• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : الإمام الرضا (ع) مؤسّس أسلوب جديد في فهم القرآن (*) .

الإمام الرضا (ع) مؤسّس أسلوب جديد في فهم القرآن (*)

 

آية الله السيّد أحمد علم الهدى / إمام جمعة مدينة مشهد المقدَّسة

هناك ترابط عميق بين القرآن والعترة حسب حديث الثقلين، حيث قيل إنّ فهم أيٍّ منهما يتوقّف على فهم الآخر، وأسلوب الأئمّة (ع) في الحياة والتفسير سيّما أسلوب الإمام الرضا (ع) يؤكّد الحقيقة المذكورة؛ لذلك رأينا من الضروري أن نتطرّق في هذا المقال إلى مكانة الإمام الرضا (ع) العلمية والتفسيرية ومساعيه العلمية والثقافية لمنع حدوث انحرافات كلامية وتفسيرية في عهده.

وجه الترابط بين القرآن والعترة

إنّ وجه الترابط بين القرآن الكريم والعترة الطاهرة واضح، فلا يمكن تفسير القرآن إلا عبر العترة، حيث إنّ التفسير لا يعني التعريف والتوضيح والتبرير والتأويل بل يعني كشف القناع، ولكل من الكلمات المذكورة معنى يخصّها.

فالتفسير يعني كشف القناع ليس عن اللّفظ؛ لأنّ كل لفظ يدلّ على معنى خاص فلا غموض في اللّفظ حتى يكون بحاجة إلى التوضيح وكشف القناع عنه، فكشف القناع يختص بحقيقة محجوبة مستورة تستحيل معرفتها ما دام القناع موجوداً، وفي الحقيقة كشف القناع هو الكشف عن مراد المتكلم ـ وهو الله عزّ وجلّ ـ فليس المقصود هو الشيء المفهوم من اللّفظ وإنّ كان اللّفظ كاشفاً عن مراد المتكلّم إلى حدٍّ ما.

ولكن، إذا كان في اللّفظ شيء من الغموض أو الالتباس، فلا يعبّر عن مراد المتكلّم فيختفي مراده في ستار من اللّفظ، فالهدف من تفسير القرآن هو فهم مراد المتكلم وليس الهدف فهم الدلالات اللّفظية في القرآن بل أحياناً يخفى المعنى عن السامع، هذا هو التفسير.

ولا أحد يستطيع كشف القناع عن مراد ربّ العالمين ـ أي: المراد الذي لا تسعه الألفاظ وهو مستور ـ ولا يفهمه أحد إلا الله والذين ينبع علمهم ووعيهم من الله، لذلك نعتقد ـ نحن الشيعة ـ أنّ تفسير القرآن منحصر في أهل البيت(ع) ولا أحد دونهم يستطيع تفسير القرآن.

علاقة أهل البيت بالقرآن الكريم

تأتي شرعية وجواز ولاية وإمامة العترة من القرآن، فالقرآن هو الذي يؤكّد أنّ الولاية والقيادة منحصرة في العترة وأنّها غير جائزة لأيّ أحد دونهم، فالقرآن يثبت لنا فضائل العترة، ومن يجهل القرآن لا يستطيع بلوغ كنه وعظمة العترة.

ويعني هذا الترابط أنّه لا يمكن معرفة العترة إلا بفهم القرآن، ولا يمكن فهم القرآن إلا بالتوسّل بالعترة؛ لذلك نرى أنّ الأئمّة (ع) عندما كانوا يشعرون بأنّ المخاطب يستمع إلى كلامهم بشك وتردّد فإنهم يأتون فوراً بحجج من القرآن لإثبات كلامهم، ففي رواية مشهورة سأل سائل الإمام الصادق (ع) حول المسح في الوضوء وقال: لماذا تقولون إنّ المسح بجزء من الرأس يكفي ولا حاجة لمسح كل الرأس والقدمين؟ وهنا احتج الإمام المعصوم بالقرآن وأقنع السائل بقوله >لمكان الباء< [وسائل الشيعة، ج1، ص291]، فالإمام (ع) استشهد بالقرآن إذ جاء فيه {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [سورة المائدة، 6] وأنّ الباء في الآية الكريمة تعني بعضاً من الرأس، أي: إنّ المسح يكون على بعض من الرأس، ولو أراد الله مسح كل الرأس لقال: >وامسحوا رؤوسكم<. فالعترة بحاجة إلى القرآن، بمعنى أنّ حجية كلام الإمام (ع) وإزالة الشك عن المخاطب متوقّفة على القرآن؛ لذلك كان الأئمّة يصرون على الاحتجاج بالقرآن في كثيرٍ ممّا يقولون.

كما أنّ الروايات توحي أيضاً بالسماح لنا بالتدبّر في القرآن والاستظهار به، حيث ورد في بعض الروايات أنّ الراوي سأل الإمام (ع) عن قضية ما، فأجابه الإمام في مواضع كثيرة: >أما قرأت القرآن< و >أما قرأت هذه الآية<؟

فسؤال الإمام للراوي عن التدبّر في القرآن وقراءته ومن ثمّ استشهاده (ع) بالآية يؤكّد جواز التدبّر في آيات القرآن، وهذا يشكّل إحدى مبادئ وأساليب التفسير الموروثة عن الإمام الرضا (ع).

