• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : شرح وصايا الإمام الباقر (ع) .
                    • الموضوع : حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 6 * .

حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 6 *

 الأستاذ آية الله الشيخ مصباح اليزدي


 بسم الله الرحمـٰن الرحيم

بواعث الدافع إلى الشكر

خلاصة ما فات

«يَا جَابِرُ اسْتَكْثِرْ لِنَفْسِكَ مِنَ اللهِ قَلِيلَ الرِّزْقِ تَخَلُّصاً إِلَى الشُّكْرِ وَاسْتَقْلِلْ مِنْ نَفْسِكَ كَثِيرَ الطَّاعَةِ للهِ إِزْرَاءً عَلَى النَّفْسِ وَتَعَرُّضاً لِلْعَفْو»1

وصلنا في تأمّلنا لحديث جابر إلى حيث تطرّق الإمام الباقر (عليه السلام) – بعد بيانه لأوج مقام ولاية أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) - إلى طرح تعاليم وتوجيهات عمليّة تعين على التحلّي بالفضائل والوصول - في النهاية - إلى هذا المقام السامي. لكنّه (سلام الله عليه) يمهّد في البداية لهذا المبحث بالقول: لا تتوقعنّ أنّك لن تزلّ وتتعثّر في هذا المضمار وأنّ جميع أعمالك ستكون صحيحة لا غبار عليها، فالمهمّ في أوّل الطريق هو أن تبذل قصارى جهدك لترسيخ إيمانك والتحلّي بملَكة التقوى. وبعد ذلك سيأتي دور مقارعة النفس؛ فكن دائماً في حال صراع معها واثبت على هذا النهج حتّى آخر عمرك. في هذا المضمار قد ينتصر المرء على النفس حيناً وقد تغلبه هي حيناً آخر لكن لا ينبغي لمثل هذه المسائل أن تُضعف من عزيمة الإنسان المؤمن وتحدّ من إرادته، بل يتعيّن عليه أنّه كلّما سقط أرضاً أن يصبح تصميمه على مواصلة النزال أكثر جدّية وقوّة.

ويحتاج المؤمن في هذا المسير إلى معرفة المزيد من التعاليم والتوجيهات العمليّة والتنفيذيّة. إنّ القسم الأعظم من المعارف الأخلاقيّة يختصّ ببيان الفضائل الأخلاقيّة ومراتبها المختلفة التي على رأسها التوحيد (وهو العبوديّة للحقّ سبحانه وتعالى). أمّا القسم الآخر - الذي يتّخذ غالباً الطابع العمليّ – فهو يهتمّ بتبيين أفضل السبل وأيسرها لاكتساب تلك الفضائل كي يكون وصول سالك طريق الحقّ إلى مقصده أكثر سهولة وأمناً، كالمرشد الذي يرشد المبتدئين إلى أسهل السبل وأكثرها أمناً لبلوغ القمّة. فالذين سبق لهم سلوك هذه السبل هم أكثر الناس قدرةً على مساعدة المرء فيها، ومن هذا المنطلق يؤكّد عظماؤنا عادةً على التفتيش عن اُستاذ في الأخلاق؛ فإنّ من فوائد الاُستاذ هو انتفاع المتتلمذ على يده من تجربته الممتدّة على مدى عمر كامل من المساعي والجهود المضنية.

وكذا الحال بالنسبة لأحاديث أئمّتنا الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) في قسم المعارف الأخلاقيّة فإنّ جانباً منها مكرَّس لتبيين السبل العمليّة للوصول إلى المقصد. فكلّنا يعلم – مثلاً - أنّ واحدة من القيم الأخلاقيّة المهمّة هي «الشكر»: «قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»2، لكنّ السؤال المطروح هنا هو: كيف يمكن للمرء أن يكون شكوراً وأن يظفر بالدافع إلى الشكر؟ فمن عادتنا جميعاً أن نقول بعد تناول الطعام: «الحمد لله». هذا العمل وإن اعتُبر شكراً لله وأنّه حسن جدّاً، لكنّه ليس كافياً. فماذا نصنع لنكون اُناساً شكورين؟

والإمام الباقر (عليه السلام) يشير في موطنين على الأقل في وصاياه لجابر إلى هذه المسألة، ولـمّا كان هذان الموطنان مرتبطين مع بعضهما فسأذكرهما سويّة.

