• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : مميّزات القصّة القرآنيّة .

مميّزات القصّة القرآنيّة

بقلم: الشيخ أحمد السماعيل

القرآن الكريم كتاب هداية للمجتمع الإنساني أجمع ويمثّل دستور البشريّة في شتّى ميادين الحياة المختلفة، وهذا السفر الإلهي العظيم حافل بالوسائل والأدوات التي تعمل على إيصال الأهداف والغايات العظيمة التي دعت إليها التعاليم القرآنية إلى المخاطبين بيسر وسهول واُسلوب شيّق وبليغ منقطع النظير، والقصّة القرآنيّة كغيرها من الوسائل والأدوات القرآنية لها مميّزات وجوانب متعدّدة، يمكن أن نبحثها في النقاط التالية:

1ـ واقعيّة القصّة

يتجلّى هذا الشرط في الواقع الخارجي من خلال اُمور ثلاثة: 

أ- واقعية الحدث

لقد كان هذا الأمر متجلّياً في القصص القرآني، كقصّة موسى(عليه السلام)، حيث جاء فيها مجموعة من الأحداث الواقعيّة، من قبيل ذكر ابنتي شعيب، وقضية الماء والمرعى، وسقيه لهما، ثم مقابلته لأبيهما، وزواجه بإحداهما، إلى غيرها من أحداث هذه القصة، قال تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}(1). وفي هذه الآيات الكريمة قد صوّر هذه الأحداث في واقعية طبيعية دون تكلُّف، أو تزييف، أو نقص أو إضافة، وبإيجاز رائع، وبيان واضح، غير أنّه جاء بها في قالب قصصي موجّه؛ ليحقّق أهدافاً دينيّة من عرضها بهذه الصورة.

ب ـ واقعية الأشخاص

إنّ من أبرز الأمثلة التي تجلّت بها هذه الواقعية، وهو ما يتعلّق بعرض شخصيّة الأنبياء(صلى الله عليه وآله) ودورهم في القصّة القرآنية، وهو يكشف لنا عن دقّة تصوير الدور الذي يقوم به هذا العنصر الأساسي من عناصر القصّة، وذلك من خلال أمرين:

1- الجانب النبوي المتمثِّل في عصمة الله له وتأييده بالمعجزات.

2- الجانب البشري المتمثِّل في مجال التميُّز والرفعة في تطبيق هذا الدين في واقع حياة النبي والمجال الاعتيادي فيما يعتري الإنسان من عواطف وانفعالات.

قال عزّ وجلّ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}(2).

ج ـ ربط الماضي بالحاضر والمستقبل

إنّ عناية القرآن الكريم واهتمامه بالأحداث التاريخية عبر التصوير القصصي، هو أكثر من مجرّد عرض لأخبار قد مضت، ولحياة ماضين قد سلفت، أو مجرد عرض لأجل التسلية والمتعة ـ كما نجده عند بعض المؤرّخين، أو القصّاصين ـ ؛ بل هو عرض لأحداث ووقائع وصور لها علاقة بواقع الحياة الإنسانية ومتطلّباتها؛ وذلك لأنّ القرآن الكريم يريد من ذكر القصة وما فيها من الأشخاص والأحداث وغيرها من العناصر الاُخرى، أن ينقل لنا تاريخ تلك الاُمم الماضية وقضاياهم السالفة بحسب ما تقتضيه من واقعية وصدق، كل ذلك لغرض اعتبار الإنسان به في حياته الحاضرة بما يوافق حركته ومواقفه وتطلعاته نحو المستقبل بما يحقق له الكمالات الإلهية(3).

فهذه الخصوصية في القصة القرآنية تدلّ على واقعية كل ما فيها من أشخاص والأحداث، وسائر العناصر الاُخرى، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(4).

2ـ الصدق 

أنّ هذه القصص لم يدخلها التحريف والتغيير فهي سالمة ومحفوظة من ذلك؛ لحفظ القرآن بأجمعه من هذه التغييرات والتشويهات، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(5).

فإنّ ما ورد في القرآن الكريم من أخبار وحوادث، هي أمور وحقائق ثابتة ليست فيها كذب أو خطأ أو اشتباه كما حصل في كتب العهدين(6)؛ لذا قال تعالى في قصة يوسف: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(7) وفي قوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} يدلّ ذلك على أنّه كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بُعد المدة بين النبي(صلى الله عليه وآله) وبين الرسل الذين قصّ حديثهم ومنهم يوسف(عليه السلام) وإخوته وأبوه(عليه السلام) مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بها، فهذا دليل صدقها {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} أي: ما كان حديثاً يُختلق {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: تصديق ما كان قبله من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور(8).

