• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : مناهج وأساليب القصص القرآني .
                    • الموضوع : أسلوب القصة في القرآن الکريم - ق 1 .

أسلوب القصة في القرآن الکريم - ق 1

(القسم الاول) بتصرف

عيسى متقي زاده / أستاذ مساعد جامعة العلامة الطباطبائي

 من جماليات هذه الأيام أننا نعيش في رحاب المساحة المعرفية الإلهية والأعظم المتجلي في كتابه الكريم سبحانه وتعالى. حيث قدم تبارك اسمه جملة من العبر والدساتير على الأصعدة المختلفة وذلك بإستخدام أسلوب تعليمي إرشادي تبليغي ألا وهو القصة، وفي هذه المقالة يقدم الكاتب العزيز عرضا لأسلوب القصة في القرآن الكريم بشكل موجز ومعمق فاتحا لنا أفاقا جديدة على مستوى المعرفة التي يطلع لها كل ذي لب. نتمنى لكم فائدة عظيمة وأجرا كبيرا.

 

القصة لغةً:

وردت هذه اللفظة بالمعاني التالية(1):

1. المتابعة، تتبع الأثر:

ومنه قوله تعالى: ﴿و قالَت لِاُختِهِ قُصّيهِ﴾(2). أي اتبعي أمره.

قال الراغب(3) في المفردات: القص: الأثر. قال سبحانه وتعالى ﴿فَارتَدّا عَلىٰ ءاثارِهِما قَصَصا﴾(4).

ومنه قيل لما يبقى من الكلأ فيتتبع أثره، قصص.

2 . البيان والإعلام:

ومنه قوله تعالى: ﴿نحن نَقُصُّ عليك أحْسَنَ القَصَص﴾(5) أي: نُبيِّنُ لك أحسن البيان.

3 . الحفظ:

تقصصت الكلام إذا حفظته(6).

4 . الأمر والحديث والخبر المتتبع:

ومنه قوله تعالى:

﴿اِنَّ هـٰذا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ﴾(7).

﴿وقَصَّ عَلَيْهِ القَصَص﴾(8).

﴿فَاقْصُصْ القَصَصَ لَعَلَّهُم يتفكَّرون﴾(9).

﴿فَلَنَقُصَّنَّ عليهم بِعِلْم وما كُنَّا غائبين﴾(10).

وقد اقتصصت الحديث رويته على وجهه(11)، لأن راوي الحديث يحكيه شيئاً فشيئاً، ويتتبع تفاصيله جزءاً فجزءاً.

«والقص: فعل القاص إذا قص القصص (وفي الاستعمال) هو فن مخاطبة العامة ووعظهم بالاعتماد على القصة.

والقصة: هي الخبر المقصوص. وقصّ علَيّ خبره يقصه قصاً وقصصاً: أورده»(12).

فالقاص إذن هو: من يأتي بالقصة على وجهها كأنه يتتبع معانيها وألفاظها.

وكما أطلق معنى القص على الحديث وروايته والبيان والخبر، أطلق على الحكاية، إلاّ أن الحكاية لا تطلق على القصص القرآني تأدباً، ولأن القرآن لم يسمّها كذلك.

5 . القطع:

ومنه قولهم: قص الشيء قطعه من باب رد(13). فأنت حينما تقص الحديث تقطع بصحته ولا تزيد فيه. ومن هذا المعنى اللغوي نستطيع القول والاستدلال: أن معنى القصة في أصل اللغة العربية هو الحقيقة الواقعة المقطوع بصدقها(14).

«فالاشتقاق اللغوي للقصة يفيد أنها كشف عن آثار مضت وتنقيب عن أحداث نسيها الناس، أو غفلوا عنها، وغاية ما يراد من ذلك، هو إعادة عرضها من جديد، لتذكير الناس بها، ولفتهم إليها لتكون العبرة والعظة»(15).

