• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : نساء أهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : خدیجة الكبری مثل أعلی للمرأة المسلمة 1 .

خدیجة الكبری مثل أعلی للمرأة المسلمة 1

عزالدین سلیم

‌‌‌مـدخل‌ للدراسة :

كانت جزیرة العرب وماحولها ظمأی ترهقها الجاهلیة بعذاباتها وسیاط طیشها، حین‌ تـفجر‌ یـنبوع الاسـلام الهادي كنبع من الماء الصافي الرقراق فی تلك الصحاری المجدبة من كل خیر‌ من أجـل أن یروّي عطش الدنیا إلی الحق والهدی والسلام .

لقد جاء‌ الاسلام الحنیف بدعوته إلی‌ الخـیر‌ والمعروف والعدل والصلاح بـلسماً لجـراح المعذبین والمظلومین فی الأرض، وكانت المرأة أكثر عباد اللّه نصیباً من هذا الخیر المنقذ.

فالمرأة قبل الاسلام كانت نهباً للظلم أكثر من سواها . فقد كانت بعض الحضارات تنظر إلی المرأة كشیطان متلبس فی جـسم بشر، كما كانت بعض المجتمعات تنظر إلیها كمخلوق نجس لا یستحق الرحمة، وتری فیها بعض الأمم حیواناً فی‌ جسم‌ انسان، أو هی شیء حقیر یملكه الرجال من أجل أن یحققوا لذاتهم الجنسیة، كما هی مـصنع لانـتاج ذریة الرجل .

وقد زادت الحضارة الاوربیة الحدیثة الطین بلة حین‌ حولت‌ المرأة إلی أداة للجنس والمتعة والكسب المادي، حیث شاعت بناء علی ذلك الفوضی الجنسیة، وضاعت الأنساب فی اوربا ومن سار علی نهجها مـن الأمـم، وصارت المرأة‌ سلعة‌ یتناولها الرجال متی شاؤوا باسم حریة المرأة وحقوقها، علی أن المرأة لم تحظَ فی تاریخ حیاتها برعایة مناسبة لطبیعتها المادیة والروحیة، كما حظیت به فی رحاب الرسالة‌ الالهـیة‌ الخـاتمة‌ حیث حفظ لها الاسلام حقوقها‌ وكرامتها‌ ومكانتها‌ فی جو من العفة والطهر والعزة، وفی اطار من الموازنة العادلة بین حقوقها وواجباتها فی ضوء القدرات التكوینیة التی حباها‌ اللّه‌ لهـا‌، وفـی ضـوء المهمة العظمی التی انیطت بـها‌ كـشریكة‌ للرجـل فی اثارة الحیاة، وفی صناعة المجد وبناء الحضارة الانسانیة الصالحة.

ولقد أرسی الاسلام الحنیف قواعد تلك‌ الحقوق‌ الفریدة‌ التی خص بـها المـرأة مـن خلال نصوصه الأصیلة :

1 ـ فالاسلام یؤكد، ان المرأة والرجل صـنوان یـجمعهما أصل واحد وجوهر واحد وكلاهما ینتسبان لآدم، وآدم‌ من‌ تراب‌ :

﴿یا أیها الناس اتقوا ربكم الذی خلقكم من نفس واحدة‌ وخـلق‌ مـنها زوجـها وبث منهما رجالاً كثیراً ونساء﴾.

﴿واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجـاً وجعل‌ لكم‌ من‌ أزواجكم بنین وحفدة﴾

﴿وهو الذی خلقكم من نفس واحدة وجعل منها‌ زوجها‌ لیسكن‌ إلیها﴾. .

2 ـ ومع تـقنین الاسـلام ودعـواته الصریحة المحددة لمكانة المرأة فی الحیاة‌ والواقع‌ الانساني‌ الذی یبنیه تحت رعـایته یـشن الاسلام حملته علی المظالم والممارسات والأوضاع التی عانت منها‌ المرأة‌ عبر التاریخ، لیدفع عنها الأذی، ویعید حـقوقها المـسلوبة، فـیهاجم عادة وأد‌ النساء‌ عند‌ بعض قبائل العرب، ویلغی تكرارها قانونیاً وأخلاقیاً :

﴿وإذا الموؤدة سـئلت * بـأی‌ ذنـب‌ قتلت﴾ .

﴿ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم وایاهم .﴾ .

ویلغی‌ الاسلام‌ الحنیف‌ عملیات الامتهان والاذی فـی عـشرة النـساء، ویقنن معاملتهن بالمعروف والحسنی :

﴿وعاشروهن بالمعروف فان‌ كرهتموهن‌ فعسی أن تكرهوا شیئاً ویجعل اللّه فیه خـیراً كـثیراً﴾ .

3 ـ والاسلام‌ لا‌ یعتبر الرجولة والذكورة أساساً للتكریم والمواقع فی الحضارة التی یبنیها، ولا فی الواقـع التـی‌ یـحققها‌ البشر‌ فی الآخرة، أو ینالها فی الحساب الالهی، وإنما المقیاس فی‌ رسالة‌ اللّه الخاتمة انما هـو الایـمان والعمل الصالح ﴿ إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم﴾.

فمن عمل‌ وفق‌ أوامر اللّه ونواهیه، حقق نتائج عـمله، لا فـرق فـی ذلك‌ بین‌ رجل وامراة فی هذه القضیة المصیریة : ﴿ان‌ المسلمین‌ والمسلمات والمؤمنین والمؤمنات والقانتین والقـانتات والصـادقین والصادقات‌ والصابرین والصابرات والخاشعین والخاشعات والمتصدقین والمتصدقات والصائمین والصائمات والحافظین فروجهم والحافظات والذاكـرین اللّه كـثیراً‌ والذاكـرات‌ أعد اللّه لهم مغفرةً وأجراً‌ عظیما﴾.

4 ـ ویقنن‌ الاسلام الحنیف مضمون العلاقة الزوجیة بین‌ الرجل‌ والمرأة فـی اطـار مـن المودة والرحمة : ﴿هن لباس لكم وأنتم لباس‌ لهن﴾.﴿ومن‌ آیاته أن خلق لكم مـن أنـفسكم‌ أزواجاً لتسكنوا إلیها وجعل‌ بینكم‌ مودة ورحمة.﴾.

وبناء علی‌ هذه‌ المفاهیم الاسلامیة الأصیلة، شهدت الحیاة التـی لونـها الاسلام بلونه الممیز مكانة خاصة‌ للمرأة‌ واحتلت موقعاً إلی جانب الرجل‌ لم‌ تـجد‌ له البـشریة مثیلاً‌ من‌ قبل، سواء فی‌ اطار‌ الاسـرة والمـجتمع، أو فـی اطار الدعوة والدولة .

