• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : شرح وصايا الإمام الباقر (ع) .
                    • الموضوع : حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 9 * .

حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 9 *

 الأستاذ آية الله الشيخ مصباح اليزدي


 بسم الله الرحمـٰن الرحيم

كيف نكون اُناساً قانعين

طرح مسألة

«وَٱنْزِلْ سَاحَةَ القَنَاعَةِ بِاتِّقَاءِ الحِرْصِ، وَادْفَعْ عَظِيمَ الحِرْصِ بِإِيثَارِ القناعةِ، وَاسْتَجْلِبْ حَلاوَةَ الزَّهَادَةِ بِقصر الأَمَل»1

يتابع الإمام الباقر (سلام الله عليه) حديثه الشريف الذي يوصي به جابر فيقول: عليك بالنزول إلى ساحة القناعة عن طريق تجنّب الحرص، وأن تدفع عنك عظيم الحرص من خلال انتهاج القناعة والزهد، وتظفر بحلاوة الزهد بتقصير الأمل.

تطرح هذه الجمل الثلاث، المرتبطة مع بعضها البعض إلى حدّ ما، بضعة مفاهيم أخلاقيّة نعرفها جميعاً ألا وهي: القناعة في مقابل الحرص، والزهد في مقابل التعلّق بالدنيا، وقصر الأمل في مقابل طول الأمل. أمّا من حيث المفهوم والتطبيق فيكتنفها شيء من الإبهام.

فالقناعة تعني اكتفاء المرء بما يملك وبما يتوفّر لديه. لكنّ السؤال هو: هل يتعيّن على المرء أن يكتفي دائماً وفي جميع الأحوال بما لديه فيندرج ذلك ضمن إطار القناعة المطلوبة؟ ألا ينبغي للإنسان الكدّ والسعي من أجل توفير لقمة عيشه واستمرار حياته؟ هل إنّ الجدّ والمثابرة من أجل تطوير الجانب الاقتصاديّ وغيره من الجوانب هو أمر غير محبَّذ يا ترى؟ أينبغي للمرء أن يقنع دائماً بالخبز والجبن ويشكر الله تعالى على هذه النعمة؟
أمّا الحرص - في المقابل - فهو من المفاهيم المضادّة للقيمة بل إنّه عُدّ في بعض الروايات ركناً من أركان الكفر. فإن كان الحرص مذموماً إلى هذا الحدّ فهل يعني ذلك أنّه ينبغي على المرء أن يتّصف دائماً بهبوط الهمّة وأن لا يسعى في طلب المهمّات من الامور؟ فالأشخاص المتقاعسون يفسّرون أمثال هذه المفاهيم بهذه الكيفيّة عادة. ولأنّهم متكاسلون ولا يطيقون العمل كثيراً فإنّهم يقولون: «نحن قانعون، وغير حريصين»! وهم في الحقيقة يحاولون تبرير تقاعسهم عبر هذه المفاهيم.

السؤال الآخر هو: كيف يمكن الجمع بين مفهوم قِصَر الأمل ومفهوم علوّ الهمّة المحبوب عند الله سبحانه وتعالى؟ وما هو مصداق كلّ منهما؟ هذه الأسئلة تفصح عمّا يكتنف هذه الجمل الثلاث من إبهام، وسنقدّم بتوفيق من الله تعالى توضيحاً موجزاً لها.

لا ينبغي التقاعس بذريعة الزهد

لابدّ أساساً من التفريق بين أمرين؛ الأوّل هو تعلّق القلب بلذائذ الحياة الدنيا وزخارفها وجعلها هدفاً، وهو عين «حبّ الدنيا» المذموم الذي يعدّه الحديث الشريف رأس كلّ خطيئة: «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»2، والثاني هو السعي والعمل من أجل تعمير الأرض.

