«جنهم» و... الخ، مؤكدا ان هذا النوع من الغايات له‌ هو‌ الآخر‌ صفة أبدية.

و هناك الكثير مـن الآيـات التي تـؤكد على هذه المسألة‌، لكننا‌ نكتفي بنماذج منها:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً1

﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا2

﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ 3

﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾4

وهـناك آيـات اخرى‌ تقارن‌ بين الصالحين والمفسدين، وبين المتقين والفاجرين وتعامل كل فئة بما قدّمته:

﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ 5

كما ان هناك آيات اخرى‌ تـؤكد‌ ان نتيجة الخير هي الخـير، بـينما نتيجة عمل الشر هي الشر؛

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ 6

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾7

﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ﴾ 8

﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ 9

إذن يـتضح لنا بان‌ الفعل‌ لن‌ يستطيع ان يؤثر في السعادة ما لم يكن له علاقة بالسعادة. والآن يطرح السؤال التالي‌ نفسه‌؛هل‌ ان مثل هذا الفعل يستطيع في كافة الأحوال أن يكون مؤثرا في‌ السعادة‌ أم انه يحتاج إلى عـامل آخر؟

الجـواب متروك للعقل. ولنأخذ من بين النماذج الكثيرة فعل «قتل النفس‌» بنظر‌ الاعتبار، ونضع امامه شخصين؛ الأول قائل والثاني حاكم ينظر في حادثة القتل‌. فالأول‌ قتل انسانا والثاني يحكم على الانسان الأول‌، ايـ‌ القـاتل‌ بالموت امتثالا للقانون. فالعقل-هنا -يقول؛ مع‌ ان‌ الفعل يتشابه في كلتا الحالتين، لكنه في الحالة  الاولى (شر) بينما في الثانية‌ (خير).

لذا فان الفعل قابل للتغيير‌ إلى صور مختلفة‌. فـالفاعل‌ يـستطيع‌ من خلال نيته وهدفه ان يجعل‌ من‌ فعل له القابلية للتحول إلى خير كفعل له طابع الشر. [يـلزم الإشـارة‌ إلى الملاحظة التالية وهي ان فـعل الخـير يـستطيع من خلال فاعله ان يكون خيرا‌ أو‌ أن يتبدّل إلى الشر. لكن‌ هذه‌ القاعدة‌ لا تنطبق على فعل‌ الشر، أي ان الفعل‌ الذي‌ هو شر في نفسه لن يـستطيع مـن خـلال الفاعل ونية الخيران يتبدل إلى الخير‌]

ومن هنا‌ يمكن‌ تشبيه الفعل بالمادّة الفلسفية، ونية الفاعل‌ بالصورة.

و الآن لنقرأ معا‌ بعض‌ الآيات القرآنية لنـرى كيف‌ ان القرآن الكـريم يـوضح هذه الملاحظة‌ بشكل‌ جيد. فالآية‌ 60‌ من‌ سورة النساء تبدأ بعبارة‌:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ...﴾

مشيرة إلى المنافقين‌. ثم‌ يحذر‌ القـرآن‌ هؤلاء‌ في الآيات التي‌ تلي‌ تلك الآية إلى أن يصل إلى الآية 66 فيقول؛

﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا

إن تعريض الحياة للخطر ليس في نفسه فعلا مطلوبا. أمّا في منطق القرآن فلو تم هذا العـمل طـاعة للّه وبـهدف كسب رضاه‌ فانه سيكون فعلا عظيما وان اجره، أي كماله سيكون هو الآخر عـظيما بـدوره. إذ ان اللّه يـحشر مثل هذا الانسان مع الانبياء والأئمة؛

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ 10

لكن ما الشيء الذي جعل من هذا الفعل الذي هو ليـس مـطلوبا في نفسه، وسيلة للكمال؟

الجواب: الهدف والنية‌ اللذان‌ يطبق هذا الفعل على ضوئهما، وبـعبارة اخـرى، اي مـا يتعلق بالفاعل. وعلى هذا الأساس فان الذي يمنح قيمة للفعل هو عملية تنفيذه لتحقيق‌ الهـدف‌.

وهـناك آيات أخرى لا تضع‌ قيمة‌ للأفعال ما لم تكن في سبيل اللّه مثل؛

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾11

و ايضا هناك‌ آيات‌ أخرى ترى ان نية‌ الفاعل‌ مؤثرة فـي قـيمه الفعل، مثل:

﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾ 12

﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى 13

كانت هذه آيات عبر عـن رأي القـرآن الكـريم حول علاقة الفعل بالفاعل وكيفية العلاقة التامّة القائمة بين افعال الانسان ونـية وهـدف الفاعل.