ومن أجل ذلك، شهد تاریخ‌ الرسـالة‌ الاسـلامیة نساءً مؤمنات وقفن إلی جانب‌ الدعوة‌ الالهیة فی‌ بدایاتها‌ یبذلن‌ الغالی والرخیص من أجـل‌ كـلمة اللّه عزوجل فی الأرض، حتی ارتفعت بـعضهن إلی مـواقع لم ینلها مـلایین الرجـال‌ مـن‌ أمثال : خدیجة بنت خویلد، وسیدة‌ نـساء‌ العـالمین‌ فاطمة‌ الزهراء(علیها السلام)، وأم‌ سلمة، وزینب بنت علی، وغیرهن من بنات الرسـالة .

وفـی هذا البحث المتواضع نقدم‌ للقاریء‌ الكـریم‌ دراسة لحیاة السیدة الخـالدة خـدیجة بنت خویلد‌ أم‌ المؤمنین‌ الاولی (علیها‌ السـلام)‌، لتكون نموذجاً یحتذی من قبل المسلمات فی كل عصر وجیل، وقدوة للمؤمنات الحـاملات للحـق، الباذلات للمعروف والحافظات لحدود اللّه.

الهـویة الشـخصیة مـن هی السیدة خـدیجة‌ أم المـؤمنین ؟

احتلت خدیجة زوج النبی(صلى الله عليه وآله) الذروة من قریش فی نسبها وشرفها، فهي من القوادم فی كیان قریش .

وكـانت مـن عقائل‌ قریش‌ وسیدة نساء مكة، وهـی تـلتقي برسول اللّه مـحمد بـن عـبداللّه(صلى الله عليه وآله) من جـهة أبیها بالجد الأعلی الشریف «قصی» ومن جهة أمها بلؤی بن غالب، فهی‌ قرشیة‌ أباً وأمـاً، ومـن الشجرة الطیبة فی قریش .

فمن جـهة أبـیها هـی: خـدیجة بـنت خویلد بن أسـد بـن عبد العزی بن‌ قصی‌ بن كلاب بن مرة بن‌ لؤی‌ بن غالب بن مهر بن مـالم بـن النـضر بن كنانة .

وأمها : فاطمة بنت زائدة بنت الأصـم (واسـمه جـندب) بـن رواحـة الهـرم ابن‌ حجر‌ بن عبد بن معیص‌ بن‌ عامر بن لؤی بن غالب بن فهر.

ویحفظ التاریخ من مفاخر أبیها «خویلد بن أسد» أنه تصدی لتبع ملك الیمن وحـال بینه وبین السطو علی الحجر الأسود وحمله إلی‌ مملكته‌ فی الیمن .

ومنذ مطلع حیاة السیدة خدیجة كانت قریش تتوسم فیها النبل والطهر وسمو الأخلاق حتی لقبت بالطاهرة، كما لقبت بـسیدة قـریش بالنظر لعلو شأنها، وشرف منبتها‌ وكرم‌ أصلها، وحمید أفعالها .

الأمر الذی یفسر السر المكنون بامتناع خدیجة من الاقتران بأی أحد من قریش حتی‌ توفرت ظروف اقترانها برسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، رغـم مـا‌ بذل‌ علیه‌ قومها من محاولات لزواجها، إلاّ انها كانت ترفضهم جمیعاً منتظرة أمراً ما سیحدث فی حیاتها، ‌‌فیكمل‌ شوط مسیرتها نحو الكمال الذی اختاره اللّه عـزوجل والذی عـبَّر عنه النبی الصادق‌ الأمین(صلى الله عليه وآله) بقوله : «حسبك من نساء العالمین أربع: مریم بنت عمران وآسیة بنت‌ مزاحم امرأة فرعون، وخدیجة بن خویلد وفاطمة بنت محمد» .

ومما تجدر‌ الاشـارة إلیـه، ان‌ هذه‌ المرأة الجـلیلة قـد ولدت قبل عام الفیل ببضع سنوات وتزوجها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وعمرها ثمان وعشرون سنة كما روی ابن عباس(رحمه الله)، وان كان زواجها فی غیر هذا‌ السن هو الذی اشتهر خطأ .

وهی أول امرأة أسـلمت للّه رب العـالمین، وصدّقت برسالة محمد(صلى الله عليه وآله) . هذا، ومن الجدیر ذكره، ان السیدة خدیجة قد‌ توفیت‌ قبل فرض الصلاة وقبل الهجرة الی المدینة بثلاث سنین.

وسنتعرض لتفصیل هذه الامور فی الأبحاث القادمة ان شاء اللّه تعالی .

لسـان الحـق یتحدث عـن خدیجة

كانت السیدة خدیجة رغم‌ نبلها‌ وشرفها ومكانتها فی الناس وسیادتها فی بنی أسد ونساء قریش وهی صـفات كفیلة لوحدها لأن تؤهلها للرعایة والمحبة والرضا من لدن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، إلاّ انـها‌ فـوق‌ ذلك، قد وهبت كل وجودها للّه ورسوله ودعوة الحق التی صدع بها .

فقد وهبت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ‌ ‌كـل أموالها لیغطی بها نفقات الدعوة والدعاة المستضعفین.

ولقد‌ عاصرت‌ أشد‌ الظروف قسوة فما نـالت مـن‌ قـناتها‌ أبداً‌، وتحدت أصعب الازمات وأكثر المواقف عسراً، وصبرت علی الأذی فی جنب اللّه عزوجل، وسمت بذلك عـلی نعیمها الدنیوی‌ السابق‌، وركلت اخضرار العیش الذی اعتادته برجلیها لتعیش مع‌ النبی(صلى الله عليه وآله) محنته وآلامه التی صبّتها عـلیه قـریش وحلفاؤها وظلت طوال عشر سنین من المحنة تبث الأمل فی قلب‌ الرسول(صلى الله عليه وآله)، وتشد من أزره، وتقوی من عزیمته‌ علی مواصلة المسیر، وأنت خبیر بما تؤدیه مواقف المرأة المشجعة لزوجـها من أثر ایجابی علی الاستمرار فی‌ الصمود‌ والمواجهة‌ وشد العزیمة.

وقد كانت أعظم مواقفها الجهادیة فی تحدیها لمحنة‌ حصار‌ شِعب أبی طالب الذی فرض علی بنی هاشم من قبل قریش وحلفائها .

فـقد كـان لمواقف‌ السیدة‌ خدیجة‌ المعروفة لإضعاف قبضة الحصار أثرها الواضح المخلد فی التخفیف من اضرار حصار‌ المشركین‌ علی‌ الدعوة وأنصارها .

إن هذه الظواهر العظیمة التی تفیض ایماناً وصدقاً، وصبراً واحتساباً،‌ واخلاصاً‌ للنـبی(صلى الله عليه وآله) ودعوته هی التی أهّلت أم المؤمنین الاولی خدیجة بنت خویلد علیها‌ الصلاة‌ والسلام لاحتلال مواقع ودرجات لم توفق لها أیة سیدة من أزواج النبی(صلى الله عليه وآله)‌ علی الاطلاق .

