• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : المقامات .
                    • الموضوع : قراءة القرآن الكريم وتجويده بين التغني به وتحسين الصوت .

قراءة القرآن الكريم وتجويده بين التغني به وتحسين الصوت

 زهير سليمان

الحديث‌ ‌‌‌فـي‌ القرآن هو الحديث عن الكون والحياة، لكن الحديث عن القرآن هو وظيفة‌ إسـلامية‌ وإنسانية يـقتضي معها الاعتناء بهذا الكتاب الخالد النقي المحفوظ، والسير في كنهه وجوهره،‌ والحرص علي آدابه المـتعددة في قراءته، أو التعامل معه، أو التعريف به،‌ أو دراسته، لاسيما حينما‌ نعلم‌ أنه الكتاب السـماوي الخاتم للوحي، والمتضمن لـب البـاب لما ينطوي عليه من أسرار وجواهر مكنونة رواء للصادي، وبلاغته التي أعجزت البلغاء عن الوصول اليها، وقصرت أقلام الأدباء‌ عن بيان علو مقامه، وكيف وهو كتاب اللّه تعالى ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(1)، بل إضافة الى تحديه للعرب وخبراء‌ بلاغتهم انه امتاز على كل المعجزات بأنه باق حجة في كل زمان ومكان.

ولا غرو من الاعتناء الواقي والحرص الكبير عـلى كـتاب وصفه الإمام أبو عبد الله جعفر‌ بن‌ محمد الصادق عليه السلام، حينما سأله رجل، بقوله «ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس الا غضاضة؟

فقال عليه السلام: لأن اللّه تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا‌ لناس رون ناس، فهو فـي كـل زمان جديد، وعند كل‌ قوم غض الى يوم القيامة»(2) وكما تصفه الزهراء البتول سيدة نساء العالمين(ع) «كتاب بينة بصائره وآي منكشفة سرائره،‌ وبرهان‌ متجلية ظواهره، مديم للبرية استماعه،‌ وقائد‌ الى الرضوان اتباعه، ومؤدّ الى النـجاة أشياعه...»(3).

فكان الاعتناء بالقرآن من أول نزوله على نبي العرب والعجم صلى اللّه عليه‌ وآله‌ حين أمر «عليه وآله السلام» أن يكتب، ويحفظ،‌ ثم‌ اعتناء أمير المؤمنين علي بالقرآن وانشغاله بجمعه وعمل حاشية له بالتبيان لبعض موارده. ولذا يـقول عـليه السـلام،‌ في‌ أحدى وصاياه «اعلموا أن القرآن نـور الليـل المـظلم على ما كان من جهد‌ وفاقة»(4)

ولذا فقد اعتنى المسلمون بجمعه حتى كان هذا الذي بين الدفتين من دون زيادة ولا نقصان،‌ كما‌ يعتقده‌ أتباع مـذهب أهـل البـيت(ع) (الشيعة) وقسم كبير من المسلمين الآخرين.

واعتنى في‌ تفسيره‌ ونـال هـذا الجانب الدرجة الأولى بعد جمعه، حيث باشر في تفسيره الصحابة الأوائل ابن عباس‌ الذي «نمّى هذا‌ الاستعداد في نفسه ملازمته للإمام عـلي بـن أبـي طالب-رضي اللّه عنه-بعد انتقال‌ الرسول‌ الى الرفيق الأعلى، و«علي» كما نعلم بـاب هذا المنهل الفياض من علوم النبوة وواضع حجر‌ الأساس‌ في‌ الحضارة الروحية الإسلامية»(5) ثم من تلاوة من المفسرين، عـلى اختلاف طـبقاتهم، وتباين آرائهم ومذاهبهم،‌ سواء آثر جانب المنقول، واكتفى بما جاء فـي الحـديث والتفسير بالأثر،‌ كما‌ فعل‌ ابن جرير الطبري، والجلال السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور» أو من انـتهج‌ مـذهب‌ الجـدل والفلسفة كتفسير الفخر الرازي، أو من اعتنى بعلوم العربية وبلاغها، أو‌ من‌ ذهب‌ بـالمناهج الفـكرية أو الفـقهية، أو من جعل من تفسيره دائرة معارف عامة شاملة...الخ.

