• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : اللقاءات والأخبار .
              • القسم الفرعي : لقاء مع حملة القرآن الكريم .
                    • الموضوع : حوار مع الأستاذ يحيى الصحاف المحكّم الدولي والمتخصص في علم الصوت .

حوار مع الأستاذ يحيى الصحاف المحكّم الدولي والمتخصص في علم الصوت

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾

اجری الحوار: السيد عبدالرحيم التهامي.

دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم

يواصل الموقع الالكتروني التابع لدار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم إجراء سلسلة من الحوارات القرآنية مع أساتذة الدار وطلبتها ومع نخبة من قرّاء و حفاظ العالم الإسلامي.

وتبرز أهميّة هذه الحوارات القرآنية في أنّها تقدم إضاءات وافية على تجارب الحفّاظ وتقرّب مسيرتهم القرآنية للقارئ الكريم، والذي سيجد فيها نماذج جديرة بالاقتداء، خاصّة وأنّ الجيل القرآني المنشود قد يرى في تجارب هؤلاء الحفّاظ والقرّاء ما يشجّعه على الانضمام إلى هذه المسيرة القرآنية المباركة.

كما أنّ الحوارات المخصّصة لأساتذة الدار من شأنها أن تسهم ـ بلا أدنى شك ـ في الكشف عمّا تراكم من خبرة في أساليب التحفيظ والمناهج الدراسية المعتمدة في دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم والتي بدأت تسجّل حضوراً ملفتاً على الساحة القرآنية، سواءً من خلال الدور التأطيري الذي تضطلع به ، أم بالنظر للإنجاز المشرّف الذي يحرزه طلابها في مختلف المسابقات القرآنية.

حوار مع الأستاذ يحيى الصحاف المحكّم الدولي والمتخصص في علم الصوت

س- في البداية نشكرالأستاذ يحيى الصحاف على تلبيته هذه الدعوة بتشريفنا في دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم، ونطرح عليه سؤالنا الأول؛ من منطلق أن لكل شيء بداية، كيف كانت بدايتكم القرآنية وما هي أهم العوامل التي أثّرت في توجهكم القرآني؟

ج- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين خير خلق الله أجمعين سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين. شكراً لكم على هذه الاستضافة الطيّبة ونِعم الدار داركم، وتشرّفنا بهذه الوجوه الطيّبة الخيّرة التي تعمل على خدمة كتاب الله القرآن الكريم.

بدايتي مع القرآن كانت منذ صغري وذلك سببه عشق والدي لتلاوة القرآن الكريم، ولاستماعه إلى تلاوة القرآن كثيراً، وكان يجوّد القرآن الكريم ولكنه لم يكن من القرّاء المعروفين ولا من المشهورين، كان يقرأ في الجلسات المحلّية والجلسات الخاصة وعند افتتاح بعض الجلسات الحسينية في العزاءات، وهذا جعلنا نعشق القرآن الكريم. ففي الواقع، إنّ الأسر الدينية التي تتعامل بحبّ مع القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) سيكون لها تأثير شديد في نقل هذا العشق للقرآن إلى الأبناء والحرص على العناية بالقرآن الكريم.

 أنا من طبيعتي ـ وقد أعتبر هذا منحة من الله سبحانه وتعالى ـ أعشق الأصوات منذ الصغر؛ فكنت أعشق الأصوات وأحبّ تقليدها، وكنت أقلّد الكثير وأعشق الإستماع كثيراً إلى "الرواديد" الحسينيين، وكذلك الاستماع إلى القرآن الكريم وخصوصاً بعض الأصوات؛ كصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وغيرهما من القرّاء، ولكن لم أكن منتمياً إلى الأسرة القرآنية؛ لأنني كنت طفلاً صغيراً آنذاك، ولكن في بداية شبابي وفي عام 1992م تقريباً كنت أصلّي خلف القارئ المعروف عندنا الحاج عباس الشامي؛ وهو من الأساتذة الكبار ومن قرّاء القرآن الكريم، حيث كان يصلّي في مسجد السادة في الكاظمية المقدّسة وكنت أُصلّي خلفه ومتعلقاً به، ودخلت عنده دورة مبسّطة ـ ليست أكاديمية ـ في القراءة الشرعية وبعض الأحكام البسيطة، فكنت عند الحاج عباس الشامي، وبعدها لم أدخل أي دورة إلى حين سنوات طويلة، لكن بقيت أقرأ القرآن ومتعلّقاً بالقرآن.