من أجل ذلك، راح رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله) یكشف‌ عن‌ تلك المكانة السامقة التی بلغتها السیدة خدیجة فی موقعها عند النبی(صلى الله عليه وآله)‌، وفی مكانتها عند الرسالة الالهیة، وفی درجتها عند اللّه عزوجل .

اللّه یقرئها السلام‌ ویبشرها

فـقد روی أصـحاب الصـحاح عن أبی هریرة ما یـلی : قـال : أتـی‌ جبریل(عليه السلام) إلی النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: «یارسول اللّه، هذه خدیجة قد أتت‌ ومعها‌ اناء‌ فیه أدم أو طعام أو شراب، فإذا هی أتتك، فأقرأ‌ عـلیها‌ السـلام مـن ربها ومنی، وبشرها ببیت فی الجنة من قـصب، لا صـخب فیه، ولا‌ نصب .

فأخبر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) خدیجة بما قال جبریل‌، فقالت : اللّه هو السلام، ومنه‌ السلام،‌ وعلی‌ جبریل السـلام» .

وهـكذا نـدرك البعد الحقیقي‌ لوعیها‌ وفهمها واستیعابها لمضامین الرسالة الالهیة المباركة .

رُزِقـتُ حبها

ولعمیق حب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) للسیدة خدیجة، فانه‌ كان یصرّح‌ بهذه‌ المودة‌ جهاراً طوال حیاته، بـل كـان‌ یـصرّح‌ بحب من یحبها ویكرمه .

وهذا الاعلان النبوي عن حبه لأم المؤمنین‌ الاولی (علیها‌ السـلام) لم تحكمه العاطفة العادیة، فعواطف الرسول(صلى الله عليه وآله)‌ محكومة هی الاخری بقیم السماء‌ وضوابط‌ الحق، ومن أجـل ذلك، فـقد أمـر اللّه عزوجل الناس أن یتبعوا‌ رسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله) فیما‌ یشرع‌ ویرشد‌، وفیما یـنهی‌ ویـمنع‌ مـا یقرره فی رضاه‌ حق‌ كما یقرره فی عضبه : ﴿ما أتاكم الرسول فخذوه وما نـهاكم عـنه فـانتهوا﴾ ﴿قل‌ ان‌ كنتم تحبون اللّه فاتبعونی یحببكم اللّه.﴾ .

ومن هنا‌، فان‌ ما یصدر من ثـناء‌ نـبوی علی حدث أو أحد من عباد اللّه عزوجل، فهو حق وعدل، وما‌ یصدر من ذم وعـدم رضـا عـن‌ أمر‌ أو‌ عن‌ أحد‌ من الناس، فهو‌ حق لا شك فیه .

فقد أخرج البخاري ومسلم وغـیرهما مـن اصحاب الصحاح والسنن عن عائشة‌ بنت‌ الخلیفة‌ أبی بكر مایلي : «ما غرتُ عـلی‌ أحـد‌ مـن‌ نساء‌ النبي‌ صلی‌ اللّه علیه وسلم ما غرت علی خدیجة، وما رأیتها قط، ولكن كان یـكثر مـن ذكرها وربما ذبح الشاة ثم یقطعها أعضاءً ثم یبعثها فی صدائق‌ خـدیجة، وربـما قـلت له : كأنه لم یكن فی الدنیا امرأة إلاّ خدیجة، فیقول : «انها كانت وكانت، وكان لی منها ولد» وفی روایة مـسلم : «وكـان‌ إذا‌ ذبـح الشاة یقول: ارسلوا بها إلی أصدقاء خدیجة، قالت فأغضبته یوماً فقلت : خدیجة ؟ فـقال رسـول اللّه صلی اللّه علیه وسلم : «انی قد رزقت حبها».

النبی(صلى الله عليه وآله) یعدد بعض خصائص خدیجة

ولم یكتف النبی الأعظم(صلى الله عليه وآله) بذلك، وانما یدخل فی بعض التفاصیل التی تدعوه‌ أن‌ یكرم السیدة خـدیجة (علیها السـلام) ویتشبث‌ بودها‌ واكبارها ـ رغم فراقها ـ .

والنبي كان قد قال بحقها :

لا واللّه، ما أبدلنی اللّه خیراً منها .

لقد آمنت بی حین كفر بی النـاس .

وصـدقتنی حین كذبنی الناس .

وواستنی حین حـرمنی‌ الناس‌ .

ورزقنی‌ اللّه ولدها إذ حـرمنی أولاد النـساء» .

ولقد عاشت السیدة خدیجة(علیها السـلام) تـحت كنف النبی(صلى الله عليه وآله) خمسة وعشرین عاماً، لم یجد منها غیر الاكرام والمحبة والصـفاء‌ والطـاعة‌ وعرفان‌ الجمیل، فبادلها وداً بود ووفـاء بـوفاء، فـلم یتزوج علیها حـتی تـوفیت .

ولقد دعا رسول ‌‌اللّه (صلى الله عليه وآله) عام وفاتها عام حزن للأمة الخاتمة كلها .

ورغم أنه‌ تزوج‌ بضعة‌ من النـساء بـعد وفاتها ومن مختلف الطبقات والأعمار والقـبائل، وفـیهن الجمیلة والرشـیدة الودود إلاّ‌ أن رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله) بقی قـلبه متعلقاً بها، وفیاً لها‌، یحفظ لها عواطفها‌ ومشاعرها‌، ویثمّن ودها ودورها العظیم فی نصرته طـوال أیـام محنته مع اعداء الدعوة .

لقد كـان یـذكرها جـهاراً، حـتی انـه لا یمل من كـثرة ذكـرها والثناء علیها، ویترحم علیها‌، ویبكی لفراقها، حتی غارت منها بعض نسائه وامتلأت منها حسداً وهی فـی قـبرها ..

وكان(صلى الله عليه وآله) یقول : «انی لأحب حبیبها» .

وهكذا تتجلی مكانة أم المؤمنین الكبری خدیجة بنت خویلد﴿علیها‌ السلام﴾كما‌ نطق‌ بها لسـان الحق المقدس .

خدیجة والحیاة الجدیدة

1 ـ مقدمة تاریخیة ضروریة :

قبل‌ الحدیث‌ عن زواج رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالسیدة خدیجة بنت خویلد(علیها السلام) لابد‌ من‌ التذكیر‌، ان هذا الموضوع قد تعرض إلی التشویه إلی حد كبیر، إمّا لعـوامل ‌سـیاسیة‌ تاریخیة‌ أو‌ لعوامل الغیرة والحسد التی اتصفت بها بعض أزواج النبی(صلى الله عليه وآله)‌ بصورة‌ غـیر اعـتیادیة .

وأهـم المواضیع التی نالها التزییف والتشویه هو: الادعاء بأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان هـو الزوج الثالث لخدیجة، بعد أن كانت قد تزوجت‌ بأثنین‌ من سائر الناس، واحد بعد الآخـر‌ تسمی‌ الروایات‌ الموضوعة أحـدهما بـعتیق ابن عابد المخزومي ویدعی‌ الآخر‌ بأبي هالة هند بن زرارة بن نباش التمیمی، ثم عاشت بعد وفاة‌ الثانی‌ أیِّماً، حتی خطبها رسوله‌ الله(صلى الله عليه وآله) .

