• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : أثر التقوى في تقبّل الهداية القرآنية (*) .

أثر التقوى في تقبّل الهداية القرآنية (*)

 آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

 قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة البقرة: 2]

كلمة (الهداية) لها عدّة معان في القرآن الكريم، وكلّها تعود أساساً إلى معنيين:

1- الهداية التكوينية: وهي قيادة ربّ العالمين لموجودات الكون، وتتجلّى هذه الهداية في نظام الخليقة والقوانين الطبيعية المتحكمة في الوجود. وواضح أن هذه الهداية تشمل كل موجودات الكون.

يقول القرآن على لسان موسى (عليه السّلام): ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏﴾(1).

2- الهداية التشريعية: وهي التي تتم عن طريق الأنبياء والكتب السماوية، وعن طريقها يرتفع الإنسان في مدارج الكمال، وشواهدها في القرآن كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا﴾(2).

واختصت هداية القرآن بالمتقين مع أن القرآن هداية للبشرية جمعاء، ذلك لأن الإنسان لا يتقبّل هداية الكتب السماوية ودعوة الأنبياء، ما لم يصل إلى مرحلة معيّنة من التقوى (مرحلة التسليم أمام الحق وقبول ما ينطبق مع العقل والفطرة).

وبعبارة أخرى: إن الأفراد الفاقدين للإيمان على قسمين:

قسم يبحث عن الحق، ويحمل مقداراً من التقوى يدفعه لأن يقبل الحق أنّى وجده.

وقسم لجوج متعصب قد استفحلت فيه الأهواء، لا يبحث عن الحق، بل يسعى في إطفاء نوره حيثما وجده.

ومن المسلّم به أن أفراد القسم الأول هم الذين يستفيدون من القرآن أو أيّ كتاب سماوي آخر، أما القسم الثاني فلا حظّ لهم في ذلك.

وبعبارة ثالثة: كما إنّ «فاعليّة الفاعل» شرط في الهداية التكوينية وفي الهداية التشريعية، كذلك «قابلية القابل» شرط فيهما أيضاً.

الأرض السبخة ـ التي لا تقبل الإصلاح ـ لا تثمر وإن هطل عليها المطر آلاف المرّات، فقابلية الأرض شرط في استثمار ماء المطر.

وساحة الوجود الإنساني لا تتقبّل بذر الهداية ما لم يتمّ تطهيرها من اللجاج والتعصب والعناد. ولذلك قال سبحانه في كتابه العزيز أنه: ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾(3).

آثار التقوى في روح الإنسان وبدنه

في بداية سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ...﴾(4)، قسَّم القرآن النّاس حسب ارتباطهم بخط الإسلام على ثلاثة أقسام:

1- المتقون: وهم الذين تقبّلوا الإسلام في جميع أبعاده.

2- الكافرون: ويقعون في النقطة المقابلة للمتقين، ويعترفون بكفرهم، ولا يأبون أن يظهروا عداءهم للإسلام في القول والعمل.

3- المنافقون: ولهم وجهان، فهم مسلمون ظاهراً أمام المسلمين، وكفّار أمام أعداء الدين. وشخصيتهم الأصلية هي الكفر طبعاً وإن تظاهروا بالإسلام.

المجموعة الثالثة تضرّ بالإسلام- دون شك- أكثر من المجموعة الثانية، ولذلك فإن القرآن يقابلهم بشدّة أكثر كما سنرى.

هذه المسألة لا تختص بالإسلام طبعاً، كل المذاهب في العالم لها مؤمنون معتقدون، أو معارضون صريحون، أو منافقون محافظون. كما أنها لا تختص بزمان معين، بل هي سارية في كل العصور.

الآيات المذكورة تدور حول المجموعة الأُولى، وتطرح خصائصهم في خمسة عناوين هي:

1- الإيمان بالغيب:

 «الغيب والشهود» نقطتان متقابلتان، عالم الشهود هو عالم المحسوسات، وعالم الغيب هو ما وراء الحس، لأنّ «الغيب» في الأصل يعني ما بطن وخفي.

وقيل عن عالم ما وراء المحسوسات «غيب» لخفائه عن حواسّنا. التقابل بين العالمين مذكور في آيات عديدة كقوله تعالى: ﴿عالِمُ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ﴾(5).

الإيمان بالغيب هو بالضبط النقطة الفاصلة الأُولى بين المؤمنين بالأديان السماوية وبين منكري الخالق والوحي والقيامة. ومن هنا، كان الإيمان بالغيب أول سمة ذكرت للمتّقين.

