• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : القراءات السبع .
                    • الموضوع : ظاهرة‌ ‌‌‌الإتـباع‌ في‌ القراءات القرآنية .

ظاهرة‌ ‌‌‌الإتـباع‌ في‌ القراءات القرآنية

 أ.د. محمد السيد علي بلاسي‌ جامعة الأزهر الشريف- مصر

مفهوم الإتباع:

تدور كلمة (الإتباع) في اللغة حول: التلو والقفو‌ والولاء. ففي‌ مقاييس اللغة، يقول ابـن فـارس فـي مادة (تبع): «أصل واحد لا يشذّ عنه من الباب شيء، وهو التلو والقفو، تقول: تبعت فلاناً، إذا تلوته واتّبعته، وأتبعته: إذا لحقته، والأصـل واحد»1.

وفي القاموس المحيط: «الإتباع، والاتّباع، كالتّبع، و‌التّباع، بالكسر:الولاء»2.

وفي لسان العرب، يقول‌ ابن‌ منظور: تبع الشيء تبعاً وتباعاً في الأفـعال، وتبعت الشيء تبوعاً: سرت‌ في إثـره. واتـّبعه وتتبعه: قفاه وتطلبّه متّبعاً له‌3.

الإتباع في الاصطلاح:

عرّفه ابن فارس بقوله: «أن تتّبع الكلمة الكلمة على وزنها أو رَويها إشباعاً وتأكيداً»4. مثل‌ عطشان نطشان، وليلة ليلاء، ويوم أيوم.

يقول ابن فارس: «وقد شاركت العجم العرف في‌ هذا الباب». ولم يزد أي تفصيل على هذا!5.

لماذا سمي الإتباع:

«وإنـما سمّي إتباعاً: لأنّ الكلمة الثانية إنما هي‌ تابعة للأوى على وجه التوكيد‌ لها، وليس يتكلم‌ بالثانية منفردة؛ فلهذا قيل إتباع»6.

ومن هنا؛ فإنّ التابع لا يكون بالواو، وقد صرفت‌ أمثلة كثيرة بالواو عن باب الإتباع، مثل: حياك الله‌ وبياك، وقيل فـي زمـزم: هي لشارب حلّ وبلّ‌7.

الغرض من الاتباع‌8:

روي أنّ‌ بعض العرب سئل عن ذلك، فقال: هو شيء نَتِدُ به كلامنا9.

ويرى أستاذنا المرحوم الدكتور إبراهيم نجا أن‌ الغرض من الإتباع:

1.التوكيد: إذا كان الثاني بمعنى الأول.

نحو: يوم أيوم، وليلة ليلاء.

2. الإشباع: إذا لم يفد معناه.

نحو: عطشان نطشان، وعفريت‌ نفريت.

صور الإتباع:

أن تكون كلمتان مـتواليتان عـلى روي واحد، مثل‌ حسن بسن.

أن يختلف الرويان، مثل ليلة ليلاء. وتأتي هذه الصورة على وجهين: أحدهما: أن تكون الكلمة الثانية ذات معنى. مثل: جديد قشيب.

والثاني: أن تكون الكلمة الثانية غير واضحة المعنى، ولا‌ بينة‌ الاشتقاق، إلا أنها كالإتباع لما قبلها10.مثل: وتحّ‌ شقنّ؛ أي‌ قليل‌11.

أضرب الإتباع:

ضرب يـكون فـي الثاني بمعنى الأول، فيؤتى به‌ توكيداً؛ لأنّ لفظه مخالف للفظ الأول.

مثل قولهم: رجل قسيم وسيم. وكلاهما بمعنى‌ الجميل، وضئيل بئيل بمعنى واحد، وجديد‌ قشيب‌ بمعنى واحد أيضاً.

وضرب فيه معنى الثاني غير معنى‌ الأوّل: مثل‌ ما يرويه أبـو عـبيد فـي غريب الحديث: في‌ قوله (ص): في الشـبرم: إنه حـارّ يارّ.

قال الكسائي: حارّ من الحرارة، ويارّ‌ إتباع. و‌من‌ هذا الضرب-أيضاً- قول العرب: حسن‌ بسن، وجائع نائع، وعطشان نطشان‌12.

2. والكلمة الثانية في‌ هذا الضرب إنما هي تابعة للأولى عـلى وجـه التـوكيد لها. وليس يتكلم بالثانية منفردة: لهذا قيل إتباع‌13.

أنواع الاتباع:

إتباع الكلمة الكلمة: كما فـي‌ حـسن‌ بسن، و‌ عطشان نطشان.

إتباع الحركات: كما في الحمد لله. والحمد لله‌14.

هذا؛ وللنوع الثاني ثلاثة أنواع‌ هي‌15: أ- ما‌ يتمثل في الصوائت (الحركات)، والمقصود به تأثر صوت بصوت آخـر مـجاور له يـتبعه في‌ حركته، سواء أكانت الحركة فتحة أم‌ كسرة‌ أم‌ ضمّة، ويكون التأثّر إمـا تأثراً تقدمياً و إما تأثّراً رجعياً16، وذلك مثل: (رغدا ورغدا)، (إبل‌ و‌ إبل)، (جمعة‌ وجمعة)، (بهيمة وبهيمة) إلخ..

ب-يتمثل في الصوامت أو (الحروف)، والمقصود به: تأثر صوت بصوت مجاور له بحيث الصوت‌ المجاور، أو بالأحرى‌ المـؤثر، يشبه‌ الصـوت‌ المتأثر‌ في المخرج، أو في الصنفة، أو يكون قريباً منه.

ويتمثل هذا النوع من الإتباع فـي الظـواهر الصوتية الآتية: الإدغام، الإبدال، الإعلال، التقاء‌ الساكنين، الإمالة، الترقيق، التفحيم‌ (أو‌ التغليظ)، تغيير البناء.

ج-يتمثل في «النحو» حيث تتغير الحركة الإعرابية من ضمة إلى كسرة، ومن فتحة إلى‌ ضمّة، ومن‌ كسرة‌ إلى‌ ضـمة مـن أجـل الإتباع، أو ما يسمّى بـ: «المناسبة الصوتية»، وذلك‌ بسبب الجوار في الأسماء والأفعال17 و‌ذلك في مثل (الحمد لله) في الحـمد لله)18. و«جحر ضبّ خرب»19.

