• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : دور الرسول في تفسير الكتاب العزيز .

دور الرسول في تفسير الكتاب العزيز

السيّد حكمت الموسوي

تمهيد

إنّ النبي (ص) إلى جانب مسؤوليته العظمى في تلقّي الوحى من الله تبارك تعالى، فله أيضاً دور كبير وجليل في تبيين وتفسير هذا الوحي المنزل إليه. يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)؛ بل أكّده بقوله: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64). وواضح أن تفسير القرآن الكريم وبيانه إذا لم يتصدّ له نفس النبي (ص) بما يتناسب مع عظم الغاية التي أنزل من أجلها المتمثّلة بهداية الناس على مرّ الأزمنة والمجتمعات المتفاوتة، فلن يتحقّق من ذلك شيء على ما يريده الله سبحانه، ويبقى الأمر غير مكتمل وغير واضح الملامح من جانب، ومثير للفرقة والاختلاف من جانب آخر، وهو ممّا لا يتفق مع حكمة الله تعالى ولطفه بالناس.

ومن الجلي أيضاً أن القرآن الكريم يحوي في طيّاته علوماً جمّة ومعارف راقية، وهذه العلوم بلا شك تحتاج إلى توضيح وبيان من المبلّغ نفسه، ولا يتيسّر لأي أحد الوصول إلى لبّ لبابها وجليل معانيها إلا مَن اصطفاه الله لهذا الأمر. والنبي الأكرم باعتباره المرسل من قبل الله تبارك وتعالى والمتكفّل بأمر الهداية، لذا فهو أوّل وأهمّ مرجع لفهم القرآن الكريم.

وممّا يؤيّد هذا أيضاً الشواهد التاريخية التي أشارت إلى أنّ الرسول (ص) قد تصدّى بنفسه إلى إزاحة الالتباس والغموض عن فهم هذا الكتاب الكريم في مقام تفسيره للآيات الكريمة.

وقبل الدخول إلى صميم البحث نرى لزاماً التعرّض إلى شرح بعض المصطلحات المهمّة لموضوع البحث.

التفسير في اللغة والاصطلاح

التفسير في اللغة من الفَسْرُ؛ وهو البيانُ والتفصيل [الصحاح - تاج اللغة وصحاح العربية، ج‌2، ص781؛ المحيط في اللغة، ج‌8، ص311]. وفَسَر الشيءَ يفسِرُه، بالكَسر، ويفْسُرُه، بالضم، فَسْراً وفَسَّرَهُ: أَبانه، والتَّفْسيرُ مثله [لسان العرب، ج‌5، ص55].

وعُرّف التفسير في الاصطلاح بعدّة تعاريف، منها:

1- كشف المراد من اللفظ المشكل. [مجمع البيان، للشيخ الطبرسي ره: 1، 39]

2- إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز. [البيان، للسيد الخوئي ره: ص 267]

3- ازاحة الابهام عن اللفظ المشكل، حيثما أبهم في إفادة المراد. [التفسير الأثري الجامع، ج1، ص29]

4- بيان المعنى الاستعمالي لآيات القرآن الكريم، وإيضاح المراد الجدّي لها على أساس قواعد اللغة العربية وأصول المحاورة العقلائية، وذلك بالاستناد إلى المصادر والقرائن المعتبرة. [منطق تفسير قرآن، د. رضائي اصفهاني، ج1، ص13]

الأقوال والآراء في تفسير الرسول (ص) للقرآن الكريم

السؤال المهم: هل قام الرسول (ص) بتفسير جميع آيات القرآن أو أنّه اكتفى بتفسير بعض الآيات التي صعب على الصحابة فهمها؟

الجواب عن هذا السؤال هو نفسه من الأبحاث المهمة في علوم القرآن، حيث انقسمت الآراء إلى ثلاثة أقسام:

1- نسبة إلى ما رُوي عن عائشة بأنّ النبي (ص) ما كان يفسِّر شيئاً من القرآن إلا آياً بعدد علّمهنّ إيّاه جبريل. [الاتقان في علوم القرآن للسيوطي، ج2، ص539]

والمُستفاد منه أنّ رسول الله (ص) قد فسّر آيات معدودة وليس كلّ الآيات.

2- أنّ الرسول (ص) قد فسَّر وبيَّن جميع آيات القرآن، وأنّه (ص) كما بيّن جميع ألفاظ القرآن، فإنّه قام أيضاً بتفسيرها. وهذا بالاستناد إلى قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44). وبيان الرسول (ص) هذا يشمل معاني القرآن وألفاظه.

