• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : التجويد .
                    • الموضوع : أساس تطوّر علم التجويد .

أساس تطوّر علم التجويد

بقلم: محمد رضا ستوده نيا

المقدّمة

التجويد عنوان لعلم مؤصّل لمجموعة من العلوم القرآنية وفنون اللغة العربية، والذي كان ومنذ البداية يدرس علم أصوات اللغة العربية وكانت مباحثه متداخلة مع علم الوقف والابتداء وعلم الأداء وعلم القراءات.

التجويد في اللغة

وهو التحسين، يُقال: جوّدت الشيء؛ أي: حسّنته. وتجويد الشيء أيضاً: إحكامه وإتقانه؛ يُقال: فلان جوّد الشيء؛ أي: حسّنه وأجاده إذا أحكم صنعه، وأتقن وضعه، وبلغ منه الغاية في الإحسان والكمال.

التجويد في القرآن الكريم والروايات الشريفة

جاءت لمفردة (التجويد) في القرآن الكريم كلمتان مترادفتان؛ إحداهما كلمة الجودي؛ وهو الجبل الذي استقرّت فيه سفينة نوح (ع): {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]، والأخرى كلمة الجياد: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص: 31].

وأمّا بالنسبة للاحاديث النبوية الشريفة، فهناك حديث واحد جاء في آداب الأكل وهو (تجويد المضغ).

أمّا بالنسبة لزمن الصحابة والتابعين فقد وصل إلينا موردان فقط لتجويد القرآن؛ الأولى: الرواية المنسوبة الى ابن مسعود: "جودوا القرآن" [ابن الجرزي، ج 1، ص 210؛ والسيوطي، ج 1، ص 281]. في المصادر القديمة طبعاً، جاءت كلمة "جردوا" بدل "جوّدوا"، والظاهر أنها صحّفت في المصادر المتأخّرة.

الرواية الثانية: حديث ينسب إلى أمير المؤمنين علي (ع) يقول فيه: "الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف" [البرهان في علوم القرآن بدر الدين الزركشي، ج 1، ص 479؛ الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، ج 1، ص 221]. ونقل بشكل آخر أيضاً: "الترتيل هو حفظ الوقوف وبيان الحروف" [الوافي، للفيض الكاشاني، ج 8، ص 699].

وكانت هناك كلمات أخرى تعطي معنى التجويد تتداول في زمن الرسول الأعظم (ص) وأصحابه الكرام؛ مثل: الترتيل، التحسين، التزيين والتحيير. وكانت هذه المفردات تُستخدم حينما يُراد الالتزام بفصاحة اللغة العربية والقراءة الجيّدة للقرآن الكريم.

حيث جاءت كلمة (الترتيل) من بين هذه الكلمات الأربع فقط في القرآن الكريم: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] و {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].

ونشاهد في اللغة العربية مفردات لمادة "ج و د" مثل: الجيّد نقيض الرديء؛ جاد الشيء جوّده، أي: صار جيداً؛ أتى بالجيّد من القول والفعل؛ رجل جواد: سخيّ؛ جاد الفرس فهو جواد [لسان العرب لابن منظور: 110].

نشوء مصطلح التجويد

نشأ اصطلاح التجويد بمعناه العلمي والذي يبحث مخارج الحروف وصفاته والأحكام المترتبة من تركيب الحروف في الكلام المنطوق، في القرن الرابع الهجري تقريباً. ومن ناحية أخرى، لم يُعرف كتاب في هذا العلم قبل هذا القرن، وفي التالي فإنّ علم التجويد قد تأخّر أكثر من قرنين من نشوئه كعلم مستقل عن باقي علوم القرآن وعلوم اللغة العربية.

وأقدم متن جاءت فيه كلمة التجويد وقريب للمعناها الاصطلاحي، هو قول ابن مجاهد (ت 324 ق) مؤلّف كتاب "السبعة في القراءات"، حيث قال فيه: "حدثني الحسين بن شاكر المسمار، قال: حدثنا احمد بن نصر، قال: سمعت ابن مجاهد يقول: اللحن في القرآن لحنان: جليّ وخفيّ؛ فالجليّ لحن الإعراب والخفيّ ترك إعطاء الحرف حقّه من تجويد لفظه" [التحديد: 22].

يروي أحمد بن أبي عمر (المتوفى بعد سنة 500 هـ) الرواية هكذا: "... والخفي ترك اعطاء الحروف حقّها من تجويد لفظها بلا زيادة فيها ولا نقصان" [أحمد بن أبي عمرو: ص 68].