هكذا تصور الاخبار المنسوبة قصة ـ الحیاة‌ الاجـتماعیة ـ الزوجیة لخدیجة .

ونفس المصادر التی تروی قصة زواجها الأول‌ والثانی‌ تذكر بإصرار، أن خدیجة عقیلة قریش‌ كانت قد خطب ودها‌ سادة‌ القبائل وعظماء قریش، ولكنها‌ تعرض‌ عنهم فی كل مرة بإباء سمح، وتـرغب عـنهم مترفعة مع تواضع لا‌ یحط‌ من قدر الخاطبین .

ولقد‌ ذكر‌ المؤرخون‌ ان من جملة‌ من‌ خطبها كان أبا جهل‌ وأباسفیان‌ وعقبة بن أبي معیط والصلت بن أبي یهاب وغیرهم من سادة القـوم وعـلیتهم‌ .

كما تقع المصادر نفسها فی تشوش‌ وتناقض‌ شدیدین بالنسبة‌ للزوجین‌ المزعومین‌ . فبعض المصادر تسمی‌ أحدهما أبا شهاب عمرو الكندي، وتسمیه اُخری مالك بن النباش بن زرارة التمیمي، واُخری‌ تسمیه هـند بـن النباش، واُخری‌ تسمیه‌ النباش‌ بن‌ زرارة‌ .

وأما من‌ دعی‌ بعتیق بن عائذ المخزومي، وهو الزوج الثانی المفترض!، فقد سمته بعض المصادر عتیق بن‌ عابد‌ التمیمی‌ إلی غیرذلك .

وهكذا تشرّق الادعاءات وتغرّب‌ دون ضـابطة‌ صـحیحة‌ ولا‌ اشارة‌ من علم !

ومن حقنا أن نـتساءل : كـیف یـمكن للمصادر التاریخیة أن توفق بین اصرار السیدة خدیجة (علیها السلام) علی رفض جمیع من خطبها بما فیهم وجوه الناس‌ وأشرافهم، وبین زواجها مـن شـخصین مـن دهماء الناس علی التوالی لم تضبط الأخبار حتی اسـماءهم ؟ !

ان هـذا لشیء عجاب !

انك لا تكاد تقرأ مصدراً حدیثاً ولا‌ قدیماً‌ إلاّ وتجد الرفض القاطع الذی تبدیه السیدة خدیجة بنت خویلد لكل خاطب لهـا مـهما اعـطی من مال أو جاه ومكانة، فكیف ترضی الاقتران بذین علی مـاهما علیه من‌ مغموریة‌، وقلة جاه ومكانة ؟

ولكی نتخطی سطح المشكلة، ونواجه الواقع، لابد من الاشارة إلی أن السیدة خدیجة(عليها السلام) كـانت‌ لهـا‌ أخت تسمی هالة تزوجت رجلاً‌ من‌ بنی تمیم أولدها ذكراً أسـماه هـندا .

وكان للتمیمي زوجة أخری أولدها بنتین احداهما زینب والاُخری رقیة، ثم هلك الرجل، فالتحق هند‌ بـعشیرته‌ وأهـله فـی البادیة، والتحقت‌ هالة وزوجة التمیمی الاُخری والبنتان بالسیدة خدیجة التی امتازت بـمال وفـیر وطـیب نفس، فشملتهم جمیعاً برعایتها .

وفی هذه الأیام تزوج رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من خـدیجة فـصارت‌ زیـنب‌ ورقیة تحت رعایة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) والسیدة خدیجة (علیها السلام) حتی نسبتا إلیهما، وهـو أمـر مألوف عند عرب ذلك الزمان وفق قاعدة التبنی التی أبطلها القرآن الكریم بعد‌ ذلك‌ سـنین فـی‌ آیة 4 من سورة الاحزاب.

وهكذا تكون قضیة هالة بنت خویلد وقصة زواجها قد انسحبت عـلی سـیرة‌ السیدة خدیجة وحیاتها بسبب ذلك التبنی، حتی بلغت الحال أن‌ تشعبت‌ بقصد‌ وبغیرة لتـكون زیـنب ورقـیة ابنتین لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كما یكون الرجل المخزومی الذی كان أول ‌‌زوج‌ لهالة بنت خویلد ثـم زوجـها الثانی التمیمی قد نسبا إلی السیدة خدیجة كزوجین‌ لها‌ قبل‌ زواج رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) مـنها .

وهكذا، تقحم حیاة هالة الزوجیة ونتائجها‌ علی خدیجة (علیها السلام) وحیاتها الشخصیة .

ومما یعزز صحة هذه الواقـعة التـاریخیة الهـامة التی‌ سردناها ما ذكره ابن‌ شهراشوب‌ المازندرانی، حیث قال: روی أحمد البلاذري وأبـو القـاسم الكوفي فی كتابیهما والمرتضی فی الشافی، وأبو جعفر فی التلخیص: ان النبي(صلى الله عليه وآله) تزوج بها وكانت عـذراء .

هـذا، ومن الجدیر ذكره، ان المصادر التی اعتبرت زینباً ورقیة بنتین للنبی(صلى الله عليه وآله) مـن السیدة خدیجة، قالت بولادتهما بعد البعثة ثـم تـقول ذات المـصادر، ان‌ رقیة التی كانت أصغر بنات النـبي(صلى الله عليه وآله) قد تزوجت عثمان ابن عفان قبل الهجرة إلی الحبشة علماً بأن الهجرة المـذكورة قـد وقعت بعد البعثة بخمس سـنین .

فـهل‌ تنسجم‌ العـقول مـع هـذه التقولات الساذجة التی تناقضت مع نـفسها ومـع الوقائع التاریخیة ؟

وتحقق أمل خدیجة !!

كانت حیاة السیدة خدیجة(علیها السلام) مزیجة بـین الرفـض الصارم لكل من یطلب‌ یدها‌ مـن أجل الزواج، وبین الانتظار والأمـل لمـن یلبی طموحها المعنوی من الرجـال كـزوج وولی أمر .

وبینما كاد الرجال یقطعون الأمل من قناعتها بأی منهم ; كانت سیدة‌ قـریش‌ قـد‌ تحولت إلی اذن صاغیة تتسمع‌ أخبار‌ خـیر‌ شـباب قـریش الذی ملأ ذكره الحـسن، والحـدیث عن شمائله الطیبة فـی أركـان مكة ونوادیها حتی أسماه قومه بالصادق الأمین، وهو‌ لمّا‌ یزل فی ریعان شبابه، ذلك هـو مـحمد‌ بن‌ عبداللّه بن عبد المطلب .

فـقد كـانت تتوسم أن یـكون هـو القـرین المنتظر لها، وبدأ حـدسها یقترب من‌ الیقین‌ رویداً‌ رویداً كلما تقدمت الأیام .