المؤمنون خرقوا طوق العالم المادي واجتازوا جدرانه، إنّهم بهذه الرؤية الواسعة مرتبطون بعالم كبير لا متناه. بينما يصرّ معارضوهم على جعل الإنسان مثل سائر الحيوانات، محصوراً في موقعه من العالم المادي.

وهذه الرؤية المادية تقمّصت في عصرنا صفات العلمية والتقدمية والتطورية! لو قارنّا بين فهم الفريقين ورؤيتهما، لعرفنا أن: «المؤمنين بالغيب» يعتقدون أن عالم الوجود أكبر وأوسع بكثير من هذا العالم المحسوس، وخالق عالم الوجود غير متناه في العلم والقدرة والإدراك، وأنّه أزليّ وأبديّ، وأنّه صمّم هذا العالم وفق نظام دقيق مدروس. ويعتقدون أنّ الإنسان- بما يحمله من روح إنسانية- يسمو بكثير على سائر الحيوانات، وأنّ الموت ليس بمعنى العدم والفناء، بل هو مرحلة تكاملية في الإنسان، ونافذة تطل على عالم أوسع وأكبر.

بينما الإنسان المادي يعتقد أن عالم الوجود محدود بما نلمسه ونراه، وأن العالم وليد مجموعة من القوانين الطبيعية العمياء الخالية من أي هدف أو تخطيط أو عقل أو شعور، والإنسان جزء من الطبيعة ينتهي وجوده بموته، يتلاشى بدنه، وتندمج أجزاؤه مرّة أخرى بالمواد الطبيعية. فلا بقاء للإنسان، وليس ثمّة فاصلة كبيرة بينه وبين سائر الحيوانات(6)!

ما أكبر الهوّة التي تفصل بين هاتين الرؤيتين للكون والحياة! وما أعظم الفرق بين ما تفرزه كل رؤية من حياة اجتماعية وسلوك ونظام! الرؤية الأُولى تربّي صاحبها على أن ينشد الحق والعدل والخير ومساعدة الآخرين. والثانية، لا تقدّم لصاحبها أيّ مبرّر على ممارسة الأمور، اللهم إلا ما عاد عليه بالفائدة في حياته المادية. من هنا يسود في حياة المؤمنين الحقيقيين التفاهم والإخاء والطّهر والتعاون، بينما تهيمن على حياة الماديين روح الاستعمار والاستغلال وسفك الدماء والنهب والسلب. ولهذا السبب نرى القرآن يتخذ من «الإيمان بالغيب» نقطة البداية في التقوى.

يدور البحث في كتب التّفسير عن المقصود بالغيب: أهو إشارة إلى ذات الباري تعالى، أم أنه يشمل- أيضاً- الوحي والقيامة وعالم الملائكة وكل ما هو وراء الحس؟ ونحن نعتقد أن الآية أرادت المعنى الشامل لكلمة الغيب، لأن الإيمان بعالم ما وراء الحس- كما ذكرنا- أول نقطة افتراق المؤمنين عن‏ الكافرين، إضافة إلى ذلك، تعبير الآية مطلق ليس فيه قيد يحدّده بمعنى خاص.

بعض الروايات المنقولة عن أهل البيت (عليهم السّلام) تفسّر الغيب في الآية، بالمهدي الموعود المنتظر (سلام الله عليه)، والذي نعتقد بحياته وخفائه عن الأنظار، وهذا لا ينافي ما ذكرناه بشأن معنى الغيب، لأن الروايات الواردة في تفسير الآيات تبين غالباً مصاديق خاصة للآيات، دون أن تحدّد الآيات بهذه المصاديق الخاصة. والروايات المذكورة بشأن تفسير معنى الغيب، تستهدف في الواقع توسيع نطاق معنى الإيمان بالغيب، ليشمل حتى الإيمان بالمهدي المنتظر (عليه السّلام). ويمكننا القول: أنّ الغيب له معنى واسع قد نجد له بمرور الزمن مصاديق جديدة.

2- الارتباط بالله:

الصفة الأُخرى للمتقين هي أنهم ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾.

 «الصّلاة» باعتبارها رمز الارتباط بالله، تجعل المؤمنين المنفتحين على عالم ما وراء الطبيعة على ارتباط دائم بالخالق العظيم. فهم لا يحنون رؤوسهم إلا أمام الله، ولا يستسلمون إلا لرب السماوات والأرض، ولذلك لا معنى في قاموس حياتهم لعبادة الأوثان، أو التسليم أمام الجبابرة والطواغيت.

مثل هذا الإنسان يشعر أنّه أسمى من جميع المخلوقات الأُخرى، إذ أنّه منح لياقة الحديث مع ربّ العالمين، وهذا الإحساس الوجداني أكبر عامل في تربية الموجود البشري.

