• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : أسباب ثورة الإمام الحسين (ع) و دوافعها .

أسباب ثورة الإمام الحسين (ع) و دوافعها

 أحمد حمود عبدالمجيد

لما‌ استشهد الامام الحسن(ع) تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلى الامام الحسين عليه السلام في‌ خلع‌ مـعاوية‌ و البـيعة له فـامتنع عليهم، ويرجع امتناع الامام(ع) لعهد و عقد بينه وبين معاوية فإذا‌ مات معاوية نظر في ذلك.

فلما مـات معاوية، وذلك للنصف من رجب سنة‌ 60 هـ680 م كتب‌ يزيد‌ إلى الوليد بن عتبة ابن أبـي سفيان و كان علي المـدينة مـن قبل معاوية أن يأخذ الحسين(ع) بالبيعة ولا يرخص له في التأخر عن ذلك‌1.

ويرفض الامام الحسين(ع) البيعة ليزيد رفضا‌ قطعيا و يدعهم هذا الرفض بأسباب و حقائق دامغة، فضح فيها شخصية هذا الحاكم المتسلط على رقاب المسلمين بالقهر و الغلبة بـأنه «ظالم، وشارب للخمر، وقاتل الأنفس البريئة، و متمرد على حكم‌ اللّه، ولا يخشى اللّه لا في السر و لا في العلانية».

قبل أن يخرج الامام عليه السلام من مكة المكرمة، كتب وصية وأعطاها إلى أخيه محمد ابن الحنفية، يبين فيها أسباب ثـورة‌ ودوافـعها. و من بين هذه الأسباب سببان عظيمان أساسان هما:

السبب الأول- إصلاح هذه الأمة. و السبب الثاني- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ويبين لنا الامام(ع) معني الأمر بالمعروف‌ و النهي عن المنكر في خطبة ألقاها في مـوسم الحـج. «فبدأ اللّه بالأمر بالمعروف و النهي من المنكر-فريضة منه-لعلمه بأنها إذا أديت و أقيمت استقامت الفرائض كلها، هينها و صعبها، ذلك أن الأمر بالمعروف‌ و النهي‌ عن المنكر دعاء إلى الاسلام‌ مع‌ رد‌ المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء و الغنائم، وأخذ الصدقات من مـواضعها ووضـعها في حقها...»

ورسالة سليمان بن صرد، والمسبي‌ بن‌ نجبة،‌ و رفاعة بن شداد البجلي، وحبيب بن مظاهر،‌ و المسلمين من أهل الكوفة تكشف لنا وجها من الواقع الاجتماعي الذي كان يعيش فـيه المـسلمون فـي ذلك العهد تحت‌ حكومة‌ ظالمة‌ مـستبدة، تراقب الاعـلام الاسـلامي مراقبة شديدة، وتهبل الفكر الاسلامي و و تلقيه في غياهب الجب، وتحرص حرصا شديدا علي تتبع حركات زعماء الأمة الاسلامية و تمعن بهم قـتلا و تـشريدا‌ و تـسيطر علي فيء المسلمين و تقسمه على الظلمة و أعوانهم.

«أما‌ بـعد، فالحمد‌ للّه الذي قـصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزي علي هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها‌ بغير‌ رضي‌ منها، ثم قتل خيارها و اسـتبقي شـرارها، و جـعل مال اللّه دولة بين‌ جبابرتها‌ و أغنيائها. فبعد له كما بعدت ثمود، إنه ليس عـلينا إمام فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا‌ بك‌ علي‌ الحق»2.

من هنا، يتضح أن المؤمنين في ذلك الوقت ما كانوا ليقدموا الولاء للحكومة الظالمة‌ و لئن حدث ذلك فـإنما يـكون قـسرا و جبرا، فصلح الامام الحسن(ع)مع معاوية كان أمرا‌ قهر‌ عليه‌ الامام و ذلك للأسباب التالية:

عـندما بـعث الامام(ع) حجر بين عدي ليستنفر الناس للجهاد بعد‌ مسير‌ معاوية و بلوغه جسر منبج تثاقلت الناس للجهاد لكـنهم اسـتجابوا بـعد ذلك. فالسؤال الذي‌ يطرح‌ نفسه‌ هنا هو: أي الفء ات هي التي استجابت، وما هـي اتـجاهاتها السياسة؟

فـالجواب أنهم كانوا يمثلون‌ خمس‌ فئات من الناس:

1-فئة مناصرة له و لأبيه عليهما السلام.