وكذلك اعتنى‌ بقراءة‌ القرآن الكريم: وحفظه، وتجويده، وإظهاره بـالمظهر اللائق، لأن القراءة‌ الوسيلة‌ الناجحة‌ في فهم القرآن الكريم، حيث نص القرآن المجيد نفسه على ذلك، حـيث يقول سبحانه ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (6) وقوله جلت قدرته ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ‌(7)

القرآن أفضل‌ العبادة:

جاء عن نبي الرحمة كما في مـجمع‌ البـيان‌ أنـه‌ صلى اللّه عليه وآله وسلم،‌ قال:‌  «أفضل العبادة قراءة القرآن» (18)

كما جاء عن الأمام أبي جعفر الباقر عليه السـلام فـي‌ صفات‌ أتباع مذهب اهل البيت(ع):«إنما شيعة‌ علي(ع)‌ الناحلون، الشاحبون،‌ الذابلون،‌ ذابلة‌ شـفاههم مـن الصـيام.....» الى أن يقول «كثيرة‌ صلاتهم،‌ كثيرة تلاوتهم للقرآن، يفرح الناس ويحزنون» (19)

بل كان المسلمون يتبارون بقراءة القرآن‌ ويستشهدون فـيه ويـتحاجون عـنده، ولا يقرأونه بالطريقة التي‌ درج‌ عليها المسلمون الآن، فضلاً عمن‌ لا‌ يعرف قراءته، وكـانوا يـتشوقون اليه ويجلّونه كثيراً ويستفتحون به، ويرافقونه‌ دائماً، وينامون عليه ويصبحون‌ فيه،‌ شوقاً‌ لمقامه وما‌ يأملون‌ بـه، حـيث قال أبو‌ عبد‌ اللّه(ع) «يدعى ابن آدم المؤمن للحساب فيتقدم القرآن أمامه فـي أحـسن صورة فيقول: يا ربنا‌ القرآن وهذا عـبدك المـؤمن قـد‌ كان‌ يتعب نفسه‌ بتلاوتي،‌ ويطيل ليله بـترتيلي، وتـفيض عيناه أذا تهجد فأرضه كما أرضاني.

قال: فيقول العزيز الجبار: عبدي ابسط يمينك فاملأها من رضوان اللّه،‌ ويـملأ شـماله من رحمة اللّه، ثم‌ يـقال: هذه‌ الجـنة‌ مباحة‌ لك‌ فـأقرأ وأصـعد،‌ فإذا‌ قرأ آية صعد درجة»(10)

وهناك الكـثير مـن الروايات الصحيحة السند والمعتبرة تشيد بقارئ القرآن، حتى‌ لا يكون‌ القرآن‌ مهجوراً مـضيعاً....كما فـيه جوامع النعم، والخير،‌ والحكمة،‌ وهو‌ البـادئ‌ بالحمد، والثناء، والشكر للّه الواحد الصمد.

القراءة بـالصوت الحسن:

ومن الأمور المهمة التي أكـدت عـليها الشريعة المباركة هو استحباب قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن، لإظهار عظمته‌ واستذاقته وكـما كان يفعل الرسول(ص) والأئمة الأطـهار مـن آله صـلوات اللّه وسلامه عليهم أجـمعين، فـقد ورد عن رسول الإنسانية مـحمد(ص) قوله «أقـرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها،‌ وأياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، فأنه سيجي‌ء من بعدي أقـوام يـرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانبة، لا يـجوز تـراقيهم، قلوبهم وقـلوب مـن يـعجبه‌ شأنهم» (11).