واصطلح على علم التجويد بمعناه المستخدم اليوم بعد تأليف أوّل كتاب متخصّص في علم التجويد.

ويذكر ابن الجرزي في كتابه أول تأليف في التجويد وهو عبارة عن قصيدة رائية لأبي مزاحم الخاقاني المشهورة بالقصيدة الخاقانية والتي مطلعها:

"أقول مقالاً معجباً لأولي الحجر                ولا فخر، ان الفخر يدعو إلى الكبر"

وتتضمّن هذه القصيدة 51 بيتاً، تطرّق فيها أبو مزاحم إلى موضوعات أصبحت بعده جزءاً من علم التجويد.

كان تأثير هذه القصيدة على حثّ المهتمّين بعلم التجويد واضحاً وجليّاً، حيث كانت محلّ أخذ وردّ، فقام بعضٌ بالاقتباس منها، واستشهد قومٌ ببعض أبياتها، وتحدّث بعضهم في مقام التعارض فيها، وقام آخرون بشرحها وتوضيحها.

ومع أنّ القصيدة الخاقانية تُعدّ أوّل مصنَّف مستقلّ يظهر في مجال التجويد، ألا أنّ أبا مزاحم لم يستخدم مفردة التجويد في هذه القصيدة أبداً ولا حتّى أتى بمشتقّاتها، بل جاء بكلمة "حسن" ومشتقّاتها، حيث قال في صدر البيت الخامس: "أيا قارئ القرآن أحسن أداءه"؛ وقال في صدر البيت السابع: "فقد قلت في حُسن الأداء قصيدة".

إنّ عدم استخدام كلمة التجويد في قصيدة ابي مزاحم ـ بالرغم من ظهور هذا العلم ـ يدلّ على أنّ هذا المصطلح لم يكن مشهوراً في ذلك الزمان؛ إلا أنّ ابن مجاهد الذي كان معاصراً لأبي مزاحم قد استعملها في كتابه "السبعة في القراءات".

وأوّل مَن استخدم هذا المصطلح بعد ابن مجاهد هو أبو الحسن علي بن جعفر السعيدي (ت 410 ق)، حيث ذكر في بداية كتابه (التنبيه على اللحن الجليّ واللحن الخفيّ) هكذا: "سألتني... أن أصنّف لك نُبذاً من تجويد اللفظ بالقرآن"؛ وقال في مكان آخر من كتابه: "ويُؤمر القارئ بتجويد الضاد من الضالّين وغيرها" [التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي، ص45ـ47].

بعد هذه الفترة شاع اصطلاح التجويد بشكل أوسع.

وإذا سلّمنا لرأي ابن الجرزي أنّ القصيدة الخاقانية هي أوّل مؤلَّف في علم التجويد، فإنّ الفاصل الزمني بين تاريخ تأليف القصيدة وبين تاريخ ظهور كتاب السعيدي ـ الذي يُعدّ بعد القصيدة الخاقانية أقدم كتاب عرف في علم التجويد وأوّل مؤلَّف مستقلّ في هذا العلم ـ هي هي قرن واحد تقريباً.

ولم نشاهد في كتاب الفهرست لابن النديم أيّ كتاب يحمل عنوان التجويد أو يبحث موضوع التجويد، بالرغم من أنّ ابن النديم في الفن الثالث من المقالة الأولى للكتاب، قد ذكر المئات من تأليفات علوم القرآن.

فهذا يوحي إلى أنّ مسيرة علم التجويد في القرن الرابع الهجري قد كانت في بدايتها، وأنّ الكتب التي أُلفت في هذا المجال لم تكن معروفة خلال فترة تأليف ابن النديم كتابه الفهرست، لذلك، فإنّ تاريخ علم التجويد في القرن الرابع يخلو من متون حديثة تدلّ على تاريخ نشوئه.

وحينما نتقدّم خطوةً وندخل في القرن الخامس الهجري، نلاحظ أنّ المؤلَّفات حول التجويد قد أخذت ترى النور الواحد تلوَ الآخر، بحيث نشاهد معظم تأليفات علم التجويد كانت في هذا القرن.

وبعد كتاب (التنبيه على اللحن الجليّ واللحن الخفيّ) المؤلَّف في نهاية القرن الرابع الهجري أو أوائل القرن الخامس الهجري، تمّ تأليف كتابين في الأندلس؛ الأوّل: كتاب (الرعاية لتجويد القراءة) لمكي بن أبي طالب القيسي، والآخر كتاب (التحديد في الاتقان والتجويد) لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.