3ـ العرض التصويري

عُرضت القصّة في القرآن الكريم باُسلوب وبطريقة تصويرية وبمشاهد ملؤها الحيوية والحركة والوضوح؛ لكي تشد القارئ أو السامع إليها، ويتفاعل مع أحداثها، ولكي تؤدّي دورها الذي سيقت من أجله في تحقيق أغراضها الدينية، فهي بهذا قد حققت التأثير الوجداني؛ لما فيها من تلك العناصر الفنية، وقد تنوعت طريقة عرض القصة القرآنية بطرق وأساليب مختلفة، كما ذكر سيد قطب مجموعة من هذه الطرق في التصوير الفني فقال:

1 ـ مرّة تعرض القصة بذكر ملخص قبل تفصيلها، وبعد هذا الملخص تُذكر تفصيلاتها من بدايتها إلى نهايتها؛ كقصة أصحاب الكهف والرقيم، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}(9) فهذا ذكر ملخص قصتهم، وبعد هذا المقطع عُرضت تفصيلات قصتهم في تشاورهم قبل دخولهم الكهف، وفي حالتهم بعد دخولهم الكهف، ومن ثم نومهم، ويقظتهم، وإرسالهم واحداً منهم ليشتري لهم طعاماً، وعودته إلى الكهف وأصحابه، وموتهم، وبناء المعبد عليهم، وتنازع القوم في أمرهم، واختلافهم في عددهم، إلى آخر قصتهم، وهو ما جاء في سورة الكهف من قوله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً*َإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً *َوتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً *وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً*وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً *إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً *وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً *سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً *وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً *إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً *وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}(10) في هذه الآيات تفصيل لهذه القصة.

2 ـ ومرّة تذكر عاقبة القصة ومغزاها، ثم تبدأ القصة بعد ذلك من أوّلها وتسير بتفصيل خطواتها، كما في قصة موسى(عليه السلام) في سورة القصص، فتبدأ هذه القصة بالآية الكريمة {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(11) فبعد هذا المقطع تأتي تفصيلات قصته(عليه السلام) في مولده ونشأته، ورضاعه، وكبره، وقتله القبطي، وخروجه إلى مدين؟ وزواجه، ثم رجوعه إلى المدينة، إلى آخر قصته(عليه السلام)، وكأنّ تلك المقدمة التي تكشف الغاية من القصة كانت تمهيداً مشوِّقاً لمعرفة الطريقة التي تتحقق بها هذه الغاية المذكورة في المقدمة.

3 ـ ومرّة تذكر القصة مباشرة بدون مقدمة أو تلخيص، بل تعتمد على المفاجأة الذي له الأثر البالغ على النفوس، كما في قصة مريم (عليها السلام) عند مولد عيسى(عليه السلام) قال تعالى بصورة مباشرة: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}(12).

4 ـ ومرّة يحيل القصة تمثيلية، فيذكر الألفاظ التي تشير إلى ابتداء عرض القصة، ثم يدع القصة تتحدّث عن نفسها بواسطة أبطالها وأشخاصها، كما في المشهد من قصة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ...}(13) فهذه إشارة بدء عرض القصة، ثم عرضت بعد هذا بواسطة النبي إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) فقالوا: {... رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}(14).

وهكذا بقية القصص التي تعرّض لها القرآن الكريم بالعرض التصويري، حيث نجد هناك العديد من تلك الأمثلة التي توضح لنا هذه الطريقة من عرض القصة القرآنية(15).

4- الإيجاز 

 الإيجاز هو أن يكون التعبير بأقل التراكيب عن أوسع المعاني، وهذا ما نجده في القرآن الكريم وفي قصصه، حيث إنّ القرآن الكريم لشدّة إيجازهِ وإحكامه، تكاد كلماته تتحوّل رموزاً، فكل كلمة منه تنطوي فيها معاني كثيرة واسعة، وعلى ذلك فأن الفهم الدقيق لإيحاءات القرآن وإشاراته تستدعي يقظة متواصلة في قراءته، وفكراً واعياً لتدبُّر معانيهِ ومراميه(16)، نقل الباقلاني عن الرماني ما حاصله: (أنه يوجد نوعين من الإيجاز وهما إيجاز القصر وإيجاز الحذف، ومعنى إيجاز القصر: هو بُنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف، وأما إيجاز الحذف فهو: إسقاط كلمة للأجزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام)(17) وكلا النوعين قد اُستعملا في القرآن الكريم، فمن إيجاز القصر ما نجده فيه من الانتقال من صيغة إلى اُخرى، وكذا في استبداله هيئةً مكان هيئة اُخرى، فإذا أنت معه مخاطب غائب في آنٍ كثير قليل معاً، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ...}(18)

ففي هذه الآية ترى نفسك واحداً من مجموع المؤمنين المخاطبين بالتقوى، ثم فجأةً تتوارى مع هذا الجمع الكثير في نفس واحدة غائبة مستغرقة في تأمّل ما سطّر في صحائفها، وفي هذا سرّ من أسرار القرآن وإعجازه في أساليبه الخاصة في استعمال الألفاظ، ليؤدّي بذلك المعنى الكامل والواسع من مراده ومقصوده.