وماذا یمنعها أن تنتظر وهی‌ لا تزال فی عـز شـبابها، وغضارة جمالها؟

فقد تأملت كثیراً فی حـدیث لأحـد أحـبار الیـهود حـضر المسجد الحرام‌ وراحـ‌ یـتحدث‌ عن اقتراب موعد بعثة الرسول الموعود من هذه الدیار، وهو‌ ینوه‌ بالتهنئة للمرأة التی تكون له زوجـة وسـكنا .

وجـاءت الخطوة الاُخری لتقرب الأمل المتَّقِد فی وجـدانها‌، فـحیث‌ امـتلأ سـمعها بـجمیل ذكـر محمد بن عبداللّه(صلى الله عليه وآله) فتی أبی‌ طالب‌ شیخ‌ الأبطح، بالنظر لعظیم أمانته، وكریم صفاته ونبل خصائصه، وصدق حدیثه ومواقفه‌، فما‌ بالها یاتری لا تعقد صفقة تجاریة مـعه، تضاربه ببعض أموالها لیخرج بها متاجراً‌ إلی‌ الشام، ومن كمحمد(صلى الله عليه وآله)فی صدقه وسلامة سلوكه واستقامته؟

لقد‌ انتفضت‌ من‌ غفلتها عنه، وكأنها لامت نفسها عن طول هذه الغفلة عنه، فـبعثت مـن‌ یعرض‌ علیه هذا المشروع التجاری المربح الذی طالما اشرأبت إلیه أعناق الرجال، وعرضت‌ علیه‌ من‌ خلال وسیطها أن یكون له من الربح أفضل ما اعتادت أن تعطیه لمن تضاربه من‌ التجار‌ .

ووجد رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله) حاجةً فی نفسه، فتداول‌ مع‌ عمه‌ أبی طالب فی ذلك، فلم یجد منه اعتراضاً .

وكان هذا الغرس الطیب مدركاً‌ أن‌ عمه‌ قـد كـبر سنه، وأثقلته السنون، فلابد مـن اسـتثمار هذه الفرصة‌ لدعم‌ عمه الكریم الذی امتاز بجوده وكرمه ورعایته للناس رغم كونه أقل سادة قریش مالاً .

وخرج‌ المصطفی(صلى الله عليه وآله) فی تجارته إلی الشام یـصحبه مـیسرة غلام خدیجة الذی‌ أنـابته‌ عـنها فی هذا المشروع .

وقد كان‌ میسرة‌ یقوم‌ بمهمتین معاً، إحداهما : اقتصادیة روتینیة‌ تتعلق بالتجارة والمال وما إلی ذلك من شؤون .

وثانیتهما : معنویة، ولعلها‌ كانت هی المهمة المركزیة التی‌ كلِّف‌ بها من‌ قـبل‌ سـیدته‌ خدیجة !!

فقد كان موكولاً إلیه‌ أن‌ یرصد محمداً(صلى الله عليه وآله) عن كثب فی هذه السفرة الطویلة نسبیاً‌، كی یقدّم تقریراً إلی السیدة خدیجة‌ حول أبعاد شخصیته، لیكمل‌ الصورة‌ عن محمد(صلى الله عليه وآله)‌ لدیها.

ویبدو أن مـیسرة كان جدیراً بإعطاء الصورة المطلوبة، ولذا اختارته سیدته لذلك‌ .

وما أن صحب الغلام رسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله) إلاّ‌ ورأی‌ الأعاجیب مما لم یكن‌ فی‌ حسابه ولا فی تصوراته، فرغم طیب المعاشرة، وحـسن الأخـلاق، وصـدق المعاملة، وعظیم‌ الأمانة، فإن أموراً خارجة عن‌ المألوف‌ تمكن میسرة‌ من‌ مشاهدتها‌ عیاناً .

عن محمد‌ بن اسـحاق ‌، قـال : كانت خدیجة بنت خویلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر‌ الرجال فی مالها، وتـضاربهم ایـاه‌ بـشیء‌ تجعله‌ لهم‌ منه‌، وكانت قریش‌ قوماً‌ تجاراً، فلما بلغها عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)من صـدق حدیثه وعظیم أمانته وكرم أخلاقه‌ بعثت‌ إلیه‌ وعرضت علیه أن یخرج فی مالها تـاجراً‌ إلی‌ الشام‌، وتعطیه‌ أفـضل‌ مـاكانت تعطی غیره من التجار، مع غلام لها یقال له : میسرة، فقبله منها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وخرج فی مالها ذلك، ومعه غلامها میسرة حتی قدم الشام، فنزل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فی ظـل شجرة قریباً من صومعة راهب، فاطلع الراهب إلی میسرة فقال : من هذا الرجل‌ الذی‌ نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال میسرة : هذا رجل من قریش من أهل الحرم، فقال له الراهب : ما نزل تـحت هـذه الشجرة ؟ إلاّ نبی، ثم‌ باع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) سلعته التی خرج بها، واشتری ما أراد أن یشتری، ثم أقبل قافلاً إلی مكة‌ ومعه‌ میسرة، وكان میسرة .‌ قال‌ (فیما) قال : إذا كانت الهاجرة واشتد الحـرّ نـزل ملكان یظللانه من الشمس، وهو یسیر علی بعیره، فلما قدم مكة علی خدیجة‌ بمالها‌ باعت ماجاء به فأضعف‌ أو‌ قریباً، وحدثها میسرة عن قول الراهب وعما كان یری من تـظلیل المـلكین له .

إن هذه الواقعة وما أحاطت بها من ظروف مادیة ومعنویة دفعت السیدة خدیجة(علیها السلام) إلی‌ نهایة‌ الشوط، فأرسلت اختها هالة أو صدیقتها نفیسة بنت منبه ـ علی قول ـ إلی رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وأسـرّته ـ فور عودته من الشام ـ لتـعرض نـفسها عـلیه‌ .

وذهبت نفیسة‌ مندسةً إلی النبي(صلى الله عليه وآله) وجری هذا الحوار التاریخی القصیر الحاسم بینهما :

نفیسة : ما‌ یمنعك من الزواج ؟

قال : ما بیدی مـا أتـزوج بـه‌ .

قالت : فان كفیت ذلك، ودعیت إلی الجمال والمال، والشرف والكـفاءة ألا تـجیب ؟

قال : ‌‌فمن‌ هی ؟

نفیسة : خدیجة !

قال النبی(صلى الله عليه وآله) : كیف‌ لی‌ بذلك‌ ؟

قالت : علي ذلك .

وأعلن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قـبوله بـالعرض .

ویبدو أن نفیسة عادت مرة ثانیة طالبة من النبی(صلى الله عليه وآله) أن‌ یحضر مع أعمامه‌ لخطبة‌ سیدة قریش من عمها عمرو بن أسد، لأن أباها خویلد كان قد قضی نـحبه قـبل حـرب الفجار، وحددت نفیسة بإذن خدیجة موعد اللقاء فی دارها التی كـانت مـن أوسع‌ دور قریش وأرحبها .