فالشخص الذي يجعل من لذّات الدنيا غرضاً يقصده فهو لن يعير للشؤون المعنويّة والاخرويّة أهمّية تُذكر. بل وحتّى المعتقدون بالآخرة وبالقضايا المعنويّة فإنّهم - من الناحية العمليّة - يقدّمون الامور الدنيويّة في كثير من المواطن. وقد عَدّت الآيات والروايات هذا النمط من حبّ الدنيا علامة على الكفر؛ إذ يقول عزّ من قائل: «وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَوٰةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ»3. فالذين يرجّحون الحياة الدنيا على الآخرة إنّما يعانون – في واقع الأمر - من مشكلة في إيمانهم. وبشكل عامّ فإنّ البحث الذي تناول الاهتمام بلذّات الدنيا يختلف عن ذلك الذي يتناول السعي في امور الدنيا، بما في ذلك العمل، وكسب الرزق، وتعمير الأرض، والنهوض بالمستوى العلميّ، وما إلى ذلك. فنحن نعلم أنّ الذي يتصدّر قائمة زُهّاد العالم الإسلاميّ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو أمير المؤمنين عليّ (صلوات الله عليه). فلو طالعنا قصّة زهد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ألف مرّة لوجدنا فيها في كلّ مرّة ما هو جديد. فعن عبد الله بن عبّاس قال: دخلتُ على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وقد كان يقود جيشاً في حرب وهو يخصف نعله، فقال لي: «ما قيمة هذه النعل»؟ فقلتُ: لا قيمة لها. فقال (عليه السلام): «والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلاّ أن اُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً»4. لكنّ نفس هذا الرجل الذي كان يُعدّ رمزاً للزهد في العالم قد حفر بيديه عدّة قنوات ماء. فقد كان يحمل المعول ويحفر الأرض حتّى إذا بلغ الماء أوقف البئر للفقراء. ولا زالت هناك في أطراف المدينة آبار تسمّى «آبار عليّ (عليه السلام)» وهي معروفة بين الناس. وكان يحمل نوى التمر على ظهره ويزرعها نواة نواة. حتّى إذا نبتت سقاها بنفسه حتّى تكبر وتصبح نخلات باسقات، فإن آتت ثمارها وقفها لفقراء الرعيّة. فليس هناك أدنى تنافٍ بين أعمال عليّ (عليه السلام) هذه وزهده في امور الدنيا وعزوفه عنها، لأنّه كان يقوم بذلك بدافع أنّ الله عزّ وجلّ يحبّ هذا العمل. فمن جملة ما كلّف سبحانه وتعالى به الإنسانَ هو تعمير الأرض وزراعتها. فالله لا يحبّ أن تبقى الأرض بائرة وأن تجفّ أشجارها ويموت زرعها. فهو جلّ وعلا يقول في محكم كتابه العزيز: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»5؛ أي هو الذي خلقكم أيّها الناس من الأرض وأوكل إليكم عمارتها.

فقد كان عليّ (عليه السلام) يكدّ ويكدح فإذا أنتج عملُه وأثمر زرعُه وهبه إلى الفقراء من الرعيّة. لكنّنا في العادة نسمّي أنفسنا زاهدين وقانعين عندما لا يسعنا فعل شيء أو حينما لا يكون لدينا المزاج والطاقة للقيام بعملٍ ما. إذن لابدّ أن نحذر من خداع أنفسنا، فإنّ من سجايا ابن آدم وميزاته هي قدرته حتّى على خداع نفسه. فقد يكون ملتفتاً إلى الحقيقة في بادئ الأمر لكنّه يتغافل عنها ثمّ - شيئاً فشيئاً - يصدّق الأمر.

إذن فبذل الجهود والقيام بالنشاطات والعمل هي من الواجبات التي طالب الله تعالى الإنسان َبها ويتعيّن على الأخير إنجازها. أمّا الزهد والقناعة فهما من متعلّقات قلب الإنسان، فلا ينبغي أن يتعلّق قلبه بالدنيا. فعندما يحتّم التكليف عليه بذل ماله ينبغي له أن يبذله ويتخلّى عنه بكلّ يسر وسهولة، لا أن يكون مثل ذلك الرجل الذي أوصى ذويه بأن يكبّلوا يديه ورجليه عندما يهمّون بدفع خمس أمواله! فالمهمّ هو أن لا يكبّلنا التعلّق بالدنيا وبلذّاتها.