5- قوّة التأثير

يختلف الناس من شخص إلى شخص في التأثُر بهذا القرآن، تبعاً لاختلافهم في مقدار الاستعداد، وقابلية التلقّي للقرآن ومعانيه، فلكلّ امرئ ذوق خاص، وناحية يتأثّر بها، ويستجيب لها، حسبما تغنيه ملكاته ومدركاته؛ ولهذا قد نعت الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الذين اُوتوا العلم بالخضوع والسجود له، وذلك حينما يُتلى عليهم القرآن الكريم {... إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}(19) وهذا (تعبير صارخ عن الخضوع المطلق لله والانسحاق أمامه، باعتبار أنّ السجود أعلى مظاهر الخضوع... {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً}(20) في إحساس عميق بعظمة الله وانفعال بها وتسبيح خاشع يثيرها في انفتاح الروح على الله)(21) ثم وصفهم تعالى بالبكاء، وشدّة التذلّل والخشوع، قال تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}(22) وعلى أثر هذا الخشوع وهذا التأثّر، وأثر خشيتهم وخوفهم من الله تعالى، ستقشعرّ جلودهم، ثمّ تلين، فتلين قلوبهم لذكر الله؛ وكلّ ذلك من هداية الله تعالى كما هو مصرّح به في الآية الكريمة من قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].

6ـ هادفة

لم يكن هدف القصة القرآنية لذاتها، أو لأجل التسلية أو المتعة الفنية، ولا مجرّد ذكر الأحداث التاريخية، بل إنّها ترمي إلى بيان رسالة الله للبشر، فهي خط للوعي ومنطلق للهدى؛ ولذا (نجدها تركز على الرقي المادي، وأسباب القوّة، لأن هذه المادة عنصر أساسي رئيس في مقومات هذا الإنسان، ونجدها تركز على ما هو أهم، وهو أن التدين الحق لا ينفصل عن الحياة العملية، ولا ينفصم عن واقع هذا الإنسان، وإنما هو مرتبط به ارتباطاً وثيقاً، بل هو جزء منه، ولهذا نجد القصة تفصل في أسباب السعادة الروحية وأسباب الرقي المادي حتى تتم السعادة للمؤمنين)(23).

وبهذا تقابل القصة الأدبية الحرّة، التي لا تتقيّد بالأهداف التوجيهية، التي تخدم الإنسان في تحقيق سعادته الدنيوية والاُخروية؛ لأنّها قد تُكتَب لأجل التسلية والمتعة الفكرية لا غير.

7ـ الفائدة من تكرارها

إنّ التكرار من ظواهر القصص القرآني، حيث نجده في القرآن الكريم بصورة كثيرة وبشكل واضح؛ ذلك لتحقيق أهدافه؛ لأنّ التكرار اُسلوب من أساليبه الخاصة، التي استعملها في قصصه لأجل تحقيق وتثبيت تلك الأهداف، والتي منها:

أ- تثبيت عقيدة التوحيد ونشرها في قوم لم يكلّفوا قط بشريعة لوجودهم في فترةٍ من الرسل والأنبياء المنذرين؛ ولذا قال تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ}(24) وقال تعالى في شأنهم في الآية الكريمة: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(25)

ب- جاءت القصص مكررة، لكنه لا يكون ذلك التكرار فيها بكل ألفاظها، وإنما في بعض أجزائها، (إنّ تكرار القصّة لم يأتِ في القرآن الكريم بشكل يتطابق فيه نص القصة مع نص آخر لها، بل كان فيها شيء من الزيادة والنقيصة وإنما تختلف الموارد في بعض التفاصيل وطريقة العرض لأن طريقة عرض القصة القرآنية قد تستبطن مفهوماً دينياً يختلف عن المفهوم الديني الآخر الذي تستبطنه طريقة عرض أخرى. وهذا الأمر الذي نسميه بالسياق القرآني يقتضي التكرار أيضاً لتحقيق هذا الغرض السياقي الذي يختلف عن الغرض السياقي الآخر لنفس القصة)(26) .