قال أبو عبد الرحمن السلّمي: "حدّثنا الذين كانوا يقرأون القرآن كعثمان بن عفّان وعبدالله بن مسعود وغيرهما: أنّهم كانوا إذا تعلّموا من النبي (ص) عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، ولهذا كانوا يبقون مدّة في حفظ السورة" [الاتقان في علوم القرآن للسيوطي، ج2، ص468].

وعقّب السيوطي قائلاً: "فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هز عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم، ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جدّاً" [المصدر نفسه، ج2، ص469].

3- أنّ النبي (ص) فسّر القرآن الكريم على مستويين: فقد كان يفسِّره على المستوى العام في حدود الحاجة ومتطلّبات الموقف الفعلي، ولهذا لم يستوعب القرآن كلّه.

وكان يفسِّره على مستوى خاص تفسيراً شاملاً كاملاً بقصد إيجاد من يحمل تراث القرآن ويندمج به اندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تُتيح له أن يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الأُمّة للقرآن.

مناقشة الآراء

يظهر من ذلك أن الاختلاف قد يكون ناشئاً من الاختلاف في تعريف التفسير وهل إن التفسير يكون بالضرورة يشير إلى حقيقة الشيء المُفسَّر أم لا؟ وهل يشمل التأويل أيضاً أم يفترق عنه؟ وهذا له دور كبير في تحرير محل النقاش، حيث إن للحقائق والمفاهيم لها عدة اعتبارات (كيوم القيامة والحروف المقطعة وغير ذلك)، فما كان تأويلاً لها فلا يمكن الأخذ به إلا من مصادره المقرَّرة، وأما التفسير وتعيين ظاهر اللفظ فيمكن الاكتفاء بما نقله علماء التفسير كتفسير للمعنى الظاهري لتلك الألفاظ.

وكذلك يجب الأخذ بنظر الاعتبار أنه ليس بالضرورة كل ما قاله الرسول (ص) فقد وصل إلينا، فإن كثيراً من النصوص والروايات الشريفة لم تصل إلينا، خصوصاً بعد المنع من تدوين السنة الشريفة في زمن عمر بن الخطاب. فما عندنا يُمثّل جزءاً من السنة الشريفة لا كلّها، ناهيك عن ما يتمخّض من مرحلة تمحيص الروايات وتشخيص الصحيح من الضعيف، حتى نقول: هل قام الرسول (ص) بتفسير القرآن الكريم أم أنه اكتفى بالبعض دون الآخر أو غير ذلك؟!

فيجب أوّلاً معرفة: هل إن أصحاب هذه الآراء متّفقون على تعريف واحد للتفسير أم لا؟ ثمّ هل يُعدُّ التراث الواصل إلينا الآن في التفسير هو جميع ما قاله الرسول (ص) في تفسير آيات القرآن أم أنه بعضٌ من ذلك التراث العظيم؟

إضافة إلى أن المفسِّر للقرآن الكريم قد يُوْكل أمرَ التفسير إلى شخص آخر قد تعلّم منه التفسير وهو ما تقتضيه ظروف المرحلة التي مرّ بها التشريع الإسلامي وأمر تحتّمه الحكمة والمنطق نظراً لتفاوت المجتمعات والأزمنة التي تمرّ بها، فيكون هذا الشخص يحمل نفس نهج الرسول (ص) في تفسير القرآن الكريم لما يحتوي على التعاليم الإسلامية ولما فيه من الأهمية الكبرى لحفظ تلك المعالم من الاندراس والاندثار وخصوصاً لما هو متوقّعٌ حدوثه من منع تدوين الحديث الشريف، كما حصل فعلاً.

وهذا الأمر يظهر جليّاً حينما علَّم الرسول (ص) أميرَ المؤمنين (ع) أبواب العلوم والمعارف التي يفتح من كلٍّ باب منها ألف باب، كما قال أمير المؤمنين (ع): "علمني ألف باب من الحلال والحرام، ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب" [الخصال: ص646،30، و ص 414 ، 4]، وقول الرسول (ص) فيه (ع) بأنه أعلم الناس وأفقههم، و.. .

ومن الواضح أنّ القرآن الكريم فيه علوم جمّة وبحر من المعارف، ولا تتأتى الإحاطة بها إلا بمعرفة معاني آياته وتفسيرها طبقاً لما أمر به الرسول (ص) وحثّ عليه، فتفسير الرسول للقرآن الكريم سواء كان بالمباشرة أو كان من خلال منهجه التفسيري الذي علمه أصحابه ومن أبرزهم أمير المؤمنين (ع)، فهذا كلّه يُعدّ من تراثه التفسيري في الواقع.

