• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : العناصر النفسية المتألّقة في شخصية سيد الورى .

العناصر النفسية المتألّقة في شخصية سيد الورى

إعداد: الهيئة العلمية في القسم الثقافي

شاء الله تعالى أن يجعل أشرف الفضائل الخلقية العالية والسامية التي يسمو بها الناس والخلائق والتي مدحها الله تعالى في كتابه الكريم متجسّدة في شخص النبي الكريم (ص) ومن مقدّماته الذاتية، فقد خلقه الله مهذَّباً من كل عيب، ومطهّراً من كلّ رجس، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سورة الأحزاب: 33)، ومن خلال تلك الصفات العظيمة والخلال الحميدة استطاع (ص) أن يغيّر مجرى تأريخ العالم، ويضيء للبشرية جمعاء دربها نحو الفضائل والدرجات الراقية بالقضاء على معالم عقائد الجاهلية الجهلاء الجهلاء التي استباحت جميع مآثم الحياة.

وليس في تأريخ عظماء العالم شخصية تضارع شخصية الرسول (ص) في مواهبه وعبقرياته، وفي قدراته وملكاته، فقد رفع رسالة ربّه بقوة وشموخ. وهذه لمحات من عناصر النبي (ص) ومكوّناته النفسية:

1- قوّة الإرادة

تُعدّ قوّة الإرادة في علم النفس من أكثر الصفات أهمّية وتأثيراً في شخصية الإنسان وسلوكه، ومن شأنها أن تدرجه في أوصاف العظماء الخالدين، وقد دخل النبي (ص) في صراع رهيب مع القوى الجاهلية المنحطة فكرياً وأخلاقياً، فدمّر جميع معالمها، وقضى على أعمدتها بقوّة إرادته وصلابة وعزمه مع ما تمتّع (ص) به من صفات الصفات المشرقة، فلقد تسلّحت قريش بقواها المادية ودخلت في ميدان الصراع مع الرسول (ص) المحرّر الأعظم، فلم يحفل بجمعهم ولم يستوحش من وحدته مع قلّة الناصر، وراح النبي (ص) يملي على صفحات الكون إرادته التي لا يقف أمامها شيء قائلاً لعمه أبي طالب (ع): (و الله يا عم لو وضعوا الشمس بيميني و القمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله تعالى أو أموت دونه...).

ولقد مضى الرسول (ص) في نضاله وكفاحه حتى نصره الله تعالى وأعزّه وأيّده، فأقام كلمة التوحيد، وأنقذ الناس من عبادة الأوثان والأصنام.

2- سموّ الأخلاق

من أبرز الصفات الرفيعة الماثلة في شخصية الرسول (ص) سمّو الأخلاق، فقد كان آية من آيات الله تعالى في هذه الظاهرة التي امتاز بها على الخلائق أجمعين، وقد صعق بها القلوب حتى استطاع أن يطهّر الأرض من براثن الوثنية والجاهلية، وقد أثنى الله تعالى عليه، ومجّد فيه هذه الصفة الرفيعة قال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم: 4].

ومن سموّ أخلاق النبي (ص) أنه إذا سلّم عليه شخص في الطريق فلا ينصرف حتى يكون الشخص هو المنصرف عنه، كما إذا صافحه أحد فلا ينزع يده عنه حتى يكون الشخص هو الذي ينزع يده عنه. [راجع: اُصول الكافي، ج 2، ص 190]

ومن نفحات أخلاقه (ص) أنه ما كلّم أحداً بكلمة تغيظه أو تكرهه، وإنما كان يقابل الناس بالكلمات الناعمة والطيبة، وأنه كان يقسّم لحظاته على أصحابه بالسوية. [انظر: روضة الكافي: 268].

3- الإنابة الى الله

من ذاتيات النبي العظيم (ص) الانابة إلى الله تعالى والخوف الشديد منه. يقول الامام الصادق (ع): (ما كان شيء أحب الى رسول الله (ص) من أن يظل خائفاّ جائعاّ في الله عز وجل) [روضة الكافي: 163]

ولقد أناب الى الله تعالى، وأرهق نفسه إرهاقاً شديداً في عبادته، حتى نزل عليه الوحي بهذه الآية: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى} [سورة طه: 1-2]، ومن مظاهر عبادته لله تعالى اهتمامه البالغ بصلاة الجماعة التي فضلاً عن كونها عبادة وطاعة للخالق جل وعلا، أنها أيضاً مظهر لقوّة المسلمين، ووحدة صفوفهم وتماسك شملهم.