كما جاء علي لسان الرسـول(ص) عن الإمام أبي عبد اللّه عليه أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يـسمعون قـراءته، كما‌ كان‌ أبو جعفر(ع) احسن الناس صوتاً (13)

ولم‌ يـقرأ‌ المـسلمون كـتابهم قـراءة المالّين بل كـما قـال الرسول(ص) «حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً» (14)

حرمة التغني بالقرآن:

لكن الحرمة العظمى لكتاب اللّه والمكانة‌ المقدسة‌ للقرآن، المـجيد تـوجب رفـع‌ القرآن‌ عن المقاصد السيئة غير اللائقة بـه، والتـي لا تـتناسب وكـلام اللّه المـجيد، سـواء ما يتعلق بالآداب العامة أو القراءة الغنائية، فقد ورد عن الخلف الصالح وما تعارفت‌ عتيه‌ السنة المطهرة من حرمة الغناء، حتى وصفوه بقول الزور الذي ورد في القرآن الشريف.

وحيث أن ما يترتب عـليه الغناء لا يجوز في خط القرآن الكريم، ولا في شكل‌ قراءته‌ ولا‌ يناسب مقام كلام اللّه قط، لما يمتاز به هذا الكلام من العلو والرفعة، ثم الهدف المنشود‌ فيه والنازل لأجله.

التعريف بالصوت الحسن وكذا الغناء

وقـبل الولوج‌ في‌ الحديث‌ عن الصوت الحسن وكذلك الغناء، يمكن أن نعرف الاثنين، كما هو المتعارف عليه.

فتحسين الصوت يكون بتحسين ‌‌اللفظ،‌ والمكث عنده، وتقطيع التلاوة. نعم التحسين هو ما يضاف على التجويد، من‌ اصـدار‌ الصـوت‌ بما ينبغي من التفاعل مع الذكر الحكيم، لجلب نظر السامع وتوجيهه الى المعاني، بحيث‌ يظهر التأثر عليه علناً أو ذاتاً في نفسه، فيحس بالجذب للقـراءة، ويـضاف‌ الى ذلك أن يقرأ القرآن‌ بالحزن‌ كما ورد عن أبـي عـبد اللّه عليه السلام أنه قال (إن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن» (15).

وقد جاء في الكافي أيضاً عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه(ع) قال: إن‌ اللّه عز وجل أوحى الى موسى بـن عـمران(ع) «إذا وقفت بين يدي فـقف مـوقوف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين» (16).

ولذلك فإن قراءة القرآن بصوت حسن‌ مندوب‌ في‌ الشريعة، وأن تأثير السماع للصوت الحسن الخالي من الترجيع، ومن شكل الغناء كما سيأتي، يختلف اختلافاً ثانوياً يـتعلق بـالترنيم والتنميق. كما أن الإيقاع الموسيقي يختلف في تحسين الصوت‌ عن‌ الغناء. حيث إن في تحسين الصوت لا يأخذ نفس الوتيرة والقافية والاسترجاع، كما هو المعروف في الغناء.

أما في الغناء فإن الإيقاع الموسيقي يسيطر على الحالة، وبـذبذبات مـتناسقة‌ ومسترجعة، تـخلو من الخشوع والتأدب، بل تذهب الى أكثر من ذلك، لتسلب الاتزان والاستقرار فضلاً عن الأهداف والابتغاءات.

أما الغناء، فقد ورد تعريفه فـي المعجم الوسيط: «هو التطريب والترنم‌ بالكلام‌ الموزون وغيره، يكون مصحوبا‌ً بالموسيقى»‌ (17).

والمـغنّي: محترف الغناء.

وفـي مـجمع البحرين غناءك (كساء) وهو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يسمى بالعرف غناء وإن‌ لم‌ يطرب سـواء ‌كـان في شعر أو قرآن أو‌ غيرها.

وقال الشافعي: الغناء تحسين الصوت وترقيقه.

وفي السرائر: أنه الصوت المطرب.

وفي الشرائع وجـامع المـقاصد، أنـه: الصوت المشتمل على‌ الترجيع‌ المطرب،‌ وقيل أنه الصوت اللهوي (18).

