• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : السيرة القرآنية للإمام الرضا (ع) .

السيرة القرآنية للإمام الرضا (ع)

 

بقلم: الشيخ محمّد جواد الطبسي

الأوّل ـ الحياة القرآنية للإمام الرضا (ع)

كان الإمام علي بن موسى الرضا (ع) يعشق القرآن الكريم وعاش طول حياته في أجواء قرآنية بحيث لم يحدّد لذلك زماناً ولا مكاناً، ولا ليلاً ولا نهاراً، ولا سفراً ولا حضراً، لشدّة اهتمامه بالكتاب العزيز، والذي يشهد بذلك قراءة جملة من النصوص تحت عناوين مختلفة في هذا الجانب:

1_ ختمه القرآن في كل ثلاثة أيّام

روى الصدوق عن البيهقي عن الصولي، عن أبي ذكوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول: >ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن شيء قط إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن وكان يختمه في كل ثلاث، ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت ولكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت، وفي أي وقت فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص١93].

2_ قراءة القرآن في فراشه

روى رجاء بن أبي الضحاك ما شاهده في السفر الذي كان مع الرضا (ع) إلى مرو قائلاً: >وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وكان عليه السلام يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلاته بالليل والنهار< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص196].

3_ ألف ختمة قرآن في ثوب واحد

قال علي بن علي بن رزين أخو دعبل بن علي الخزاعي: >رحلنا إليه ـ أي: إلى الرضا (ع) ـ على طريق البصرة، وصادفنا عبد الرحمن بن مهدي عليلاً فأقمنا عليه أياماً، ومات عبد الرحمن بن مهدي وحضرنا جنازته، وصلى عليه إسماعيل بن جعفر، ورحلنا إلى سيدي أنا وأخي دعبل، فأقمنا عنده إلى آخر سنة مائتين، وخرجنا إلى قم بعد أن خلع سيدي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) على أخي دعبل قميصاً خزاً أخضر وخاتماً فصه عقيق، ودفع إليه دراهم رضوية، وقال له: يا دعبل، صر إلى قم فإنك تفيد بها. فقال له: احتفظ بهذا القميص، فقد صليت فيه ألف ليلة ألف ركعة، وختمت فيه القرآن ألف ختمة< [الأمالي، الشيخ الطوسي، ص359-360].

4_ قراءة السور المختلفة في الصلوات

إنّ الإمام الرضا (ع) كان يقرأ السور المختلفة ليلاً ونهاراً في صلواته الواجبة والمستحبّة كما رواه لنا رجاء بن أبي الضحاك الذي صاحب الرضا (ع) من المدينة إلى مرو، قال: >فإذا زالت الشمس قام فصلى ست ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله، ويقرأ في الأربع كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد ويسلم في كل ركعتين ويقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة [...] ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام أربع ركعات يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل ثم يقوم، فيصلي الركعتين الباقيتين يقرأ في الأولى الحمد وسورة الملك وفي الثانية الحمد لله وهل أتى على الانسان، ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد لله مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم قام، فصلى ركعة الوتر يتوجه فيها ويقرأ فيها الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة [...] فإذا قرب من الفجر قام فصلى ركعتي الفجر يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد فإذا طلع الفجر أذن وأقام وصلى الغداة ركعتين، فإذا سلم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس ثم يسجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار وكان قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد وإنا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة، فإنه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم ربك الاعلى وكان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى الحمد وهل أتى على الانسان وفي الثانية الحمد وهل أتيك حديث الغاشية< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج2، ص194-196]

5_ قراءة بعض الأذكار عقيب بعض السور

وأضاف رجاء بن أبي الضحاك قائلاً: >وكان إذا قرأ قل هو الله أحد قال سراً الله أحد، فإذا فرغ منها قال كذلك الله ربنا ثلاثاً وكان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سراً يا أيها الكافرون فإذا فرغ منها

قال: ربي الله وديني الاسلام ثلاثاً وكان إذا قرأ والتين والزيتون قال عند الفراغ منها: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وكان إذا قرأ لا أقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ سبحانك اللهم [...] وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: الحمد لله رب العالمين، وإذا قرأ سبح اسم ربك الاعلى، قال سراً سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأ يا أيها الذين آمنوا قال: لبيك اللهم لبيك سراً< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص196].

الثاني ـ توصيات قرآنية من الإمام الرضا (ع)

ومن دلائل رفعة القرآن وعلوّ شأنه بين المسلمين أنّه لا ينبغي لأحدهم أن يهمل القرآن أو لا يعتني بشأنه، فكيف بالأئمّة الهداة الذين كانوا حفظة للدين وحماة لكتاب المبين؛ فلذلك كان الرضا (ع) كواحد من أئمّة المسلمين يُرغِّب آحاد الأمّة الإسلامية على الاهتمام بالقرآن وأن يفعلوا الأمور التالية كوظيفة إسلامية لا ينبغي التخلّف عنها.