كما كان (ص) كثير الصلاة، وكان يجد فيها متعة من أعظم متع الحياة؛ لأنّه كان يناجي ربه تعالى، وقد ورمت قدماه من كثرة الصلاة، حتى قيل له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً).

وكان النبي (ص) إذا صلّى يبكي من خشية الله تعالى، فقد روى مطرف عن أبيه، قال: (رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء). [روضة الكافي، ج 2، ص 489]

وروي أنّه (ص) قال لابن مسعود: «اقرأ عليَّ» قال: ففتحت سورة النساء، فلما بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} رأيت عينيه تذرفان من الدمع، فقال لي: «حسبك الآن». [مستدرك الوسائل: 4، 277]

لقد تعلّق الرسول (ص) بالله تعالى وتفاعل حبّه له بمشاعره وعواطفه، وكان ذلك ناجماً عن معرفة الكاملة لله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.

4- الشجاعة

كان النبي (ص) أشجع الناس، وأصلبهم وأقواهم شكيمة، وتحدّث الإمام أمير المؤمنين (ع) عن شجاعة النبي (ص) بقوله: «إنّا كنّا إذا اشتدّ البأس، واحمرّت الحَدَق اتّقينا برسول الله (ص)، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدوّ منه، ولقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبيّ، وهو أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشد الناس بأساً» [جواهر البحار في فضائل النبي المختار: 1، 43، وقريب منه في كشف الغمة: 1 ، 9]

وروى ابن عباس عن شجاعة الرسول (ص) بقوله: «لما التقى المسلمون والكفّار يوم حنين ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله (ص) يركض بغلته نحو الكفّار، وأنا آخذ بلجامها أكفّها أن لا تسرع، وأبو سفيان بن الحارث، ثمّ نادى يا لَلْمسلمين... » [سنن أبي داود: 3 ، 50]

وتحدّث عمران بن حصين عن شجاعة الرسول (ص) بقوله: «ما لقي رسول الله (ص) كتيبة إلا كان أول من يضرب، ولما رآه اُبي بن خلف يوم اُحد جعل يقول: أين محمّد! لا نجوت إن نجا، فلمّا رآه شدّ على رسول الله فاعترضه رجال، فأمرهم النبي أن يخلوا عنه، وتناول النبي حربة من الحارث فطعنه في عنقه طعنة كادت تهوي به عن فرسه، ثمّ انهزم، وقف راجعاً إلى قريش، وهو يقول: قتلني محمّد، وهم يقولون له: لا بأس بك، فقال: لو كان جميع الناس لقتلهم محمّد، أليس قد قال: أنا أقتلك، والله لو بصق عليّ لقتلني، ثمّ هلك بسرف» [تاريخ الطبري: 2، 67]

إنّ شجاعة الرسول (ص) أعظم من أن توصف أو يلمّ بها بيان، وقد ورثها سبطه أبو الأحرار وحده، وحمل على ذلك الجيش الأعمى، ففروا بين يديه فرار المعزى إذا شدّ فيها الذئب ـ على حدّ تعبير الرواة ـ ولمّا سقط في ميدان الشرف والكرامة صريعاً خاف ذلك الجيش المنحطّ من الدنوّ إليه وجبنوا.