ظهور أوّل تأليفات علم التجويد

يُفهم من خلال مقدّمة كتاب (الرعاية لتجويد القراءة) بأنّ التاريخ الواقعي لظهور التأليفات في مجال علم التجويد هو القرن الخامس الهجري.

يقول مكي بن أبي طالب القيسي في هذه المقدّمة: "ما علمت أن أحداً من المتقدمين سبقني إلى تأليف مثل هذا الكتاب، ولا إلى جمع مثل ما جمعت فيه من صفات الحروف وألقابها ولا ما أتبعت فيه كل حرف منها من ألفاظ كتاب الله تعالى، والتنبيه على تجويد لفظه، والتحفظ به عند تلاوته..." [الرعاية لتجويد القراءة، 42].

وفي مقدّمة كتاب "التحديد في الاتقان والتجويد"، يخرج ابن سعيد الداني بنفس النتيجة التي خرج بها مكي القيسي حول عدم وجود كتب في علم التجويد خلال تلك الفترة.

من خلال النص الذي ذكرناه سابقاً، نستطيع القول بأنّ مكي القيسي قد قام بتحرير كتابه "الرعاية لتجويد القراءة" في عام 420 هـ ، لكن لا نستطيع تحديد العام الذي ألّف فيه ابن سعيد الداني كتابه، كذلك لا نعلم هل ألّفه قبل كتاب الرعاية أم بعده.

فيتّضح ممّا ذكرناه بأنّ بزوغ علم التجويد كعلمٍ مستقلٍّ يتأخّر عن سائر علوم القرآن واللغة العربية بحدود قَرْنين، إلا أنّ الأبحاث الأساسية في علم التجويد في البدء، قد كانت مِن قِبل اللغويين والنحويين، بعد ذلك، دخلت في مجال القراءة واتسعت وازدهرت مع علم القراءات. وقام علماء النحو واللغة بمساعدة القرّاء والمقرئين الأوائل الذين كان بعضهم أصحاب أدب ولغة ونحو وبلاغة، لأجل الحفاظ على أداء التلفّظ الصحيح والأصيل لحروف وكلمات القرآن الكريم وصونها من الخطأ، وقد ألّف الصفاقسي كتاباً اسماه (تنبيه الغافلين وارشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين).

إنّ خلاصة الجهود التي بذلها اللغويّون في مجال دراسة وبحث علم الأصوات في اللغة العربية إلى أواخر القرن الرابع تركّزت في تأليفات عدد من العلماء؛ منهم:

1. الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 ق) الذي أشار في مقدّمة كتاب العين إلى بعض الآراء التي ذكرها اللغويّون في مجال مخارج الحروف وصفاتها، وهي بحوث تتعلق بالأجهزة الصوتية للإنسان والتي تشمل: الحلق، والفم والشفاه و كذلك مخارج الحروف، الحروف الحلقية، والشجرية والنطعية والذلقية والشفوية مع شرح جزئيات كل حرف.

وقد رتّب الفراهيدي مخارج أصوات اللغة من الحلق إلى الشفاه خلافاً لما هو موجود في علم الأصوات. وكان الفراهيدي في وصفه لأصوات الحروف قد تأثّر بذوقه باختلاف أجهزة النطق في التلفّظ وإصدار الأصوات، ومن ناحية أخرى قد ركّز على نشاط عضلات أجهزة الإنسان حين إصدار الأصوات وتلقّيها من المستمع، وقام بهذه الأعمال حين لم يتوفّر بحوزته أيٌّ من الأجهزة الحديثة مثل مسجل الصوت والفيديو.

إنّ طريقة الفراهيدي في تحديد المخرج الدقيق لكل حرف هي بأن يضيف همزة مفتوحة على للحرف الساكن: (أب، أت، أخ، أع، أغ) وهذا كان من أجل تشخيص كل حرف، بحيث لا يختلط صوته مع باقي الحروف، بعدها جاء بالتقسيم الثماني لمخارج أجهزة النطق وهي على النحو التالي: المخرج الأوّل الحلقية، المخرج الثاني اللهوية، المخرج الثالث الشجرية، المخرج الرابع الأسلية، المخرج الخامس النطعية، المخرج السادس اللثوية، المخرج السابع الذلقية، المخرج الثامن الشفوية.