أهمّية مسألة الشكر

تحظى مسألة الشكر في النظرة القرآنيّة بأهمّية بالغة. فما يطلبه الله تعالى منّا يفوق بكثير الاكتفاء بقول: «الحمد لله» بعد تناول الطعام. لقد شاهدتُ مرّة كتاباً ضخماً نسبيّاً جُمعت فيه الأحاديث التي تتحدّث عن الصبر والشكر، وهذا دليل على الأهمّية القصوى التي تحظى بها هذه المسألة. إذن علينا أن نفهم أنّ الشكر ليس من المفاهيم العاديّة حتّى ننظر اليه نظرة عابرة.

الملاحظة الاُخرى التي تتعلّق بأهمّية مسألة الشكر هي أنّ علماء الكلام وعند خوضهم في المباحث الكلاميّة أو البحث المتّصل بإثبات وجود الله تعالى فإنّهم عادة ما يطرحون هذا السؤال: ما هي ضرورة الخوض في أمثال هذه المباحث؟ إذ أنّ هناك البعض - وأخصّ بالذكر اُولئك المنبهرين بالثقافة الغربيّة - ممّن يطرح الشبهة القائلة: ما هي حاجتنا أساساً للتطرّق إلى مسألة: هل يوجد في هذا الكون إله أم لا؟ فإن كنّا ملتزمين بعدم الكذب، وعدم الخيانة، وعدم ممارسة الظلم، ونسعى لأن نكون اُناساً صالحين، فإن كان يوجد إله فلابدّ أنّه يحبّ الإنسان الصالح، وإن لم يكن فالبحث مضيعة للوقت.

فكيف نستطيع تحفيز الإنسان على البحث في مسألة أصل وجود الله تعالى وصفاته؟ فنحن لا نستطيع أن نقول لبعضهم: كان الأنبياء يعدّون البحث في هذا الموضوع أمراً واجباً! لأنّه لا يؤمن بنبيّ أساساً. إذن السبيل الوحيد لذلك هو الإفادة من قوّة العقل، فالعقل هو الذي ينبغي أن يحكم بوجوب البحث من أجل معرفة الله. يقول المتكلّمون في هذا الصدد: «إنّ أهمّ دليل عقليّ على وجوب معرفة الله سبحانه هو وجوب شكر الـمُنعِم». فالعقل يقول: «يتعيّن أن تعرفَ الذي أغدق عليك نعماً جمّة، لأنّه من الضروريّ أن تشكر مَن أنعم عليك». بمعنى أنّهم يعتبرون هذا الدليل أكثر الاُمور التي تُلزِم الإنسان بالسعي لمعرفة الله بديهيّةً. إذن فمسألة الشكر هي على هذا القدر من الأهمّية.

ومع ذلك نرى أنّ الحافز الذي يدفع الناس إلى الشكر ضعيف. فهذا الإمام الصادق (عليه السلام) يقول في حديث له حول أقسام العبادات: «إنّ الناس يعبدون الله عزّ وجلّ على ثلاثة أوجه؛ فطبقة يعبدونه رغبة إلى ثوابه فتلك عبادة الحُرَصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكنّي أعبده حبّاً له فتلك عبادة الكرام وهو الأمن...»3. أمثال هذه الروايات تشير إلى أنّنا نفتقد في العادة الحافز القويّ إلى الشكر. فلماذا لا نقدر النعم العظيمة التي أسبغها الله علينا حقّ قدرها؟ ولماذا ينعدم الدافع إلى الشكر لدينا؟ كم مرّة طوال اليوم والليلة نتذكّر أنّه ينبغي علينا أن نشكر الله عزّ وجلّ؟

السبيل الإلهيّ للتحريض على الشكر

فالله عزّ وجلّ ولما يتّصف به من لطف منقطع النظير بعباده يحاول عبر طرق شتّى أن يوجد في أنفسنا الدافع إلى الشكر، وإنّ من أنجع السبل التي يستخدمها القرآن الكريم لهذا الغرض هو قوله: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»4، فالشكر هو من بواعث رفع درجات الإنسان والسموّ بإنسانيّته، وهذا هو سبب التأكيد على هذا الأمر كلّ هذا التأكيد.