2-فئة محكمة‌ يؤثرون‌ قـتال‌ مـعاوية بـكل حيلة.

3-فئة أصحاب فتن و طمع في الغنائم.

4-فئة شكاك.

5-فئة أصحاب عصبية‌ اتبعوا‌ رؤساء‌ قبائلهم لا يرجعون إلى دين‌3.

فـكان رأي الامـام الحسن(ع) في الصلح في تلك‌ الفترة‌ من أعظم الآراء السياسية العالمية الذي لم يجد الامام بدا مـنه. وإلاّ لو وجـد الامـام الحسن(ع)أنصارا‌ لأعلن‌ الحرب علي تلك الحكومة الظالمة حتي يحكم اللّه بأمره و هو خير‌ الحاكمين.

وفي خـطبة الامـام الحسين(ع)بذي حسم تستشف‌ واقع‌ الحياة‌ المرير الذي وصلت إليه الأمة الاسلامية في‌ ذلك‌ الوقـت مـن تـنكر الدنيا و تغير أحوالها حكتي بات الحق أسيرا مكبلا و أصبح‌ الباطل مهنة اجتماعيه و سياسية‌ لا‌ يتناهى عـنه، فأقام‌ هـذا‌ الواقع‌ و هذه السياسة المتبناة علي الصعيدين‌ الحكومي‌ و الاجتماعي يرسم الامام(ع) للمؤمن الخط السياسي و الصراط المـستقيم الذي يـجب عـليه أن‌ ينتهجه‌ إذا أراد أن يحيا حياة كريمة‌ عزيزة. فلا بدّ من الخروج‌ من‌ هذه الحياة، والخروج منها يجب أن‌ يـكون رغبة من المؤمن في لقاء اللّه. فالمؤمن المحق لا يستطيع أن عيش مع‌ الظالمين‌ أو أن يـكيف ديـنه مع‌ الحكومات‌ الظالمة، فإذا‌ قبل بها فإنما‌ هي‌ حياة كلها تعب و نكد‌ وضنك. فالإمام (ع) كان يري الشهادة شـاخصة أمـام عينيه و هذه الشهادة انتما هي رغبة للقاء‌ اللّه.

فإمامنا العظيم(ع) عندما لا يرى الموت إلاّ‌ سـعادة‌ و لا‌ الحـياة‌ منع‌ الظالمين إلاّ برما تستطيع‌ أن تقرأ من خـلال هـذه الصـورة، الصورة الحقيقية لنفسية هذه الأمة، والفساد الاجتماعي والانـحطاط الخـلقي‌ و الثقافي، واعلام الإرهابي، و ضياع الشخصية‌ الاسلامية «...و‌ قد‌ ترون‌ عهود‌ الٌيه منقوضة فلا‌ تـفزعون، وأنـتم لبعض ذمم آبائكم  تفزعون، وذمـة رسـول اللّه محقورة،... و بـالإدهان والمـصانعة عـند الظلمة تأمنون، كل‌ ذلك‌ مما‌ أمركم اللّه بـه مـن النهي و التناهي‌ و أنتم‌ عنه‌ غافلون...»

لقد‌ خسرت الشخصية الاسلامية في تلك الحقبة مـن التـاريخ عزّتها بعد ما قطعت حبل عـصمتها مع اللّه و رسوله، تلك العزوّة التـي بـني قواعدها و شيد بنيانها طب القـلوب‌ و دواؤهـا، سيد المرسلين، وإمام المتقين، أبو القاسم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.

فالامام(ع) يبين ضياع هذه الشخصية «...ألا تـرون أن الحـق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى‌ عـنه! ليرغب‌ المـؤمن فـي لقاء اللّه محقا، فإني لا أري المـوت إلاّ سـعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برما»4.

و بـالبيضة خـطب الامام(ع) أصحابه و أصحاب الحر بن يزيد الرياحي- رضوان اللّه عليه- وكان أصحاب‌ الحر‌ فرقة من فرق الجيش التـابع لحـكومة يزيد بن معاوية. فالشيء الذي يلفت الانتباه هـنا أن الامام(ع) استفتح خـطبته بـقول رسـول اللّه(ص) لأمرين:

الأول: لإثارة انتباه هذه الفـرقة‌ من‌ الجيش بأنها تعطي الولاء و الطاعة‌ لحكومة ظالمة و لسلطان جائر. فعليها أن تلتحق بأصحاب الإمام لأنه هو ولي أمـرهم و ولي أمـر الأمة الاسلامية قاطبة و خليفتهم و قائدهم، فإذا لمـ‌ يـستجيبوا‌ فـيكون الامـام قـد أقام‌ عليه‌ الحجة.