وخلاصة القول ان الفعل له ركنان إنّ توفرا‌ فيه‌، فانه سيؤثر‌ في سعادة الانسان، وهما:

1- ان يكون للفـعل مـجال للتأثير في السعادة.

2- ان يتم هذا الفعل بنية الوصول‌ إلى الهدف والكمال المطلوب.

و على هـذا الأساس فان رأي القرآن حول‌ فعل‌ الانسان‌ يـتخلص بـما يـلي، وهو: ان الفعل الذي له القدرة على التأثير في السـعادة الأبـدية ويأتي بنية تحقيق ‌‌هذا‌ الهدف فهو (خير)، بينما الفعل الذي يفتقر إلى هذه القدرة أو انـه يـملك‌ هذه‌ القدرة‌ لكنه لا يأتي بـنية الوصـول إلى السعادة الأبـدية فـلا يـعتبر(خيرا)، كما ان الفعل الذي‌ يأتي بـهدف مـعاداة السعادة الأبدية فهو(شر).

 2-رأي القرآن في غايات افعال البشر‌:

والآن نريد ان نتعرّف‌ على رأي القـرآن حول الخير الذي ينشده الانسان من وراء جـميع افعاله، هذا الخير الذي يـسمى بــ(الغاية).

وقبل كل شيء يـجب ان نـعي مسألتين: الاولى؛ ما الشيء الذي يعتبره افراد البشر‌ غاية لهم؟ والثانية؛ ما هو دور افعال البشر فـي تـحقيق تلك الغاية؟

ففي ما يتعلق بـالمسألة الأول نـقول إنـنا توصلنا في السـير العـقلي من هذا البحث إلى النـتيجة التـالية وهي ان افراد البشر‌ ينشدون‌ الكمال وان كمالهم النهائي يتمثل بالارتباط بالمبدأ المطلق، الا وهو اللّه.

اما بـالنسبة للمـسألة الثانية فالحقيقة هي ان افعال البشر أو بالأحرى ان الحـياة الدنيا تـعتبر مـقدمة للآخـرة، إذ ان‌ الحياة‌ الدنيا هـي عالم الحركة، وان الحركة مقدمة للكمال، وعند ما يبلغ الكمال نهايته، فلن يكون للحركة اي وجود آنـذاك. وطـالما تكون هناك حركة فان الكمال النـهائي يـبقي غـير مـتحقق‌. إذنـ‌ فان عالم المـادّة الذي هـو عالم الحركة ليس الا مقدمة لعالم الآخرة الذي يجعل فيه كل انسان على نتيجة اعماله.

ونفهم من هـاتين النـتيجتين ان غـاية حياة البشر هي‌ تحقيق‌ الكمال‌ النهائي، أي الارتـباط بـمبدأ الكـمال‌، وان الحـياة‌ الدنـيا هي مقدمة لتحقيق هذا الكمال الذي يتمثل بالحياة الأبدية في الآخرة.

طبيعي ان افراد البشر لا يحققون كمالا متشابها، إذ‌ ان‌ كمال‌ كل انسان يتوقف على مدي ما قدّمه في‌ الحـياة‌ الدنيا، رغم ان مبدأ الشروع هو واحد ويتمثل بالإيمان باللّه واليوم الآخر. وهذا ما رأيناه في الآيات التي تتطرق‌ إلى الأعمال‌ الصالحة مع التأكيد على هذه الملاحظة وهي انه حتي العـمل‌ الصـالح لن تكون له قيمة ما لم يرافقه ايمان باللّه.

وهذا الكمال له درجات في الآخرة، إذ انه‌ يبدأ‌ بدخول‌ الجنة وينتهي بالصول إلى الباري سبحانه وتعالى:

﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ 14

و الآن لنقرأ معا بعض الآيات التي تشير إلى عـالم الآخـرة بمثابة غاية حياة البشر وتبين درجات‌ هذه‌ الغاية‌:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾15

﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ 16

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ 17

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ 18

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ 19

حتى إنّ الكفار والمنافقين تتابين عقوباتهم‌ بتباين‌ ذنوبهم فلكل منهم عقاب بقدر ذنوبه:

﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾20

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ 21

ومثلما قلنا فان القرآن‌ يصرح‌ بان الحياة الدنيا هي مقدمة للحياة الآخرة، وان السعادة الأبدية هي غاية‌ الأفعال‌ التي‌ يقدم عليها البشر في الحياة الدنيا.