طريقة الإمام الباقر (عليه السلام) لخلق الدافع للشكر

في هذه الرواية يقدّم الإمام (عليه السلام) لجابر طريقة لإيجاد الدافع إلى الشكر عند الإنسان. فهو يشير في حديثه هنا إلى أنّ علّة شحّة شكرنا هي عدم التفاتنا إلى آلاء الله وأنعمه علينا بشكل جيّد. فنحن نتدلّل - بعض الشيء - على الله، ونرى أنفسنا مستحقّين وأصحاب حقّ، ونتوقّع منه عزّ وجلّ أن يمنّ علينا بأكثر بكثير ممّا أسبغ علينا إلى الآن من النعم. بل إنّنا أحياناً، وجرّاء وجود بعض النقائص، لا نُعرض عن الشكر فحسب، بل تتولّد لدينا حالة الشكوى والتذمّر أيضاً. إذن يتحتّم علينا أن نبذل غاية المجهود لمعرفة النعم الإلهيّة حقّ المعرفة وأن نفكّر حتّى بنعم الله الصغيرة علينا وندرك أهمّيتها. فلا ينبغي استقلال رزق الباري عزّ وجلّ واستكثار أعمالنا. فنحن معاشر البشر نأمل عادةً أن نحوز على ما عند أكثر بني البشر تنعّماً، ونعاتب الله على أن أعطى لفلان نعمةً ولم يعطني إيّاها. أمّا من جانب آخر فنحن نرى أنّ الأعمال التي ننجزها نحن جبّارة وقيّمة، ونحدّث أنفسنا بأنّنا نصلّي ونصوم ونؤدّي ما أوجبه الله علينا من تكاليف، فما هو المطلوب منّا ونحن نأتي بكل ّهذه العبادات؟!

عليك أن تَعُدّ كافّة آلاء الله عظيمة

الإشكال الذي نعاني منه يكمن في هاتين النقطتين، وعلينا كسر هذه المعادلة؛ فمن ناحية يتحتّم علينا التفكير بنعم الله الصغيرة؛ فينبغي لنا – مثلاً - التفكير بما هيّئه الباري عزّ وجلّ من كمّ هائل من الأسباب والوسائل كي يوفّر لنا رغيف خبز واحد. فكما يقول الشاعر:

سُحبٌ، رياحٌ، وأفلاكٌ، وشمسُ ضحىً          تعاضدنَ في جلب الرغيف، وتَغفلُ؟!5

فلقد وظّف الله سبحانه وتعالى جميع نعم الكون كي تحصل أنت على الرغيف ولا تنتابك الغفلة، وكذلك الحال مع سائر النعم الإلهيّة. فالغفلة – مع بالغ الأسف – تحول دون إدراك المرء لعظمة آلاء الله عزّ وجلّ. فكم قد أسبغ الله علينا من النعم من أجل عمليّة النطق البسيطة؟ فلكي يتفوّه الإنسان ببضع كلمات لابدّ أن يعمل الجهاز التنفسيّ بشكل صحيح في سحب الهواء ودفعه، وينبغي أن يكون للمرء حنجرة وأوتار صوتيّة سالمة، ويجب أن يؤدّي كلّ من اللسان والأسنان والفم وظائفه على النحو الصحيح، وإلاّ فلن نستطيع مهما بذلنا من جهد أن ننطق بكلمة واحدة. في أحد الاجتماعات نقل قائد الثورة المعظّم (حفظه الله) أنّ طبيباً قال له: «أتعلم أنّه لابدّ أن تتظافر جهود بضعة مليارات من خلايا جسم الإنسان من أجل تحريك إصبع واحد من أصابع يده؟ ولولا هذا التعاون والتنسيق في العمل لا يمكن لهذا الإصبع أن يتحرّك». فهل فكّرنا إلى الآن كم هي نعمة عظيمة أن نكون قادرين على تحريك إصبع من أصابعنا؟ إنّني أنصح الإخوة من الشباب أن تكون لهم بعض المطالعات في علم الفسلجة البشريّة وعلم الأحياء، فهي تعلّم الإنسان الكثير.