الثـاني: أن الحـكم هنا حككم رسول اللّه(ص) في رئيس الدولة المنحرف و من يمده بالعون و المدد. «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّهـ، نـاكثا لعـهد اللّه، مخالفا لسنة رسول اللّه(ص) يعمل‌ في‌ عباد اللّه بـالإثم و العـدوان فـلم يـغير عـله بـفعل و لا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله»5.

الخطاب هنا و الكلمة لرسول اللّه(ص) والامام(ع) يبين لهذه الفرقة المسلمة‌ صفات‌ رئيس حكومتهم‌ وأعوانه من حكام الجور «ألا و انّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشـيطان و تركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد او عطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام اللّه و حرّموا‌ حلاله.»6

أصدر‌ الرسول(ص) حكمه في السلطان الجائر لكن من استجاب لهذا الحكم من الأمة الاسلامية في ذلك العصر سوى الامام الحسين(ع)؟

و ‌‌بالامس‌ القريب يـنادي رسـول اللّه(ص) بالمدينة المنورة من ينزل إلى عمرو بن عبد ود العامري. الذي‌ كان‌ يمثل‌ أعلي قمة الهرم في الشرك و الإثم و العدوان بل كان في قمة الاستعمار الجاهلي، فإذا‌ بصوت يجلجل في الآفاق مـستجيبا لنـداء رسول الٌيه(ص) قائلا: «أنا يا رسول اللّه.» إنه صوت‌ الحق، صوت العدالة الانسانية، صوت أبي‌ الحسن، أسد‌ اللّه الغالب، علي بن أبي طالب عليه السلام.

و يستجيب لحكم رسول اللّه(ص) ابن رسول اللّه(ص) وابـن اسماعيل(ع) وابن ابراهيم الخليل(ع) الامام الحـسن(ع) قائلا: «وأنـا أحق من غير»7.

وتمر السنون والأعوام، وتنقضي الدهور،‌ وتنطوي الليالي والأيام، وإذا بصوت حفيد الامام الحسين(ع) يزلزل الأرض و يهز عروش ملوكها و يفجر الثورة الاسلامية في ايران، ألا وهو صـوت روح اللّه المـوسوي الخميني الذي رفع راية‌ جـده‌ الامـام الحسين(ع) وهو يردد قوله: وأنا أحق من غير يا رسول اللّه. فأكرم به من مناد، و أنعم به مجيب.

وبعد أن ذكر الامام الحسين(ع) هؤلاء الناس بنكث بيعته وخيانتهم‌ لعهد‌ اللّه و ميثاقه قال(ع): «وسيغني اللّه عنكم»8.

لقد صـدق ابـن رسول اللّه(ص). فهذا الامام الخميني قد أطاع الرحمن، وأحل الحلال، و أحيا حدود اللّه، وواسي الفقراء بنفسه، وهذا جيش الاسلام‌ يدافع‌ عن الاسلام و أهله، وهذا الحرس الثوري فتى الاسلام يحرس أمة الاسـلام، و يـسقي دوحة الاسـلام بدمائه الزكية، وهذه ثلة مؤمنة من جنود أبي عبد اللّه الحسين(ع) في جبل عامل‌ باعت‌ أنفسها‌ إلى اللّه فاشتراها اللّه منهم:‌

«...فـمنهم‌ من قضي نحبّه و منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا»

و هذه آيات اللّه، وأئمـة الفـكر من المؤمنين و المؤمنون من‌ الشعراء‌ والأدباء، والأمة في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وفي جبل‌ عامل‌ و في بعلبك تـستجيب ‌ ‌لنـداء اللّه.

يقول ابن خلدون في مقدمته: «وأما الحسين فإنه لما ظهر فسق يزيد عـند‌ الكـافة‌ مـن‌ أهل عصره رأى ان الخروج على يزيد متعين من أجل‌ فسقه»9.

و قال: «فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد و لا ليـزيد بل هي من افعاله المؤكدة لفسقه، والحسين‌ فيها‌ شهيد‌ مثاب و هو على حق واجتهاد».