1- التعريف بأهمية القرآن

قال (ع) واصفاً القرآن الكريم: >هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى المؤدي إلى الجنة والمنجي من النار لا يخلق على الأزمنة ولا يغث على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان، والحجة على كل إنسان، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص137].

2- طلب الهداية من القرآن الكريم

وكان الرضا (ع) يوصى أصحابه ـ ومن جملتهم الريّان ـ قائلاً: >كلام الله لا تتجاوزوه ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص62].

٣- ستّة من المروّة

روى الصدوق في العيون عن الرضا (ع) عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): >ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثة منها في السفر: فأمّا التي في الحضر فتلاوة كتاب الله عز وجل وعمارة مساجد الله واتخاذ الإخوان وأمّا التي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير المعاصي< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص30].

٤- قراءة القرآن بالصوت الحسن

وروى الرضا (ع) عن أبيه عن آبائه (ع) عن رسول الله (ص) أنّه قال: >حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص74-75]

٥. قراءة القرآن في شهر رمضان

روى المحدّث النوري عن فقه الرضا (ع) قائلاً: >وأكثر في هذا الشهر المبارك، من قراءة القرآن، والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله)< [مستدرك الوسائل، ج7، ص435].

وروى عن أبيه عن آبائه عن علي (ع) عن رسول الله (ص) في خطبته التي خطبها في شعبان يقول فيها: >ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور< [فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص٧٧].

٦. ختم القرآن في مكة المكرّمة

وروى المحدّث النوري عن بعض نسخ الفقه الرضوي، عن الإمام رضا (ع) قال: >فإن قدرت أن لا تخرج من مكة حتى تختم القرآن فافعل، فإنه يستحب ذلك< [مستدرك الوسائل، ج4، ص٢67].

الثالث ـ دروس أخلاقيّة في ظلّ القرآن

بيّن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) للأمّة الإسلامية، وعلى الخصوص لأتباع أهل البيت، دروساً أخلاقية مستلهمة من القرآن الكريم.

فبيّن (ع) في بعض لقاءاته مع بعض المنتسبين لآل البيت بأنّه لا يكفي الانتساب بدون العمل لله تبارك وتعالى فعليهم بإصلاح النفس قبل فوت الوقت.

١. نقاش تربوي مع زيد بن موسى

روى الصدوق في العيون بسنده عن ياسر أنّه خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن (ع) بالمدينة وأحرق وقتل، وكان يسمى زيد النار، فبعث إليه المأمون فأسر وحمل إلى المأمون، فقال المأمون: اذهبوا به إلى أبي الحسن، قال ياسر: فلما أدخل إليه قال له أبو الحسن (ع): يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة أنّ فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على النار، ذلك للحسن والحسين خاصةً.

إن كنت ترى إنك تعصي الله عز وجل وتدخل الجنة، وموسى بن جعفر عليه السلام أطاع الله ودخل الجنة، فأنت إذاً أكرم على الله عز وجل من موسى بن جعفر عليه السلام، والله ما ينال أحد ما عند الله عز وجل إلا بطاعته، وزعمت أنك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت!

فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك، فقال له أبو الحسن عليه السلام: أنت أخي ما أطعت الله عز وجل أن نوحاً عليه السلام قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [سورة هود: 45] فقال الله عز وجل: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [سورة هود: 46] فأخرجه الله عز وجل من أن يكون من أهله بمعصيته. [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص٢59]

٢. ليس بين الله وبين أحد قرابة

وروى في العيون أيضاً بسنده عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: سمعت الرضا (ع) يقول: > من أحب عاصياً فهو عاص ومن أحب مطيعاً فهو مطيع ومن أعان ظالماً فهو ظالم ومن خذل عادلاً فهو ظالم إنه ليس بين الله وبين أحد قرابة ولا ينال أحد ولاية الله إلا بالطاعة ولقد قال رسول الله (ص) لبني عبد المطلب ائتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم، قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [سورة المؤمنون، ١٠١-103]< [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص٢60-261].