واجتمع عدد من أعمام النبی(صلى الله عليه وآله) ورجال قریش فی طلیعتهم أبو طـالب فـی دار السـیدة خدیجة(علیها السلام)، وحضر من قرباها عمها عمرو بن أسد‌ وآخرون‌ .

وتكلم أبـو طـالب خـاطباً خدیجة من عمها  وجاء فی حدیثه ما یلی :

"الحمد للّه الذی جعلنا من ذریة ابراهیم (علیه السـلام) وزرع اسـماعیل وضـئضیء معد، وعنصر مضر، وجعلنا‌ سدنة‌ بیته وسواس حرمه، وجعل لنا بیتاً محجوباً وحرماً آمناً، وجـعلنا الحـكام علی الناس .

ثم ان ابن أخی هذا محمد بن عبداللّه لا یوزن به رجل إلاّ‌ رجـحه‌، وان كـان فـی المال قلاً فان المال ظل زائل وحال حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خـطب خـدیجة بنت خویلد وبذل لها من الصداق ما‌ آجله‌ وعاجله‌ من مالي.

وهو واللّه بعد‌ هـذا‌ له نـبأ عظیم وخطر جلیل" .

ثم ان عمها عمرو بن أسد رد علی خطبة أبی طالب رداً ایجابیاً یتجلی فـی كـلماته‌ تأثره‌ بالحنیفیة‌ الاولی أو بالكتب السماویة التی ذكر المؤرخون أنه‌ كان‌ یهتم بقراءتها وهـذه كـلمات عـمها كما ذكرها المؤرخون :

«الحمد للّه الذی جعلنا كما ذكرت، وفضلنا علی ما‌ عدّدت‌، فنحن سادة العرب وقـادتها، وأنـتم أهـل ذلك كله، لا تنكر العشیرة فضلكم، ولا یرد أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رغـبنا بـالاتصال بحبلكم وشرفكم‌، فاشهدوا‌ علیّ معاشر قریش بأنی قد زوجت خدیجة بنت خویلد من محمد‌ بن‌ عـبداللّه عـلی أربعمائة دینار» .

هذا، ومن الجدیر ذكره، ان اشارة بعض المصادر إلی‌ وجود‌ أبـیها‌ خـویلد لیس صحیحاً، فقد توفی الرجل المذكور فـی حـرب الفـجار أو‌ قبلها،‌ كما‌ أن الراجح أن یكون عمرو بن أسـد هـو الذی تولی تزویجها ولیس ورقة بن‌ نوفل‌ ـ كما زعمت بعض المصادر ـ، اللّهم إلاّ أن یكون ورقـة أحـد الحاضرین فی‌ الزواج‌ لیس غـیر، فـالعم أولی من ابـن العـم فـی ذلك !

وبعد اجراء‌ مراسم‌ العقد‌، أعلنت خـدیجة أن بـیتها وما تملك هو تحت تصرف النبی(صلى الله عليه وآله) .

ثم ان أبا طالب أقـام عـلی شرف الزوجین والحضور ولیمة بعد أن نـحر‌ ناقة‌ وأطعم‌ من كـان حـاضراً .

وهكذا تمت مراسیم الزواج المبارك، ودخـل رسـول اللّه(صلى الله عليه وآله) داره لیقیل مع زوجته السیدة خدیجة أم المؤمنین الاولی لتبدأ المرحلة الجدیدة‌ مـن‌ حـیاتهما‌ علیهما الصلاة والسلام .

هذا، ومـن الجـدیر ذكـره، أن مراسیم عقد زواج النـبی(صلى الله عليه وآله) من السـیدة خـدیجة)علیها السلام) كان فی الیوم التاسع من ربیع الأول‌ بعد‌ عام الفیل بخمس وعشرین سنة، عـلماً بـأن المصطفی(صلى الله عليه وآله) لم یتزوج سواها حـتی‌ تـوفیت رعایة‌ لمشاعرها واكـراماً لمـقامها عـلیها آلاف التحیة والسلام .

أول النساء تـصدیقاً برسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله)

دخلت السیدة خدیجة حیاتها‌ الجدیدة‌ باقترانها‌ برسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، حیث‌ الحـبور‌ والرحـمة والتلاحم الروحی والعاطفی .

وقد عبّر عـن هـذه الحـالة التـی تـوقعها أبو‌ طالب(عليه السلام) للزوجـین بعد وقوع العقد‌ بقوله‌ :

«الحمد‌ للّه‌ الذی‌ أذهب عنا الكرب ودفع عنا الغموم»

وحیث ان الانسجام الروحـی والعـاطفی بـین الرسول(صلى الله عليه وآله) وسیدة قریش‌ كان‌ ثـمرة طـبیعیة . لأن أحـدهما كـان‌ تـوّاقاً لصـاحبه، تتجاذب‌ روحاهما‌ وتتناغم، إذ لو لم‌ تقترن‌ خدیجة بشخص الرسول(صلى الله عليه وآله) لما مالت نفسها إلی سواه طوال حیاتها‌، ولما وجدت كفئاً لها من‌ الرجال‌ أبداً‌ .

وهكذا اتسمت‌ حیاة‌ رسـول اللّه(صلى الله عليه وآله)‌ بالحبور والدعة مع هذه المرأة العظیمة مما لم یتسنَّ لغیرها من أزواجه فیما بعد‌، حتی غارت منها وحسدتها بعض نسائه‌، رغم وفاتها (علیها‌ السلام)‌، لكثرة ما یثنی علیها‌ رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله) ویذكرها بخیر ویجدد العهد بذكرها الطیب آناً بعد آن .

إلاّ‌ ان الأهم من ذلك كله الانسجام‌ الروحی‌ والفكری‌ بین‌ النبی(صلى الله عليه وآله) وقرینته‌ المكرمة‌، الذی بدأ یتعمق منذ دخلت تحت كنفه ورعایته .

فـفي الفـترة التی تم زواج رسول‌ اللّه (صلى الله عليه وآله) من السیدة خدیجة(علیها السلام)كان النبي(صلى الله عليه وآله)‌ قد‌ قطع‌ شوطاً بعیداً فی اعداده الالهي، وتـلقیه مـبادیء الحكمة، وبوادر الخیر والرحمة مـن عـند اللّه تعالی التي كان یعكسها بدوره بشكل أو بآخر علی قلب السیدة‌ خدیجة (علیه السلام) وروحها وسلوكها حتی انصهرت فی بوتقة الهدي الرباني .

فنحن علی علم ان الرسـول(صلى الله عليه وآله) كان خاضعاً لعـملیة اعـداد ربانی مخطط، وبرنامج ملكوتی رفیع، یصنعه‌ علی عین اللّه عزوجل لكی ینهض بأعظم رسالة عرفها هذا الكوكب، بل هذا الوجود .