وقد شرع الفراهيدي بحرف العين في كتابه (كتاب العين) وبعدها جاء بالحروف الهجائية الأخرى على هذا الترتيب: (ع ح هـ خ غ)، (ق ك)، (ج ش ض)، (ص س ز)، (ط د ت)، (ظ ث ذ)، (ر ل ن)، (ف ب م)، (و ا ي همزه).

جدير بالذكر أن الفراهيدي لم يأتِ بحرف العين في البداية لكونه أبعد الحروف من ناحية المخرج، وإنما جاء به لشدّته ووضوحه وثباته بالقياس إلى باقي الحروف.

وقد صنّف الخليل الحروف إلى قسمين: الصحاح والهوائية، حروف الصحاح هي خمسة وعشرين حرفاً من مجموع تسعة وعشرين حرفاً في اللغة العربية، والتي لها مساحات ومدرجات، وأربعة من حروف الجوف (الواو، الياء، الألف اللينة والهمزة) وسميت بحروف الجوف لأنها تخرج من الجوف فلا تخرج من مدرجة من مدرجات الحلق ولا اللهاة ولا اللسان، وهي في الهواء فليس لها حيّز تنسب إليه الا الجوف.

حروف الصحاح عند الفراهيدي هي نفس الصوامت؛ وعند المعاصرين الهوائية هي الصوائت ذاتها.

والذَّلَقِيّة من مصطلحات الخليل الفراهيدي، إذ يقول: "اعلم أنَّ الحروف الذُلْق والشفوية ستة وهي: ر، ل، ن ، ف، ب، م، وإنَّما سُمّيتْ هذه الحروف ذُلْقاً؛ لأنَّ الذلاقة في المنطق إنَّما هي بطرف أسلة اللسان والشفتين، وهما مدرجتا هذه الأحرف الستة، منها ثلاثة ذليقة ر، ل، ن تخرج من ذَلْق اللسان من طرف غار الفم، وثلاثة شفوية: ف، ب، م مخرجها من بين الشفتين.

لم يتطرق الفراهيدي بشكل واضح إلى صفتي الجهر والهمس في كتابه، في حين أن تلميذه سيبويه قد شرح هذين الاصطلاحين بشكل مفصّل في كتابه "الكتاب"، وجاء بعده ابن جني بكتابه "سر صناعة الاعراب"؛ وابن سينا في كتابه "أسباب حدوث الحروف"، حيث أعطوا تفصيلات دقيقة ومهمة في هذا الخصوص.

2. إضافة إلى ما ذكره أبو بشر عمرو بن عثمان (سيبويه) من مباحث متنوّعة حول علم الأصوات في ثنايا متونه النحوية في كتابه "الكتاب"؛ إلا أنه قد خصَّص أيضاً قسماً منفصلاً لمباحث الأصوات، وقام بدراسة الأصوات العربية، ووصف الحروف حيث بدأ بالحروف الحلقية، وبعد ذلك الحروف التي تصدر من الفم واللسان متبعاً بذلك منهج أستاذه الخليل الفراهيدي.

ذكر سيبويه في باب "عدد الحروف ومخارجها" ترتيب الحروف العربية على النحو التالي: "ا / ب / ع / ح / غ / خ / ك / ق / ض/ ج/ ش/ ي/ ل/ ز/ ن/ط/ د/ ت/ ص/ ز/س/ ظ/ ذ/ ث/ ف/ ب/ م/ و".

3. تحدّث ابن جني في كتابيه "سر صناعة الاعراب" و "الخصائص" حول الانجازات التي حصلت لهذا العلم الحديث الإسلامي بشكل كامل وشامل وأوصلها إلى حدّ النظرية، وهو يُعدُّ أوّل مَن استخدم مصطلح "علم الأصوات".

4. ومع تطوّر علم معرفة الأصوات، كان لابن سينا دور كبير يفوق مجال تجويد القرآن واللغة العربية، حيث إنّ الاسم الحقيقي لرسالة ابن سينا هو "مقالة في أسباب حدوث الحروف ومخارجها". في هذه الرسالة التي طُبعت في القاهرة عام 1334 ق، قد خصَّص في الفصل الأوّل منها دراسة حول سبب حدوث الأصوات، وفي الفصل الثاني سبب حدوث الحروف، وأمّا الفصل الثالث فقد تطرّق فيه إلى شرح الحنجرة واللسان في بحوث لم يتطرّق إليها أحد قبله.

5. المبرد أبو عباس محمد بن يزيد في كتابه "المقتضب" في أبواب الإدغام.