الهدف من الإتباع الحركي:

«يرجع إلى عامل السهولة التي‌ تنتج‌ عن‌ التقريب‌ بين الأصوات المتجاورة من حيث الحـركات‌ والأصـوات. إضافة إلى السـرعة في النطق، والاقتصاد في الجهد العضلي، ومحاولة‌ الانسجام‌ بين الحركات والأصوات المتجاورة، سواء أكانت في‌ كلمة واحـدة أم فـي كلمتين، بحيث يكون النطق‌ بالصوتين‌ مفتوحين، أو‌ مكسورين، أو مضمومين؛ وذلك أفضل وأيسر على الناطق من النطق بـكسرة بعدها ضـمة، أو بـفتحة بعدها كسرة؛ لأن‌ اللغة العربية‌ تحرص‌ كل الحرص على الانسجام بين‌ الألفاظ»20.

ويوضح ذلك الدكتور إبراهيم أنيس بقوله: فالكلمة التـي‌ تـشتمل‌ على حركات متباينة تميل في‌ تطورها إلى الانسجام بين هذه الحركات، حتى لا ينتقل اللسان من ضـم إلى كـسر إلى ـ‌ فتح في‌ الحركات المتوالية. وقد برهنت الملاحظة الحديثة على أن الناطق حين يقتصد في‌ الجهد‌ العضلي‌ يميل دون شعور مـنه أو تـعمد إلى ‌الانسجام‌ بين‌ حركات‌ الكلمات‌21.

مسيرة الإتباع في الفكر اللغوي:

يعدّ علامة اللغة‌ سيبويه (ت‌ 180 هـ) واحداً ممّن فطنوا مـبكراً إلى ظـاهرة الإتـباع في اللغة العربية؛ حيث قال عن إتباع الكلمة‌ الكلمة: «لا‌ تقول‌ عولة ذلك، إلا أن يكون قبلها‌ ويلة‌ لك؛ لأنّ ذا‌ يتبع‌ ذا؛ كما‌ أن‌ يـنوءك يـتبع يسوءك، ولا يكون ينوءك‌ مبتدأ»22.

تحدّث سيبويه‌ أيضاً في كتابه عن إتباع‌ الحركات وصرّح بمصطلح (الإتباع) حيث يقول: «وأمـا الذيـن قالوا‌ مغيرة‌ ومعين، فليس على هذا، ولكنهم أتبعوا‌ الكسرة الكسرة؛ كما قالوا: منتن‌23.

وفي‌ موطن‌ آخر يقول سيبويه: «وقالوا: عدل، وفـسل، فأتبعوا‌ الكـسرة‌ الأولى»24.

ويوضح في موطن آخر، قائلاً «اعلم أنّ منهم‌ من يحرك الآخر كتحريك ما قبله، فإن كـان‌ مفتوحا‌ً فـتحوه، وإن كان مضموماً ضمّوه، وإن‌ كان‌ مكسورا‌ً كسروه، وذلك قـولك: ردّ وعـضّ‌ وفرّيا فتى»25.

هذا؛ ويـشير المبرّد (ت‌ 285‌ هـ) إلى الإتباع حين‌ تحدث عن جمع المـؤنث السـالم، وذكر أنّه: «إن كان‌ الاسم على (فعلة) ففيه ثلاثة أوجه: إن شئت‌ قلت: فعلات، وأتبعت الضمة الضمة، كما أتبعت الفتحة الفتحة»26.

وعـن‌ ابـن‌ جني (ت 392‌ هـ)، وقد‌ أشار فـي عـدّة مواطن من‌ كـتابه (الخصائص) إلى الإتـباع- وإن‌ لم يسمّه بذلك- فمثلاً يقول في: (باب في الإدغـام‌ الأصغر): «وأمـا الإدغام الأصغر: فهو تقريب‌ الحرف من الحرف، وإدناؤه‌ منه من غير إدغام‌ يكون هناك. وهـو‌ ضـروب: فمن‌ ذلك‌ الإمالة، وإنما وقعت‌ في الكلام لتـقريب‌ الصوت‌ من الصوت. وذلك نـحو: عالم، وكـتاب، وسعي، وقضي، واستقضى؛ ألا تراك قـرّبت فـتحة العين من عالم‌ إلى كسرة اللام‌ منه، بأن‌ نحوت‌ الفتحة نحو الكسرة؛ فأملت الألف نحو الياء. وكذلك سـعى‌ و قـضى: نحوت‌ بالألف‌ نحو‌ الياء، التي‌ انقلبت‌ عـنها. وعـليه بـقية الباب»27.

ويضيف ابن جـني قـائلاً: «ومن ذلك تقريب‌ الصوت من الصـوت مـع حروف الحلق؛ نحو: شعير وبعير ورغيف ‌28. ويضيف قائلاً: «ومن التقريب» قولهم: الحمد للّه، والحمد للّه.

ومنه‌ تقريب الحرف مـن الحـرف؛ نحو قولهم في‌ نحو مصدر: مزدر، وفي التصدير:التزدير»29.

وأشار ابـن جـني أيضاً إلى ظـاهرة الإتـباع‌ صراحة فـي كتابه (الخصائص)؛ حيث يقول: «وقلت مـرّة لأبي علي-رحمه الله-: قد حضرني‌ شيء في علّة الإتباع في (نقيذ)30، وإن‌ عرى‌ أن‌ تكون عينه حلقية، وهو قـرب القـاف من الخاء والغين، فكما جاء عنهم النـخير والرغـيف، كذلك‌ جاء عـنهم (النقيذ) فجاز أن تـشبّه القـاف لقربها من حروف الحـلق بـها، كما شبّه من أخفى النون‌ عند الخاء و الغين‌ إياهما‌ بحروف الضم، فالنقيذ في الاتباع كالمنخل والمنغل فيمن أخفي النون؛ فرضيه وتقبّله»31.

وذكـر ابـن جـني أيضاً مصطلح الإتباع في كتابه‌ المنصف شرح كـتاب التـصريف للمـازني؛ إذ‌ يـقول: «وقـالوا: (ارجعن مـأزورات غير مأجورات)، فهمزوا (مأجورات)، وهو‌ من‌ الوزر إتباعاً لهمزة (مأجورات)، وقياسه (موزورات)»32.

هذا؛ وقد أفرد العلامة السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه المزهر في علوم اللغة وأنواعها باباً بعنوان: (معرفة الإتباع)33.

وفي الأشباه والنظائر‌ في‌ النحو: للعلامة السيوطي أيضاً باب مـفرد‌ تحت‌ عنوان‌ (الإتباع)34. وفيه تناول الإتباع الحركي في بعض‌ صوره، جامعاً جلّ ما ذكره القدماء في هذا الإطار. ألفت كتب قائمة بذاتها أيضاً في إتباع الكلمة الكلمة، منها:

الإتباع لأبي الطيب، والإتباع والمزاوجة، وإلماع‌ الإتباع لابن فارس، والإلماع‌ فـي‌ الإتـباع للسيوطي.