إنفاق المرء ممّا يحبّ سبيله الوحيد إلى التكامل

إنّ من أفضل السبل لانتشال القلب من التعلّق بالدنيا هو إنفاق الإنسان ممّا يحبّ في سبيل الله. فالقرآن الكريم يقول في هذا الصدد: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ»6؛ فإن رغبتم بالظفر بالبرّ والخير فإنّ الطريقة الوحيدة لذلك هي أن تنفقوا من الامور التي تحبّونها في سبيل الله وإلاّ فلن تنالوا هذا البرّ. فالزهد هو غير العمل والإنتاج وتعمير الأرض وتلبية حوائج الناس والنهوض بمستوى اقتصاد البلاد من أجل الوقوف بوجه الكفّار والمحافظة على عزّة الإسلام ومَنَعَته؛ ذلك أنّ الامور المذكورة هي واجبات جعلها الله عزّ وجلّ في رقابنا.

الفرق بين طول الأمل وعلوّ الهمّة

إنّ طول الأمل هو من الامور المذمومة بشدّة في الأخلاق الإسلاميّة. فقد روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى وطول الأمل»7. فهو (عليه السلام ) يخاف على المسلمين من أمرين: أوّلهما الانصياع وراء أهواء النفس ونزواتها. لكنّه من الضروريّ التنويه هنا بأنّه ليس كلّ ما يطلب القلب فهو سيّئ ومحرّم؛ فقد يميل قلب المرء إلى شيء هو ممّا يوجبه الشرع أيضاً. أمّا مفهوم الهوى المستعمَل في الأخلاق فهو ذلك الذي يخالف الشرع والعقل؛ وهو أن يميل القلب إلى ما تهواه النفس وليس إلى ما يرضا به الله ويحبّه، وهو أمر غاية في الخطورة. وثانيهما: طول الأمل. فهو (صلّى الله عليه وآله) طبيب خبير بأمراض الاُمّة وعللها وعارف بما يمكن أن يفسد عليها دنياها وعقباها.
لكنّ المهمّ هنا هو أن نعرف: ما هو المقصود بطول الأمل؟ فهل طالب العلوم الدينيّة الذي يطمح في أن يصبح في المستقبل شخصيّة علميّة مرموقة هو من المبتلين بطول الأمل؟ أم إنّ الشخص الذي دخل مجال التصنيع ويحدوه أمل في أن يصبح يوماً مخترعاً بارزاً وصانعاً لا يدانيه أحد في صناعته هو الآخر يشكو من صفة الأمل المذموم؟ فلولا تلك الآمال والطموحات لخبت شعلة الحياة وسكن نشاطها ولم يرتق المجتمع سلّم السموّ والتكامل. ولو قنع التلميذ باجتياز المرحلة الابتدائيّة ولم يطمح في أن يصبح استاذ جامعة، أو عالماً، أو فيلسوفاً، أو مرجعاً في التقليد فإنّه لن يهتمّ بالدرس والمذاكرة. فالأمل في اللغة هو الرجاء والترقّب وهو ليس بالأمر السيّئ. فالأمل والرجاء مفهومان متقاربان جدّاً في المعنى، ولولا وجودهما في حياة البشر لما اُنجزت أيّ فعّاليّة أو نشاط. أمّا مصطلح «الأمل» وفقاً للمفهوم الأخلاقيّ فهو عبارة عن الأماني العريضة التي تعيق المرء عن العمل بتكاليفه الشرعيّة والقيام بالأعمال القيّمة، وليس تلك الطموحات التي تحضّ المرء على بلوغ الكمال ودرجة القرب من الله عزّ وجلّ؛ كأن يتمنّى المرء أن يصبح أثرى أثرياء العالم أو أن يصبح بطلاً رياضيّاً مشهوراً يشار إليه بالبنان. فأمثال تلك الأماني والآمال تقف حجر عثرة أمام قيام المرء بواجباته الدينيّة وهي لذلك تصنَّف ضمن لائحة