على أيّة حال فمن أجل أن يتولّد في أنفسنا دافع إلى الشكر، فنشكر الله شكراً يوصلنا إلى كمال الإنسانيّة ويجعلنا من المحبوبين عند الله جلّ وعلا، فإنّ علينا القيام بأمرين: الأوّل: أن نحاول جهدنا الوقوف على أنعم الله ونعرفها حقّ معرفتها ونستعظمها. فلا نكوننّ ممّن لا تملأ عيونهم سوى القصور الفارهة وما يُعدّ للطواغيت وفراعنة العصر من شتّى صنوف الطعام والشراب، ولا نرى للطعام الذي نتناوله نحن مقداراً يستحقّ عليه الشكر. فإن أحببنا أن يتولّد في أنفسنا حافزٌ إلى شكر المولى المتعال فيتعيّن أن نطيل التفكير حتّى في نعم الله الطفيفة علينا والوقوف على أهمّيتها بالنسبة لنا. على أنّ ما ذكرناه لا يتعدّى نطاق النعم الطبيعيّة التي يتنعّم بها المؤمن والكافر على حدّ سواء، فما بالكم بنعمة العقل، ونعمة هداية الأنبياء، ونعمة معرفة الإسلام، ونعمة ولاية أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)؟ فما كنّا لنصنع لو لم توجد هذه النعم؟

إذن هل من اللائق، مع وجود كلّ هذه الآلاء والنعم، أن نشتكي ونعاتب الله على بعض النقائص؟! إنّ عملاً كهذا يُسقط الإنسان من أريكة القيم الإنسانيّة. بالطبع إنّ الله عزّ وجلّ يصفح عن الكثير من هذه الأنماط من الكفران وعدم الشكر، لعلمه بضعفنا، أمّا فيما يتعلّق بأولياء الله فإنّهم يحاسَبون حتّى على صغائر الزلاّت والعثرات ويشاهدون تبعاتها على الفور.

استقلّ عباداتك!

من ناحية اُخرى ومن أجل إيجاد هذا الدافع، علينا أن نرى عباداتنا غاية في الضآلة وقلّة المقدار. بالطبع هذا الأمر أيضاً يحتاج إلى خطّة خاصّة؛ فكيف لي وقد صُمت لثلاثين يوماً أن اعتبر عملي هذا عديم القيمة؟! وعلى فرض أنّنا نؤدّي صلاة الليل طوال العام، فكيف يتسنّى لنا أن نعدّ هذه العبادة قليلة؟

الاستقلال والاستكثار هنا أمر نسبيّ؛ بمعنى أنّ المقدار المطلق للشيء ثابت في كلّ حال، لكنّنا عندما نقارنه بغيره نقول: إنّه قليل أو كثير. فإنّك إذا أردت شراء سلعة قيمتها ألف دينار فدفعت للبائع ثمانمائة دينار فقط، سيقول لك على الفور: هذا قليل؛ ومعناه: إن ما دفعته ثمناً لهذه السلعة هو قليل بالقياس الى الحقيقيّة لها، لا أنّ الثمانمائة دينار قليلة بذاتها. فإن علمنا كم أنّ الله سبحانه وتعالى متفضّل علينا، فإنّنا سنعتبر عباداتنا قليلة حتّى وإن قضينا العمر بأكمله في عبادته.