أمّا إتباع الحركة: «فيرى بعض المحدثين أنّ‌ القدماء لم يعنوا بإتباع الحركة مستدلاً بأنهم لم‌ يصنعوا له مصطلحاً يحدّه ويختص به، فابن جني‌ يسميه في بعض المواضع إتباع‌35، وفي بعضها: تقريب الصوت من الصوت‌ على حروف الحلق‌36. وفـي بـعضها سكت عن تسميته، ولم يعقد له باباً مفرداً37. وفعلاً لم يهتم القدماء بإتباع الحركة، ولم يعتنوا‌ بهده الظاهرة اللغوية، كما عنوا واهتموا بغيرها من الظواهر اللغوية الأخرى‌38.

هذا؛ وعن‌ الإتباع‌ عند‌ المـحدثين: «فقد عـرف‌ المحدثون ظاهرة الإتباع في اللغة العـربية كـما عرفها القدماء، وأشاروا إليها في كتبهم، وقسموها إلى أنواع، ومثلوا لكل ‌‌نوع، ولكنهم اختلفوا في‌ تسميتها»39.

وعلى أي حال... اعتمد المحدثون على ما ذكره‌ القدماء في ظاهرة الإتباع‌ في‌ اللغـة‌ العـربية، بخاصة إتباع الكلمة، وجعلوه في كـتب فـقه اللغة واللهجات. أما من تحدث منهم عن الإتباع في‌ دراسة الأصوات: فقصره على إتباع الحركة وعدوّه ضرباً من المماثلة، وبعضهم سمى إتباع الحركة: (الإنسجام المدّي)، ولا يعدّ ذلك بحثاً‌ لإتباع‌ الحركة، إنما‌ هي إشارات سريعة مقتضبة، ربما كانت إيماء محضاً، أو ذكـراً عـارضاً لكلمة الإتباع، ومعظمهم سكت عنه‌40

ثانياً: الاتباع في القراءات القرآنية

لقد أطلق علماء القراءات القرآنية كلمة: (قراءة): على ما ينسب إلى إمام من أئمة القرّاء مما اجتمعت عليه الروايات‌ والطرق عنه‌41.

ولعلماء القراءات ضابط مشهور، يزنون به‌ الروايات الواردة في القراءات، وحدّه: كل قراءة وافقت أحـد المـصاحف العثمانية ولو تـقديراً، ووافقت العربية ولو بوجه، وصحّ إسنادها، ولو كان عمّن فوق العشرة من القراء42، فهي القراءة الصحيحة‌ التي‌ لا يجوز ردّها ولا يحلّ إنكارها43.

وهذا، وقد حفلت القـراءات القرآنية بظاهرة: «الإتباع»، تلك التي تعدّ «من الظواهر اللغوية التي‌ لها أهميتها في عملية اليـسر والخـفّة فـي النطق، وهي‌ لا تقل أهمية عن‌ الظواهر‌ الأخرى التي ساعدت‌ على التخفيف وتوفير المجهود العضلي في نطق‌ الأصوات، مثل: الإدغام، والإبدال، والمـخالفة‌ إلى غير ذلك من الظواهر اللهجية»44.

غير أنّ ظاهرة الإتباع في القراءات القرآنية تختص بإتباع الحركات دون إتباع الكلمات الشـائع‌ الذائع‌ فـي‌ الإتـباع في اللغة العربية، ذلك الذي عرّفه‌ ابن فارس بقوله: «أن تتبع الكلمة الكلمة على وزنها أو رويها، إشباعاً وتأكيداً»45.

وهو يختلف كـلا الاختلاف عن الإتباع الحركي، الذي عرفه بعض الباحثين المحدثين بأنّه: تأثر صوت بصوت‌ آخر‌ مجاور‌ له، حيث يتبعه في حركته‌ سواء أكـانت‌ الحـركة‌ فتحة‌ أم كسرة أم ضمّة، ويكون التأثر إما تأثراً تقدمياً، وإما رجعياً46.

وهذا الإتباع يقصد منه: اليسر والخفة، وتوفير المجهود العضلي في نطق‌ الأصوات.

ولو‌ تتبعنا هذا اللون من الإتباع في القراءات‌ القرآنية لضقنا‌ ذرعاً، ولاحتجنا قطعاً إلى مجلدات‌ ومجلدات، ولكـن حسبنا في هذا البحث المختصر أن نلمح إلى شواهد له-كنماذج-في صوره‌ المتعددة، وإليك البيان:-

(إتباع الفتح‌ الكسر)

أ-في الأسماء:

قال عزّ وجلّ:

﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ47 .قرئت: (بئيس) بكسر الياء‌ إتباعاً لكسرة الهمزة: وبخاصة أن بعدها الياء التي‌ يناسبها الكسر، ونسبت هذه القراءة إلى ابن‌ كثير48.

وهو من الإتباع الرجعي: حيث تـأثر‌ الصـوت‌ المتقدم‌ بالصوت‌ المتأخر.

يقول مكي القيسي: وحجة من قرأ بكسر الباء أنه كسرها لحرف الحلق‌ بعدها، وهو الهمزة، وأصلها الفتح في قولك: بئس الرجل، ثم يقولون: يبئس الرجل، كما قالوا في شهد شهد49.

ويوضح هذا أحد‌ علماء‌ اللغة‌ المـحدثين؛ بقوله: «يميل التـميميون إلى كسر فاء فعيل-بكسر العين‌ -إذا كانت عينه حلقياً مثل شعير‌ وبخيل‌ ولئيم‌ وشهيد ورغيف، وكذلك ما كان على وزن فعل- بكسر العين- وهو حلقيها‌ مثل‌ فخذ‌ وضحك‌ ولعب»50.

ب-في الأفعال:

في قراءة: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ51.

حيث قرأ ابن كـثير وحـفص‌ وورش بكسر النون والعين في (فنعمّا)، في حين قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بسكر‌ العين‌ وفتح النون‌ (فنعمّا)52.

وفيه إتباع رجعي: حيث تأثر الصوت المتقدم، وهو النون المفتوحة، بالصوت المتأخر، وهو العين‌ المكسورة؛ فكسر‌ الصوت‌ المفتوح إتباعاً.

يقول مكي القيسي: وحـجة مـن قـرأ بكسر النون‌ والعين أنّ الأصـل فـيه «نعم» بفتح‌ النـون، وكسر العين، لكن‌ حرف الحلق، إذا كان عين الفعل، وهو مكسور أتبع بما قبله، فكسر لكسره، يقولون: شهد وشهد، ولعب ولعب، فقالوا في «نعم»: نعم، وهي‌ لغة هذيل‌53.