الآمال المذمومة. أمّا من وجهة نظر الأخلاق والثقافة الإسلاميّة فإنّ الآمال والطموحات التي تبلغ بالمرء درجات الكمال والقرب من الله عزّ وجلّ فهي تندرج في إطار «علوّ الهمّة». فليس من الأماني السيّئة أن يطمح الإنسان في أن يترقّى في مضمار التقوى والعلم والصناعة والإدارة ليتمكّن من خلال ذلك من إسداء خدمة إلى شعبه واُمّته، أو أن يحدوه الأمل في أن يملك من الثروة ما يمكّنه من الإنفاق على جميع فقراء مدينته؛ هذا بشرط أن يتوفّر طريق معقول للوصول إلى تلك الآمال والطموحات. فإن كنّا نعلم أنّ مقدار 99 بالمائة من هذه الآمال هو غير قابل للتحقّق فلن تكون طموحاتنا إلاّ ضرباً من نسج الخيال، أمّا إذا كان ثمّة سبيل معقول لتحقّقها على أرض الواقع وهدفٌ يرتضيه العقل والشرع من ورائها وأنّ احتمال تحقّقها يصل إلى نسبة خمسين بالمائة على الأقلّ فإنّها حينئذ من الآمال المعقولة التي لا غبار عليها.
واستناداً إلى التوضيح المقدّم لهذه المفاهيم نعود الآن إلى كلام الإمام (عليه السلام) لنجد أنّه يسوق تعبيراً حول القناعة هو غاية في البداعة والجمال. فالبحث أساساً كان يدور حول كون المؤمن في هذه الدنيا في حال صراع مع نفسه وهو (عليه السلام) في صدد أن يبيّن له سبل تجنّب السقوط أرضاً والسعي للغلبة على خصمه، وإنّ أحد هذه السبل هو القناعة. لكنّ الإمام (عليه السلام) يستخدم للقناعة هنا تعبيراً ملؤه الوقار والاحترام فيقول: «انزل ساحة القناعة»؛ فهو يرسم ساحة مباركة ثمّ يقول: حاول أن تلج هذه الساحة! وكأنّه يريد القول: إنّ مسألة القناعة مسألة بالغة الأهمّية وعليك أن تنظر إلى القناعة نظرة احترام وتبجيل وأن تبذل غاية الجهد للظفر بها. ثمّ يقول: من أجل أن يتسنّى لك دخول هذه الساحة وأن تصبح إنساناً قانعاً يتحتّم عليك اتّقاء الحرص لأنّه عدوّ القناعة، بل وقد عُدّ في الخبر من دعائم الكفر؛ بمعنى أنّ الحرص سينتهي بالإنسان الحريص إلى الكفر شاء أم أبى.

الزهد مبيد الحرص

لكن ماذا نصنع لنتجنّب الحرص؟ إنّ من الغرائز التي نتّصف بها نحن البشر جميعاً على وجه التقريب هي أنّنا نحبّ أن نزداد من امور الدنيا مهما كان لدينا منها. وصحيح أنّ سرّ هذا الأمر هو أنّ فطرة الإنسان طالبة للكمال الذي لا نهاية له لكنّ الإنسان يخطئ في التطبيق فيظنّ أنّ كماله في شؤون الحياة المادّية، في حين أنّ المطلوب الحقيقيّ هو شيء آخر.

إذن ما الذي نصنع كي لا نسقط في فخّ الحرص العظيم؟ ويجيبنا الإمام (سلام الله عليه) على هذا السؤال بالقول: «ادْفَعْ عَظِيمَ الحِرْصِ بِإِيثَارِ القَنَاعَةِ»؛ والزهد ببساطة يعني عدم التعلّق بالدنيا، لكنّه مُرّ المذاق وشاقّ على الإنسان. فمن الصعب على المرء أن يرى أنّ توفير الغذاء اللذيذ واللباس النفيس وما شابه ذلك هي اُمور ميسّرة له وفي متناول يديه ثمّ يعزف عنها ويقنع بالأشياء البسيطة. فهو يحبّ دائماً أن يطوّر وضعه المعيشيّ ويرفع من مستواه.