ورد ابـن خلدون علي‌ القاضي‌ أبـي بـكر بن العربي عندما أراد أن يسوغ قتل الامام الحسي(ع) في كتابه الذي سماه بالعواصم و القواصم: «بأنه‌ قد‌ غلط و هو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل، ومن‌ أعدل‌ من‌ الحسين في زمانه في إمامته و عـدالته في قتال أهل الآراء»10

أما الحسين البصري‌ المولود‌ في‌ 12 هـ. و المتوفي في 110 هـ، فقد أعطي رأيه واضحا وجليا وبدون‌ تردد‌ عنما سئل عن تنصيب يزيد حاكما علي الأمة الاسلامية 11.

أما عبد الرحمن‌ بـن‌ أبـي‌ بكر ما أن سمع كمتاب معاوية الذي قرأه مروان بن الحكم على الناس في المسجد‌ الذي‌ يقول فيه إنه عوّل على أخذ البيعة لابنه يزيد حتي قال بعد أن‌ هاجت‌ الناس‌ وماجت: «ما الخيار أردتـم لأمـة محمد و لكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية، كلّما مات هرقل‌ قام‌ هرقل»12.

أما الكتاب المصري عبد القادر المازني، و بعد حضوره و لأول‌ مرة‌ مجلس‌ عزاء لأبي عبد اللّه(ع) في بيت أحد العلماء الايرانيين في القـاهرة عـام 1936 ابتدأ يفكر في‌ مغزي‌ و مقصد ثورة الامام الحسين(ع) ضد يزيد و حكومته و أخذ يتساءل بعد قراءته‌ لمقال‌ نشر في جريدة weiveR gsilgnE الذي يؤكد فيه كاتبه أن الامام خاض هذه المعركة مع يقينه‌ و علمه الحـتمي بـنتيجة المـعركة. فلماذا إذا حمل الامام الحسين(ع) عائلته معه فـي هـذه المـرحلة‌ الخطيرة‌ بالذات؟ ويجاوب المازني عن هذا السؤال بنفسه: بأن‌ الامام‌ الحسين(ع)كان‌ مخلصا، مضحيا بنفسه، نافذ البصيرة، وكان يدرك ضخامة‌ قوة‌ المعارضة التي ستواجهه والتـي سـتقف في وجه حركته الإصلاحية، لكنه منذ أن كان‌ يعتبر‌ الحـكومة الأمـوية حكومة فاسدة، وكثائر‌ شريف‌ رأي أنه‌ مجبر‌ على‌ أن يعمل غاية ما يستطيع عمله.

ولئن لم يستطع الامام الاطاحة بالحكم في ذلك الوقت، فإنه في النـهاية ينسف‌ هـذا‌ الحكم وأطاح به.

ولقد‌ تبينّي يزيد الغاية في‌ سياسة‌ العنف، و اقـتراف كل تلك‌ الجرائم‌ في كربلاء، لكن الامام الحسين(ع) نجح في خلق حقد عميق في الناس ضد يزيد، فقد غدت‌ كل‌ نـقطة دم مـن دمه، وكل‌ حرف‌ من‌ اسمه، وكل التماس‌ من‌ ذاكرته لما فجّر الدولة‌ الأمـوية‌ مـن أساسها و نسفها نسفا وقطعها إربا.13

وبعد مرور عشرين عاما علي‌ نشر‌ مقال المازني ‌تناول هذا البحث الكاتب المـصري‌ الكـبير‌ عـباس محمود‌ العقاد‌ في‌ كتابه «أبو الشهداء الحسين بن‌ علي» شدد العقاد فيه على التـناقض العـميق بـين شخصية الامام الحسين(ع) وشخصية يزيد فيقول: «ان التناقض كان‌ أساسا‌ بين مزاجين و بين نخوتين...و مـن‌ ثـم‌ بـين‌ رأيين، رأي‌ يمثل‌ الامامة الدينية و رأي‌ يمثل الدولة الدنيوية».14

و تنعكس الصورة اليوم نفسها تماما بين شخصية الامـام الخـميني و الشخصيات المتعددة‌ على‌ الصعيدين‌ المحلي و العالمي من حيث التناقض الأساس‌ بين‌ رأي‌ الامـام‌ المـتمثل‌ بـالولاية‌ الفقيه وآرائهم الممثلة في الدولة العلمانية الدنيوية.