القصة اصطلاحاً :

يراد بقصص القرآن: إخباره عن أحوال الأمم الماضية بما تحويه من حوادث غابرة مثل قصص الأشخاص الذين لم تثبت نبوّتهم مثل أهل الكهف، وابني آدم، وإخباره عن النبوّات السابقة أي ما اختص بالأخبار أو الأنبياء الواردة عن الرسل والأنبياء وخبرهم مع أقوامهم، وإخباره عن الحوادث الواقعة في زمن الرسول (ص) مثل الغزوات وحوادث الهجرة والإسراء ونحوها(16).

القصة القرآنية :

«هي كل خبر موجود بين دفتي المصحف أخبر به اللّه تعالى رسوله محمداً بحوادث الماضي، بقصد العبرة والهداية، سواء أكان ذلك بين الرسل وأقوامهم، أم بين الأمم السابقة أفراداً وجماعات»(17).

لو أخذنا تعريف القصة كما تواضع عليها كثير من رجال فنها لوجدنا أنه لا ينطبق كل الانطباق على مفهوم القصة القرآنية، فهي ليست لوناً من ألوان الأقصوصة أو القصة أو الرواية. أو الحكاية بالمعنى المتواضع عليه(18). ولا تُحَمِّل من العناصر الفنية ما حمله نقاد العصر الحديث لهذه الألوان.

نعم قد يتفق بعض هذه القصص القرآني في جملته، أو في بعض أجزاءه. مع ما قرره الأدباء، لكن ذلك لا يعني أن هذه القصة، أو هذا الجزاء، هو القسم الناجح وما عداه يقع دونه مرتبة، وفنية»(19).

ومن هنا «فإن القصة القرآنية مصطلح خاص لا ينطبق عليه أي من الشروط التي تتطلبها القصة البشرية، ولايجب أن تكون فيه حتى نسميه قصصاً بالمعنى المصطلح عليه عند النقاد، فهي ليست عملاً فنياً مستقلاً في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه فحسب كما هو الشأن في القصة الفنية الحرة التي ترمي إلى أداء غرض فني مجرد.

والقصص القرآني وسيلة من وسائل القرآن الكريم الكثيرة إلى تحقيق هدفه الأصيل، والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء، والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة، وتثبيتها، شأنها في ذلك شأن مشاهد القيامة، وصور النعيم والعذاب، وشأن الأدلة التي يسوقها على البعث، وعلي قدرة اللّه، وشأن الشرائع التي يفصلها، والأمثال التي يضربها.. إلى آخر ما جاء في آي القرآن الكريم من موضوعات»(20).

وهي جزء من القرآن تأخذ كل ما يحوزه القرآن من صفات لنفسه، كربانية المصدر، دينية الغرض والهدف، واعجاز المعني والأسلوب واللفظ.

والعناصر في القصة القرآنية، تابعة للهدف منها، وللعبرة التي سيقت من أجلها، في الوقت الذي تكون فيه القصة البشرية، تابعة لعناصرها.

أهمية القصة القرآنية

«أسلوب القصة أمر محبَّبٌ للناس صغاراً وكباراً، فكانت القصة القرآنية ذات مغزي عميق مؤثر في مشاعر الإنسان، وكان سرد أحداث القصة التاريخية عبرة وعظة، تبين لنا قوة الصراع بين الخير والشر، وتنبه القلب إلى سلامة الإيمان والاعتقاد باللّه سبحانه وتوقظ مشاعر الإنسان لمعرفة حقيقة الكون، وعدم الاغترار بالدنيا، والعمل للآخرة دار الخلد والبقاء والنعيم الأبدي»(21).

قال اللّه سبحانه وتعالى:

﴿ اِنَّ الَّذينَ ءامَنوا و عَمِلوا الصّـٰلِحـٰتِ و اَخبَتوا اِلىٰ رَبِّهِم اُولـٰئِكَ اَصحـٰبُ الجَنَّةِ هُم فيها خـٰلِدون * مَثَلُ الفَريقَينِ كالاَعمىٰ و الاَصَمِّ و البَصيرِ و السَّميعِ هَل يَستَويانِ مَثلاً اَفَلا تَذَكَّرون ﴾(22).

