• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : الإمام الحسين (عليه السلام) بعين الحقيقة .

الإمام الحسين (عليه السلام) بعين الحقيقة

 عبدالرحيم الزين

ان الرجال تختلف بميولها وأعمالها كاختلافها في‌ صورها وألوانـها.. والرجـال ثـلاثة: رجل يعيش في حدود نفسه يأكل ويشرب ويلبس ولا يبالي بما وراء‌ ذلك وهذا النوع من الرجال أشـبه بالجماد والعجماوات عدا التكوين، فيمر في الحياة‌ حياة العدم في وجود الحياة، ورجل‌ يعيش لنـفسه ولغيره من بني النـوع وغـيرهم، وهذا النوع‌ من الرجال يسمى رجلا اجتماعيا أو انسانيا بقدر ما ينتج عنه من اعمال الخير والصلاح والاصلاح، ورجل يعيش ليهدم ويبني، يهدم الاوضاع‌ الفاسدة او الامة الفاسدة ليبني على أنقاضها أوضاعا صالحة وامة صالحة تصلح للحياة وتصلح الحـياة لها، وهذا النوع من الرجال يعدّ من بناة الامم والعروش وتسجّل أسماؤهم أبطالا‌ في‌ سجل التاريخ فتكون‌ أعمالهم دستورا عمليا شاملا تمشي عليه أحرار الامم وأبطالها في‌ تكوين الامة الصالحة للحياة الصالحة، وأسمى هـذه الانـواع النوع‌ المثالي الروحاني المزوّد بأسلحة السماء والمؤيد بالمعاجز والوحي‌ الالهي، وهم‌ الرسل العظام الذين أنكروا الذات وبذلوها غالية او رخيصة على مذبح التضحية والفداء في تهديم الوثنيات والجاهليات، والبناء لهياكل التوحيد للمجتمع الذي يعيش فـيها الجـسم والروح‌ في‌ دعة‌ وطمأنينة، وهؤلاء هم الربانيون والسياسيون حقا، وكم حدثنا التاريخ‌ عن مئات من دعاة الاصلاح الذين بذلوا أنفسهم في أحياء معالم الدين‌ والشريعة وهدم عروش الطغاة والجبابرة‌ وتخليص‌ الضـعفاء مـن براثنهم‌ ومخالبهم، وقضية‌ يحيى‌ بن‌ زكريا(ع) احدى الفجائع التاريخية العظمى.

ولكن كل من استشهد وقتل في سيبل هذا المبدأ من الرسل‌ هوجموا في بيوتهم وقتلوا‌ عنفا‌ دون‌ اختيار، هجم الموت عليهم‌ رغم اراداتهم.

وأمـا امـامنا البـطل الشهيد‌ الامام‌ الحسين بن عـلي عـليهما السـلام‌ فهو الذي هجم على الموت اختيارا عن تصميم ونظر بعيد وامتداد الى ما وراء‌ هذا‌ الكون، وهذا الزمان والمكان، فزعزع بايمانه اركان‌ الموت وطمس بعقيدته معالم‌ الطـغاة، ومـحى بـجهاده رسوم الدولة الطاغية التي تجاوزت حدود الطغيان في كـل أدوار التـاريخ، وان‌ قطرات الدماء التي أريقت في‌ ثورته‌ على‌ الظلم تجمّعت بحارا غرقت فيها تلك الدولة الجبّارة وانمحى اسمها ورسمها‌ من عالم الوجود فـي‌ أقل مـن نـصف قرن بعد أن شوّهت صفحة التاريخ، وهذا يدل على‌ ان الامام‌ الحـسين(عليه‌ السلام) هو‌ سيد العظماء وزعيم الابطال‌ أبطال التاريخ الروحانيين لا الملوك والساسة بل‌ أعني‌ الأنبياء والرسل، وان أنفاسه الزكية كانت زوبعة أقـتلعت تـلك الشـجرة الاموية الخبيثة الملعونة في القرآن من‌ جذورها، و‌ان‌ نبرات صوته من مـواقفه‌ الخطابية فـي كربلاء يوم العاشر من محرّم أي يوم استشهاده كانت‌ رعودا‌ وصواعق جرفت تلك الطغمة الضالّة والمضلّة ومحتها مـن عـالم‌ الوجود، وأوجـدت نظم‌ وقوانين‌ ودساتير للأحرار وللحياة الحرّة أسمى‌ وأوسع من الدساتير والنظم الوضـعية التـي‌ تـتبجّح‌ بها الدول في هذا العصر.