رُوي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنبأتكم بذلك". [أخرجه ابن كثير في التفسير 4 / 231]

وعنه (ع) أيضاً في حديث: "... وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل". [نقله أبو عمر في جامع بيان العلم 1 / 114 ، والمحب الطبري في الرياض 2 / 198 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 124 ، والاتقان له 2 / 319 ، وابن حجر في فتح الباري 8 / 452 ، وتهذيب التهذيب 7 / 338 ، والعيني في عمدة القاري 9 / 167 ، ومفتاح السعادة 1 / 400].

وعنه (ع): "والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً". [حلية الأولياء 1 / 68 ، ومفتاح السعادة 1 / 400] .

كما يظهر ـ خصوصاً فيما سبق من البحث  اللغوي والاصطلاحي للتفسير ـ أن المسألة هنا هي مبنائية أكثر مما هي اختلاف في الرأي، فلا يصل الأمر إلى هذا ما لم تبيّن حقيقة الاختلاف هذا، وما هو منشؤه.

ولاحظنا أن الروايات دلّت بوضوح على أن النبي (ص) كان يفسّر كل آية تُوحى إليه بعد تلاوتها.

الأدلّة على تفسير الرسول (ص) للقرآن الكريم

يمكن أن نحصر الأدلة على ذلك ـ وبالنظر إلى ما تقدّم بحثه ـ إلى ثلاثة أقسام؛ قرآنية وروائية وعقلية.

الدليل القرآني

أشارت الآيات القرآنية بشكل صريح إلى أنّ النبي (ص) إلى جانب مسؤوليته العظمى في تلقّي وحى الله تبارك تعالى، فإنّ له أيضاً دوراً كبيراً وجليلاً في تبيين هذا الوحي المنزل وتفسيره. يقول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)؛ بل قال أيضاً: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64)،

وكمثال على ذلك، حينما نقرأ قوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103) لا يتّضح لدينا ـ لا من هذه الآية الكريمة ولا من غيرها ـ كيفية الصلاة وشروطها وأجزائها، ويبقى الأمر مجملاً ومحاطاً بهالة من الإبهام والغموض. لكن من خلال مراجعة سنة رسول الله (ص) وسيرته، نرى أنّه فسّر الصلاة وبيّنها للناس بشكل جليّ (راجع: وسائل الشيعة، ج3)، كما يُشير إلى ذلك الحديث المشهور عنه (ص) أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

أو حينما نقرأ قول الله جلّ وعلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا...} (آل عمران: 97)، نلاحظ أنّه لم يتمّ بيان كيفية إتيان مناسك الحج، لكن حينما نقرأ عن الرسول (ص) أنّه قال للناس حينما دخل مكة: «خذوا عني مناسككم» (الحدائق الناضرة، ج16، ص102، عوالي اللئالي، ج4، ص35) حيث تعلّم الناس منه كيفية الاعتمار وكيفية الحج، سوف تتّضح لنا كيفية إتيان هذه الفريضة بانضمام الروايات الشريفة التي تكفّلت ببيان فريضة الحجّ.

والأمر نفسه في بقية الأحكام والفرائض الشرعية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم.

الدليل الروائي والتاريخي

بالإضافة إلى ذلك، فقد تصدّى صحابة الرسول (ص) لبيان وتفسير الآيات القرآنية للناس، حيث كانوا يسألون النبي (ص) بعد سماعهم الآيات منه مباشرة.

فقد روي عن ابن مسعود أنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن" [التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج1، ص17].

وروي انه استعمل عليٌّ (ع) عبدَ الله بن العباس على الحج فخطب خطبة لو سمعها الترك والروم لا سلموا ثم قرأ عليهم سورة النور - وروي سورة البقرة - ففسرها فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لا سلمت. [المصدر نفسه].

ويروى عن سعيد بن جبير أنه من قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعجمي أو الأعرابي. [المصدر نفسه].

أو ما جاء عن أبي عبد الرحمن الأسلمي أنه قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرؤون من النبي (ص) وكانوا إذ تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً. [تفسير ابن كثير، ج1، ص4].

وغير ذلك من الأحاديث التي تُشير بوضوح إلى كيفية تعلّم الصحابة من النبي (ص) تفسير الآيات الكريمة حيث كان يبيّن لهم ما يعينهم على فهمها.

وهذا الأمر يظهر جلياً حينما علّم الرسول (ص) أمير المؤمنين (ع) أبواب العلوم والمعارف التي ينفتح من كلٍّ منها ألف باب كما قال أمير المؤمنين (ع) عن نفسه: "علمني ألف باب من الحلال والحرام، ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب" [لخصال: 646 / 30 و ص 414 / 4] وقول الرسول (ص) بحقه (أنه أعلم الناس وأفقههم و..).