«القصة في القرآن الكريم وسيلة فنية لعرض مبادئه والدعوة إليها والتربية على أساسها وتثبيت حقائقها في قلوب المؤمنين.

«فلا تهدف القصة القرآنية إلى التاريخ، لا تاريخ الرسالات والرسل، ولا تاريخ الأمم والأشخاص، إنما تأخذ من الواقع التأريخي ما بقي بتحقيق هدفها الأصيل، كما لا تهدف إلى المعرفة الثقافية ولا إلى المتعة والتسلية، فمن أراد ذلك فليلتمسه في غير قصص القرآن، فهدف القصة القرآنية الأصيل هو الدعوة والتربية، وعلاج موضوعات القرآن الكريم علاجاً فنياً»(23).

﴿وكلا نَقُصُّ عَلَيْك مِنْ أنباءِ الرُسُلِ ما نُثبتُ به فؤادك. وجاءَك في هذه الحق ومَوْعظة وذِكْرى للمؤمنين﴾(24).

«القصة في القرآن الكريم تصور لنا واقع الإنسان المتمرد، البعيد عن هداية اللّه، الخارج عن أصول الفطرة ونوازع النفس المتعطشة إلى الاعتقاد الحق باللّه سبحانه وتعالى.

والقصة في القرآن تعطي الدليل القاطع على أن حكم اللّه عادل، وأمره مبرم، وتشريعه محكم، لا يتغير في القديم والحاضر والمستقبل، فكل من عصي اللّه وتمرد، استحق العذاب الشديد في الدنيا والعقاب الأليم في الآخرة، وكل من آمن واستقام وسار على مقتضي العقل الصحيح والفكر النيّر القويم، عاش في الدنيا عيشة السعداء، واطمأن في الآخرة إلى وعد اللّه وبشائره بالنجاة والخلود الأبديّ(25).

«فتكون القصة القرآنية أداة عملية ناجحة لتربية النفس وتقويم السلوك، وتصحيح الاعتقاد، وغرس الشعور المتوقد المتحفز بالسلطان الإلهي الغالب، والقدرة الإلهية المطلقة التي تتحدي البشر قاطبة، وتوجه الإنسان نحو عبادة اللّه الواحد الأحد، والخشوع لقدرة اللّه العظمي، وهيمنته التامة على هذا الوجود المادي الشامخ العظيم»(26).

وليست القصة القرآنية مجرد حكاية للتسلية وإمداد الخيال برؤي بعيدة التصور، وإنما هي بيان صادق أمين لواقع تاريخي هزّ أركان أقوام طغوا وبغوا، فكانت هزة صادعة لجميع الأقوام والقبائل والأفراد»(27).

فالقصص القرآني، إذن نسيج من الصدق الخالص، وعصارة من الحقيقة المصفاة، لا تشوبه شائبة من وهم أو خيال، إنه يبني من لبنات الواقع، بلا تزوير أو تمويه، وهذا الواقع لا يتغير وجهه، حين يعرض هذا العرض المعجز، في الأسلوب الرائع، فالإعجاز والروعة، إنما يتجليان في صدق الأداء، وفي نقل الواقع وما تلبس به في سرائر النفوس، وخلجات الصدور.. انه نقل حيّ للأحداث»(28).

ومن الطبيعي أن تقوم القصة بدور فعال في مجال الدعوة، وأن يعني بها القرآن تلك العناية البالغة، وأن تكون من أعظم وسائله للدعوة والتربية، وبخاصة في العهد الملكي، فقد شغل منه القصص حيزاً كبيراً، وعالج كل ما يهدف القرآن إلى الدعوة إليه أو تعميق الإيمان به في قلوب المؤمنين.

«قد أدرك مشركو مكة ما للقصص القرآني من تأثير، فاستمعوا القصص في مقاومة الدعوة»(29).

ونتأمل هنا مثلاً واحداً لعمل القصة في مجال الدعوة والتربية.

