• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : إضاءات قرآنية (1) - المبادئ الأولية للاقتصاد الإسلامي .

إضاءات قرآنية (1) - المبادئ الأولية للاقتصاد الإسلامي

 

الآية الكريمة: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة، 188]

في الكافي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز وجل في كتابه: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}، فقال: "يا أبا بصير إن الله عز وجل قد علم أن في الأمة حكّاماً يجورون أما إنه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنه عنى حكّام أهل الجور، يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [سورة النساء، 60]" [الكافي للشيخ الكليني، ج7، ص411].

المبادئ الأولية للاقتصاد الإسلامي (*)

تُشير هذه الآية الكريمة (الآية 188 من سورة البقرة) إلى أحد الأصول المهمة والكلية للاقتصاد الإسلامي الحاكمة على مجمل المسائل الاقتصادية، بل يمكن القول إن جميع أبواب الفقه الإسلامي في دائرة الاقتصاد تدخل تحت هذه القاعدة، ولذا نلاحظ أن الفقهاء العظام تمسكوا بهذه الآية في مواضع كثيرة في الفقه الإسلامي وهو قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.

أما المراد من (الباطل) في هذه الآية الشريفة، فقد ذكر له عدة تفاسير، ذهب أحدها إلى أن معناه الأموال التي يستولي عليها الإنسان من طريق الغصب والعدوان، وذهب آخرون أن المراد هو الأموال التي يحصل عليها الشخص من القمار وأمثاله. ويرى ثالث أنها إشارة إلى الأموال التي يكتسبها الشخص بواسطة القسم الكاذب (وأشكال الحيل في المعاملات والعقود التجارية). ولكن الظاهر أن مفهوم الآية عام يستوعب جميع ما ذكرنا من المعاني للباطل لأن الباطل يعني الزائل وهو شامل لما ذكر من المعاني، فلو ورد في بعض الروايات ـ كما عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن معناه (القسم الكاذب) أو ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسيره ب‍ (القمار) ـ فهو في الواقع من قبيل المصاديق الواضحة له. فعلى هذا يكون كل تصرف في أموال الآخرين من غير الطريق المشروع مشمولاً لهذا النهي الإلهي. وكذلك فهكذا أن جميع المعاملات التي لا تتضمن هدفاً سليماً ولا ترتكز على أساس عقلائي فهي مشمولة لهذه الآية.

ونفس هذا المضمون ورد في سورة النساء الآية 29 مع توضيح أكثر حيث تخاطب المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}. إن استثناء التجارة المقترنة مع التراضي هو في الواقع بيان لمصداق بارز للمعاملات المشروعة والمباحة، فلا تنفي الهبة والميراث والهدية والوصية وأمثالها، لأنها تحققت عن طريق مشروع وعقلائي. والملفت للنظر أن بعض المفسرين قالوا: أن جعل هذه الآية مورد البحث بعد آيات الصوم (الآيات 182 - 187) علامة على وجود نوع من الارتباط بينهما، فهناك نهي عن الأكل والشرب من أجل أداء عبادة إلهية، وهنا نهي عن أكل أموال الناس بالباطل الذي يعتبر أيضاً نوعاً من الصوم ورياضة النفوس، فهما في الواقع فرعان لأصل التقوى. ذلك التقوى الذي ورد في الآية بعنوان الهدف النهائي للصوم (1).

ولابد من ذكر هذه الحقيقة وهي أن التعبير ب‍ (الأكل) يعطي معنى واسعاً حيث يشمل كل أنواع التصرفات، أي أنه تعبير كنائي عن أنواع التصرفات، و(الأكل) هو أحد المصاديق البارزة له.

ثم يشير في ذيل الآية إلى نموذج بارز لأكل المال بالباطل والذي يتصور بعض الناس أنه حق وصحيح لأنهم أخذوه بحكم الحاكم فيقول: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2). (تدلوا) من مادة (إدلاء)، وهي في الأصل بمعنى إنزال الدلو في البئر لإخراج الماء، وهو تعبير جميل للموارد التي يقوم الإنسان فيها بتسبيب الأسباب لنيل بعض الأهداف الخاصة.

وهناك احتمالان في تفسير هذه الجملة:

الأول: هو أن يكون المراد أن يقوم الإنسان بإعطاء قسم من ماله إلى القضاة على شكل هدية أو رشوة (وكلاهما هنا بمعنى واحد) ليتملك البقية، فالقرآن يقول: إنكم بالرغم من حصولكم على المال بحكم الحاكم أو القاضي ظاهراً، ولكن هذا العمل يعني: الأكل للمال بالباطل، وهو حرام.

الثاني: أن يكون المراد أنكم لا ينبغي أن تتحاكموا إلى القضاة في المسائل المالية بهدف وغرض غير سليم، كأن يقوم أحد الأشخاص بإيداع أمانة أو مال ليتيم لدى شخص آخر من دون شاهد، وعندما يطالبه بالمال يقوم ذلك الشخص بشكايته لدى القاضي، وبما أن المودع يفتقد إلى الشاهد فسوف يحكم القاضي لصالح الطرف الآخر، فهذا العمل حرام أيضاً وأكل للمال بالباطل. ولا مانع من أن يكون لمفهوم الآية هذه معنى واسعاً يشمل كلا المعنيين في جملة (لا تدلوا)، بالرغم من أن كل واحد من المفسرين ارتضى أحد هذين الاحتمالين. والملفت للنظر أنه ورد حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فإن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها" (3) أي: لا تتصوروا أنه من أمواله ويحل له أكله لأن رسول الله حكم له بهذا المال، بل هي قطعة من نار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مقتبس من: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 2، ص 5 – 8.

1 - اقتباس من تفسير في ظلال القرآن، ج 1، ص 252.

2 - جمله " تدلوا " عطف على تأكلوا، فعلى هذا يكون مفهومها " لا تدلوا ".

3 - في ظلال القرآن، ج 1، ص 252.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1931
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24