ج- في أسماء الأفعال:

ومثاله في الإتباع الرجـعي: اسم فـعل التـعجب‌ (هيت) في قوله-تعالى-:

وقالت‌ هيت‌ لك ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ54.

في قراءة نافع وابن عامر: (هيت لك)، بكسر الهاء وتـسكين اليـاء ونصب التاء55.

حيث كسرت الهاء تبعاً‌ للياء‌ بعدها؛ لأنّ‌ الكسرة والياء من جنس واحد56.

د-في الظروف:

ورد في ظرف الزمان في قوله-تعالى-: ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 57.

فقد قرأ‌ السلمي بكسر الهمزة في (أيان) 58.

وفـي ذلك إتـباع رجـعي؛ حيث كسرت الهمزة في‌ (إيان) تبعاً للياء بعدها؛ لأن الياء امتداد للكسرة، وقد‌ نـسب الكسر لسليم.

هـ-في الحروف:

ورد في شواذ القراءات عند قوله الله-تعالى-: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ 59.

حيث قراءة بكسر الفاء في فإنّهم 60؛ ويعدّ هذا من‌ الإتباع‌ الرجعي‌ في الحروف؛ حيث كسرت‌ الفاء تـبعاً لكـسر الهـمزة بعدها؛ «وما‌ ذلك إلا من‌ قبيل الانسجام الحركي بين الأصوات المتجاورة التي مالت إليه بـنو أسـد البدوية؛ و‌هذا‌ مما يثبت أنّ‌ البدو يحرصون على‌ الإتباع‌ لما فيه‌ من‌ تخفيف‌ ينتج‌ عن التوافق الحركي، وتـلك مـيزة عـرفت‌ بها‌ القبائل‌ البدوية، ولجأت إليها، وهو عامل من عوامل التطور اللغوي»61.

(إتباع الفتح الضم)

أولاً: الإتباع التقدمي: ومن‌ أمثلته:

أ-في الأسماء:

قال الله-تعالى-: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ 62.

وتلك‌ قراءة الجمهور في (زلفاً) بفتح اللام. بينما قرأ‌ ابن‌ محيصن ومجاهد بإسكانها63.

وقرئ في شواذ القـراءات بـضم اللام (زلفاً)، وفيه إتباع؛ حيث ضمت‌ اللام‌ المفتوحة تبعا للزاي، تحقيقاً للانسجام الصوتي‌ بين‌ الحركات‌ المتجاورة64.

ب-في الضمائر:

كالضمير في قول‌ الله-تعالى-: ﴿أيه‌ المؤمنون﴾ 65.

قرأ الجمهور بـفتح الهـاء. وقرأ‌ ابن عامر بضم الهاء، وهذه لغة66.

وفيه إتباع؛ حيث ضمت الهاء تبعا للياء المضمومة قبلها؛ تحقيقاً للانسجام‌ الصـوتي‌ بـين‌ الحركات المتجاورة.

هذا؛ وتـنسب هذه الظاهرة إلى بني‌ مالك، «وبني‌ مال‌ من‌ بني أسد، وإنّ بني‌ مالك مـن البـدو، وقد حركوا الهاء بالضم؛ لتنسجم مع حركة ما قبلها»67.

ومن المعلوم أنّ القبائل البدوية‌ بوجه‌ عـام تـميل‌ إلى الضـّمّة؛ لأنّه مظهر من مظاهر‌ الخشونة البدوية68.

في الوقت‌ الذي‌ نعلم‌ فيه أن «من طبيعة‌ البدو الميل‌ إلى الانسجام والمماثلة في الحركات، الذي يـعدّ عاملاً مـن عوامل التطور اللغوي، ولغة البدو أكثر تطوراً من لغة‌ الحضر، هذا‌ إلى جانب مـيل البـدو إلى الضـم، في حين يميل الحضر‌ إلى الكسر‌ أو الفتح‌ غالباً69.

ثانياً: الاتباع الرجعي: و‌من أمثلته:

أ-في الأسماء:

قول الله-تعالى-: ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا 70.

قرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عـن نـافع: (نصوحاً) بضم النون.

وقـرأ حفص عن عاصم والباقون: (نصوحاً) بفتح النون‌71.

ومن قرأ بضم النون: جعله مصدراً‌ من (نصح‌ ينصح نصحاً ونـصاحة ونصوحاً).

ومـن قرأ بالفتح: جعلوه صفة للتوبة. ومعناه توبة بالغة في النصح‌72.

وهذا تأثر الصوت المتقدم المفتوح، وهو النون، بالصوت المتأخر المـضموم، والصـاد؛ فضمّ‌ إتباعاً له؛ تحقيقاً للانسجام بين الحركات‌ المتجاورة.

ب-في الأفعال:

قال-عزّ و جلّ-: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ 73.

فقد قرأ الكسائي وأبو عمرو (لا تقنطوا) 74، على سبيل الإتـباع الرجـعي؛ حيث تأثر الصوت‌ المتقدم المفتوح، وهو النون، بالصوت المتأخر المضموم، وهـو الطـاء، فضمّ إتـباعاً له؛ رغبة في‌ المماثلة الصوتية.

أولاً الإتباع التقدمي: ومن‌ أمثلته:

أ-في الأسماء:

قرئ في شـواذ القـراءات (75). (غدقاً)- بكسر الدال- في قول الله-تعالى-: ﴿مَاءً غَدَقًا 76.

وفي (غدقاً) إتباع تقدمي حيث تجاورت الدال‌ مع الغين المفتوحة، ولم يفصل بينهما بفاصل؛ فتحت تـبعاً لهـا؛ وذلك لأنّ‌ العرب‌ تكره الخروج مـن‌ فتح لكـسر؛ لما في‌ ذلك‌ مـن صـعوبة؛ ولأنّ الفتح من‌ أسهل الحركات، يليه الكسر، ثم الضم‌77.

ب-في الأفعال:

ومـنه قـراءة الفتح في قول الله-تعالى-: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ 78.

حيث قرأ ابن كثير و أبو عمرو ابن‌ عامر وعـاصم وحـمزة والكسائي: (برق) بكسر‌ الراء.

وقرأ نافع وأبان عن عاصم: (برق) بفتح‌ الراء79.

وفـيه إتباع تقدمي؛ حيث فتحت المـكسورة لمجاورتها البـاء المفتوحة تبعاً لها؛ اقتصاداً للجهد العضلي فـي الانـتقال من الفتح إلى الكسر.

ج- في أسماء الأفعال:

ومنه قراءة الفتح في قوله-عزّ‌ و جلّ-: ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ 80.