ج- تتكرر القصة بسبب التفاوت الموجود عند البشر بمستوياتهم المختلفة في الفهم والإدراك، مع اختلاف أمزجتهم وطباعهم، فتُكَرَر القصة في القرآن الكريم بأساليب مختلفة وبعبارات متنوعة؛ لتصل معانيها ومضامينها إلى جميع مستويات الناس مع اختلافهم في ثقافاتهم وعلومهم(27).

د- ربّما يكون التكرار للقصة في القرآن مضافاً إلى ما سبق هو أن الإتيان بمثله لا يكون، ولا يمكن إلاّ لنفس القرآن، فيذكر القصة بنحو آخر مرة ومرات؛ ليعرف من يحتمل الإتيان بمثله، حتى يحصل عنده الجزم والقطع بأنّه لا يمكن الإتيان بمثله وبمثل هذه القصص الا القرآن الكريم عن طريق تكرارها مرات متعددة، فهذا التكرار لأجل إثبات اختصاص القرآن الكريم بالإتيان بمثله وعجز غيره عن ذلك.

وقد ذكرا الزكشي والسيوطي أنّ من أسباب تكرار القصة القرآنية، وهو أنّه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا به(28). 

ونذكر لذلك مثلاً واحدة من القصص القرآني الذي تكرر ذكره في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وهو ما يرتبط بقصة موسى(عليه السلام)، حيث ورد التكرار فيها لبعض مقاطعها في موارد كثيرة من سور القرآن، حيث أن نبي الله موسى من أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم مما يدل على علو منزلته عند الله تعالى وعظمة مواقفه وكثرتها في تثبيت دين الله الحق والقضاء على الكفر والباطل فتكررت بعض المقاطع والمواقف في قصته(عليه السلام) لتأكيد دين الله الحق وتقريره في نفوس الذين لم يتبعوا أهواءهم ولم يعاندوه ولنذكر نموذجاً في تكرار قصتهِ(عليه السلام) مع فرعون والسحرة فمثلاً ذكرت هذه القصة في سورة الأعراف بهذه الصيغة كالتالي:

قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(29)

فجاءت القصة بهذه الصيغة وبهذا الاُسلوب وذكرت مرةً أخرى في سورة طه بصيغة اُخرى وباُسلوب آخر كالنحو الآتي في قوله تعالى بعدما أمره سبحانه وأخوه هارون (عليهما السلام) الذهاب إلى فرعون.  

قال تعالى:  {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}(30) إلى قوله تعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاُولى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى * وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيى}(31) .

والملفت للنظر كلما تكرّرت القصة القرآنية تجدها تأتيك بصياغة وباُسلوب آخر لتعطيك الخزائن الربانية إضافة إلى المعاني المشتركة في جميع المواضع.

ــــــــــــــــــــ

(1) القصص/ الآيات22 ـ 28.

(2) الشعراء: الآيات 10 ـ 17.

(3) انظر: الحكيم،  محمد باقر، القصص القرآني، ص24.

(4) المائدة / 27-32.

(5) الحجر/ 9.

(6) انظر: الحكيم، محمد باقر، قصص القرآن الكريم، ص25.

(7) يوسف/ 111.

(8) انظر: الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير شرح الجامع الصغير، ج3، ص61.

(9) الكهف/ الآيات 9 ـ 12. 

(10) الكهف/ الآيات 14-26. 

(11) القصص/ الآيات 2 ـ 6. 

(12) مريم/ الآيات 16 ـ 26. 

(13) البقرة/ 127. 

(14) البقرة/ 127-129. 

(15) سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، ص146 ـ 148. 

(16) مطاوع، د. سعيد عطية علي، الأعجاز القصصي في القرآن، ص258.   

(17) الباقلاني، محمد بن الطيب، إعجاز القرآن، ص262

(18) الحشر/ 18. 

(19) الإسراء/ 107.

(20) الإسراء/ 108.

(21) فضل الله، محمد حسين، من وحي القرآن، ج14، ص250.

(22) الإسراء/ 109.

(23) عباس، د. فضل حسن، قصص القرآن الكريم، ص38.

(24) القصص/ 46.

(25) سورة ص/ 5.

(26) الحكيم محمد باقر، القصص القرآني، ص62 ـ 63؛ وكذا ذكر هذا المعنى في: علوم القرآن، ص369.

(27) انظر: الظواهري، كاظم، بدائع الإضمار القصصي، ص61؛ وكذا انظر: التهامي، نقرة، سيكولوجية القصة في القرآن، ص128.

(28) انظر: الزركشي، بدر الدين محمد عبن الله، البرهان في علوم القرآن، ج3، ص27، والسيوطي، جلال الدين، الاتقان، ج2، ص184.

(29) الأعراف/ الآيات 103 ـ 118. 

(30) طه/ الآيات 43 ـ 44. 

(31) طه/ الآيات 47 ـ 74. 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1670
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16