• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : مؤاخاة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) .

مؤاخاة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام)

السيد جعفر مرتضى العاملي

روى أحمد بن حنبل وغيره: أنه «صلى الله عليه وآله» آخى بين الناس، وترك علياً حتى الأخير، حتى لا يرى له أخاً؛ فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني؟

فقال: إنما تركتك لنفسي، أنت أخي، وأنا أخوك، فإن ذكرك أحد، فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها بعدك إلا كذاب، والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي(1).

ومن طريف الأمر: أنه «عليه السلام» قد قال هذه الكلمة بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله»: أنا عبد الله وأخو رسوله، وذلك في خضم الأحداث التي انتهت بغصب الخلافة من وارث النبي «صلى الله عليه وآله»، فكذبوه؟!

وقالوا له: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا(2)، فاعجب بعد هذا ما بدا لك!!

وقوله «صلى الله عليه وآله»: وأنت أخي ووارثي يطرح علينا سؤالاً، وهو أنه إذا كان المراد: أنه وارث لعلم النبي «صلى الله عليه وآله» دون غيره، فمن أولى بمقام النبي «صلى الله عليه وآله» منه؟!

وإن كان المراد: أنه وارثه بقول مطلق، حتى المال، فيرد عليه: أن المال كان حقاً لفاطمة «عليها السلام»(3) ، وقد استولى الذين جاؤوا بعد النبي «صلى الله عليه وآله» على أموالها، ومنها فدك وغيرها...

ومهما يكن من أمر، فإن التأمل في عملية المؤاخاة يعطينا: أنه قد لوحظ فيها المسانخة بين الأشخاص، وتشابه وتلاؤم نفسياتهم، وإلى ذلك أشار الأزري رحمه الله حينما قال مخاطباً علياً «عليه السلام»:

لك ذات كذاته حيث لولا *** أنها مثلها لما آخاها

تواتر حديث المؤاخاة:

وعلى كل حال، فإن حديث المؤاخاة متواتر لا يمكن إنكاره، ولا التشكيك فيه، ولا سيما مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»، سواء في المؤاخاة الأولى في مكة، أم في الثانية في المدينة، وهو مروي عن عشرات من الصحابة والتابعين كما يتضح للمراجع(4). وقد روي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام»: إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب(5).

وعليه فلا يصغى لدعوى أن النبي قد آخى بين علي وعثمان(6) ، أو بين نفسه «صلى الله عليه وآله» وعثمان؛ فإن ذلك لا ريب في بطلانه(7) ؛ فإن المقصود من ذلك هو الرفع من شأن عثمان، وتكذيب فضيلة لعلي «عليه السلام»، بل وجعل عثمان وعلي «عليه السلام» في مستوى واحد، وكيف؟! وأنى؟!

تكنية علي (ع)  بأبي تراب

ويذكر البعض هنا: أن علياً «عليه السلام» لما رأى أنه «صلى الله عليه وآله» لم يؤاخ بينه وبين أحد، خرج كئيباً إلى المسجد، فنام على التراب؛ فجاءه «صلى الله عليه وآله»، فجعل ينفض التراب عن ظهره، ويقول: قم يا أبا تراب، ثم آخى بينه وبين نفسه (8).

ولكن الظاهر هو أن هذه التسمية قد كانت في مناسبة أخرى غير هذه، ولسوف نتعرض لها حين الحديث عن السرايا في الآتي القريب إن شاء الله تعالى.

مع المنكرين لمؤاخاة النبي (ص)  لعلي (ع)

وبعد كل تلك المصادر المتقدمة، والتي هي غيض من فيض، نجد ابن حزم وابن كثير ينكران صحة سند حديث المؤاخاة(9) ، وأنكره أيضاً ابن تيمية، واعتبره باطلاً، موضوعاً، بحجة أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إنما كانت لإرفاق بعضهم ببعض، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله» لأحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري(10).

ونقول: 

إن إنكار سند حديث مؤاخاة النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام» لا معنى له، بعد أن صححه كثير من الأعلام، وبعد أن تواتر في كتب سائر المسلمين عن عشرات الصحابة والتابعين وغيرهم، ولا سيما إذا كان هذا الإنكار من الأبناء الثلاثة: كثير، وحزم، وتيمية، المعروفين بالنصب، والتعصب ضد فضائل علي، وأهل بيته الطاهرين «عليهم السلام».

وأما ما ذكره ابن تيمية تعليلاً لإنكاره، فنحن نذكر: 

أولاً: ما أجاب به غير واحد: «من أن هذا رد للنص بالقياس، وغفلة عن حقيقة الحكمة في ذلك.

وبعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة، والارتفاق ممكن، فآخى بينهم ليعين بعضهم بعضاً، ثم طبقوا هذا الاحتمال على علي «عليه السلام» والنبي، لأنه «صلى الله عليه وآله» كان يقوم بأمر علي «عليه السلام» قبل البعثة»(11).

فمرادهم أن التآلف والمحبة مطلوبان أيضاً بين المهاجرين؛ لأنهم كانوا من فئات مختلفة، ومستويات متفاوتة: عقائدياً وفكرياً، واجتماعياً إلخ..

بل لقد صرح نص المؤاخاة بأنها كانت على الحق والمواساة، ويحتاج المهاجرون إلى أن يواسي بعضهم بعضاً.

كما أنه قد هاجر من قبيلة رجل واحد، ومن أخرى عشرة مثلاً، فالواحد يحتاج إلى العشرة في معونتهم ورعايتهم، ثم إنهم يدعون: أن بعض المهاجرين قد حمل ماله معه؛ فيمكن أن يعين بعضهم بعضاً حتى بالمال إن صحت دعواهم تلك.

ولكننا لا نوافق على قولهم الأخير بالنسبة لعلي «عليه السلام» والنبي «صلى الله عليه وآله»، لأن علياً «عليه السلام» قد بلغ منزلة يستطيع معها أن يعول نفسه بالعمل، والحصول على ما يحتاج إليه، أو بالزراعة، أو التجارة بل والغنائم أيضاً.

وإنما الغرض من مؤاخاة الرسول «صلى الله عليه وآله» له، هو تعريف الناس بمنزلته، وإظهار فضله على غيره، لأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره، كما يظهر من دراسة عملية المؤاخاة نفسها، لأن ذلك أقرب إلى التعاضد والتعاون، وأوجب للتآلف والمحبة(12).

ثانياً: قد أخرج الحاكم، وابن عبد البر، بسند حسن: أن النبي «صلى الله عليه وآله» آخى بين الزبير وابن مسعود، وهما من المهاجرين، وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني.

ويصرح ابن تيمية: بأن «أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك»(13).

ولكن لا بد أن يكون ذلك بعد قدوم ابن مسعود إلى المدينة، لأنه كان من مهاجري الحبشة، وإنما قدم المدينة بعد قضية المؤاخاة العامة، وذلك حين كان «صلى الله عليه وآله» يتجهز إلى بدر(14).

وآخى أيضاً  على ما ذكره البعض  بعد الهجرة بين أبي بكر وعمر، وعثمان و عبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر، وبينه «صلى الله عليه وآله» وبين علي «عليه السلام»(15).

كما وثبتت أيضاً مؤاخاة زيد بن حارثة لحمزة، وهما مهاجريان، ولذا  يقولون  إنه قد تنازع زيد وعلي وجعفر في ابنة حمزة، وكانت حجة زيد: أنها ابنة أخيه(16).

ونحن نشك في هذه القضية، لأن جعفر لم يكن حين قتل حمزة حاضراً، فما معنى أن تبقى ابنة حمزة عدة سنوات بلا كفيل، وإن كانت عند علي فلماذا لم ينازعه زيد؟ وإن كان العكس فلماذا لم ينازعه علي «عليه السلام»؟

ومهما يكن من أمر فإن قضية الخلاف حول من يكفل ابنة حمزة تحتاج إلى تحقيق وتمحيص، نسال الله أن يوفقنا لذلك في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

ــــــــــــ

(1) راجع: نهج الحق في ضمن دلائل الصدق ص267، وينابيع المودة ص56، وتذكرة الخواص ص23 عن أحمد في الفضائل، وصححه، وابن الجوزي، ونقل عن كنز العمال ج6 ص390، والرياض النضرة ج2 ص209، وتاريخ ابن عساكر ج6 ص21، وكفاية الشنقيطي ص35 و44 والثقات ج1 ص141 و142.

(2) الإمامة والسياسة ج1 ص13، وأعلام النساء ج4 ص115، وتفسير البرهان ج2 ص93.

(3) راجع: الكافي ج1 ص458 بتحقيق الغفاري، والبحار (ط حجرية) ج8 ص231 و(ط جديدة) ج100 ص197، وكشف الغمة ج2 ص132، والأمالي للطوسي ج1 ص108، والعوالم ج11 ص518، والأمالي للمفيد (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص283، وراجع: مرآة العقول ج5 ص331، وغير ذلك.