حيث قرأ نافع: (مستقرّ) بفتح القاف. وفـيه إتـباع تقدّمي؛ حيث تأثر الصوت المتأخر، وهـو القـاف المـكسورة بالصوت المتقدم، وهـو التـاء المفتوحة، ففتح المكسورة تبعاً له.

ثانياً: الإتباع الرجعي:

ومن شـواهده قـراءة الفتح في اسم‌ الفاعل‌ في‌ قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ 81.

فقد قرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عـاصم: (مستنفرة) بفتح الفاء.

وقـرأ الباقون: (مستنفرة) بكسر الفاء82.

يقول أبو‌ زرعة: والكسر أولى، ألا تـرى أنـه قال- تعالى-: ﴿فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ 83.

فهذا يـدل عـلى أنها‌ هي‌ استنفرت‌84.

أياً ما كـان الأمر؛ فإنّ الكسر هنا أتبع بالفتح؛ تحقيقاً للانسجام الصوتي بين الحركات‌ المتجاورة.

أ-في الأسماء:

فمن الإتباع الرجعي بين الأصوات ‌‌المتجاورة قراءة‌ الضم فـي قوله-تعالى-: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ 85.

فقد قـرأ ورش وحـفص وأبو عمر بضم الباء في‌ (البيوت). بينما قرأ‌ قالون وهشام بكسر الباء من‌ (البيوت) 86.

فقد ضمت الباء تبعاً لضمة الياء والواو‌ بـعدها؛ وذلك ليـكون النـطق‌ بالأصوات‌ المتجاورة بحركة من‌ جنس واحد هي الضـمة، وبـذلك تـكون (الباء و اليـاء والواو) جـميعها مـن حيز واحد. وهو الضم. إضافة إلى أنّ وضع الشفتين عند النطق بالباء يشبه إلى حدّ ما وضعها عند النطق بحركة الضمة87.

ب-في الأفعال:

ومن أمثلته قراءة نافع وابن عامر والكسائي: (يصدّون) بضم الصاد في قوله-تعالى-: ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ 88.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة: (يصدّون) بكسر الصاد89.

وفي قراءة الضم إتباع رجعي؛ حيث‌ ضمّت‌ الصاد‌ تبعاً لضم الدال.

يقول الإمام أبو زرعة: وحجة من يضم ذكرها الكسائي قال: هما لغتان لا تختلفان في المعنى، والعرب تـقول (يصدّ عـني) مثل (يشدّ ويشد).

قال الزجاج‌90: معنى المضمومة: يعرّضون.

وقال أبو عبيدة: (مجازها: يعدلون)91.

ج- في الضمير:

ومثاله الضمير المضاف إلى الظرف‌ في قول‌ الله-تعالى-: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ 92.

حيث قرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الهاء والميم وصلاً (تحتهم)، وكسرهما أبو عمرو ويعقوب، وكسر الهاء وضم المـيم الباقون‌93.

وفـي‌ قراءة‌ حمزة والكسائي وخلف إتباع رجعي، حيث ضمت الهاء إتباعاً لضمّ الميم بعدها؛ تحقيقاً للانسجام الصوتي بين الحركات المتجاورة.

أ- في الأسماء:

يقول الله-تعالى- ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ94. نسب ابن خالويه إلى ابن عباس رضي الله‌ عـنه‌ أنه‌ قرأ (مذبذبين) بفتح الميم‌95.

وفيه إتباع رجـعي؛ حيث‌ تـأثر‌ الصوت‌ المتقدم‌ المضموم، وهو الميم، بالصوت المفتوح، وهو الذال؛ ففتح إتباعاً لفتح الذال.

ب-في الأفعال:

في قول الله-تعالى-عزّ و جلّ-: ﴿وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ 96.

قرأ عاصم وحمزة والكسائي: (وصد) بضم‌ الصاد.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو‌ وابن عامر: (وصـد) بفتح الصاد97.

وقـرأ الضم على ما لم يـسمّ فـاعله، وجعلوا الفعل الله: إن الله صدّ فرعون عن السبيل.

أما قراءة‌ النصب: فقد‌ أسند‌ الفعل إلى الفاعل‌ وهو فرعون‌98.

وفي هذه القراءة رجعي؛ حيث الانسجام‌ الصوتي‌ بين الحركات المتجاورة، ففتحت ضمة الصاد تبعاً للدال المفتوحة بعدها.

(اتباع الضم الكسر) أولاً: الإتباع التقدمي:

أ- في الأسماء:

وقد ورد الإتباع في كلمتين، وذلك‌ فـي‌ إحـدى‌ القراءات‌ المنسوبة للجعفي في قول الله-تعالى-: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ 99.

حيث قرأها بكسر الخاء: (فأنّ‌ للّه‌ خمسه)100؛ على سبيل الإتباع؛ حيث أتبعت حركة الخاء حركة الهاء في لفظ الجلالة؛ نظراً لصعوبة الانتقال من‌ كسر إلى ضم؛ ففيه من‌ الثقل‌ ما‌ فيه ‌101.

ب-في الضمائر:

ومثاله قوله الله-تعالى-: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ 102.

وذلك بكسر ضـمير الغـائبين في (عليهم) فقد قرأ حـمزة: (عليهم) بضم‌ الهاء. و‌قرأ‌ ابن كثير ونافع في رواية القاضي عن قالون عنه: (عليهمو) بكسر الهاء وضم الميم، ويصلون‌ بواو‌ فـي‌ اللفظ. وقرأ الباقون بكسر الهاء، وسكون الميم (عليهم).

وحجة من قرأ بهذه القـراءة (عليهم): أنه‌ استثقل ضـمة الهـاء‌ بعد‌ الياء، فكسر الهاء؛ لتكون‌ الهاء محمولة على الياء التي قبلها على سبيل‌ الإتباع‌103.

ج-في الظروف:

ومثاله قراءة أبي‌ عمر‌ ويعقوب: (من تحتهم) بكسر الهاء والمـيم‌104في ‌قـول الله-تعالى-: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ 105.

وفيه إتباع تقدمي؛ حيث‌ تأثر‌ الصوت المتأخر المضموم، وهو الميم، بالصوت المتقدّم المـكسور، وهـو الهاء، فاتبع الضـم الكسر، ليعمل اللسان من وجه‌ واحد؛ حيث صعوبة‌ الانتقال‌ من‌ كسر إلى ضم.

ثانياً: الاتباع الرجعي:

ومثاله قول الله-تعالى: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا﴾ 106.

قرأ نافع وحمزة والكسائي:(سخرياً) بالرفع. وقرأ البـاقون: بالكسر، وهما‌ لغتان، والكسر أحسن‌ لإتباع الكسرة107.