فموضوع الاستماع إلى الأصوات كان شيئاً ملازماً لي، فأنا أعشق الإستماع إلى الأصوات وأحبّ الأصوات، وكنت دائماً أحبّ - وأنا صغير-  أن أشخّص الأصوات، وأحلّل الأصوات.

بعد ذلك دخلت دورة أكاديمية في تعلّم أحكام التلاوة، وبعد هذه الدورة؛ التي كانت مدّتها ستة أشهر، دخلت في دورة أخرى للتقوية أيضاً ستة أشهر أخرى، وبعد ذلك دخلت في دورة للحصول على إجازة للقارئ عاصم براوية حفص وشعبة لمدة سنة وشهرين، وبعدها دخلت دورة في القراءات وكنت ساعياً وباذلاً قصارى جهدي لتعلّم القرآن الكريم، فحصلت على الإجازة في القراءات السبع.

في هذه الفترة وفي هذه السنوات التي كنت أدرس فيها أحكام التلاوة والقراءات، كنت أدرس الصوت عند كثير من الأساتذة المختصّين، وأبحث عن الصوت وعن الأنغام وكيفية تعلّم الصوت وتعلّم النغم إلى حين أصبحت محكّماً في هذا الفن.

 س- نودّ أن ننطلق من حيث انتهيتم، فقد عُرفتم بتحكيمكم على مستوى الصوت والتنغيم، طبعاً هذا يحتاج، بالإضافة إلى الموهبة والأذن المرهفة التي تلتقط الصوت وتميّز بين الأصوات كما تفضلتم، إلى التكوين الأكاديمي والخضوع لدورات متعددة. نريد أن نعرف ـ خصوصاً القارئ الكريم غير المتخصص في مجال القرآنيات ـ مدى أهمية الصوت والتنغيم وقيمة هذا الجانب في المسابقات وفي مجال التحكيم؟

ج- طبعاً، إنّ موضوع الصوت موضوع كبير وواسع، والقليل من تكلم عن موضوع الصوت، قد يكون هناك الكثيرون من الذين تكلموا عن النغم، ولكن في موضوع الصوت القليل من تكلم.

الصوت يحتاج إلى اختصاص أو تخصّص، ونحن قد نربط كثيراً بين الصوت والنغم؛ فمن يدرس مادة النغم يتصوّر أنه يعرف الصوت، ولكن الكثير من أساتذة النغم ومن المتخصصين في النغم لا يعرفون شيئاً عن الصوت؛ فالصوت يحتاج إلى اختصاص، والصوت مادة كبيرة فيها عدة مواضيع؛ فيها عدّة خصائص وعدّة مميزات؛ فيها كثير من المؤاخذات.. فيحتاج إلى اختصاص وإلى دراسة متقنة، لذلك نرى هناك فرقاً بين أستاذ وآخر؛ وبين محكّم وآخر، وبين هذه المادة وتلك، فالصوت منحة وموهبة وهدية من الله سبحانه وتعالى يمنحها لمن يشاء من عباده.

لماذا الصوت فيه فوائد كثيرة؟ الصوت فيه صفة التعبير، وفيه صفة التصوير، وفيه صفة الجاذبية، وفيه صفة الجمال.. صفات كثيرة، ولولا الصوت لا يستطيع الإنسان أن يعبّر عن خلجات نفسه وعن مشاعره وعن علميته وعن ثقافته وعما يدور في داخله من الأحاسيس والمشاعر.. فلذلك أنت تتأثّر بالشخص من خلال صوته، وممكن أن تفهم الموضوع من أدائه في صوته، ومن الممكن أن تتحسّس الموضوع وتستشعر الموضوع وتدخل في أعماق المسألة والموضوع والقصة من خلال الصوت وكيفية استخدام الصوت، فللصوت مزايا كثيرة، ولذلك أكّدت الأحاديث والروايات الشريفة على تحسين الصوت في تلاوة القرآن الكريم، وهناك حديث شدّني جداً (ما خلق الله نبياً إلا وكان حسن الصوت) والأحاديث: (لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن)، (زيّنوا القرآن بأصواتكم)، وكثير من الأحاديث والروايات الأخرى، وحتى أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) قد تعرّض إلى موضوع الصوت عندما سأله المفضل قال له: سيدي ما هو الصوت، فقال: (هو أثر يؤثره اصطكاك الهواء بالأجسام)، طبعاً هذا التعريف يحتاج إلى تفاصيل كثيرة، وأنا دائماً في دوراتي من خلال شرحي أبدأ من حيث بدأ الامام الصادق (عليه السلام)، وأفكّك بين مفاهيم هذا الحديث الشريف.