(4) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص353، ووفاء الوفاء ج1 ص267 و268، وينابيع المودة ص56 و57 عن مسند أحمد، وتذكرة الخواص ص22  24، وحكي عن الترمذي أنه صححه، والسيرة الحلبية ج2 ص20 و90، ومستدرك الحاكم ج3 ص14، والثقات لابن حبان ج1 ص138، وفرائد السمطين ج1 الباب العشرون، والفصول المهمة لابن الصباغ ص22 و29، والبداية والنهاية ج3 ص226 وج7 ص35، وتاريخ الخلفاء ص170، ودلائل الصدق ج2 ص268  270 عن كنز العمال، وعن البيهقي في سننه، والضياء في المختارة، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند ثمانية أحاديث، وأبيه في المسند وفي الفضائل، وأبي يعلى والطبراني، وابن عدي، والجمع بين الصحاح الستة، وأخرج الخوارزمي اثني عشر حديثا، وابن المغازلي ثمانية أحاديث، وسيرة ابن هشام ج2 ص150، والغدير ج3 ص112 حتى ص125 عن بعض من تقدم وعن المصادر التالية: جامع الترمذي ج2 ص13، ومصابيح البغوي ج2 ص199، والإستيعاب ج2 ص460، ترجمة أمير المؤمنين، وعد حديث المؤاخاة من الآثار الثابتة، وتيسير الوصول ج3 ص271، ومشكاة المصابيح هامش المرقاة ج5 ص569، والمرقاة ص73  75، والإصابة ج2 ص507، والمواقف ج3 ص276، وشرح المواهب ج1 ص373، وطبقات الشعراني ج2 ص55، وتاريخ القرماني هامش الكامل ج1 ص216، وسيرة دحلان هامش الحلبية ج1 ص325، وكفاية الشنقيطي ص34، والإمام علي تأليف محمد رضا ص21، والإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود ص73، والفتاوى الحديثية ص42، وشرح النهج ج2 ص62، وصححه وعده مما استفاض من الروايات، وكنز العمال ج6 ص294 و299 و390 و399 و400 و54.

(5)  ربيع الأبرار ج1 ص807 و808.

(6) تاريخ ابن خلدون ج2 ص397، والغدير ج9 ص94 و95 و318 عن الرياض النضرة ج1 ص17 وعن الطبري ج6 ص154، وعن كامل ابن الأثير ج3 ص70، وعن المعتزلي ج1 ص165، ولكنه في ج2 ص506 ذكر نفس الحديث عن الطبري من دون ذكر الموأخاة!!!.

(7) طبقات ابن سعد ط ليدن ج3 ص47، والغدير ج9 ص16 عنه.

(8) الفصول المهمة لابن الصباغ ص22، ومجمع الزوائد ج9 ص111 عن الطبراني في الكبير والأوسط، ومناقب الخوارزمي ص7، وكفاية الطالب ص193 عن ابن عساكر.

(9) راجع: البداية والنهاية ج7 ص223 و336.

(10) راجع: منهاج السنة ج2 ص119، والبداية والنهاية ج3 ص227، وفتح الباري ج7 ص211، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، والسيرة الحلبية ج2 ص20، ودلائل الصدق ج2 ص272.

(11) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص268، وفتح الباري ج7 ص211، والسيرة الحلبية ج2 ص20، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، والغدير ج3 ص174  175 عن الفتح وعن الزرقاني في المواهب ج1 ص373.

(12) راجع: دلائل الصدق ج2 ص272 و273.

(13) فتح الباري، ووفاء الوفاء ج1 ص268، والغدير ج3 ص174 و175 عن الفتح، وعن شرح المواهب للزرقاني ج1 ص373.

(14) فتح الباري ج7 ص145.

(15) الثقات لابن حبان ج1 ص138  142 وراجع: الغدير ج10 ص103  107 فإنه ذكره عن غير واحد، وراجع: مستدرك الحاكم ج3 ص14، ووفاء الوفاء ج1 ص268، والسيرة الحلبية ج2 ص20، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، وفتح الباري ج7 ص211، والإستيعاب وذكر عثمان، وقد كان في الحبشة، وكذا عبد الرحمن بن عوف، يؤيد: أن ذلك كان في المؤاخاة الثانية بعد الهجرة إلى المدينة.

(16) صحيح البخاري ج3 ص37 ط الميمنية، ومستدرك الحاكم ج2 ص120، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وغير ذلك من المصادر.

من كتاب: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، للسيد جعفر مرتضى: ج4، 230 بتصرف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1549
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24