كانت ثورة الامام الحسين(ع) نورا ربانيا أضاء للأمة الاسلامية دربـها الطـويل عبر الأجيال فانبثقت منها ثورات اتخذت من ثورة الامام‌ الحسين(ع) نبراسا و مشعلا تستلهم مـن نـورها فـريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، تلك الفريضة التي أنزلها اللّه في فرقانه آية محكمة فجسّدها ثـورة عـلى الجاهلية الجهلاء و الضلالة العمياء، الذي‌ دنى‌ فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، الحبيب المـصطفى والرسـول المجتبى محمد بن عبد اللّه(ص). فلما التحق صلوات اللّه عليه وآله بالرفيق الأعلى سلمّ رايتها إلى الذي ضرب بسيفين، وطعن‌ برمحين، وهـاجر الهـجرتين، وبـايع البيعتين، وقاتل بببدر وحنين، ولم يفكر بالٌيه طرفة عين، أبي الحسنين علي بن أبـي طـالب عليه السلام. فلما فاز بالشهادة، بلى‌ و رب الكعبة، سلّم الراية إلى شبيه‌ المصطفى، الامام‌ الحسن المجتبى، الشهيد المظلوم، سيد شباب أهل الجنة، الذي سلّمها إلى أخـيه الامـام الحسين عليهما السلام فكان أبو عبد اللّه(ع) أبا الشهداء و كبش الفداء.

و يأبي أبي‌ الضـيم‌ أبـو عبد اللّه(ع) أن يغمض‌ عينيه‌ عن راية جـده و أبـيه و أخـيه حتى قتل ابن فاطمة الزهراء و ابن خـديجة الكـبرى ظلما و حزّ رأسه من القفاء، وسلب العامة و الرداء و التحق بالرفيق الأعلى‌ و الراية مغسولة بـدمه الشريف.

فـدم الامام الحسين(ع) هو دم رسول اللّه(ص) ودم شـهيد المـحراب علي ولي اللّه، ودم الحـسن المـجتبى قرة عين رسول اللّه، وتسقى الرايـة بـهذا الدم الزكي، وبدم أبي‌ الفضل‌ العباس الذي‌ اعتلى بالفضل والكرامة والشهادة إلى سدة الإمـامة، و بـدماء أهل بيت النبوة، لأن هذه الراية و دمـاء‌ أهل بيت النبوة تـوأمان لا ينفصلان.

و تـطل علينا الراية من‌ وراء‌ القرون‌ و عـبر العـصور فيتسلّمها سليل أهل بيت النبوة الراكع الساجد، الشجاع المقدام، الصابر الصوّام آية اللّه روح اللّه الموسوي‌ الخميني.

و‌‌يبقي‌ دم الشـهيد دم أبـي عبد اللّه(ع) دما حيا، نقيا، زكيا، ينبثق منه فـكر الامـام الحـسين(ع) ومنهجه السياسي‌ الديـني‌ الذي‌ ارتضاه اللّه لعباده من إقـامة العـدالة الانسانية واظهار الصلاح في البلاد.

«اللّهم، انّك تعلم أنه‌ لم يكن ما كان منا تنافسا في سـلطان، ولا التـماسا من فصول الحطام،‌ ولكن لنرد المـعالم‌ مـن‌ دينك، ونـظهر الاصـلاح فـي بلادك، ويأمن المظلومون مـن عبادك، ويعمل بفرائضك، وسننك و أحكامك»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المفيد، الارشاد، ص 200، تاريخ الطبري، الجزء الخامس ص 339-340.

(2) محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، ج 5 ص 352 المفيد، الارشاد ص 203.اليـعقوبي، تاريخ اليـعقوبي ج 2، ص 242.

(3) المفيد الارشاد، ص 189،اليعقوبي،تاريخ اليعقوبي، ج 2 ص 215.

(4) محمد بـن جـرير الطـبري، تاريخ الطـبري. ج 5،ص 404،ج 5 ص 403، ابـن الأثير، الكامل في التـاريخ، ج 4 ص 48.

(5) المـصدر‌ نفسه،

(6) المصدر نفسه، ج 4،ص 403.

(7) المصدر نفسه، ج 5،ص 403.

(8) المصادر نفسه، ج 5،ص 403.

(9) ابن خلدون، المقدمة، ص 216.

(10) المصدر نفسه، المقدمة، ص 217.

(11) صحيح مسلم.

(12) حسن ابراهيم حسن، «تاريخ الاسلام» ج 1،ص 282.

(13) حـامد عناية.

(14) المـصدر نـفسه، ص‌ 186.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2039
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18