بقلم: مواهب الخطيب

نزل القرآن الكريم في زمان كان علم الطب في مراحله الأولى، حيث يُجهل الكثير من طريقة عمل أجهزة الإنسان الداخلية.

كان الطب اليوناني والإيراني هو السائد في المجامع العلمية آنذاك، ولكنّه لم يكن متطوّراً في تشريح بدن الإنسان؛ لأنّ علم التشريح إنّما تطوّر في القرون الأخيرة حينما أُنشئت الجامعات الكبيرة في العالم.

في المجتمعات البشرية كان للعرب الحظّ الأدنى من التطوّر في علم الطب, وفي ذلك الزمان نزلت آيات تُشير إلى بعض أسرار وخفايا خلق الإنسان، تلك الحقائق التي لم يكتشفها البشر إلى ما بعد قرون من نزول القرآن، وكان معرفتها بوسيلة الأجهزة الحديثة. فقد كان حديث القرآن عنها عبارة عن أمرٍ خارقٍ للعادة يندرج في باب الإخبار بالمغيّبات.

وإليك فيما يلي بعض الأمثلة من هذه الآيات الكريمة:

مراحل خلق الإنسان والإعجاز العلمي

تحدّث القرآن في آيات كثيرة عن مراحل خلق الإنسان، كان الهدف منها التعريف بالمبدأ أو المعاد وإقامة الدليل عليهما.⁽¹⁾

وكانت هذه الآيات مورد حيرة للكثير من المتخصّصين في علم الطب في القرون التالية لعهد النزول، ولذا اعتبروها دليلاً على الإعجاز العلمي والبلاغي للقرآن الكريم.

ويمكن تقسيم الآيات الكريمة بحسب المراحل منذ اجتماع الوالدين حتى ولادة الطفل بهذا الشكل:⁽²⁾

1. مرحلة التراب (تراب- طين).

2. مرحلة الماء (ماء- ماء دافئ- ماء مهين).

3. مرحلة المني (نطفة من مني).

4. مرحلة النطفة المخلوطة (نطفة أمشاج).

5. مرحلة العلقة (العلقة).

6. مرحلة المضغة (مضغة).

7. مرحلة التنظيم والتصوير والتشكّل (التسوية, التصوير).

8. مرحلة تشكّل العظام (عظاماً).

9. مرحلة تغطية العظام باللحم (فكسونا العظام لحماً).

10. مرحلة خلق جنس الجنين (ذكر أو أنثى).

11. مرحلة خلق الروح وبثّها في جسد الإنسان (خلقاً آخر- نفخ فيه من روحه).

12. مرحلة ولادة الطفل (نخرجكم طفلاً).

13. مرحلة البلوغ.

14. مرحلة الشيخوخة.

15. مرحلة انتهاء الحياة (الموت).

واختصر بعض المفسّرين هذه المراحل حتى عدّها سبع مراحل⁽³⁾.

كتب الدكتور موريس في تاريخ معرفة مراحل خلق الإنسان قائلاً: عندما نقارن هذه الآيات الكريمة مع ما أثبتهُ العلم الحديث، نجد تطابقاً واضحاً جدّاً. وعندما نقارن هذه المعلومات التي ذكرها القرآن الكريم مع معرفة الناس في ذلك الزمان ندرك مدى جهلهم وابتعادهم عن هذه المعلومات. وفي الواقع أن هذه المعلومات لم تكتشف إلاّ في القرن التاسع عشر.

لقد انتشرت في القرون الوسطى العديد من الأساطير والآراء المختلفة التي لم تبتنِ على أسس وقواعد منطقية، ممّا أدّى إلى ظهور آراء متنوّعة وكثيرة في القرون التالية.

هل تعلم أنّ المراحل الأساسية في تاريخ علم الأجنّة هو ما أخبر به (هاري سنة 1651م) ⁽⁴⁾ بأنّ أوّل مرحلة للجنين تبدأ من حويمن ماء الرجل، ثمّ تلقّح بويضة المرأة، ثم تنشطر وتُقسّم عدّة تقسيمات.

وهذا لم يتمّ اكتشافه إلاّ في الألفية التالية لعصر النزول، وقد كانت مشوبةً بالكثير من الخيالات.

هذه الآيات الكريمة المشيرة إلى حقائق استغرقت البشرية وقتاً طويلاً في اكتشافها، أجملها القرآن بكلمات معجزة.

خلاصة البحث النهائي في مراحل خلق الإنسان

قسّم المؤلّف الآيات التي تتحدّث عن مراحل خلق الإنسان إلى أربعة عشر مرحلة، وبعد التحقيق والبحث فيها ثبت له مطابقتها مع الحقائق العلمية الثابتة التي أثارت إعجاب الإنسان وإقراره بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، إلاّ أنّه لم تكن كل آية منفردة دليلاً على الإعجاز العلمي ومستقلّة عن الآيات الأخرى.

السؤال المطروح هنا هو: هل إنّ ذكر الآيات بالترتيب المزبور يعتبر دليلاً على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؟ بمعنى: هل الترتيب موافق لترتيب مراحل خلق الإنسان كما أثبتها العلم الحديث؟

ما يراه المؤلّف أنّ الترتيب الذي ذكره القرآن لمراحل خلق الإنسان خصوصاً في (سورة الحج: 5, والمؤمنون: 12- 14, وغافر: 67)، من الأمور الجديدة التي لم تكن معروفة في عصر النزول، كما أشار إلى ذلك الدكتور (موريس بوكاي) ⁽⁵⁾.

وعليه، يمكن اعتبار النظم القرآني في ذكر الآيات التي تتحدّث عن مراحل خلق الإنسان دليلاً على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ودليلاً على عظمة القرآن واتصاله بمنبع الغيب.

الهوامش:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) د. عبد الحميد دياب، د. أحمد قرقوز، مع الطب في القرآن الكريم،  ص84.

(2) الحجر /5, المؤمن /12، غافر/67، السجدة/6 و....

(3) تفسير الأمثل ج2 ص1.

(4) (hary) طبيب انجليزي (1576-1675)م.

(5) مقاييس بين التوراة والإنجيل, والقرآن والعلم, ص276-277 (ذكر حديثة في أوّل مبحث في تاريخ العلوم).