و من كلام لماربين الألماني، قال: «اذا تأمل المنصف‌ بدقة في حركات تمثيل‌ ذلك‌ الدور‌ وتقدّم مـقاصد بـني امـية وكيفية تزعزع‌ المسلمين، واستيلاء بني امية على جميع طبقات المسلمين، يحكم‌ بلا تردد‌ أن الحسين(ع) أحيا بقتله دين جـدّه وقـوانين الاسلام».

ليس في نوع البشر صفات‌ علويات‌ أنبل‌ ولا أعظم له من الايمان‌ والتضحية والفداء والايثار ويـقظة الضـمير وتـعظيم‌ الحق‌ ورعاية الواجب‌ والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة‌ في‌ وجه الموت المـحتوم، ولقـد أجاد الشاعر حيث قال:

أحاطت به سبعون ألفا فردها

شوارد أمثال النعام المشرّد

وسل‌ حـسام الحـق بـين جموعهم‌

وحيدا يحامي عن شريعة احمد

ولقد ضرب لنا الامام‌ الحسين(عليه‌ السلام) أروع الأمثال في‌ المحافظة على الكرامة والذود‌ عـنها‌ والاسـتبسال في سبيلها حتى جاد بنفسه «والجود بالنفس‌ أقصى‌ غاية الجود».

ويعجبني امام اللغة فـضيلة الشـيخ عـبد الله العايلي الذي نظر الى الحقيقة‌ بعين‌ الحقيقة، فقال: «يقيم الشيعة ذكرى عاشوراء للعظمة والادّكار‌ وهي ذكرى‌ عظمية‌ بما‌ اشتملت عـليه مـن عـظات ومن‌ بطولة‌ في‌ الجهاد، وانما توبوا الروح السامية بذكرى الابطال» وهذه‌ الذكرى اليوم ألزم ما تـكون‌ لنـا‌ في مرحلتنا الانقلابية.

ان ثورة الامام الحسين(عليه‌ السلام) لا تزال منارة تشعّ‌ وتنير الطريق لكل من يقوم بثورة، و على‌ مـثاله احـتذى جميع من قاموا بعده‌ بالثورات على حكامهم الجائرين الى اليوم وستبقى‌ الى‌ آخر الدهـر، فلقد عـلّمنا عليه السلام‌ كيف‌ تعتنق‌ المبادئ ونحيا‌ لهـا‌ ونـموت فـي‌ سبيلها وكيف‌ نقدّس العقائد وندافع عنها، فذكرى الامام الحـسين‌ (عليه السـلام) مدرسة الدهر تعطي من الفوائد الجمّة ما‌ يصلح‌ البشر في‌ دينهم ودنياهم، مدرسة عالمية كبرى تـتخرّج‌ مـنها الابطال‌ وتنبعت‌ منها الاحرار في السـير عـلى‌ طريقه، طريق الإباء والشـمم والعـزّة والكرامة للذود عن الحق واعلاء كلمة الديـن الحـنيف‌ وتحرير الضعفاء من اعلال‌ الجلاّدين الطغاة أمثال‌ يزيد‌ وزبانيته، فالإمام‌ الحسين(عليه‌ السلام) يهيب بنا الى‌ تـوحيد‌ الصفوف وجمع الكلمة والمحافظة على نـواميس‌ الشريعة والالتفات حول العلماء العـاملين بـكل ما في‌ هذه‌ الكلمة‌ مـن‌ معنى ونـبذ سياسة: «فرّق تسد» وتنقية القلوب‌ وغسلها‌ بالحسب‌ والوئام‌ والتضحية والتفاني في سبيل احقاق الحق.

فسلام عـليه يـوم ولد في بيت الوحي الإلهي، ويـوم قـتل‌ في سـبيل تركيز دعائم الشـريعة الاسـلامية السمحاء ونشر تعاليمها لكي تـشمل البـشرية‌ جمعاء وتهديم دعائم الهمجية والوثنية المادية.. و سلام عليه يوم يبعث حاملا علم انتصار المبدأ..

فالرسول(صلّى الله عليه وآله) حارب الوثـنية في المادة والعادة، والامام الحسين(عليه السـلام) هدم الوثـنية وحاربها في‌ كـل‌ شيء.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2062
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24