القرآن الكريم متعدد المعاني، وفيه اختلاف في الموارد؛ فهناك مورد مثلاً فيه مسألة، وهناك مورد فيه قصة، وهناك مورد فيه تحذير، وهناك مورد فيه جذب، وهناك مورد فيه جنة، وهناك مورد فيه وعيد، وهناك موارد كثيرة في القرآن الكريم مختلفة جداً في قضاياها وفي أبوابها، ولذلك لو استخدمنا ما هو موجود من تنوّع في صوت واحد، فهو أمر غير لائق، فيحتاج أن ننوّع بأصواتنا صعوداً وهبوطاً، حزناً وفرحاً، ليس في المقام فقط؛ بل في استخدام الصوت بالذات. يحتاج في بعض الأحيان إلى أن أرفع صوتي وفي بعض الأحيان إلى أن أخفض صوتي،  وفي بعض الأحيان أن أحزّن صوتي، وفي بعض الأحيان يلزم أن يكون صوتي هادئاً وانسيابياً، وفي أحيان أخرى أن يكون مفرحاً، لكي أُبيّن المعنى؛ ففي بعض الأحيان يكون استخدام الصوت على شكل سؤال، وفي بعض الأحيان يكون استخدام الصوت على شكل جواب، وفي بعض الأحيان يكون فيه التحذير وبشدّة.. لذلك، حثّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) على استخدام الصوت بكيفية معيّنة عند تلاوة القرآن الكريم، والله سبحانه وتعالى ذكر الأصوات أيضاً وخصوصاً عندما ذكر {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، هذا موضوع مهم جداً ونحن ندرسه في تربيت السمع، لماذا أختير صوت الحمير عن بقية الأصوات؟ ففي المسائل العلمية نعثر على الجواب.

س- نريد أن نستوضح منكم مسألة في موضوع التنغيم.. أنتم ميزتم بين التنغيم والصوت، فالصوت ينطبع على المعاني القرآنية أو على الموضوعات القرآنية ويتماوج معها ويصوره.. فإلى أيّ حدّ هناك اهتمام بهذه الناحية بتقديركم في المدارس القرآنية ودور القرآن الكريم؟

ج-  هذا سؤال مهمّ جداً، ويجب أن نتطرّق إلى هكذا سؤال، طبعاً قبل سنوات بسيطة لم يكونوا يفرّقون بين الصوت والنغم، ولكن، هناك فرق عند المختصّين  وفي الساحة القرآنية، وقد أقول الساحة القرآنية العالمية، لا يفرّقون بين موضوع الصوت والنغم، وحتى إنّ هناك اختلافاً في كيفية وضع لوائح الصوت والنغم، ولا يوجد درس خاص في تدريس الصوت؛ من يدرّس النغم يعتبرونه أستاذاً في النغم ويسألونه عن بعض أسئلة الصوت، وقد تكون الإجابة غير صحيحة أو غير دقيقة، ولنقل غير دقيقة حتى لا نخطّئ الأساتذة، المهم أن تدريس مادة الصوت لم تكن إلا مادة بسيطة جداً وفي دورات بسيطة.