الإنسان الذي يقف خمس مرات يوميّاً أمام الله، يتضرّع إليه ويناجيه، ينطبع فكره وعمله وقوله بطابع إلهي، ومثل هذا الإنسان لا ينهج طريقاً فيه سخط الله (على أن يكون تضرّعه لله صادراً عن أعماق قلبه ومنطلقاً من تمام وجوده)(7).

3- الارتباط بالنّاس:

المتقون- إضافة إلى ارتباطهم الدائم بالخالق- لهم ارتباط وثيق ومستمر بالمخلوقين، ومن هنا كانت الصفة الثالثة التي يبيّنها لهم القرآن أنّهم ﴿ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.

يلاحظ أن القرآن لا يقول: ومن أموالهم ينفقون، بل يقول: ﴿ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وبذلك وسّع نطاق الإنفاق ليشمل المواهب المادية والمعنوية.

فالمتقون لا ينفقون أموالهم فحسب، بل ينفقون من علمهم ومواهبهم العقلية وطاقاتهم الجسميّة ومكانتهم الاجتماعية، وبعبارة أُخرى: ينفقون من جميع إمكاناتهم لمن له حاجة إلى ذلك دون توقّع الجزاء منه.

الملاحظة الأُخرى: إن الإنفاق قانون عام في عالم الخليقة، وخاصة في التركيب العضوي لكل موجود حي. قلب الإنسان لا يعمل لنفسه فقط، بل ينفق ما عنده لجميع خلايا البدن. الدماغ والرئة وسائر أجهزة البدن تنفق دائماً من ثمار عملها، والحياة الجماعية- أساساً- لا مفهوم لها دونما إنفاق(8).

الارتباط بالنّاس- في الحقيقة حصيلة الارتباط بالله. فالإنسان المرتبط بالله يؤمن أن كل ما لديه من نعم إنّما هي مواهب إلهيّة مودعة لديه لفترة زمنيّة معيّنة.

ومن هنا فلا يزعجه الإنفاق بل يسرّه ويفرحه، لأنه بالإنفاق قسّم مال الله بين عباد الله، وبقيت له نتائج هذا العمل وبركاته المادية والمعنوية. وهذا التفكير يطهّر روح الإنسان من البخل والحسد، ويحوّل الحياة من ساحة لتنازع البقاء إلى مسرح للتعاون حيث يشعر كل فرد بأنه مسؤول أن يضع ما لديه من مواهب تحت تصرف كل المحتاجين، مثل الشمس تفيض بأشعتها على الموجودات دون أن تتوقّع من‏ أحد جزاء.

في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السّلام) بشأن تفسير الآية ﴿ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ يقول: «إنّ معناه وممّا علّمناهم يبثّون»(9).

بديهي أنّ الرّواية لا تريد أن تجعل الإنفاق مختصاً بالعلم، بل إن الإمام الصادق (عليه السلام) يريد- بذكر هذا اللّون من الإنفاق- أن يوسّع مفهوم الإنفاق كي لا يكون مقتصراً على الجانب المالي كما يتبادر إلى الأذهان لأوّل وهلة.

ومن هنا يتضح ضمنياً أن الإنفاق المذكور في الآية، لا يقتصر على الزكوات الواجبة والمستحبة، بل يتسع معناه ليشمل كل مساعدة بلا مقابل.

4- الإيمان بالأنبياء (عليهم السّلام):

الخاصية الرابعة للمتّقين هي الإيمان بجميع الأنبياء وبرسالاتهم الإلهية؛ ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾. وفي هذا التعبير القرآني إشارة إلى أن المتقين يؤمنون بتوافق دعوة الأنبياء في المبادئ والأُسس، بأنهم جميعاً هداة البشرية نحو صراط مستقيم واحد، أحدهم يكمل الشوط الذي قطعه سلفه في قيادة البشرية نحو كمالها المرسوم. ويؤمنون بأن الأديان الإلهية ليست وسيلة للتفرقة والنفاق، بل هي وسيلة للارتباط وعامل للشّد بين أبناء البشر.

الأشخاص الذين يحملون مثل هذه الرّؤية ومثل هذا الإدراك، يسعون إلى تطهير أرواحهم من التعصّب، ويؤمنون بما جاء به جميع الأنبياء لهداية البشر وتكاملهم، ويحترمون كل دعاة وهداة طريق التوحيد.

الإيمان برسالات الأنبياء السابقين، لا يمنع طبعاً من انتهاج رسالة خاتم‏ الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) في الفكر والعمل، لأن هذه الرّسالة هي آخر حلقة من السلسلة التكاملية للأديان، وعدم انتهاجها يعني التخلّف عن المسيرة التكاملية للبشرية.