ولقد تدرج فی عملیة الاعداد باتجاه موقع الرسول الخاتم(صلى الله عليه وآله)، ومـر‌ بـمستویات ودرجات كان أبرزها: درجة النبوة، ثم درجة الرسالة التی بدأت بما یصطلح علیه بالبعثة، وما تطلبته من نزول القرآن‌ الكریم‌ مفرقاً حسب مقتضیات اعداد الأمة‌، والنهوض بها إلی مستوی خیر أمـة اُخـرجت للناس تـأمر بالمعروف وتنهی عن المنكر .

ولقد كانت فترة النبوة طویلة نسبیاً استغرقت حیزاً كبیراً من‌ عمر‌ النبی الخـاتم محمد بن‌ عبداللّه(صلى الله عليه وآله) كان غیر مسموح له فیها بدعوة النـاس إلی الحـق الذی لدیـه، إلاّ انه من المقطوع به أنه(صلى الله عليه وآله) كان مقتصراً دعوته علی أهل بیته‌ وخاصته‌ .

وهذه أرقام وشـواهد‌ ‌عـلی ذلك :

أ ـ كان نبیاً قبل أن یكون رسولاً :

قضی المصطفی محمد بن عبداللّه(صلى الله عليه وآله) ثـلثی عـمره الشـریف نبیاً لم یؤذن‌ له‌ من قبل‌ اللّه عزوجل بدعوة الناس إلی رسالته، ولم یعلن عن نبوته المباركة طوال تـلك السنین :

«اعلم: ان الطائفة قد اجتمعت علی أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)‌ كان‌ رسولاً نـبیاً مستخفیاً یصوم ویصلی عـلی خـلاف ما كانت قریش تفعله مذ كلفه اللّه تعالی، فإذا ‌‌أتت‌ أربعون سنة، أمر اللّه عزوجل جبریل (علیه السلام) أن یهبط بإظهار الرسالة، وذلك‌ فی‌ یوم السابع والعشرین من شهر اللّه الأصم».

ولهذه الحقیقة أشار أمیرالمؤمنین علی بـن أبی طالب (عليه السلام) فی حدیث له جاء فیه: «ولقد قرن اللّه به من لدن‌ ان كان فطیماً أعظم‌ ملك‌ من ملائكته، یسلك به طریق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم: لیله ونهاره» .

حتی إذا نزل علیه جـبریل بـمطالع سورة المدثر المباركة فی الیوم السابع والعشرین من رجب المرجب‌ ﴿یا أیها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر.﴾ باشر عملیة دعوة الناس إلی عبودیة اللّه عزوجل حیث بُعث إلی الناس كافة واُذن له بالتبلیغ .

ویلاحظ من حـقائق السـیرة النبویة المطهرة‌، أن النبی(صلى الله عليه وآله) ـ ولأهداف استراتیجیة ـ كان مأموراً أن یطلع ابن عمه وربیبه علی بن أبی طالب (علیه السلام) علی التطورات التی كانت تجری له قبل نزول القرآن الكریم‌ وبعده‌ أولاً بأول، وشـاركته فـی ذلك السیدة خدیجة، حیث أشار الامام علی (علیه السلام) لذلك بقوله :

«وقد علمتم موضعی من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بالقرابة القریبة‌ والمنزلة‌ الخصیصة، وضعنی فی حجره وأنا ولد یضمنی إلی صدره، ویكنفنی فی فـراشه، ویـمسنی جـسده، ویشمنی عرفه، وكان یمضغ الشـیء ثـم یـلقمنیه، وما وجد لی‌ كذبة‌ فی‌ قول ولا خطلة فی فعل‌ . ولقد‌ قرن اللّه به ـ (صلى الله عليه وآله) ـ من لدن أن كان فطیماً أعظم ملك مـن مـلائكته، یـسلك به‌ طریق‌ المكارم‌، ومحاسن أخلاق العالم لیله ونـهاره .

ولقـد‌ كنت‌ أتبعه اتباع الفصیل أثر أمه یرفع لی فی كل یوم من أخلاقه علماً، ویأمرنی بالاقتداء به، ولقد‌ كان‌ یـجاور‌ فـی كـل سنة بحراء، فأراه ولا یراه غیری، ولم یجمع بیت واحد یومئذ فـی الاسلام غیر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخدیجة، وأنا ثالثهما أری‌ نور‌ الوحی‌، وأشم ریح النبوة، ولقد سمعت رنـة الشـیطان حـین نزل‌ الوحی‌ علیه(صلى الله عليه وآله) فقلت: یا رسول اللّه ما هذه الرنـة ؟ فـقال : هذا الشیطان‌ قد‌ أیس‌ من عبادته، انك تسمع ما أسمع وتری ما أری، إلاّ‌ انك‌ لست بنبی، ولكـنك لوزیـر وإنـك لعلی خیر» .

هذا، وقد بذل‌ المرحوم‌ المبرور‌ الشیخ محمد باقر المجلسی (رحمه الله) وسعاً مـن أجـل دراسة هذه المسألة العقائدیة ـ التاریخیة الحساسة‌، وساق الكثیر من الأدلة والشواهد المتینة من الكتاب والسـنّة عـلی أن رسـول اللّه‌ محمد‌ بن‌ عبداللّه(صلى الله عليه وآله) كان نبیاً منذ صغره مؤیداً بروح القدس، یـكلمه المـلك‌، ویسمع صوته، ویتعبد بشریعته هو لا بشریعة رسول آخر .

حتی إذا‌ بلغ‌ الأربیعن‌ من عـمره الشـریف جـری له التحول النوعی الآخر فی المهام والأهداف فبعثه اللّه عزوجل رسولاً‌، ونزل علیه القرآن الكریم، وأمـره ربـه عزوجل بدعوة الناس إلی رسالته .

ب ـ علی وخدیجة أول المصدقین بالنبوة :

ومنذ فترة متقدمة علی نـزول مـطلع سـورة المدثر الآمرة‌ لرسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله)بالدعوة العامة، كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) یستخفی بدعوته‌ عـن‌ النـاس دون القرابة القریبة من أهل بیته :

«فجعل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) یذكر مـا‌ أنـعم‌ اللّه عـلیه، وعلی العباد به، من النبوة سراً إلی من‌ یطمئن‌ إلیه من أهله» .

ومن أجل‌ ذلك‌، فـان الروایـات الكـثیرة التی تذكر أن رسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله)صلی یوم الاثنین، وصلّت السیدة خدیجة وعـلی (علیه السـلام) یوم الثلاثاء تشیر‌ إلی‌ السیاق الزمنی الذی مرت به‌ الدعوة‌ الالهیة الخاتمة‌ . واستمرت‌ الدائرة تتسع قلیلاً فضمت جـعفراً وزیـد‌ بن‌ حارثة بعد ذلك . أما دعوة الناس خارج هذا الاطار فقد‌ بقیت‌ تـنتظر وقـتها المناسب الذی یحدده رب‌ العالمین .

وهذه بعض‌ الأرقـام‌ والوثـائق المـؤكدة التی تعطی انطباعاً‌ أولیاً‌ عن موقع عـلی وخـدیجة فی سلم الدعوة والرسالة .