وفيه إتباع رجعي؛ حيث تأخر الصوت المتقدم، وهو السين‌ المـضمومة، بالصوت‌ الآخر، وهو الراء المكسورة؛ فكسرت السـين تـبعاً لمجاورتها الراء بعدها، ولم يعتد بالساكن الذي بينهما لضعفه.

وقد نسب الكسر‌ لقريش، بينما‌ نسب‌ الضم‌ لتميم‌108.

ومن المعلوم: أنّ لهجات الحضر تميل إلى الكسر، في حين لهجات البدو تميل إلى الضم؛ لأنه‌ مظهر‌ من مظاهر الخشونة البدوية109.

(إتباع السكون الفتح)

أ-في الأسماء:

ومن أمثلته قول الله-تعالى  -: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ 110.

يقول أبو زرعة: قرأ‌ ابن‌ كثير: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾

ساكنة الهاء. وقرأ الباقون: بفتح الهاء، وهما لغتان كالشمّع‌ والشمع، والنّهر والنّهر. واتفاقهم على الفتح يدل‌ على أنه‌ أجود‌ من الإسكان‌111.

والإتباع هنا تقدّمي، حيث نقلت حركة‌ اللام‌ إلى الهاء السـاكنة بـعدها والمجاورة لها؛ تحقيقاً للانسجام الصوتي بين الحركات المتجاورة؛ رغبة في التأني وإعطاء‌ كل‌ صوت حقّه، وتلك ميزة حضرية. أما البدو‌ فيمليون‌ إلى الإسكان‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الكلمات؛ وذلك رغبة في السرعة والاقتصاد في‌ المجهود العضلي‌112.

هذا؛ وإن كان ابن كثير المكي قد خالف لغـة بـيئته‌ في هذه‌ القراء؛ إلا‌ أنه المقرر أن «القراءة سنّة متبعة»، «القراءة سنة لا‌ تخالف»!

ب-في الأفعال:

يقول الله تعالى: ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ 113.

قرأ ورش: «لا‌ تعدّوا» بفتح العين، نقل فتحة التاء إلى العين، مثل «يهدّي»114.

ويوضح مكي القيسي قائلاً: «أصلها تعتدوا» «فأصلها السكون، ثم أدغمت التاء‌ في‌ الدال، بعد أن ألقيت ساكنان: العين، وأول المدغم. وكـره‌ تـمكين‌ الحركة؛ إذ‌ ليست بأصل فيها، وحسن‌ ذلك‌ للتشديد الذي في الكلمة، ولطولها.

وقرأ ذلك ورش بفتح العين، والتشديد على‌ الأصل، وأصله «تعتدوا» في قراءته، ثم ألقي حركة التاء على العين وأدغمها‌ في الدال، وقرأ الباقون‌ بإسكان العين والتخفيف»115.

(إتباع السكون الكسر)

من شواهده‌ قول‌ الله تعالى-: ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ 116.

وقـرأ نـافع: (أرجه) بكسر الهـاء، ولا يبلغ بها الياء ولا يهمز. هذه هي روايـة المـسّيبي وقـالون‌117. وقرأ‌ الحلواني عن نافع (أرجه): بكسر الهاء من‌ غير إشباع. و‌حجته‌ هي‌ أنّ‌ الكسرة‌ تدل على الياء و‌ تنوب‌ كما قال: (أكرمن) و(أهانن) والأصل: أكرمني وأهانني‌118.

وقرأ ابن كـثير وهـشام بـهمزة ساكنة: (أرجه) 119.

وفي قراءة نافع (أرجه) بكسر الهاء‌ إتباع‌ تقدمي؛ حيث‌ تأثر‌ الصوت المـتأخر بـالصوت‌ المتقدم، فأتبع السكون الكسر فكسر؛ تحقيقاً للانسجام الصوتي‌ بين‌ الحركات‌ المتجاورة.

(إتباع السكون‌ الضم)

أ- في الأسماء:

ومثاله قول الله تعالى-: ﴿وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ﴾120. فقد قرأ نافع: (والأذن بالأذن) ساكنة الذال في‌ جميع القرآن، كأنه استثقل الضمتين في كلمة واحدة فـأسكن. وقـرأ البـاقون بالضم‌121.

والشاهد في قراءة الضم؛ حيث‌ تجاوزت الهمزة المضمومة مع الذال، فضمت الذال تبعاً لهـا، على‌ سبيل الإتباع التقدّمي؛ وذلك لسهولة النطق؛ لأنّ‌ الحركتين بعد الإتباع تصبحان من مخرج واحد، وهو مخرج الضم‌122؛ وذلك رغبة في المماثلة الصوتية بين حـركة فـاء الكـلمة وعينها، وتحقيقاً للتناسب الصوتي، والمحافظة على التأني‌ واستكمال الحركات، وينسب ذلك النوع مـن الإتـباع‌ للمجاز، في حين تميل دائماً إلى التخفيف‌ فتسكن الوسط123.

ب-في الأفعال:

قال الله تعالى-: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾124. قرأ ابن كثير وابن‌ عامر‌ اسم الفعل: (أف) بفتح‌ الفاء.

وقرأ نافع وحفص (أف) بالتنوين، وقـرأ الباقون:(أف) خفضاً بـغير تـنوين‌125. وقرأ بالضم: (أف) 126.

ومن حركها بالضم فقد أتبع الفاء الساكنة لحركة الهمزة؛ فضمها تبعاً لها؛ وذلك للتخلص‌ من التـقاء‌ السـاكنين‌ فـي كلمة واحدة، كل هذا على‌ سبيل‌ الإتباع‌ التقدمي‌127.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- مقاييس اللغة: مادة (ت.ب.ع).

(2)-القاموس المحيط:912.

(3)-لسان العرب: مادة (تبع).

(4)-الصاحبي: 458.

(5)-المصدر نفسه:485 بتصرف.

 (6)-المزهر:1/415.

 (7)-المصدر نفسه:1/415 بتصرف.

 (8)-الاشتقاق عند الزجاج...مع مـعجم اشـتقاقي لغـوي‌ من كتبه المتاحة:123.

 (9)-ينظر:الصاحبي:458،والمزهر:1/414.

 (10)-الإتباع والمزاوجة:28.

 (11)-الاشتقاق عند الزجاج:123.

 (12)-يراجع:المزهر:1/414،416،ودراسات‌ في فقه‌ اللغة:239 وما‌ بعدها.

 (13)-المزهر:1/415.

 (14)-مظاهر التخفيف في القراءات في ضوء الدراسات‌ الصوتية الحديثة:430.