ومن الواضح أنّ القرآن الكريم يحوي أصل العلوم ومنبعها ولا يتأتى الإحاطة بها إلا بعد معرفة معنى الآيات القرآنية وتفسيرها طبقاً لما أمره الرسول (ص) بذلك، فتفسير الرسول للقرآن الكريم إن كان بالمباشرة بنفسه الشريفة وإن كان من خلال منهجه التفسيري الذي علمه أصحابه ومن أبرزهم أمير المؤمنين (ع)، فهذا كله يُعد من تفسيره في الحقيقة.

روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنبأتكم بذلك". [أخرجه ابن كثير في التفسير 4 / 231]

وعنه (ع) أيضاً في حديث: "... وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل". [نقله أبو عمر في جامع بيان العلم 1 / 114 ، والمحب الطبري في الرياض 2 / 198 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 124 ، والاتقان له 2 / 319 ، وابن حجر في فتح الباري 8 / 452 ، وتهذيب التهذيب 7 / 338 ، والعيني في عمدة القاري 9 / 167 ، ومفتاح السعادة 1 / 400].

وعنه (ع): "والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً". [حلية الأولياء 1 / 68 ، ومفتاح السعادة 1 / 400] .

كما يظهر ـ خصوصاً فيما سبق من البحث  اللغوي والاصطلاحي للتفسير ـ أن المسألة هنا هي مبنائية أكثر مما هي اختلاف في الرأي، فلا يصل الأمر إلى هذا ما لم تبيّن حقيقة الاختلاف هذا، وما هو منشؤه.

ولاحظنا أن الروايات دلّت بوضوح على أن النبي (ص) كان يفسّر كل آية تُوحى إليه بعد تلاوتها.

الدليل العقلي

وهو عمدة الأدلّة وأساسها، حيث يمكن أن تكون الأدلّة القرآنية والروائية هي أدلة إرشادية للدليل العقلي القائل بأنّ كل أمر مهم ـ فضلاً عن عظائم الأمور وخطيرها ـ إذا لم يتصدّ له ويتكفّل ببيانه وتفسيره نفس المرسل إليه والذي وقع على عاتقه أمر تنفيذ هذا الأمر وتطبيقه، فإن النتيجة المرجوة من وراء هذا الشيء المهم (كهداية الناس) سوف لن تتحقّق على الوجه المطلوب، ويبقى الأمر غير مكتمل وغير واضح الملامح من جانب، ومثاراً للإشكالات والشبهات والاختلاف من جانب آخر، وسيترك الناس حينئذٍ في دوامة من الاختلاف والحيرة، وهو أمر لا يتفق مع حكمة الله تعالى وأفعاله المنزّهة من العبث واللهو، وإلا لم يستقم للعالم عمد ولتبدّد وتلاشى.

خصوصاً إذا توقّف على هذا الأمر مستقبل الناس وخلاصهم بما يمثّل من نهج إلهي باقٍ إلى يوم القيامة، حيث ينبغي أيضاً أن يكون المنزل عليه حائزاً على صفات ومنازل تتناسب مع عظم الأمر الذي أرسل لأجله وكونه خاتم الأنبياء ودينه ورسالته خاتمة الأديان والرسالات.

وبالنظر أيضاً أن العلوم القرآنية تستدعي هذا الاهتمام الكبير بتفسير آيات هذا الكتاب الجليل، حيث إنها ـ بلا شك ـ تحتاج إلى بيان وتفسير من قبل من المبلّغ نفسه، لذا لا يمكن لأحد فهم هذه العلوم والوصول إلى لبّ لبابها وجليل معانيها، إلا مَن اصطفاه الله لهذا الأمر.

وكما سبق بيانه أن النبي الأكرم باعتباره المتكفّل بأمر الهداية بأمر الله عزّ وجلّ، فهو أوّل وأهمّ مرجع لفهم القرآن الكريم وتفسيره، كما رأينا في الروايات والشواهد التاريخية المتضمّنة التي أشارت إلى أنّ الرسول (ص) قد تصدّى بنفسه الشريفة إلى إزاحة الغوامض عن فهم هذا الكتاب العزيز في مقام تفسيره لآيات القرآن العظيمة.