كما قيل أيضا‌ً وهو التعريف الذي جاء بـه الشيخ محمد رضا آل الشيخ في تفسير الغناء بأنه صوت الانسان الذي من‌ شأنه‌ إيجاد‌ الطـرب بتناسبه لمتعارف الناس.

والطرب: هو الخـفة التـي تعتري الأنسان فتكاد أن‌ تذهب‌ بالعقل وتفعل فعل المسكر المتعارف (19).

ولذا لا يعتبر الحداء أو النشيد من‌ الغناء‌ (20).

وبالتالي فإن القراءة الجيدة وحسن الصوت لا يرقى الى هذا‌ الحد‌ من‌ التغني‌ بالقرآن الذي لا يليق به ذلك، ومن جوز التـغني فأمره الى اللّه تعالى.

وقراءة‌ القرآن‌ بالتغني حرام لدي كافة المذاهب الإسلامية، وبين الفقهاء والعلماء ذلك في كتبهم‌ وبحوثهم، ومما جاء في «عيون الأخبار» عن الأمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا‌ عن‌ آبائه‌ عن علي(ع) قال: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: أخـاف عليكم استخفافاً بالدين، وبيع الحكم، وقطيعة‌ الرحم،‌ وأن تتخذوا القرآن مزامير، تقدمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين» (21).

وجاء في الوسائل أيضاً، عن سليمان بن مسام الخشاب، عن عبد اللّه بن جريح المـكي،‌ عـن‌ عطاء بن أبي رباح، عن عبد اللّه بن عباس، عن رسول اللّه(ص)‌ في‌ حديث‌ له:

إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل الى الأهواء...الى أن قال.. فعندها‌ يكون‌ أقوام‌ يتعلمون القرآن لغير اللّه، ويـتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير‌ اللّه،‌ وتكثر اولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن، .... الى أن قال: يستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر‌ بالمعروف‌ والنهي عن المنكر... الى أن قال: فأولئك يدعون في ملكوت السموات الأرجاس والأنجاس(22) ‌.

وفي الوسائل فـي بـاب‌ تـحريم‌ الغناء‌ حتى في القرآن جـاء فـي الحـديث عن‌ النبي(ص) قوله: إذا‌ عملت أمتي خمس عشرة خصلة حلّ بهم البلاء؛ أذا كان الفي‌ء دولاً، والأمانة‌ مغنماً،‌ والصدقة مغرماً، وأطاع‌ الرجل‌ أمرأته، وعصى‌ أمـه،‌ وبـرّ صـديقه، وجفا اباه،‌ وارتفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجـل مـخافة شره، وكان زعيم‌ القوم‌ أرذلهم، ولبسوا الحرير، واتخذوا‌ القينات والمعازف، وشربوا‌ المخمور، وكثر الزنا فارتقبوا‌ عند‌ ذلك ريحا حمراء وخـسفاً أو مـسخاً، وظـهور العدو عليكم ثم لا‌ تنصرون» (23)‌.

وهناك العديد‌ من‌ الروايات‌ والأحاديث التـي‌ تمنع‌ ذلك وما تظافر‌ آراء‌ العلماء والفقهاء إلا اتحاد بالاتفاق.

اتفاق المسلمين على حرمة التغني بالقرآن:-

وما أجمع عليه‌ علماء‌ مذهب أهل البيت(ع) فقد اتـفق عـليه عـلماء‌ أهل‌ السنة أيضاً،‌ فقد‌ ورد‌ على لسان الكثير من‌ العلماء والمشايخ في هذا الصـدد. سيما فـي التعليق على قراءات ما اشتهر من المقرئين المصريين وغيرهم‌ من الغراء اللبنانيين والعراقيين الذين‌ يمتازون‌ بـأسلوبهم‌ وطـورهم‌ الخـاص، وكذلك‌ قراء‌ بعض البلدان الإسلامية في إيران والحجاز وسوريا وغيرها.