في العراق كنت تقريباً الوحيد الذي يدرّس الصوت بشكل خاصّ منفرد وليس مع مادة النغم، والكثير من الأساتذة يعترضون: لماذا لم تجعله مع النغم! لا، فأنا أدرّس الصوت بما هو صوت؛ قد يكون الشخص ليس قارئاً للقرآن، وقد يكون منشداً، وقد يكون مبتهلاً.. بكيفية استخدام الصوت بشتى المجالات، أعرف ما هو الصوت وكيف ينتج الصوت وما هي الأعضاء المسؤولة عن الصوت وكيفية استخدام الصوت وما هي مفسدات الصوت وما هي عيوب الصوت وما هي خصائص الصوت وما هي محسّنات الصوت وما هي الركائز التي يرتكز عليها الصوت.. فهو عِلمٌ بذاته، وله كثير من هذه القضايا، ولذلك فإني أختلف في الحقيقة مع كثير من الأساتذة اختلافات بسيطة وليست جوهرية، ولكن بصورة عامة، أختلف معهم بانفراد هذا العلم، فهو علم كبير وموسَّع، وبصراحة إنّ الدخول إلى هذا العلم يحتاج إلى دقة وإتقان، ويحتاج إلى تمعّن وإلى وقفة إمام مفرداته.

طبعاً، هناك دورات كما سألتني ولكن نحتاج إلى دورات تكون تخصصية في الصوت، ولكن قبل هذه الدورات يحتاج هؤلاء الأساتذة إلى أن ينتظموا في دورات تخصصية في الصوت حتى يدرسوا كيفية تدريس مادة الصوت بانفصال عن مادة النغم، ومن ثم ممكن أن نقول بكيفية استخدام الصوت لهذا النغم. بصراحة النغم هو شيء جماد؛ ما هي نغمة "السيكا"؟ وما هي نغمة "الرست"؟ جماد، الذي ينطقها هو الصوت، إن كان الصوت موسيقى عبر الآلات أو صوتاً بشرياً، فالذي ينطق هذه النغمات هو الصوت، إذاً أساس النغمة وكيفية استخدام النغمة هو عبر الصوت، فالإحساس الموجود في النغمة وأجواء هذه النغمة لا تعيشها إلا من خلال كيفية استخدام الصوت بالشكل الجميل والشكل الصحيح، فالصوت له دور فنحن نحتاج إلى دورات تخصصية في مجال الصوت بمعزل عن مادة النغم.

س- بالإضافة إلى أهمية الدورات للنهوض بهذا المجال في الساحة القرآنية، ما هو حجم المكتوب على هذا الصعيد، بمعنى هل هناك مؤلفات، كتابات تأسيسية لهذا المجال.. وإلى أيّ حدّ يمكن اعتبار ذلك بنية تحتية لقيام وتبلور وتشكّل هذا المجال؟

ج- فعلاً، نحن نعاني من هذا كثيراً، لا توجد هناك كتب متخصصة في الصوت، لا يوجد هناك كتاب يتكلم عن الصوت بذاته، لم أرَ هكذا كتاباً بعد بحث طويل عن كتاب متخصص، ولكن هناك كتباً كتبت في الموسيقى وتضع فصلاً بسيطاً أو بعض الطرق البسيطة لعلم الصوت أو بعض المواضيع تشتمل على الصوت، أما هل هناك كتاب متخصص يتحدّث عن الصوت؟ لم أرَ هكذا كتاباً، قد يكون موجوداً الآن في الآونة الأخيرة ولكن ليس بالشكل المعمّق كما ذكرت. فنحتاج إلى كتاب تخصصي يبدأمن كيفية إنتاج الصوت وما هي الأعضاء المسؤولة عن إنتاج الصوت إلى أواخر ما يشمل علم الصوت، وأنا الآن على وشك الانتهاء من تأليفي لكتاب أسميته (أصوات وآيات) لأنني أُقدّم برنامجاً اسمه (أصوات وآيات)، وهذا البرنامج أخذ صدًى طيّباً، وهو في الحقيقة لتحليل أصوات القرّاء ومن مختلف المدارس المصرية والمدارس العراقية، وتحليل بشكل دقيق ما للقارئ وما عليه، من غير مجاملة؛ لأنه طرح علمي أكاديمي، ففي الحقيقة البرنامج له دور فأسميت كتابي (أصوات وآيات) وجعلته على شكل سؤال وجواب، وإن شاء الله يرضي الجميع ويرضي المتخصصين أيضاً.