 (15)-ظاهرة الإتباع فـي اللغـة العربية:26،27.

 (16)-التأثر التقدّمي: هو أن يتأثر الصوت المتأخر بالصوت‌ المتقدم، وهو ما يعرف بـ(الإتباع التقدّمي)، مثل عيش‌ رغد-بمعني كثير-من رغد.

أما التـأثر الرجـعي: فهو أن يـتأثر الصوت‌ المتقدم‌ بالصوت‌ المتأخر، وهو ما يعرف بـ(الإتباع الرجعي)، مثل جهاز العروس-بفتح الجيم تبعاً لفتحة الهاء بعدها.

ينظر: ظاهرة الإتـباع فـي اللغة العربية:27،28،167، وهوامشها.

 (17)-كبناء الفعل الماضي على الفتح إذا اتصل بألف الاثنين‌ «ضربا»، وعلى الضم إذا اتصلت بـه‌ واو‌ الجـماعة «ضربوا». ينظر: المصدر السابق: 27.

 (18)-الإتباع هـنا في (الحمد لله) بكسر الدال تبعاً لمجاورتها اللام المكسورة بعدها، مع أنّ الأصل في حركة الدال‌ الضمّة؛ لأن(الحمد) مبتدأ، ولكن غيرت حركة الإعـراب‌ من‌ ضـمّة إلى كسرة تبعاً لحركة اللام بعدها، وذلك من‌ قبيل الإتباع الرجعي. ينظر: المصدر‌ السابق:538 (مع‌ بعض‌ الإضافات)

(19)-حيث جرّ (خرب) تبعاً لـ(ضبّ)؛ لمجاورته مع أنـه الأصـل‌ مرفوع؛ لأنّه صـفة لـ(لجحر)المرفوعة، وصفة المرفوع‌ مرفوعة مثله، ولكن جرّ تبعاً لمجاورته لـ(ضبّ)المجرورة بالإضافة، ولصعوبة الانتقال ‌‌من‌ كسر إلى ضم. ويـعدّ هـذا من قـبيل الإتباع التقدمي.

ينظر: المصدر السابق:544.

(20)-ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:6،7،وينظر: الأصوات‌ اللغوية:251،و‌اللهجات‌ العربية في التراث:1/273.

 (21)-في اللهجات العربية:96،97.

(22)-الكتاب:1/332.

(23)-المصدر السابق:4/109.

(24)-المصدر السابق:4/173.

(25)-المصدر السابق:3/532.

(26)-المقتضب:1/187.

(27)-الخصائص:1/141.

(28)-المصدر السابق:1/143.

(29)-المصدر السابق:1/144.

(30)-النقذ: التخليص، والتنجية والنـقيذة: فرس أنـقذته من‌ العدو. ينظر: القاموس‌ المحيط:433.

(31)-الخصائص:2/365،366.

(33)-المنصف:2/326.

(33)-المنصف:2/326.

(34)- ينظر: الأشباه والنظائر في النحو:149.

(35)-ينظر:الخصائص:1/365،366.

(36)-المصدر السابق:2/143-145.

(37)-المصدر السابق:2/9،10.

(38)-مظاهر التخفيف في القراءات السبع في ضوء‌ الدراسات‌ الصوتية الحديثة:431 نقلاً عن‌ مقال‌ الدكتور مـحمد أحمد خـاطر في مجلة كلية اللغة العربية، ع 8/6/1990 م.

(39)-لقد سماها الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه (الأصوات‌ اللغوية): 178 (المماثلة) أو (المشابهة) أو (الانسجام‌ الصوتي بـين أصـوات اللغة).أما الدكتور تمام حسان في‌ كتابيه: اللغة بين المـعيارية والوصـفية:119، ومـناهج البحث‌ في اللغة:120.والدكتور‌ رمضان عبد التواب أيـضاً فـي‌ كتابه (التطور اللغوي):22، والدكتور عبد العزيز مطر في‌ كتابه(لحن العامة):205، فقد أطلقوا على الإتباع، مسمى:(المماثلة الصوتية). أما الدكتور عـبد الفـتاح‌ شلبي فقد أطلق عليها اسم: «المشاكلة»، وذلك فـي كـتابه‌ الإمالة في القـراءات واللهـجات العـربية: 232. أما‌ الدكتور عبده‌ الراجحي في كتابه (اللهجات العربية فـي‌ القراءات) :145، فسماها بـمسماها (الإتباع). ينظر: ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:23 فما بعدها. هذا؛ وقد أطلق الدكتور أحمد علم الدين الجـندي على ظاهرة الإتباع الحركي:(المماثلة في الحركات). ينظر: في القرآن‌ والعـربية... من تراث لغوي مفقود: للفراء (ت 207 هــ): 45. في‌ الوقـت‌ الذي أشار فيه المستشرق الألماني‌ برجستر اسـر إلى هـذه الظاهرة تحت مسمى «تغير الحركات» ينظر: التطور اللغة العربية::61 فما بعدها.

 (40)-مظاهر التخفيف في القراءات السبع:433-بتصرف‌ يسير-،نقلاً عن مقال الدكتور محمد أحـمد خـاطر في‌ مجلة كلية اللغة العربية ع 8/7/1990.هـذا؛وتـعد الدكتورة فـوزية محمد الحسن الإدريـسي-في نـظري- أفضل من كتب عن الإتـباع، وبـخاصة (الإتباع الحركي)، في رسالتها الجامعية:(ظاهرة الإتباع في اللغة العربية)، التي نالت بها الدكتوراه عام 1407 هـ من كـلية اللغـة العربية-جامعة أم القرى.

(41)-إتحاف فضلاء‌ البشر:88. هذا؛ وتطلق كلمة (رواية) على مـا يـنسب‌ إلى الأخـذ‌ عـن إمـام من أئمة القراء ولو بـوساطة. أما كلمة (طريق) فتطلق على ما ينسب للآخذ عن الراوي ولو سفل. المصدر السابق:88.

(42)-القراء السبعة هم: نافع المدني، وابن‌ كثير‌ المكي، وأبو عمرو بن العـلاء، وابـن عامر الدمشقي، وعاصم بن‌ أبي‌ النجود‌ الكـوفي، وحـمزة بـن حـبيب الزيـات، والكسائي. وبقية العـشرة هـم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ويعقوب‌ الحضرمي، وخلف بن هشام البزار. وبقية‌ الأربعة‌ عشر هم: ابن‌ محيصن، واليزيدي، والحسن البـصري، والأعمش.