العترة الطاهرة ورثة الكتاب وحملة علم الرسول (ص)

كما قلنا سابقاً أن المفسِّر للقرآن الكريم قد يُوْكل أمرَ التفسير إلى شخص آخر قد تعلّم منه التفسير وهو ما تقتضيه ظروف المرحلة التي مرّ بها التشريع الإسلامي وأمر تحتّمه الحكمة والمنطق فيكون هذا الشخص يحمل نفس نهج الرسول (ص) ومنه النهج الصحيح لتفسير القرآن الكريم لما يحتوي على التعاليم الإسلامية ولما فيه من الأهمية الكبرى لحفظ تلك المعالم من الاندراس والاندثار وخصوصاً لما هو متوقّع الحدوث جرّاء منع تدوين الحديث الشريف كما حصل في عهد عمر بن الخطاب.

وهذا الأمر يظهر جلياً ـ كما تقدّم بحثه ـ حينما علّم الرسول (ص) أمير المؤمنين (ع) أبواب العلوم والمعارف التي ينفتح من كلّ باب منها ألف باب كما نراه في قول أمير المؤمنين (ع): "علمني ألف باب من الحلال والحرام، ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب" [لخصال: 646 / 30 و ص 414 / 4] وقول الرسول (ص) فيه (ع): "أنه أعلم الناس وأفقههم و.."، وغيرها من الروايات الشريفة التي يطول ذكرها.

ومن هنا فإن موضع أهل بيت الرسول (ص) ـ وخصوصاً أمير المؤمنين (ع) ـ كان موضع البيان والتفسير لآيات الكتاب العزيز وورثوا علمهم الزخّار من الرسول (ص) باعتبارهم خلفاءه في أداء رسالة الله عز وجل وتبليغها.

فهم باب علمه، ومستودع حكمته، والمؤدون عنه، والشهداء على الخلق، والرسول عليهم شهيداً.

قال الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}: "نزلت في أمة محمد (ص) خاصة، في كل قرن منهم امام منا شاهد عليهم، ومحمد شاهد علينا.." (الكافي، ج1، ص190).

وعن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: "ان الله طهرنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته على من في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا..." (بصائر الدرجات، ص83 ، رقم 6).

وقال الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا..} (فاطر: 32): "هم آل محمد (ص)..." (المصدر نفسه، ص46، رقم 12).

قال الإمام الباقر (ع) لعمرو بن عبيد ـ من زعماء المعتزلة ـ: "فإنما على الناس أن يقرأوا القرآن كما أنزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره، فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو" (تفسير فرات الكوفي: 258 / رقم 351).

وقال الإمام الكاظم (ع): "نحن الذين اصطفانا الله. فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء.." (الكافي، ج1، رقم 7).

وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال في قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43): "كتاب الله الذكر، وأهله آل محمد الذين أمر الله بسؤالهم، ولم يؤمروا بسؤال الجهال، وسمى الله القرآن ذكراً، فقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)، (بصائر الدرجات، رقم 19).

سأل عبيدة السلماني وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد النخعي ـ وهم نخبة التابعين ـ الإمامَ أميرَ المؤمنين ـ عليه صلوات المصلين ـ: من ذا يسألونه عما إذا أشكل عليهم فهم معاني القرآن؟ فأجابهم الإمام قال: "سلوا عن ذلك آل محمد..." (المصدر نفسه، ص 196، رقم 9، عنه: تفسير أبي حمزة الثمالي، ص5-6).

وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث منا من يعلم كتابه من أوله الى آخره..." (المصدر نفسه، ص196، رقم 6).

النتيجة

تبيّن لنا من خلال البحث أن الرسول (ص) له الدور البارز والكبير في تفسير القرآن الكريم وبيانه وهو المرجع الأوّل والأساس في هذا الأمر، ويشهد بذلك آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة والعقل ـ كما مرّ ـ خصوصاً أن أمر بيان القرآن الكريم وتفسير هو جزء من مهمة الرسول (ص) الملقاة على عاتقه في تبليغ الرسالة الإسلامية لهداية الناس وإرشادهم إلى ما حوته الآيات المباركة من المعارف والعلوم الجمّة التي تحتاج إلى بيان وإيضاح وفي مختلف الجوانب والشؤون التي من شأنها الأخذ بيد الإنسان إلى ما فيه صلاحه ونجاحه في النشأتين؛ الدنيوية والأخروية، ولا أحد أعرف بشؤون الكتاب الكريم منه (ص).

كما تتّضح الحاجة إلى التفسير أيضاً بالنظر إلى ضرورة دفع الاختلاف والنزاع في فهم الآيات الكريمة ما دام أنّ الغاية والهدف الرئيس من الرسالة الإسلامية هو هداية الناس وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم. 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1982
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24