اضافة إلى ذلك ان الباري سبحانه وتعالي يعد الصـالحين‌ وغـير‌ الصالحين‌ بـانهم سيرون نتائج اعمالهم في الحياة الدنيا مؤكدا انه يكافئ المحسن بالإحسان‌ والمسيء‌ بالعقاب.

وطبيعي ان مكافأة الصالحين تـؤدي إلى تشجيعهم لمواصلة الأعمال الصالحة، بينما يؤدي تنبيه غير الصالحين‌ إلى اعـادة النـظر فـي اعمالهم وتصرفاتهم وتجنب الشر والأعمال السيئة والانفتاح على الخير‌ والأعمال‌ الصالحة.

وهناك الكثير من الآيات التي تؤكد ان ‌افـراد‌ البشر‌، المتقي والصالح منهم أو غير الصالحين والمعاندين‌ و... الخ‌ يرون نتائج اعمالهم في الحـياة الدنـيا.

فـفي ما يتعلق بالمتقين والصالحين يقول القرآن‌ الكريم‌:

﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ 22

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ 23

﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ﴾ 24

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ 25

اما بالنسبة للمعاندين الذين‌ يعصون‌ اللّه فيقول القرآن عنهم:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ 26

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾ 27

والسؤال‌ الذي‌ يطرح نفسه هو؛ هل ان الحصول‌ على مثل هذه‌ المكافئات‌ في‌ الحياة الدنيا يـعتبر كـل‌ شيء؟

كلا، بالطبع، لأنّ هذه المكافئات وإن كانت تساعد الانسان على تخطي مراحل التكامل، لكنها تبقى‌ غير‌ كافية وذلك لاقتصارها على الحياة الدنيا‌ أولا‌ وعدم‌ كونها‌ كمالا‌ نهائيا للإنسان ثانيا‌، باعتبار‌ ان الحياة الدنيا دار فـانية بـينما الآخرة دار باقية. وهذا ما نلاحظه في الآيات التالية؛

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 28

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ 29

﴿وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ 30

النتيجة:

نفهم مـن مـجموع الآيات ان القرآن الكريم يقوم علاوة على تشجيعه افراد البشر للتدبر في الحياة الدنيا وذلك لمعرفتها‌ ومعرفة اللّه من خلالها، بتحذيرهم من اعتبار الدنيا غايتهم المنشودة، ودعوتهم للنظر اليها كمقدمة لتحقيق الكـمال والسـعادة الأبـدية في الآخرة.

اما المقارنة بـين هـذه الآيـات والآيات التي تتحدث عن المكافئات‌ في‌ الحياة الدنيا فتوضح لنا ان تلك المكافئات هي عوامل لتشجيع الانسان من اجل طي مراحل التـكامل، ولا تـشكل تـكاملا نهائيا.

و في المجموع وعلى ضوء ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾

فان‌ خلق العالم ليس باطلا، وان الحياة فيها تأتي وفق حسابات، ليكن اذا أصبحت هذه الحياة مجردة من الهدف، وتـعلّق الانـسان بـها فيجب ان‌ يعلم‌:

﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾31

لذلك يؤكد الباري سبحانه وتعالى بان الآخرة هي الغاية والأصل وان الحياة الدنيا لا تستطيع ان تكون‌ سوى‌ مقدمة لتـلك الحـياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 النحل‌-97.

 2الطلاق-11.

 3البقرة-25.

  4البقرة-81.

 5 ص-28.

  6البقرة-110.

  7البقرة-272.

 8ص-55.

9 الزلزلة-69.

10 النساء-69.

 11آل عمران-169.

12 التوبة-20.

13 البقرة-189.

 14النـجم‌-42‌.

15 النـساء-59.

 16الشورى-36.

 17التوبة-111.

 18الذاريات 15-الحجر-45.

 19المجادلة-11.

 20المائدة-72.

 21النساء-145.

 22الانبياء-105.

 23النور-55.

 24آل‌ عمران-125‌.

 25الطلاق-2.

 26الحج-8-9.

27 النور-19.

 28آل عمران-185- و الحديد-20.

29 فـاطر-5.

30 الأعلى‌-17.

 31العـنكبوت-64.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2260
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24