إبراهيم عليه السلام هو أصل شجرة النبوة، وإمام التوحيد والموحدين، وهو جد العرب، وكان مشركو مكة يعتزون بنسبتهم إليه، ويزعمون أنهم على دينه وورثة رسالته وعقيدته وسدنة بيته الذي رفع قواعده في مكة مع ابنه إسماعيل، فجاء القرآن بحلقة من حلقات قصة إبراهيم في سورة الشعراء، نتملاها فكأنما جاء إبراهيم من ثنايا الماضي البعيد يخاطب ذريته في مكة، وكأنما هو حاضر مشهود وليس بغيب ماض بعيد.

والقصة ليست لمشركي مكة وحدهم، إنما هي لهم وللمؤمنين، فهي للدعوة والتربية، والصلة بين المؤمنين وإبراهيم صلة قوية يعمقها القرآن في آيات كثيرة.

«القصة القرآنية هداية وعبرة وعظة، يستفيد كل إنسان من أسبابها وينبهر بنتائجها، ويهتز لأحداثها وآلامها، ويمتلكه الخوف والهلع من مدارتها وقسوتها، ويشفق على أولئك الناس الذين كانوا ضحايا العصيان والتمرد والغطرسة والعناد، والبغي والانحراف، ألم يفكروا قليلاً ويحموا أنفسهم من ويلات الكوارث، ويضمنوا لوجودهم في الدنيا لوناً من ألوان الحياة الهانئة، ونوعاً من أنواع الحياة المستقرة الآمنة، لقد ظلموا أنفسهم وما ظلمهم اللّه»(30).

﴿ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾(31).

القصة في القرآن الكريم تذكير دائم بأحداث الأمم الغابرة، والأقوام البائدة الذين تنكبوا صراط الهداية الربانية، وتنكروا لرسالات الأنبياء، وهدي القادة المصلحين، فما ينفع الندم حينئذٍ للعصاة الظلمة، ولاتفيد الشكوى والحسرة والألم، وإنما يجب على العقلاء الاتعاظ، والاعتبار ووقاية أنفسهم من أسباب الدمار والخراب والإبادة الشاملة، واستئصال دابر الجريمة والمخالفة، والعودة السريعة إلى دائرة الحق والاستقامة والهداية»(32).

قال اللّه سبحانه وتعالى:

﴿لَقَد كانَ فى قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِاُولِى الاَلبـٰبِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرىٰ و لـٰكِن تَصديقَ الَّذى بَينَ يَدَيهِ و تَفصيلَ كُلِّ شىءٍ و هُدًى و رَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنون﴾ (33).

أنواع القصص في القرآن

والقصص في القرآن ثلاثة أنواع:

النوع الأوّل: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيدهم اللّه بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين، كقصص نوح، وإبراهيم وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمد وغيرهم من الأنبياء، والمرسلين:

النوع الثاني: قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت نبوتهم، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. وطالوت وجالوت، وابني آدم وأهل الكهف، وذي القرنين وقارون، وأصحاب السبت، ومريم وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل ونحوهم.

النوع الثالث: قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن الرسول الأكرم (ص) كغزوة بدر وأحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب، والهجرة والإسراء، ونحو ذلك.

يشتمل القرآن الكريم على كثير من القصص الذي تكرر في غير موضع، فالقصة الواحدة يتعدد ذكرها في القرآن، وتعرض في صور مختلفة في التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب، وما شابه ذلك. ومن حكمة هذا:

1 . بيان بلاغة القرآن في أعلي مراتبها. والقصة المتكررة ترد في كل موضع بأسلوب يتمايز عن الآخر، وتصاغ في قالب غير القالب، ولا يمل الإنسان من تكرارها، بل تتجدد في نفسه معانٍ لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى.

2 . قوة الإعجاز: فإيراد المعني الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة أبلغ منها في التحدي.

3 . الاهتمام بشأن القصة لتمكين عِبَرها في النفس، فإن التكرار من طرق التأكيد وإمارات الاهتمام. كما هو الحال في قصة موسى مع فرعون، لأنها تمثل الصراع بين الحق والباطل أتم التمثيل مع أن القصة لا تكرر في السورة الواحدة مهما كثر تكرارها.