5- الإيمان بيوم القيامة:

آخر صفة في هذه السلسلة من الصفات التي قرّرها القرآن للمتقين هي ﴿وبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾.

إنهم يوقنون بأن الإنسان لم يخلق هملاً وعبثاً، فالخليقة عيّنت للكائن البشري مسيرة تكاملية لا تنتهي إطلاقاً بموته، إذ لو كان الموت نهاية المسير لكانت حياة الإنسان عبثاً لا طائل تحته.

المتّقون يقرّون بأن عدالة الله المطلقة تنتظر الجميع، ولا شي‏ء من أعمال البشر في هذه الدنيا يبقى بدون جزاء.

هذا اللون من التفكير يبعث في نفس حامله الهدوء والسكينة، ويجعله يتحمل أعباء المسؤولية ومشاقّها بصدر رحب، ويقف أمام الحوادث كالطود الأشمّ، ويرفض الخضوع للظلم. وهذا التفكير يملأ الإنسان ثقة بأن الأعمال- صالحها وطالحها- لها جزاء وعقاب، وبأنه ينتقل بعد الموت إلى عالم أرحب خال من كل ألوان الظلم، يتمتع فيه برحمة الله الواسعة وألطافه الغزيرة.

الإيمان بالآخرة يعني شقّ حاجز عالم المادة والدخول إلى عالم أسمى.

ويعني أن عالمنا هذا مزرعة لذلك العالم الأسمى ومدرسة إعدادية له، وأنّ الحياة في هذا العالم ليست هدفاً نهائيّاً، بل هي تمهيد وإعداد للعالم الآخر.

الحياة في هذا العالم شبيهة بحياة المرحلة الجنينية، فهي ليست هدفاً لخلقة الإنسان، بل هي مرحلة تكاملية من أجل حياة أخرى. وما لم يولد هذا الجنين سالماً خالياً من العيوب، لا يستطيع أن يعيش سعيداً في الحياة التالية.

الإيمان بيوم القيامة له أثر عميق في تربية الإنسان، يهبه الشجاعة والشهامة، لأن أسمى وسام يتقلّده الإنسان في هذا العالم، هو وسام «الشهادة» على طريق هدف مقدَّس إلهي، والشهادة أحبّ شي‏ء للإنسان المؤمن، وبداية لسعادته الأبديّة.

الإيمان بيوم القيامة يصون الإنسان من ارتكاب الذّنوب. بعبارة أخرى: يتناسب ارتكابنا للذنوب مع إيماننا بالله واليوم الآخر تناسباً عكسياً، فكلّما قوي الإيمان كلّما قلّت الذنوب. يقول الله سبحانه لنبيّه داود: ﴿ولا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ﴾(10).

نسيان يوم الحساب أساس كل طغيان وظلم وذنب، وبالتالي أساس استحقاق العذاب الشديد.

آخر آية في هذا البحث تشير إلى النتيجة التي يتلقّاها المؤمنون المتّصفون بالصفات الخمس المذكورة، تقول: ﴿أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ ... وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

وقد ضمن ربّ العالمين لهؤلاء هدايتهم وفلاحهم، وعبارة ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ إشارة إلى هذه الحقيقة.

واستعمال حرف (على) في عبارة ﴿عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ﴾ يوحي إلى أن الهداية الإلهية مثل سفينة يركبها هؤلاء المتقون لتوصلهم إلى السعادة والفلاح. (لأن حرف- على- يوحي غالباً معنى الاستعلاء).

واستعمال كلمة «هدى» في حالة نكرة يشير إلى عظمة الهداية التي شملهم الله بها.

وتعبير ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ يفيد الانحصار كما يذكر علماء البلاغة، أي: إن الطريق الوحيد للفلاح هو طريق هؤلاء المفلحين!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) بالاستفادة من: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏1، ص74 – 83.

(1) طه، 50.

(2) الأنبياء، 73.

(3) سورة البقرة: 2.

(4) سورة البقرة: 2-6.

(5) الحشر، 22.

(6) نقلاً عن: «محمّد والقرآن».

(7) بشأن أهمية الصلاة وآثارها التربوية الكبرى، راجع تفسير الآية 114 من سورة هود (في المجلد السابع‏ من تفسير الأمثل).

(8) راجع بشأن الإنفاق وأهميته وآثاره، المجلد الثاني من تفسير الأمثل، ذيل الآيات 261- 274 من سورة البقرة.

(9) مجمع البيان، ونور الثقلين، في تفسير الآية المذكورة.

(10) سورة ص، 26.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2230
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24