عندما عوتب الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) على كثرة عبادته وبكائه بين يدي الله مع أنّ الله قد جعله في عداد المعصومين، قال (عليه السلام): «من يقدر على عبادة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)»6؛ فقد استقلّ عبادته عندما قاسها بعبادة جدّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). فمن أجل أن نستقلّ عباداتنا فما علينا إلاّ أن نقيسها بطاعة عباد الله الصالحين المخلَصين من حيث الكمّ والكيف وعندها سنخجل من أنفسنا. فلو أراد المرء أن يقدّم فاكهة لأحدهم كهديّة فهل سيقدّمها بكلّ راحة بال ومن دون أدنى خجل إذا كان ما يقرب من تسعين بالمائة من هذه الفاكهة فاسداً ومتعفّناً؟ فإذا كنّا لا نلتفت إلاّ إلى عشرة بالمائة من صلواتنا فهي كالهديّة التي فسد تسعون بالمائة منها، ألا ينبغي لنا والحال هذه أن نقدّمها بين بدي الباري عزّ وجلّ بمنتهى الخجل والحياء؟!

إذن فمن أجل إيجاد الدافع إلى الشكر أوّلاً، وبغية التمكّن من تأدية شكر الله تعالى ثانياً علينا من جانب أن نطيل التفكير والتأمّل بأهمّية وكثرة ما يغدق علينا تعالى من رزق ونعم جمّة، ولابدّ من جانب آخر أن نَعدّ ما نأتي به من العبادات قليلاً وناقصاً.

ومن هذا المنطلق يقول الإمام الباقر (سلام الله عليه): «يَا جَابِرُ اسْتَكْثِرْ لِنَفْسِكَ مِنَ اللهِ قَلِيلَ الرِّزْقِ تَخَلُّصاً إِلَى الشُّكْرِ»؛ أي: استكثر ما يعطيك الله تعالى من رزق قليل. ولا يعني هذا أن تعدّ رغيف الخبز الواحد مائة رغيف! فهذا الكلام يدعو إلى السخرية. فقوله: «استكثر» يعني: انظر كم أسبغ الله عليك من النعم على الرغم من عدم استحقاقك وشحّة نفسك. «وَاسْتَقْلِلْ مِنْ نَفْسِكَ كَثِيرَ الطَّاعَةِ للهِ إِزْرَاءً عَلَى النَّفْسِ»؛ ومن ناحية اخرى استقلل ما تؤدّيه من العبادة والطاعة! فأيّ قيمة ومقدار لهذه العبادة في مقابل ما أغدقه الله عليك من عظيم النعم، وما يؤدّيه أولياؤه بين يديه من جسيم الطاعة. فلنقارن آلاء الباري علينا بعدم أهليّتنا وكثرة معاصينا كي نراها جسيمة ضخمة؛ ولنستقلل عباداتنا من الناحية الاخرى؛ ذلك أنّ النفس تحبّ أن يكون لها شأن ومنزلة وعلينا مقارعتها وقمعها. يقول إمامنا (عليه السلام) في هذا الصدد: «من أجل قمع أنفسكم قولوا لها: هذه العبادات لا قيمة لها»؛ ذلك أنّ مقدارها بالقياس لطاعات أولياء الله قليل أوّلاً، ولا يعلم أنّها ستقبل أم لا ثانياً. إنّه ليتعيّن الاستغفار من العبادة المأتيّ بها من دون حضور قلب فما بالكم بأن نوليها أهمّية ونعطيها قيمة!

هذه الطريقة هي السبيل الذي يمكننا بسلوكه أن نحظى بالدافع إلى الشكر ونكون في عداد الشاكرين: «تخلُّصاً إلى الشكر»، وأن نتغلّب على النفس، ولا ندعها تنتصر علينا وتصرعنا.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين


1. تحف العقول، ص285.

2. سورة سبأ، الآية 13.

3. بحار الأنوار، ج67، ص17. 

4. سورة إبراهيم، الآية 7.

5. ترجمة شعريّة لبيت بالفارسيّة للشاعر الإيرانيّ سعدي الشيرازيّ يقول فيه: «ابر و باد و مه و خورشید و فلک در کارند    تا تو نانی به کف آری و به غفلت نخوری».

6. شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، ص305.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1928
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28