٣. خير منّي من كان أتقى لله عز وجل وأطوع له

وروى أيضاً عن الحاكم الحسين بن احمد البيهقي قال حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدّثني أبو عبد الله محمد بن موسى بن نصر الرازي قال: سمعت أبي يقول: قال رجل للرضا (ع): والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً، فقال: التقوى شرفتهم، وطاعة الله أحظتهم، فقال له آخر: أنت والله خير الناس فقال له: لا تحلف يا هذا ! خير مني من كان أتقى لله عز وجل ، وأطوع له، والله ما نُسخت هذه الآية: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات، 13]. [نفس المصدر. عنه: بحار الأنوار، ج46، ص178]

٤. العفو عن محمد بن خالد

روى العياشي عن صفوان قال: استأذنت لمحمد بن خالد على الرضا (ع) أبى الحسن وأخبرته أنه ليس يقول بهذا القول، وأنه قال: والله لا أريد بلقائه إلا لأنتهي إلى قوله، فقال: ادخله، فدخل فقال له: جعلت فداك إنه كان فرط مني شيء وأسرفت على نفسي، وكان فيما يزعمون أنه كان يعيبه، فقال: وأنا أستغفر الله مما كان منى، فأحب أن تقبل عذري وتغفر لي ما كان مني، فقال: نعم أقبل إن لم أقبل كان إبطال ما يقول هذا وأصحابه ـ وأشار إلي بيده ـ ومصداق ما يقول الآخرون يعني المخالفين، قال الله لنبيه عليه وآله السلام {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [سورة آل عمران، 159] ثم سأله عن أبيه فأخبره أنه قد مضى واستغفر له» [تفسير العياشي، ج1، ص203].

ولا شك أنّ المقصود من قول الإمام إن لم أقبل كان إبطال ما يقول هذا وأصحابه، أي: قول صفوان وأصحابه في حق الإمام بأنه صاحب حلم و عفو و... بحيث لو لم يعفه الإمام لقال المخالفون: فأين خلق الإمام؟ لماذا لم يعفُ عن محمد بن خالد وقد قدّم عذره إليه وطلب منه العفو.

٥. هات اسمه ودع عنك هذا

روى الصدوق في العيون عن البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: حدثني عمي قال: سمعت الرضا (ع) يوماً ينشد وقليلاً ما كان ينشد شعراً:

كلنّا نأمل مداً في الأجل                       والمنايا هُنّ آفات الأمل

لا تغرنّك أباطيل المنى                          والزم القصد ودع عنك العلل

إنما الدّنيا كظلٍ زائل                           حلّ فيه راكب ثم رحل

فقلت: لمن هذا أعزّ الله الأمير؟ فقال: لعراقي لكم. قلت: أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه. فقال: هات اسمه ودع عنك هذا، إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [سورة الحجرات، 11] ولعلّ الرجل يكره هذا. [عيون أخبار الرضا (ع)، ج ٢، ص190-191].

٦. أحسن الظن بالله

روى الكليني عن سهل عن عبيد الله عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا (ع) أنا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة فقلت له: جعلت فداك إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغيير فادع الله عز وجل أن يرد ذلك إلينا، فقال: أي شيء تريدون تكونون ملوكاً؟ أيسرك أن تكون مثل طاهر وهرثمة وأنك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت: لا والله ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها ذهباً وفضة وأني على خلاف ما أنا عليه، قال: فقال فمن أيسر منكم فليشكر الله، إن الله عز وجل يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، 7] وقال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سورة سبأ، 13] وأحسنوا الظن بالله فإن أبا عبد الله (عليه السلام) كان يقول: من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه به ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وتنعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام. [الكافي، ج8، ص346-347]

الرابع ـ تمسّك الإمام بالقرآن في الأحكام الفقهية

ومن دلائل تمسّك الإمام علي بن موسى الرضا (ع) بالقرآن الكريم واهتمامه بهذا الكتاب العزيز، أنّه كان يستدلّ بالأحكام الفقهية بالآيات القرآنية وبكتاب الله جل شأنه.

حيث أشار الحر العاملي في كتاب (وسائل الشيعة) إلى كثير من تمسّك الإمام الرضا (ع) بالقرآن الكريم في الأحكام الشرعية ممّا سنذكر بعضها، حيث لم تسمح لنا هذه الخلاصة إلى ذكر كل ما ورد عنه (ع). ولذلك نشير إلى الحكم المستفاد وإلى الآية الشريفة ونترك الباقي، ونفسح المجال للقارئ العزيز لمراجعة الكتب المخصصة لذلك:

١ ـ أنّه استدل بحرمة الغناء متمسّكاً بهذه الآية الشريفة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [سورة لقمان، 6]. [وسائل الشيعة، ج١٢، ص٢٣٠]

٢ ـ واستدل بحرمة أكل مال اليتيم بهذه الآية المباركة: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ} [سورة النساء، 9]. [نفس المصدر، ص١٨١]