6. ابن دريد أبو بكر محمد بن الحسن، في مقدّمة كتاب جمهرة اللغة.

7. الزجاجي أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق في آخر كتاب "الجمل" فيما يخص الإدغام.

8. الأزهري أبو منصور محمد بن أحمد في مقدّمة التهذيب.

يُعدُّ هؤلاء من العلماء الذين تناولوا بحث التجويد بشكل مفصّل ومتخصّص، مع أنّ ما جاء مبعثراً في بعض كتب هذه الفترة جدير بالذكر أيضاً.

علاقة علم التجويد مع علم القراءات

يُعدُّ علم القراءات من العلوم التي تشترك مع علم التجويد في موضوع النطق وأداء الحروف القرآنية، إلا أن كل واحد منهما يهتمّ بجانب من جوانب الصوت. قد فرّق علماء التجويد بين هذين العِلْمين في جهة الأسلوب والموضوع، فمن جهة الأسلوب اعتبروا كتب القراءات روائية، أمّا كتب التجويد كتب دراية وتستند على المشافهة وتمرين اللغة. وأمّا من حيث الموضوع، فإنّ كتب القراءات تذكر وجوه القراءات في النطق وأداء كلمات القرآن الكريم، في حين أن كتب التجويد تركز على دقّة أداء الألفاظ ـ مثل بيان الحروف من مخارجها وإعطاء الحروف وصفاتها حقّها ـ لكن أغلب مباحث التجويد لا توجد في علم القراءات.

قد بيّن علماء التجويد الاختلاف بين هذين العِلْمين في زوايا بحوثهم بصورة واضحة وجليّة، فمثلاً فيما يخصّ موضوع الإدغام، فإن البحث حول هذه الظاهرة وتفسيرها من الناحية الصوتية وأنواعها يتعلّق بعلم التجويد. وأمّا بالنسبة إلى اختلاف بعض القرّاء في إدغام بعض الحروف، فهي تُبحث في علم القراءات، كما في قول السمرقندي من أن القرّاء اختلفوا في إدغام لام (هل) و (بل) في ثمانية أحرف، وبيان ذلك قد ذُكر في كتب القراءات.

قد تعرّف علماء القراءة وبشكل جيّد على حدود وأطر ومواضيع العِلْمين، لأننا نلاحظ شراح القصيدة الشاطبية يؤكّدون دائماً على أن مخارج الحروف وصفاتها، والتي كان الشاطبي قد أنهاها بقصيدة «حرز الاماني»، وهي لا تُعدُّ جزءاً من مواضيع علم القراءات.

خلاصة البحث

من خلال ما تقدّم تبيّن ما يلي:

1. في زمن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه الكرام، كانت هناك عبارات تتداول فيما بينهم وكانت تعطي معنى التجويد مثل: الترتيل، التحسين، التزيين والتحيير؛ هذه المفردات كانت تستخدم للقراءة الصحيحة التي تراعى فيها صفات اللغة العربية الفصيحة والأداء الحسن للقراءة.

2. كان الهدف الأوّل لعلماء التجويد هو تعليم الأداء الصحيح لألفاظ القرآن الكريم طبقاً للغة العربية الفصحى، وهذا يستوجب أن تكون الدراسة في مجال ضيّق ومحدود في نص القرآن الكريم. هؤلاء لم يتطرّقوا إلى اختلاف اللهجات الموجود في الكلام، بل أوكلوه إلى علماء اللغة العربية. وبسبب تأكيد وإصرار علماء التجويد على حصر وتأطير دراستهم في أطر معيّنة، أخرجوا موضوع القراءات من دائرة علم التجويد.

3. ارتباط التجويد مع القرآن الكريم، دفع جميع المسلمين إلى دراسته وتعلّمه بالرغم من التفاوت المكاني والزماني، والاختلافات الثقافية والمادية واللغوية والعرقية الموجودة عندهم.

4. أدّى ارتباط التجويد مع القرآن الكريم إلى إضفاء حالة معنوية لهذا العلم، بحيث أقبل الناس عليه بدون الاحساس بالتعب والعناء، فصبروا وثابروا لأجل تعلّمه حتى يستطيع المتعلّم منهم أن يكون أداءه للكلمات دقيقاً وقراءته للمصحف الشريف صحيحة، وكان هذا سبباً في ترسيخ وثبات النطق الصحيح والفصيح للغة العربية منذ زمن نزول القرآن الكريم إلى يومنا هذا.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1978
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24