4 . اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة. فتذكر بعض معانيهما الوافية بالغرض في مقام، وتبرز معان أخرى في سائر المقامات حسب اختلاف المقتضيات.

قد عرف من أسلوب القرآن أنه يُطْنِبُ في مكان ويوجز في مكان، ويتوخى مقاصد القصص الكلية مع أنه ربّما أخلَّ ببعض جزئياتها في مكان دون مكان. فإننا نري أنه ذكر قصة نوح في سورة هود في نحو عشرين آية، ثم ذكرها في سورة العنكبوت في آيتين، وقصة موسى أطلال فيها في سورتي الأعراف والشعراء جداً ثم ذكرها في سورة الذاريات مع جماعة من القصص في الآية والآيتين والثلاث.

أهداف القصة في القرآن الكريم

إنّ القصة عموماً عمل فني قائم على بناء خاص، يصطنع منشؤها حدثاً أو أكثر كما أنها تتضمن هدفاً فكرياً ينبئ عن فكر المنشئ.

وهناك أنماط من القصص كالنمط التاريخي الذي يُعني بتدوين الوقائع التاريخية وعرضها مع إخضاعها لبعض العناصر المصطنعة التي تشد القاري ء وتجعله يحوم في دائرة الاحتمال أو الإمكان. بينما نجد نمطاً آخر من القصص يعني بنقل الأحداث الحقيقية لكن وفق انتخاب هادف لعناصر القصة التي تنير الأفكار، وهذا ما نراه بوضوح في القصص القرآني.

فالفرق بين النمطين يكمن في طبيعة تناول الحدث، لأن القاري ء يعرف سلفاً بأنه حيال أحداث وهمية يفتعلها القاص في القصة المصطنعة، بينما تجد تأثره وانفعاله ذا سمة واقعية في القصة القرآنية، لأنه حيال أحداث حقيقية جرت على أرض الواقع. وهنا تبرز أهمية قصص القرآن فهي تتعامل مع واقع لا مع محتمل فيتحقق بذلك عنصر الإقناع وعنصر الإمتاع(34).

إنّ القصص القرآني شغل مساحة واسعة من كتاب اللّه العزيز تراوح ما بين الربع والثلث وهذا ما يستدعي الوقوف والبحث عن أهداف القصة في القرآن الكريم، والتي يمكن ايجازها في:

1 . إيجاد التغيير الجذري للمجتمعات، من خلال بيان المناهج الصحيحة للحياة الإنسانية التي على أساسها يبتني هذا التغيير.

2 . خلق القاعدة المؤمنة الواعية القادرة على تحمل أعباء مسؤولية هذا التغيير.

3 . تعميق العقيدة في النفوس، من خلال أفضل الطرق إمتاعاً (للعاطفة) واقناعاً (للعقل)، تلك العقيدة المرتكزة على وحدانية اللّه تعالي.

4 . التسامي بالإنسان ليمتاز عن الحيوان، فنجد أن القصص القرآني يسلك أكثر من سبيل ليوصل الإنسان إلى هذه الغاية.

5 . اعتناء القصص القرآني بأسباب هلاك الأمم وبيانها بشكل عجيب، فتراه يتحدث عن الترف والطغيان والاستعباد والجحود و... المبثوثة في طيات كل قصة، ثم يعرض طرق الوقاية والعلاج للنجاة ممّا حلّ بالأمم السالفة.

6 . احتواء القصص القرآني على الكثير من الحقائق العلمية المتعلقة بالكون والإنسان والحيوان والنبات و... التركيز على أن التدين الحق لا ينفصل عن التطور، ولا يمكن أن ينفصل عن واقع الإنسان، بل هو مرتبط به ارتباطاً وثيقاً.

7 . من خلال الاسلوب البديع وجمال الصورة للقصة القرآنية يستطيع القارئ أن يقتطف التحليل الصحيح، والاستنتاج الصائب للحقائق الناصعة.