(43)-مناهل العـرفان فـي علوم القرآن:1/418.هذا؛ وقد انقسم‌ العلماء حيال تحديد مـفهوم «القراءة الشاذة» على فريقين:

الأول: جعلها فـيها تـوافر فـيها: أ-صحة السـند بـالقراءة إلى رسول الله (متواترة من أول‌ السند إلى آخره).

ب-موافقتها وجهاً‌ من‌ وجوه‌ العربية مجمعا عليه أو مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثله.

وتخلف الشرط‌ الثالث‌ وهو: موافقة القراءة رسم المصحف‌ العثماني.

الثاني: جعلها فيما فقد التواتر من الشرط الأول. فمهما تجتمع الشروط الثـلاثة في قراءة بسند‌ صحيح‌ غير‌ متواتر فهي- عندهم- شاذة. هذا، وقد قرروا أن الشاذ: هو كل‌ ما وراء القراءات العشر المعروفة.

أما من حيث الاحتجاج‌ بها‌ على اللغة والقواعد العربية فذلك‌ سليم سائغ إذا صحت نسبتها إلى صحابي أو عربي‌ سليقي من‌ التابعين. ينظر: حجة‌ القراءات:11-14 و‌هامشها.

ولمـزيد مـن التفصيل؛ ينظر: رسم المصحف والاحتجاج به في‌ القراءات:53 فما بعدها. والقراءات القرآنية في‌ ضوء‌ علم‌ اللغة الحديث:257 فما بعدها.

(44)-مظاهر التخفيف في القراءات السبع:428.

(45)-الصاحبي:458.

(46)-ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:26،27.

(47)-الأعراف:165.

(48)-ينظر: معجم القراءات‌ القرآنية:2/416.ومظاهر التخفيف‌ في القراءات السبع:445.

(49)-الكشف عن وجوه القراءات السبع:1/481.

(50)-اللهجات العـربية: نشأة و تطورا:295.

(51)-البقرة:271.

(52)-المصدر السـابق:1/316،وحجة القراءات:147.

(53)-الكشف عن‌ وجوه‌ القراءات السبع:1/316.

(54)-يوسف:23.

(55)-السبعة في القراءات:347،وحجة القراءات:357،358.

(56)-ينظر: ظاهرة إتباع في اللغة العربية:228،229.

(57)-النمل:65.

(58)-شواذ القراءات:48.

(59)-الأنعام:33.

(60)-شواذ القراءات:29،30.

(61)-ظاهرة الإتباع‌ في‌ اللغة‌ العربية:231، وينظر: اللهجات‌ العربية في التراث:1/273.

(62)-هود:114.

(63)-البحر المحيط:5/270.

(64)-ينظر: شواذ القراءات:61.

(65)-النور:31.

(66)-ينظر حجة القراءات:497،498،وسبعة في‌ القراءات:455.

(67)-اللهجات العربية في التراث16/270.ووزان بـ: في‌ القـرآن‌ والعربية.. من تراث لغوي مفقود:للفراء،45،وفـيه يـنسب‌ الفراء هذه الظاهرة إلى بني أسد مباشرة.

(68)-ينظر: في اللهجات‌ العربية:91.

(69)-ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:156.

(70)-التحريم:8.

(71)-السبعة في القراءات:641.

(72)-حجة القراءات:714،وطلائع البشر في توجيه القراءات‌ العشر:266.

(73)-الزمر:53.

(74)-معجم القراءات القرآنية:6/22.

(75)-شواذ القراءات:163.

(76)-الجن:16.

(77)-ظاهرة الإتباع‌ في‌ اللغة العربية:48.

(78)-القيامة:7.

(79)-السبعة في القراءات:661.

(80)-القمر:3.

(81)-المدثر:50.

(82)-السبعة في القراءات:661،وحجة القراءات:736.

(83)-المدثر:51.

(84)-حجة القراءات:734.

(85)-البقرة:189.

(86)-ينظر: الكشف عن وجـوه القـراءات‌ السبع:1/284،285.

(87)-ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:241.

(88)-الزخرف:57.

(89)-السبعة فـي القراءات:587.

(90)- ونـص كلام الزجاج: «ويقرأ يصدّون-بضم الصاد- والكسر أكثر-يصدّون-، ومعناهما جميعا‌ يضجّون. و‌يجوز أن يكون معنى المضمومة: يعرضون». ينظر: معاني‌ القرآن و إعرابه:4/416.

(91)-حجة القراءات:652،653،ومجاز القرآن:2/205.

(92)-يونس:9.

(93)-إتحاف فضلاء البشر‌ في‌ القراءات الأربعة عشر:2/104.

(94)-النساء:143.

(95)- ينظر: شواذ القراءات:29.

(96)-غافر:37.

(97)-السبعة في القراءات:571.وحجة‌ القراءات:631،632.

(98)-ينظر: حجة القراءات:632.

(99)-القراءات الشاذة:49.

(100)-القراءات الشاذة:49.

(101)-ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:75.

(102)-الفاتحة:7.

(103)-ينظر: حجة القراءات:80،81،والكشف:1/36،37، والسـبعة فـي القراءات:108 فما بعدها.

 (104)-ينظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر:2/104.

(105)-يونس:9.

 (106)-ص:63.

(107-) ينظر: حجة القراءات:492،618،و‌السبعة في‌ القراءات:556.

(108)-اللهجات العربية في التراث:1/253؛نقلا‌ً عن‌ اللغات في‌ القرآن‌ الكريم:43.

(109)-ينظر: في اللهجات‌ العربية:91.

(110)-المسد:1.

(111)-حجة القراءات:776،وينظر السبعة في القراءات:700.

(112)-ظاهرة الإتباع‌ في اللغة العربية:33.

(113)-النساء:154.

(114)-حجة القراءات:218،وينظر:الكشف16/401،402، والسبعة في القراءات:240.

(115)-الكشف عن وجوه القـراءات السبع:1/401،402.

(116)-الأعراف:111.

(117)-السبعة فـي‌ القراءات:287.

(118)-حجة القراءات:290.

(119)-الكشف عن وجـوه القراءات السبع:1/470.

(120)-المائدة:45.

(121)- ينظر: حجة القراءات:227،والسبعة في‌ القراءات:244.والكشف:1/409‌ فما‌ بعدها.

(122)-ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:107.

(123)-ظاهرة الإتباع‌ في اللغة العربية:142.

(124)-الإسراء:23.

(125)-حجة القراءات:399،والسبعة في القراءات:379. والكـشف:2/44.وهامش مصحف مبارك مخطوط شامل‌ للقراءات‌ السبع:229.

(126)- ينظر: شواذ القراءات:76.

(127)- ينظر: ظاهرة الإتباع في اللغة العربية:153،154.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2201
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24