«عن یحیی بن عفیف‌ عن‌ عفیف قال : جئت فـی‌ الجـاهلیة‌ إلی‌ مكة فنزلت علی‌ العـباس‌ بـن عبد المـطلب قـال‌ : فـلما طلعت الشمس وحلقت فی السماء وأنـا أنـظر إلی الكعبة أقبل شاب فرمی ببصره‌ إلی‌ السماء ثم استقبل الكعبة فقام مـستقبلها‌ فـلم‌ یلبث حتی‌ جاء‌ غلام‌ فقام عـن یمینه قال‌ : فلم یـلبث حـتی جاءت امرأة فقامت خلفهما فـركع الشـاب فركع الغلام والمرأة فرفع الشاب‌ فرفع‌ الغلام والمرأة فخرّ الشاب ساجداً فسجدا‌ مـعه‌ فـقلت: یا‌ عباس أمر عظیم‌ فـقال‌ : أمـر عـظیم أتدری من هـذا ؟ فـقلت: لا، قال : هذا محمد بـن‌ عـبداللّه‌ بن‌ عبد المطلب ابن أخی، أتدری من‌ هذا‌ معه‌ قلت‌ لا‌ قال‌ : هذا علی بـن أبـی طالب بن عبد المطلب ابن أخـی أتـدری من هـذه المـرأة التـی خلفهما ؟ قلت لا قال : هـذه خدیجة بنت خویلد زوجة‌ ابن أخی وهذا حدثنی أن ربه رب السماء أمرهم بهذا الذی تراهم علیه وأیـم اللّه مـا أعلم علی ظهر الأرض كلها أحداً عـلی هـذا الدیـن غـیر هـؤلاء الثلاثة».

فی‌ هـذه‌ الوثـیقة التی تكررت فی تاریخ الطبري مراراً وبأسانید مختلفة، یلاحظ أن الوثیقة تصف النبي(صلى الله عليه وآله) بالشاب، كـما تـعطی صـفة الغلام لعلی بن أبی طالب (علیه السلام)، الأمـر‌ الذی یـشیر إلی أن تـعبّدهم للّه تـعالی كـان قـبل الناس بسنین عدیدة، لا سیما ونحن نعلم أن البعثة بالرسالة قد حدثت ورسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله) قد بلغ‌ الأربعین‌ عاماً أو تخطاها ـ حسب بعض الروایات . فأین هو من مرحلة الشـباب فی هذه الفترة .

عن محمد بن مسلم عن الامام محمد‌ بن‌ علی الباقر(علیه السلام): «ما‌ أجاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أحد قبل علی بن أبی طالب وخدیجة صلوات اللّه علیهما، ولقـد مـكث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بمكة ثلاث سنین مختفیاً خائفاً یترقب‌ ویخاف‌ قومه والناس» .

عن أبی عبداللّه)علیه السلام) قال : «اكتتم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بمكة مستخفیاً خائفاً خمس سنین لیـس یـظهر، وعلی)علیه السلام) معه وخدیجة ثم أمره اللّه‌ أن‌ یصدع بما‌ یؤمر فظهر وظهر أمره».

وعن أمیر المؤمنین علی)علیه السلام) قال: «ولقد كان ـ رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله) ـ یجاور فی كـل سـنة بحراء فأراه ولا‌ یراه‌ غیري‌، ولم یجمع بیت واحد یومئذ فی الاسلام غیر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وخدیجة، وأنا ثالثهما ‌‌أری‌ نور الوحي، وأشم ریح النبوة» .

وعـن أمـیر المؤمنین)علیه السلام): «ما‌ أعـرف‌ أحـداً‌ من هذه الأمة عبد اللّه بعد نبینا غیري، عبدت اللّه قبل أن یعبده أحد من‌ هذه الأمة تسع سنین» .

عن عباد بن عبد اللّه قال سمعت علیاً‌ یقول : «أنا عبداللّه‌ وأخو‌ رسوله، وأنا الصـدیق الأكـبر، لا یقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر، صلّیت مع رسول اللّه قبل الناس بسبع سنین» .

ان هذه الوثائق التاریخیة رغم اختلافها فی البعد الزمني الذي‌ تذكره حول سبق علی والسیدة خدیجة (علیهما السلام) لعموم الناس فـی الالتـحاق بركب الدعـوة الالهیة الخاتمة، حیث تتراوح سنوات السبق المذكور بین ثلاث سنوات وتسع، إلاّ أنها تؤكد الحقیقة القائلة‌ إن‌ عـلیاً والسیدة خدیجة (علیها السلام)كانا ضمن أجواء التغیرات الروحیة والفكریة للنبی(صلى الله عليه وآله)، حـتی أنـهما لم یفاجئا بالنبوة، ولم یفاجئا بالتكالیف الالهیة، وإنما مرّا بحالة تحول‌ نوعی‌ فی أداء التكالیف لیس غیر، ولذا، فإن علیاً(علیه السـلام) یذكر‌ ‌أنـه حین نزل الوحی (علیه السلام) ـ حیث ابتدأت البعثة بالرسالة لعموم الناس ـ سمعت الرنة التـی أحـدثتها هـزیمة‌ الشیطان‌ فی العالم غیر المحسوس، حیث كان هو معه فی غار حراء وعلی مقربة مـن الغار كانت خدیجة .

كما أن بعض الروایات تشیر أن علی بن أبی طالب(عليه السلام)‌ هـو‌ ذاته التحق بالنبی(صلى الله عليه وآله)‌ فی‌ أداء التكالیف، ولم یعرض علیه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) دعوته، حیث یذكر هذا النوع من الروایات ان علیاً رأی‌ رسول‌ اللّه(صلى الله عليه وآله)یصلیـ أول صلاةـ وكانت‌ هذه‌ العملیة نقلة فكریة وروحیة فی سلّم الرسالة بـطبعها ـ فسأله عما یفعل، فقال : اصلی، فصلی علی‌ معه، ولا نستبعد أن تكون خدیجة ذات القلب الربانی الشفاف والروح‌ الالهیة المتعلقة بعالم القدس سلكت غیر هذا السلوك، لأنها وعلیاً كانا یصنعان علی عین رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)،‌ تماماً كما كان هو یصنع علی عین اللّه عزوجل، وإن‌ كان‌ مستوی علي(علیه السلام) من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كمستوی هارون من موسی(علیهما السلام) ـ كما‌ عبّرت‌ النصوص‌ ـ عن ذلك، وهـو مـستوی لم تبلغه السیدة خدیجة قطعاً، إلاّ‌ أنها‌ تمثل قمة فی النساء قطعاً لم تسبقها غیر فاطمة ابنتها فی هذه الأمة المرحومة‌، تلك‌ المرأة التی حملت بحق وجدارة لقب سیدة نساء العالمین وسـیدة نـساء أهل الجنة كما‌ أخبر‌ الصادق الأمین(صلى الله عليه وآله) بذلك . 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2142
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24