وهؤلاء القراء لكـل اسـلوبه وخـصائصه‌ المميزة،‌ سواء في اتقانه للقراءات العشر المشهورة أو‌ اقتصاره‌ على‌ قراءة‌ واحدة‌ كما‌ هو المـتعارف عـلى روايـة حفص بن سليمان الأسدي الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي (24).

فمن القراء من أكـد عـلى الصوت من أجل التأثير على‌ السامع، وتساهل في التفاعل مع القراءة نفسها والألفـاظ المـجيدة للقـرآن، حتى أساء الأسلوب. وانشغل بنوع الأداء، واللحن والموسيقى الصوتية، وكاد أن يتناسى ما هو‌ فيه،‌ ولذا فـقد أفـتى علماء الأزهر بحرمة التغني بالقرآن، سواء من المشايخ القدامى أو الحاليين كالشيخ عبد الحـليم مـحود مـثلاً. وكذلك من المقرئين أنفسهم كما سمعت عن المقرئ‌ الشيخ‌ محمود خليل الحصري، ولذا فقد يؤاخذ البـعض المـقرئ المشهور عبد الباسط عيد الصمد بأنه يسرف بصوته، كما يذكر ذلك عنه احـد زمـلائه‌ القـرّاء‌ فيقول: إن الشيخ عبد الباسط عبد‌ الصمد‌ لا يختلف بالقراءة والتلاوة عن أي قارئ للقرآن الكريم، إنما إذا أردنـا أن نـذكر مـا يتميز به عن غيره فيمكننا الإشارة الى طول‌ نفسه‌ في التلاوة والقراءة‌ أكـثر‌ مـن غيره، بحيث يستطيع أن يقرأ من الآيات بنفس واحد، ما لا يستطيع غيره أن يقرأه، أما من حيث الأداء والتـجويد فـلا يميز عن غيره من القرّاء في الإذاعة المصرية.

وفي‌ صدد حديثه عما يؤخذ عـلى الشـيخ عبد الباسط في التنغيم والتطريب في تـلاوته وجـعل المـستمع يهتم بالصوت بدل الاهتمام بمضمون الآيات القـرآنية يـقول: التطريب والتنغيم لا يخص‌ الشيخ‌ عبد الباسط‌ ولا قراءته فذلك موجود في قراءة وتلاوة كـل قـراء الإذاعة المصرية ولا يختلف الشيخ‌ عـبد البـاسط في قـراءته عـن غـيره من زملائه. وكل ما هناك‌ أن‌ الشـيخ‌ عبد الصمد يمتاز بطبقة عالية في الصوت فإذا ارتفع بصوته أصبح صـوته نـحيفاً رفيعاً دقيقاً بحيث لا ‌‌يوجد‌ مثل له عـند غيره من القراء، أمـا الذي يـصغي الى الصوت ولا يفكر‌ في‌ المعنى‌ فهذا شـأنه (25).

قراءة القـرآن وسيلة تربوية:

ولهذا فلا نريد للقرآن الكريم أن يكون‌ وسيلة لهو والعياذ باللّه، بعد المـفهوم الكـبير للقرآن من أنه مدرسة الأجيال‌ ودار تـربية حـتى‌ في‌ قراءته التـي لابـد أن يتلقنها الطفل الصبي ويـنشأ عـلى أنغامها وأفكارها، ومعانيها، وحلاوتها، حتى لا تفسده العاديات، ولا تؤثر عليه الناشئات من أعمال الفسقة والشـياطين،‌ وهـذا ما دأب عليه آباؤنا وأجدادنا من قـبل حـيث ان الطفل كـان يـفتح عـينيه على المشايخ في مـحلته والكتاتيب فيتعلم القرآن، ويدرس معانيه، ويحفظه كلاً أو‌ أجزاءً،‌ حتى تكتمل فيه معالم الجمال القرآني، فـتعجن فـي دمه، وتخالط لحمه وعظمه، وتؤثر فـيه خـطوط الطـور التـجويدي للقـرآن، فتبقى معه دائمـاً، بـل أن الابتداء بالقرآن وتعليمه‌ الناشئة‌ واجب قبل دراسته للفقه وأصول الإسلام وعقائده، وحينما نرجع الى الوراء نرى الكتاتيب التـي انتشرت فـي بلاد الاسلام، كما في النجف الأشرف فـي العـراق، وكـربلاء،‌ والحـلة، والكـاظمية، والسـليمانية، والبصرة وكذلك في قم، ومشهد وغيرها من مدن فارس، وفي لبنان، وشمال افريقيا، وبالخصوص السودان، ومصر‌ حيث‌ يعتني‌ في مصر بحفظ القرآن الكريم‌ وتعليمه‌ وكل ما يـتعلق بتجويده وتلاوته لا سيما في القاهرة عند مقام سيدنا الأمام الحسين(ع) حيث يذكر أن حول المقام الطاهر‌ لسبط‌ المصطفى‌ ما يقارب الخمسة عشر ألفاً من حفاظ القرآن‌ الكريم،‌ وهو رقم ليس بالقليل، كـذلك حـول مقام السيدة زينب، والسيدة نفيسة، ومقام سيدي أبو العباس المرسي‌ بالإسكندرية.

خير القراءة:

إن خير ما يجب أن يتمتع به القارئ للقرآن هو حسن‌ الأداء، والتجويد المتقن، والالتزام بأحكامه وشروطه، والتفاعل مع القراءة كعبادة إسلامية، وكـوسيلة تبليغية‌ مباشرة،‌ حتى تصل الآيات الشريفة بكل اجلال وخشوع لقلب السامع، وكذا‌ القارئ‌ نفسه.

والقرآن هو الثقل الأول الذي أوصانا به نبينا الأكرم (ص)‌ فـلا‌ ينبغي الافراط في اسلوب الاداء بـما يـزيد عن الحد المطلوب لإيصال‌ المعنى الواضح،‌ وما ينجر أو يناسب الى أن يهدم الخشوع والطاعة في قلب المستمع‌ أو القارئ بخيال‌ طربي، وانشغال تهواه النفس الأمارة بالسوء.

ولنسأل انفسنا: كيف كـان الصـحابة والتابعون يقرأون‌ القرآن؟ لماذا‌ اشـتهر الإمـام السجاد أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) بحسن‌ أدائه‌ للقرآن،‌ وجودة صوته وحسنه، وأن تحسين القراءة بحسن الصوت الخاشع، مع الالتزام بالقواعد‌ المطلوبة‌ والمفروضة من الإدغام، والإخفاء، والمـد، والوقـفات، وشروط الوصل،‌ والقطع،‌ وتسكين الحرف ومده، حسب موقعه في الآية، هو الهدف المطلوب الملزم لقارئ القرآن‌ الكريم.

أن الإتقان التام للأحكام والقواعد والممارسة تكسب الإنسان خبرة تغنيه عن‌ التقليد،‌ لا‌ سيما التقليد الأعمى الذي يـحصل لدي البعض مـن أجل اظهار أصواتهم بشكل يسمح لهم أن‌ يقال‌ عنهم‌ قراء أو قادرون على القراءة وإن كان الحساب على اللّه وليـس‌ لاحد على أحد أن يحكم إلا على ظاهره وكما يقال ‌«فلنا الظاهر وعلى اللّه السرائر»

ويـذكر‌ أحـد أسـاتذة القراءات وهو الاستاذ محمد إسكندر يلدا، أن على القارئ‌ أن‌ يرقى الى ما يجب عليه من الابتعاد‌ عن‌ الريـاء،‌ ‌وحـب الجاه، والسمعة، ويذكر‌ حديثا‌ً عن النبي(ص) قوله «أكثر منافقي أمتي قراؤها، وأحد الثلاثة الذين أول مـا يـحاسبهم ربـهم‌ يوم‌ القيامة هو قارئ يقرأ القرآن‌ رياء،‌ ليقول عنه‌ الناس‌ أنه‌ قارئ، فيدخل الناس والعـياذ‌ باللّه،‌ وإنما الأعمال بالنيات، وإن لكل أمرئ ما نوى.