وعلى هذا ستبقي القصة في القرآن الكريم مناراً يهدي الإنسان ويوصل حاضره بماضيه، ووثيقة صادقة خالدة يطمئن بها ولا يشوبها التشويش والتشويه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. ابن منظور، لسان العرب (7/ 73)، الزبيدي، تاج العروس (4: 214 234)، يوسف خياط وزميله. لسان العرب المحيط (3: 102)، الغيومي، المصباح المنير (2: 641).

2. سورة القصص: جزء آية 11 وتمامها ﴿... فَبَصُرَت بِهِ عَن جُنُبٍ و هُم لا يَشعُرون﴾.

3. الراغب الاصفهاني: المفردات، ص 404.

4 . الكهف: 64، وأوّلها ﴿قَالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾.

5 . يوسف: 3، وتمامها ﴿... بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين﴾.

6 . يوسف خياط وزميله: لسان العرب المحيط، (3/ 102).

7. آل عمران: 26 وتمامها ﴿ ... وما مِن إله إلاّ اللّه وأنّ اللّه لهو العزيز الحكيم ﴾.

8. القصص: 25 وتمامها ﴿فَجاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي على اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

9. الأعراف: 617 وأوّلها ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الاْءَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

10. الأعراف: 9.

11. الرازي: مختار الصحاح، 3: 538.

12. ابن الجوزي، أبو الفرج: كتاب القصاص والمذكرين، تحقيق محمد الصباغ، المكتب الإسلامي، ط 1، 1983م، بيروت.

13. الرازي: مختار الصحاح، ج 3، ص 538.

14. بلبول، عبده إبراهيم محمد: القصص القرآني، محفوظ بجامعة الأزهر رسالة دكتوراه، القاهرة، ص 35، نقلاً عن كتاب «معالم القصة في القرآن الكريم»، للعدوي.

15. حجازي، محمد: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم، ص289، من الهامش.

16. انظر بتوسع: محمد شديد، منهج القصّة في القرآن، ص 35 74. محمد قطب، منهج الفن الإسلامي، ص 157. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، مج1، ص 64 ﴿المقدمة السابقة﴾. عبدالكريم الخطب، القصص القرآني، ص 24 54. محمّد المجذوب، نظرات تحليلية في القصة القرآنية، ص 17. عمر يوسف خمرة، أسس الدعوة إلى اللّه تعالى في القرآن الكريم، ص 37 14. مأمون فريز جرار، خصائص القصة الإسلامية، ص 75. عبد الرب آل نواب، الدعوة إلى اللّه، ص 461.

17. العدوي، محمد خير محمود: معالم القصة في القرآن الكريم، دار العدوي، عمان الأردن،

ط1، 0841ه / 1998م، ص33.

18. أمين، بكري: التعبير الفني في القرآن، ص 215.

19. المرجع نفسه، ص 621.

20 . قطب، سيد: التصوير الفني في القرآن الكريم، ص 110.

21. الزحيلي، الدكتور وهبة: القصة القرآنية، دار الخير، دمشق، ط2، 1841ه / 1998م، ص 15.

22. هود: 23 42.

23. شديد، محمد: منهج القصة في القرآن، شركة مكتبات عكاظ، جده، ط1، 4041ه / 4198م.

24. هود: 120.

25. الزّحيلي، الدكتور وهبة: القصة القرآنية، ص 61.

26. المرجع نفسه، ص 61.

27. المرجع نفسه، ص 61.

28. الخطيب، عبدالكريم: القصص القرآني، ص 9.

29. انظر: محمد شديد: منهج القصة في القرآن، ص 15.

30. الزحيلي، الدكتور وهبة: القصة القرآنية، ص 17.

31. الأعراف: 061.

32. المرجع نفسه، ص 17.

33. يوسف: 111.

34. انظر للتوسع إلى: محمد أحمد خلف اللّه: الفن القصصي في القرآن الكريم. د. فضل حسين عباس: القصص القرآني إيحاؤوه ونفحاته. د. محمود البستاني: دراسات فنية في قصص القرآن. السيد محمد باقر الحكيم: علوم القرآن، القصص القرآني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالة مرتبطة:

أسلوب القصة في القرآن الکريم - ق 2


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2240
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 05 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24