ومن أجل محاربة الحرص يتعيّن على المرء أن يفكّر بهذا الشكل ويسأل نفسه: إلى أيّ مدى أنا متيقّن من بقائي على قيد الحياة؟ إنّني أستطيع، في كلّ لحظة من لحظات عمري، أن أجني ما لا نفاد له ولا حدّ يحدّه من الربح والفائدة؛ فإن قلتُ: «سبحان الله» مرّة واحدة غُرست لي في الجنّة شجرة تبقى إلى أبد الآبدين. إذن فإنفاق لحظة واحدة في قول: «سبحان الله» له مثل هذا النفع الأبديّ. فإن كانت الحال هذه فهل من اللائق أن يمضي الإنسان هذا العمر القيّم في اقتناء اللباس الأجمل، وشراء البيت الأوسع، وجمع الدخل الأكثر، وما إلى ذلك؟! فقد يندم المرء ويعتصره الغمّ الشديد حتّى في هذه الدنيا على الأوقات التي أنفقها في جمع بعض الأموال عندما يشاهد أنّه قد آن أوان رحيله عن هذه الدنيا وستقع أمواله بأيدي ورثته ولن يصيب منها شيء على الإطلاق، بل وقد تصبح سبباً للنزاع والشقاق بين الورثة أيضاً. فما الذي يرمي إليه الإنسان من جمعه لكلّ هذه الثروة؟ وما الذي سيحصل إذا جمعها؟ إنّ غفلة الإنسان الحريص ورزوحه تحت وطأة أوهامه وتخيّلاته في أثناء جمع ثروته يبلغان من الشدّة بحيث انّه يستمرّ في اللهث وراء جمع الثروة على الرغم من كونه غارقاً فيها.

فكّر بقِصَر أمَد الدنيا!

إنّ أنجع السبل لمحاربة الآمال العريضة والطويلة هي أن يفكّر المرء ويتأمّل بعواقب تلك الآمال وليسأل نفسه: ما الذي سيجلب تحقيق تلك الأماني البعيدة والطموحات الكبيرة لإنسان ليس له في هذه الحياة الدنيا من المهلة إلاّ القليل وليس هو فيها أكثر من مسافر؟ فبدلاً من هذه الآمال المذمومة فليفكّر الإنسان بما يعود على آخرته بالفائدة؛ كأن يبذل جهوداً أكبر على صعيد الامور العباديّة، والسعي في طلب العلم وتربية الروح، وإعانة الفقراء، وتقديم الخدمات ذات النفع العامّ. ففي هذه الحالة يكون قد سعى وراء آمال لا تتعارض مع تكامل إنسانيّته. أمّا إذا انشغل الإنسان باستمرار بالتخطيط لتنمية ثروته عوضاً عن التفكير بخدمة الناس والارتقاء بمستوى العلوم سواء الدنيويّة منها أو الاخرويّة (ولو أنّ فائدة الأخيرة تفوق فائدة العلوم الدنيويّة بكثير) فسيضرّ ذلك بمسير تكامله، وقد يرتكب في هذا الطريق أبشع ألوان الظلم وتمتدّ يده - لنيل هذا المأرب - الى ما ليس له من الحقوق.

أعاذنا الله وإيّاكم ووفّقنا الله لما يحبّ ويرضى والسلام عليكم ورحمة الله

 


1. تحف العقول، ص285.

2. بحار الأنوار، ج51، ص258.

3. سورة إبراهيم، الآيتان 2 و3.

4. نهج البلاغة، مقدّمة الخطبة 33.

5. سورة هود، الآية 61.

6. سورة آل عمران، الآية 92.

7. بحار الأنوار، ج74، ص420.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1934
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24