• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : جهود الأئمة (عليهم السلام) في خدمة القرآن والعقيدة .

جهود الأئمة (عليهم السلام) في خدمة القرآن والعقيدة

إعداد الطالب: محمد عبد الجليل المكراني

إنّ المتصدّي لاستعراض تاريخ الأئمة (عليهم السلام) وصلتهم بالقرآن الكريم يتلمس وضوح أهمية جهودهم في التصدي لتفسير النص, فمما لا يسع منكر أن ينكر أفضلية الامام علي (عليه السلام) وسعة علمه بالقرآن, وأولويته وأسبقيته الى تأويله وقربه من ينبوعه الأصيل ولصوقه به، فهو الباب الذي تنبثق منه ينابيع العلم ويطلع منه على آفاقه المطلقة من مصدر  الوحي. روى عبد الله بن عباس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأت الباب) [المستدرك للحاكم النيسابوري: ج3، ص126].

وإذا كان محمد (صلّى الله عليه وآله) الناطق بلسان الوحي وطريق تلقيه عن السماء {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم: 3-4]، فإن علياً هو نفس محمد (صلّى الله عليه وآله) بدلالة آية المباهلة وكما يرى مفسرو الإمامية وهو أقرب الناس إليه ومكمل مهمته من بعده ووارث علمه ونور القرآن وعدله ومستنطقه. يروي سليم بن قيس الهلالي عنه (عليه السلام) أنه قال: (ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها، وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه علي وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً) [الكافي: ج1، ص64].

هذا الفهم الكامل للنص القرآني الذي تعبر عنه الروايات, يصفه  الامام بأنه استنطاق للنص الذي لاينطق بنفسه وانما تلك مهمة الامام المعصوم ووظيفته الذي يرثها عن النبي.

يقول الامام علي (عليه السلام) مبيّناً فيها فضل الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، وانتقاض من المبرم. فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به. ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه) [نهج البلاغة: الخطبة 158].

وقد قام بهذه المهمة الجليلة خير قيام حتى اننا لو احصينا ما روى عنه لوجدناه اكثر الصحابة تصدياً لتفسير القرآن.

واول ما يتجلى ذلك في خصوصية الدور الكبير الذي اداه الامام الحسن الزكي (عليه السلام) اذ سار على نهج ابيه في حمل راية الامامة بكل ما احتملته من مهام جليلة كان اهمها الحفاظ على مسيرة الاسلام العظيم وتثبيت ركائز العقيدة في مدة حالكة شهدت احداثاً جليلة استدعت منه تلك الوقفة التي حفظت بيضة الاسلام.

وأكثر ما نجد مصاديق ذلك فيما ورد عنه من المناظرات والمحاججات التي تناولت اغلب مباحث العقيدة وجوانبها وخصت أصل الامامة واثباتها والنص عليها وبيان أحقيتهم بها بمساحة كبيرة.

وقد حفلت المجاميع الحديثية وكتب العقيدة عند الامامية بكثير من هذه النصوص الواردة عنه والتي شكلت رصيداً تمثله متكلمو الامامية  فيما بعد مع ما ورد عن باقي الائمة وأسسوا في ضوئه ركائز المنظومة العقائدية للإمامية.

استكمالاً لهذا الدور نجد ان الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) قد بين اسس الامامة ودافع عن مفاهيمها وضوابطها التي اهمها: ان الامامة عنده لم تكن مجرد منصب سياسي  ولا الموقف تجاهها سياسياً وانما كانت عنده مسؤولية للامام تجاه الله يتولاها بالنص ولذلك فهو حين لم يبايع يزيداً فلأنه يرى أنه في ظل دولة يقوم نظامها السياسي على أسس دينية فلا تعد البيعة أو انتخاب الحاكم مجرد عمل سياسي وانما بيعة يزيد انحراف عن أصل من أصول الدين.

ونلاحظ ان الخط الفكري لولده الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) قد طبع بطابع الدعاء باعتباره مجالاً اعتمده الامام لبثّ الدعوة الاسلامبة فالصحيفة السجادية التي ضمت ما ورد عنه  من ادعية حملت كثيراً من المفاهيم القرآنية وجلت الاصول العقائدية وأسست لمنهج فكري ينطلق من تحقيق الصلة مع الله تعالى باعتباره اساساً لبناء عقيدة قوية تضع الانسان على اسس القرآن الكريم والسنة الشريفة ركائزه الاولى وانطلق الخط الفكري عند الامام الباقر (عليه السلام) من دور التوجه إلى دور التوسع في بث العلوم والمعارف حتى لنلاحظ ان ممارسته لامامته اكثر ما تبرز من كثرة روايته  الاحاديث عن الرسول وعن آبائه في بث المعارف والعلوم بكل وسيلة بحيث شكل ذلك مصداقاً جليلاً للروايات المشهورة في تلقيب الرسول له بالباقر.

حتى قيل: (لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (ع) من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والأحكام والحلال والحرام) [مناقب آل أبي طالب: ج3، ص327].

ويُعدّ تولي الامام جعفر الصادق (عليه السلام) الامامة بعد ابيه الباقر (عليه السلام) مرحلة تاريخية فاصلة وحاسمة طبعت المذهب بطابعها في جميع المجالات الفكرية وكان لطبيعة عصره كونه مرحلة انتقال السلطة من الامويين الى العباسيين ان فسح امامه المجال واسعاً لترسيخ اسس الفكر الامامي وان يتوسع في جهده العلمي وعطائه الفكري فتوزعت اهتماماته في شتى العلوم الدينية وتناولت العلوم الاخرى كالكيمياء والفلك والرياضيات.

وهؤلاء الائمة الثلاثة (علي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق عليهم السلام) ارتبطوا بالقرآن بعلاقة وطيدة وتصدوا لتفسيره وكشف معانيه وشكلوا قوام مدرسة الكوفة في التفسير التي كان لها أثر واضح في ظهور مؤلفات عديدة في تفسير القرآن الكريم.

تولى الامامة بعد الإمام الصادق (عليه السلام) ستة ائمة هم: ولده الامام موسى الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم ابنه الامام المنتظر المولود عام 255 هـ (عليهم السلام)، إلا ان دور هؤلاء الأئمة لم يكن بارزاً بدرجة وضوح دور الامام جعفر الصادق (عليه السلام) للأسباب والمؤثرات التي سبق الحديث عنها، فلم تسنح الفرصة لواحد منهم ليظهر ما استودعه الرسول إياه وليبلغ ما استحفظه عليه كما سنحت للإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1766
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24