٣ ـ واستدل بجواز تصرّف الأب بأموال الابن بدون اذنه وليس ذلك للولد؛ لأنّ الولد موهوب للوالد، في قوله عزّ وجلّ: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [سورة الشورى، 49]. [ نفس المصدر، ص١٩٧]

٤ ـ واستدل بجواز قبول الولاية من قِبل الحاكم الجائر، بآية: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [سورة يوسف، 55]. [نفس المصدر، ص١٤٧، وص١٥٠]

٥ ـ واستدل بحرمة تعليم السحر وأخذ الأجرة عليه بقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} [سورة البقرة، 102]. [نفس المصدر، ص١٠٧]

٦ ـ واستدل على وجوب اليقين بأنّ الله هو الرزّاق بقوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [سورة الكهف، 82]. [نفس المصدر، ج١١، ص١٥٩]

٧ ـ واستدل على استحباب العفو بقوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [سورة الحجر، 85]. [نفس المصدر، ج8، ص518]

وليعلم القارئ الكريم إنّما تركنا وجه استدلال الامام علي بن موسى الرضا (ع) بالايات الشريفة على الوجوب او الاستحباب رعاية للإختصار، فعلى الراغبين المراجعة الى المصادر المذكورة.

الخامس ـ الأجوبة القرآنية للأسئلة المطروحة

عاشر الرضا (ع) طول حياته كثيراً من الناس؛ عالمهم وجاهلهم، العارف لهم والمنكر لحقّهم، وكان (ع) يُجيبُ عن أسئلتهم بما يقتضي حالهم ويحترم عامّة الناس وإن جهلوا حقّه وتجاسروا عليه.

ويدلّ على ذلك النصوص التالية:

1. جواب الشبهات الواردة بالآيات القرآنية

روى الصدوق في العيون عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليهما السلام فقلت له: يا بن رسول الله الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا؟ فقال عليه السلام: قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم! أما علموا أن يوسف عليه السلام كان نبياً ورسولاً دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [سورة يوسف: 55] ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الاشراف على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه فإلى الله المشتكى وهو المستعان. [عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢، ص150-151]

وروى أيضاً بسنده عن الحسن بن موسى قال: روى أصحابنا عن الرضا (ع) أنه قال له رجل: أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ وكأنه أنكر ذلك عليه فقال له أبو الحسن الرضا عليه السلام: يا هذا أيهما أفضل النبي (ص) أو الوصي؟ فقال: لا بل النبي، قال: فأيهما أفضل: مسلم أو مشرك؟ قال: لا بل مسلم، قال: فإن العزيز عزيز مصر كان مشركاً وكان يوسف عليه السلام نبياً، وأن المأمون مسلم وأنا وصي، ويوسف سئل العزيز أن يوليه حين قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [سورة يوسف: 55] وأنا أجبرت على ذلك. [عيون أخبار الرضا، ج٢، ص150]

2. جواب الإمام لبعض الصوفية

قال الاربلي: ودخل عليه بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له ان أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله تعالى من الامر فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تأموا الناس، ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس، فرأى أن يرد هذا الامر إليك والأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن، ويركب الحمار، ويعود المريض، قال: وكان الرضا متكئاً فاستوى جالساً ثم قال: كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزورة بالذهب ويجلس على متكئات إلى فرعون ويحكم، إنما يراد من الإمام قسطه وعدله: إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز، إن الله لم يحرم لبوساً ولا مطعماً وتلا {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [سورة الأعراف، 32]. [كشف الغمة، ج٣، ص103]

3. التمسّك بالقرآن لفضيلة أمير المؤمنين

قال المفيد في الفصول المختارة: قال المأمون يوماً للرضا (ع): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (ع) يدل عليها القرآن قال: فقال له الرضا (ع): فضيلته في المباهلة، قال الله جل جلاله: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [سورة آل عمران، 61] فدعا رسول الله (ص) الحسن والحسين (ع) فكانا ابنيه، ودعا فاطمة (ع) فكانت في هذا الموضع نساءه ودعا أمير المؤمنين (ع) فكان نفسه بحكم الله عز وجل، وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله (ص) وأفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (ص) بحكم الله عز وجل.

قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله (ص) ابنيه خاصة؟ وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله (ص) ابنته وحدها؟ فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره، فلا يكون لأمير المؤمنين (ع) ما ذكرت من الفضل؟

قال: فقال له الرضا (ع): ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين وذلك أن الداعي إنا يكون داعياً لغيره كما يكون الآمر آمراً لغيره ولا يصح أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله (ص) رجلاً في المباهلة إلا أمير المؤمنين (ع) فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه وجعل حكمه ذلك في تنزيله.

قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال. [الفصول المختارة، ص38]

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1863
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20