• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : قبسات من حياة أنيس النفوس .

قبسات من حياة أنيس النفوس

 سماحة الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أبارك لكم أيها الأعزاء المؤمنون ذكرى الولادة الميمونة العطرة لسيدنا ومولانا أنيس النفوس وشمس الشموس علي بن موسى الرضا عليه السلام

نأمل أن يكون احتفاءنا بهذه الذكرى العطرى وتكريمنا محطة لاستلهام الدروس والعبرة ومعرفة النهج الذي كان يسير عليه أهل البيت عليهم السلام.

هذا النهج الذي نعتبره هو نهج الإسلام الصحيح الذي يوصل إلى بر الأمان والخلاص من الأزمات والفتن والابتلاءات.

هناك نقطتان بل قضيتان بارزتان في حياة الإمام الرضا (عليه السلام) من المهم ملاحظتهما والتنبيه عليهما:

القضية الأولى: أهل البيت وإشكالية الحكم والسلطة

من الملاحظ أن هناك قراءة ونمطا من الفهم والتقييم اللاموضوعي الذي يصر عليه بعض الكتاب والمثقفون العرب والمسلمون وقبلهم كثير من المستشرقين في فهم وتحليل سيرة وحياة أهل البيت عليهم السلام .... وذلك من خلال ربط حياة الأئمة ودورهم العظيم في حياة الأمة الإسلامية بمسألة السلطة والحكم. وبل والصراع على الوصول للرئاسة الدنيوية.

ويحاول البعض من خلال هذا النهج أن يفسر التشيع بأنه حركة سياسية هدفها الاستحواذ على السلطة بأية وسيلة، وهكذا فقد حول تاريخ أهل البيت وصراعهم الطويل من أجل القيم الإسلامية وحفظ كرامة الإنسان المسلم إلى صراع عائلي قبلي، فاختزلوا تاريخ الإسلام بالصراع بين العلويين والأمويين على السلطة ثم بعد ذلك الصراع بين آل علي وآل العباس، وهكذا فقد تشكل التاريخ وفق نظرية الصراع السياسي والنفعي بين أهل البيت وبين الاخرين.

ونقول ... وللأسف... فإنّ كثيرا من رسائل الدكتوراه والماجستير التي تبحث في فلسفة التشيع وتاريخ أهل البيت تكتب بهذا النفس المليء بالتجني على العترة الطاهرة وبهذا النفس المليء بالتعصب وعدم الموضوعية والانصاف.

ونحن نعرف وكل قارئ للتاريخ أن مشكلة الآخرين أنها كانت مشكلة الزعامة والرئاسة والسلطة ولقد كان وجود أهل البيت عليهم السلام يقلقهم ويسبب لهم الخوف والرعب، وعلى العكس من ذلك فلم يكن منهج أهل البيت  (عليهم  السلام) هو الإصرار على الوصول للحكم، ولم تكن قضية الرئاسة والخلافة السياسية من أولويات أهل البيت  (عليهم السلام). بل إن نهج أهل البيت وأولى أولوياتهم هو الحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة والدفاع عن الحقوق الإنسانية والسعي لنشر روح الأخوة والعدالة الاجتماعية وحفظ كرامة الإنسان.

 وبالرغم من ذلك فقد تعرضوا للقتل والتشريد والتهجير من الخلفاء والأمراء والملوك.

واليوم نقولها بصراحة فإن كثيرا من الأنظمة في واقعنا العربي والإسلامي تنظر لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) بمنظار خاطئ وسلبي، على أساس أن الشيعة مجموعة وطائفة تسعى لزعزعة الأنظمة وإشاعة الفوضى والخراب، أو منازعة الحكام والحكومات في المسألة السياسية  والسلطوية.

وهذا فهم مجانب للحقيقة ولا يجر على البلاد إلا الخراب والدمار.

إن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يطالبون بالتعامل وفق مبدأ الكرامة الإنسانية والأخوة الإسلامية، ينشدون العدالة وإقرار الحقوق، الإدارة العادلة للثروات ومصالح البلدان الإسلامية.

ليس عند الشيعة عقدة فيمن يتولى الإدارة السياسية وفيمن يتولى إدارة المصالح العليا للأمة، ليكن حزبا أو فئة أو مجموعة تنتمي لهذا المذهب الإسلامي أو ذاك، المهم أن تكون هناك عدالة في توزيع الثروة وحفظ لحريات المسلمين وكرامتهم والدفاع عن بلدانهم وأوطانهم.

ونلاحظ في حياة الإمام الرضا (عليه السلام) أنه تأثر بسبب مشكلة الحكم والسلطة فلقد عاش المأمون أزمة حكم مع أخيه الأمين إلى أن قتله،  وأجبر الإمام الرضا على الهجرة لخراسان ومغادرة بلد جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأراد بذلك تحقيق أمرين:

الأول: أنه كان يتصور قيام الإمام الرضا بثورة تسقط الحكم العباسي  وتأتي بالعلويين، فكان احتجاز الإمام تحت عنوان ولاية العهد يحقق له المراقبة التامة لتصرفات الإمام  (عليه السلام)

الثاني: الايحاء للناس وعموم الأمة بأن الرضا يطمع ويطمح بالوصول للسلطة وممارسة الأمر والنهي والعيش بالقصور.

وقد انطلت الشبهة على كثير من العباسيين وبعض الشيعة أيضا،

ففي خروج الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة حيث ودع قبر جده النبي هنأه بعض الشيعة فقال الامام: {ذرني فإني أخرج من جوار جدي وأموت في غربة وأدفن في جنب هارون}.

القضية الثانية: مسألة التيارت والفكر المنحرف اللصيق بالتشيع

وقد ظهرت هذه القضية بشكل واضح في حياة الإمام الرضا  (عليه السلام) فبعد استشهاد الإمام الكاظم برزت مشكلة الواقفة، وأهل الوقف فئة منحرفة ضالة حاولت المساس بعقيدة الشيعة بالأئمة الأثني عشر (عليهم السلام)، وتحرك بعض المنحرفين ممن كانوا يحسبون على التشيع وبعضهم من وكلاء الإمام الكاظم فادعى بعضهم بأن الإمام الكاظم هو الإمام المهدي وأنه غاب وسيظهر فيما بعد، ولقد لاقى الإمام الرضا من هؤلاء ما لاقى، وقد تكفل الإمام الرضا  (عليه السلام) بعلمه الواسع الذي ورثه من آبائه وأجداده أن ينشر العقيدة الصحيحة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في الإمامة وشروط الإمام وعصمته والنص عليه وعدد الأئمة، ونلاحظ أن كثيرا من الأفكار الضالة والمنحرفة تنتشر في أجواء الجهل والتخلف وتلبس بعض أصحاب المصالح والمطامع بلبوس الدين والتشيع لأهل البيت (عليهم السلام)؛ واليوم تعاني مجتمعاتنا الشيعية من وجود بعض الأفكار المنحرفة والضالة والتي تؤسسس لعقيدة منحرفة وسلوك لا شرعي وعدم الإلتزام بخط أهل البيت (عليهم السلام) الذي تجسده في واقعنا خط المرجعية والحوزة العلمية في مختلف بقاع التشيع.

نحن مدعوون ومسؤولون في هذا الظرف أكثر من غيره إلى فهم عقيدة التشيع بحسب تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وعدم الإنجرار وراء التفكير اللاعقلائي، وبعض الأصوات المتطرفة التي تركز على عناصر العداء والخلاف والقطيعة مع الآخرين بل وإشاعة حالة الانتقام منا،  وذلك سبب كثيرا من المشاكل والأزمات لأتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2001
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24