5- حبّ الفقراء

من الصفات الرفيعة الماثلة في شخصية الرسول (ص) حبّه للفقراء، فكان يكنُّ لهم في دخائل نفسه أعظم الود والاخلاص، وكان أباً وحصناً لهم وكهفاً وملجأً وملاذاً، وقد وجدوا في كنف مراعاته من البرّ ما لا يوصف، وكان يوصي المسلمين بالبرّ والإحسان لهم، وجعل لهم نصيباً مفروضاً في أموال الأغنياء، فشرّع الزكاة وألزم بها، كلّ ذلك مراعاة لهم، وكان من حبّه لهم أنه كان يدعو الله تعالى أن يحشره في زمرتهم، فقد روى أبو سعيد قائلاً: سمعت رسول الله (ص) يقول: «اللهمّ أحيني مسكيناً، وتوفّني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين، وأنّ أشقى الأشقياء، من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة» [مستدرك الحاكم: 2، 56]

6- كراهته للعظمة

من الصفات البارزة في شخصية الرسول (ص) كراهته الشديدة للعظمة والأنانية، فقد روى ابن عباس قال: «مشيت خلف رسول الله (ص) لأنظر هل يكره أن أمشي وراءه أو يحبّ ذلك، قال: فالتمسني بيده وألحقني به حتى مشيت بجنبه، ثمّ تخلّفت مرّة ثانية، فالتمسني بيده فألحقني به فعرفت أنّه يكره ذلك» [تاريخ بغداد: 12، 91]

وكان يكره أن يستقبل بالتعظيم والتبجيل، وكان يقول لأصحابه: «لا تقوموا ـ لي ـ كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضاً» [صحيح أبي داود: 2 ، 224]

وهكذا كان رسول الله (ص) ينفر ويمجّ جميع ألوان التعظيم، ويرى أنّه لا يحسن إلا لله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.

7- الفصاحة والبلاغة

من الصفات البارزة في شخصية الرسول (ص) أنه كان أمير البيان وسيد البلغاء والفصحاء الذي أذهلت بلاغته رواد الحكمة والبيان فجوامع كلماته، وبدائع حكمه كانت من أرقى مراتب البلاغة، ليس فيها تعقيد ولا غموض ولا التواء، قد رصّعت بجواهر البلاغة.

قال الغزالي: «كان رسول الله (ص) يتكلم بجوامع الكلم، لا فضول ولا تقصير، يتبع كلامه بعضه بعضاً، يحفظه سامعه ويعيه» [إحياء العلوم: 2 ، 367]

وقد استطاع صلوات الله عليه بسموّ بلاغته أن يحتلّ العواطف، ويسيطر على النفوس، وأنّ الكثيرين ممّن آمنوا به قد جلبهم روعة بيانه وصدق دعوته، وقد اُثر عنه القول: «أنا أفصح من نطق بالضاد، ونشأتُ في بني سعد» [السيرة النبوية، ابن هشام: 1، 176]

وقال له بعض أصحابه: «ما أفصحك يا رسول الله، وما رأينا مَن هو أفضح منك» فقال (ص): «وما يمنعني من ذلك، وبلساني نزل القرآن، وبلسان عربي مبين» [بحار الأنوار: 6 ، 230]

لقد نزل القرآن على رسول الله (ص) وهو من آيات الله تعالى، لا يدرك البشر مجاراته، ولا يدركون عظيم اُسلوبه، وجزالة بيانه، وروعة نظمه، وكان معجزته الخالدة على امتداد الزمن.

لقد كانت البلاغة بما فيها من مفهوم رائع وشامل من خصائص الرسول (ص)، واُثر عنه القول: «اُوتيت جوامع الكلم»، واختصرت لي الحكمة اختصاراً.

السياسة الرشيدة

وتميّز الرسول (ص) بسياسته الرشيدة التي لم يشاهد مثلها في جميع فترات التأريخ، فقد ساس ذلك المجتمع الجاهلي بلطفه وسموّ أخلاقه، واحتمل جفوتهم واعتداءهم عليه، وصبر على ما عاناه من صنوف الخطوب والتنكيل منهم حتى استجابوا لدعوته، وآمنوا بقيمه وأهدافه وشكّل منهم جيشاً متسلّحاً بالإيمان، فجعلوا يقاتلون آباءهم وإخوانهم عن رضى وإيمان، حتى أقاموا الدولة الإسلامية العظمى التي سيطرت على معظم أنحاء العالم، وصارت القوّة الوحيدة في الأرض التي لا تقهر، كلّ ذلك ببركة سياسة النبي (ص) التي بنيت على العدل الخالص، والحقّ المحض.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1627
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29