استخدام الإمام الرضا (ع) للأساليب التفسيرية في مواجهة نظام الحكم في عصره

كان الإمام الرضا (ع) يعيش في عصر مليء بالتيارات الفكرية والغزو الثقافي والفكري الوافد إلى العالم الإسلامي، فاستغلّت الدولة العباسية تلك الظروف لإضعاف شعبية الولاية والإمامة حيث قامت بخلق منافسين لمذهب الولاية والإمامة، على سبيل المثال: اختلقوا منافسين من الزهاد غير الموالين للعترة لمواجهة زهد وورع الإمام الرضا (ع) حتى يُقبِل الناس على هؤلاء الزهاد دون الإمام (ع)، كما أنشأوا داخل الأمّة الإسلامية مذاهب فكرية تنافس ـ بزعمهم ـ الإمام (ع)، وهي قضية تصاعدت وتيرتها في عهد المأمون.

كان المأمون يواجه مقام الإمامة والولاية للإمام الرضا (ع) بخطّة مدروسة تهدف إلى اقتلاع نهج الإمامة من أساسه؛ حيث افتعل المأمون مذاهب فكرية وافدة لمواجهة الإمام (ع) فكان (ع) أمام هذا السيل العرم الذي يريد اجتثاث الأصول الإسلامية، فأصحاب المذاهب الفكرية المذكورة كانوا يسوقون كمّاً هائلاً من الأفكار المهمّة في جميع النواحي لتضليل الناس عن الطريق الصواب.

وفي مجال التفسير قام الإمام الرضا (ع) ببيان نهج الاستظهار والفهم من ظاهر الألفاظ وحدّد معالمه كي يكون نهجاً تفسيريّاً للأمة الإسلامية سيما الشيعة، وكانت تلك التبيينات تهدف إلى إيضاح مدى إمكانية الاستظهار بكلام الله ومدى جواز أخذ ظاهر الكلام وفهمه وتطبيقه.

نذكر من أساليب الإمام الرضا (ع) التفسيرية وسيرته في استخدام وإطلاق منهج فهم القرآن ما ورد في رواية ابن جهم أنّ الإمام الرضا (ع) حدّد معالم الاستظهار بالقرآن بوصفه منهجاً تفسيريّاً، تقول الرواية أنّ ابن جهم سأل الإمام الرضا (ع) سؤالاً كلامياً مرتبطاً بتفسير القرآن وذلك في مجلس مهم للغاية، أمر المأمون بعقده لإجراء مناظرات بين الامام الرضا (ع) وبين مختلف الأديان والفرق.

هنا سأل ابن جهم سؤالاً لم يكن عن جهل واستعلام بل كان فيه كناية وتعريض بالإمام (ع)، يقول أبو الصلت الهروي: >لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (ع) أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا وقد ألزم حجته كأنه قد ألقم حجراً، فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: بلى، قال: فما تعمل في قول الله عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [سورة طه، 121] وقوله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [سورة الأنبياء، 87] وقوله في يوسف: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [سورة يوسف، 24] وقوله عز وجل في داود: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [سورة ص، 24] وقوله في نبيه محمد (ص): {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} [سورة الأحزاب، 37]؟ فقال مولانا الرضا (ع): ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك، فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [سورة آل عمران، 7]  أما قوله عز وجل في آدم (ع): {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه، وخليفته في بلاده، لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل، فلما اهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران، 33]. وأما قوله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} إنما ظن أن الله عز وجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قول الله عز وجل: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [سورة الفجر، 16]؟ أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر، وأما قوله عز وجل في يوسف: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} فإنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} يعني القتل {وَالْفَحْشَاءَ} يعني الزنا....< [الأمالي، الصدوق، عنه: بحار الأنوار، ج11، ص72-73].

فالآية تسرد قصة انفراد زليخا بيوسف، وكيفية اهتمام زليخا بيوسف واضحة هنا إذ أنّها زيّنت نفسها واستعدّت لارتكاب الذنب في الخلوة، ونعلم أنّ اهتمامها بفعل الذنب وقضاء حاجتها من يوسف أفضى إلى العراك معه، إلا أنّ الآية تستخدم ليوسف نفس الفعل الذي استخدمته لزليخا فتقول: {وَهَمَّ بِهَا}؛ أي: إنّ يوسف اهتم بزليخا كما اهتمّت هي بيوسف. إلا أنّ هذا الاهتمام والإقبال على زليخا وبالأساس إرادة فعل الحرام، لا يتلاءم مع عصمة الأنبياء.

فالإمام الرضا (ع) يحدّد هنا معالم لفهم ظاهر الآيات، بمعنى أنّ الاستظهار ـ أي: فهم ظواهر القرآن ـ لا ينبغي أن يتعارض مع مبادئنا العقائدية، وإذا رأينا تعارضاً، يجب تجنّب الاستظهار ومراجعة المعصوم.

في الحقيقة إنّ الإمام (ع) في تلك القضية ساق منهجاً تفسيرياً في الاستظهار بالقرآن وفهم ظواهره، ممّا يبيّن أنّ ثامن الأئمّة (ع) أسّس أسلوباً وتيّاراً خاصّاً لفهم القرآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) صحيفة قدس (العربية)، ذو القعدة 1435 هـ، ص3، بتصرّف.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1862
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24