إن علماء الدين‌ وحماة الشريعة مدعوون اليـوم، أكثر من‌ أي وقت مـضى، لرفـع‌ صوتهم،‌ وبيان آراء الإسلام في‌ المسائل‌ الهامة التي يعيشها الناس، هادين ومبلغين الأمم، مشخصين حاجتهم لما يجب أن‌ يبلغوهم‌ بها وينبهوهم عليها.

كما أن‌ فتح‌ المعاهد،‌ والمراكز العلمية‌ الخاصة‌ بالقرآن مهمة وضرورة،‌ ينبغي‌ الإسراع فيها، وإيجاد المتخصصين بالقرآن الكريم، بكل ما يتعلق به من قراءة، وتفسير،‌ وتبليغ، وبحث وغيرها،‌ وأن الأمة‌ لا‌ تكتمل‌ حياتها ما لم يكتمل‌ عملها بوصية نبيها الكريم بالثقلين كتاب اللّه وعترته أهل بيته، وأن التخلف عـن‌ هـذا‌ المسار، وعدم التصدي له-كما ينبغي-سيفسح‌ المجال‌ أمام‌ المتلاعبين،‌ والمنافقين، والمتسترين‌ بالدين‌ للقيام‌ بأفعالهم ومخططاتهم الخبيثة.

إن الاعتناء بالقرآن، وقراءته، وتهذيبها، وتنقيتها من الشوائب والمصائب‌ وظيفة‌ شرعية‌ تستدعي النهوض بها، وليس الأمر يقتصر‌ على شـروح‌ القـرآن‌ أو‌ علومه‌ الأخرى.

كما أن على الأمة أن تعتني بثقافتها القرآنية التي تعتبر الثقافة الأصيلة في الشريعة، والتي يمكن تميزها عن غيرها.

***

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فصلت:42.

(2) عيون الأخبار2:87، البحار92:15.

(3) تفسير منهج البيان في تفسير‌ القرآن-السيد ابو الحسن الرضوي 1:11 عن علل الشرائع باب 182-الحديث/2.

(4) الكافي ج 4 الحـديث 6.

(5) مقدمة تـفسير شبر، للدكتور حامد حفني داود -أستاذ الأدب-جامعة القاهرة.

(6) البقرة:121.

(7) فاطر:29-30.

(8) الوسائل، باب استحباب كثرة قراءة القرآن. حديث رقم:1.

(9) المصدر السابق-صفات‌ الشيعة.

(10)‌ المصدر نفسه، باب وجوب تعليم القرآن وتعليمه الحديث رقم 3.

(11) راجع الكافي-باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن.

(12) المصدر السابق، باب ترتيل القـرآن بـالصوت الحسن.حديث:9.

(13) المصدر السـابق الحديث رقم:11.

(14) منهج البيان. مصدر سابق.1:55(عن عيون الأخبار)

(15) الكافي-باب تـرتيل‌ القـرآن‌ بـالصوت الحسن الحديث:1.

(16) المصدر السابق حديث:6.

(17) المعجم الوسيط.2:671.

(18) قواعد التجويد في تلاوة القرآن المجيد، دكتور زهير سليمان. ص 107.

(19) المصدر السابق، ص 106.

(20) المصدر السابق. ص 106.

(21) راجع الوسائل، كتاب التجارة‌ باب‌ تحريم الغناء حتي في القـرآن‌ الحديث:18.

(22) منهج البـيان. المصدر السابق.1:65.

(23) المصدر بـاب تحريم الغناء حتى في القرآن.

(24) يراجع كتاب قواعد التجويد فـي التـلاوة القرآن المجيد. المصدر السابق. ص 104-106.

(25) راجع تحقيق عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد-مجلة‌ الشراع‌ ص/50.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2107
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18