س- نتمنى أن تُكتب لكم الريادة في هذا المجال؛ مجال علم الصوت. سمعت من كثير من القراء المشايخ العراقيين رغبة وطموح في التمايز بقراءة عراقية، وأنا شخصياً أثق في الامكانات الصوتية عند العراقيين، فهم قادرون فعلاً على اجتراح هذا الطموح، وبلورة قراءة عراقية متميّزة. باعتبار تخصصكم في مجال الصوت، كيف تقاربون موضوع القراءة العراقية، هل هناك فعلاً خصائص صوتية عند العراقيين تتيح إمكانية لنشوء هكذا قراءة؟

ج- طبعاً، كل بلد يتميّز بعدّة فنون، من ضمن الفنون التي يتميّز بها هذا البلد هي الصوت، ولذلك ممكن أن تميّز الأصوات وتنسبها إلى أيّ بلد تنتمي إليه عند استماعك لهذه الأصوات، فتقول: هذا صوت سوري وهذا صوت لبناني وهذا صوت إيراني وهذا صوت عراقي وهذا صوت مصري.. لما يمليه الظرف والجو والتاريخ والتربة فسيولوجياً على تركيبة ونشأة الصوت، فالأصوات العراقية بما أنها عراقية، فهي أصوات جميلة ومتنوّعة؛ لأن مناطق العراق مختلفة؛ جنوب العراق يختلف عن شمال العراق وعن وسط العراق، ببيئته بأجوائه بتركيبته، لذلك ترى اختلاف الصوت الجنوبي عن المناطق الوسطى، وعن صوت الشمال وأيضاً صوت الشمال يختلف عن الجنوب ومناطق الوسط، فهناك تنوّع في الأصوات العراقية حقيقة، وهناك من يوجد عنده صوت جميل، صوت فيه قوة؛ فيه عذوبة؛ فيه انسيابية؛ فيه حزن.. طابع الحزن موجود في الأصوات العراقية لما عاشه العراق من مآسي؛ هذه أيضاً تؤثر، ولذلك هناك مقامات وأنغام نشأت من العراق وهذا تثبته كل الكتب التي كتبت عن النغم،  حتى من غير العراقيين  يقولون إن هناك مقامات وأنغاماً كثيرة أسسها العراق ونشأت في العراق أغلبها تقرأ بشكل حزين، وبعض هذه المقامات لم تكن مستخدمة في غير العراق، لماذا؟ لأنه قد لا تتناسب بحزنها وشجائها إلا مع الأصوات العراقية التي ملؤها الحزن دائماً، وطابع الشجى عليها وطابع البكاء والألم يكون متناسباً مع هذه النغمات، فالعراق لديه قابلية ولديه إمكانية.. والآن نستمع إلى أصوات ومواهب حقيقة قد تضاهي الساحة العالمية، ونأمل ـ إن شاء الله ـ تطوير هذه القابليات، وفعلاً عندما تأتي إلى أرض الواقع ترى المتسابق العراقي أو القارئ العراقي ينافس في المسابقات الدولية، بل قد حصل على المركز الأول في المسابقات الدولية، وهذا دليل على أن هناك طاقات وهناك مواهب وإن شاء الله نأمل أن تزيد هذه المواهب.

س- معروف أن لديكم نشاطات إعلامية وحضوراً قرآنياً عبر بعض القنوات كقناة (آفاق) والتي تقدّمون فيها برنامج (أصوات وآيات).. ماذا أضافت التجربة الإعلامية إلى مساركم القرآني؟

ج- نعم، الإعلام قد يكون قريباً جداً من القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم يريد أن يوصل فكرة ويوصل رسالة إلى العالم بأكمله، فالإعلام له دور متميّز في أن تطرح ما لديك من موهبة وطاقة وممكن أن تصلح الكثير من الأمور وأن توضح الكثير من الأمور باختصاصك، وأنا أؤيد وأشجع من يريد أن يعدّ أو يقدّم برامجاً أن يكون من ضمن اختصاصه حتى يكون مبدعاً ومتألقاً وناجحاً ومنتجاً في أدائه الاعلامي، أنا عندما دخلت في الإعلام كنت أوّل ما قدّمت في قناة الأنوار وكان ذلك قبل خمسة سنوات أو ستة سنوات، أولاً بدأت في برنامج (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)، وكان هذا البرنامج في شرح دقيق ومتقن لمادة أحكام التلاوة وقواعد التلاوة من بدايتها إلى نهايتها، كان هذا في ما يقارب خمسين حلقة، وبعدها قدّمت برنامجاً في قناة الأنوار هو برنامج (هل من مدكر) وكان هذا البرنامج عبارة عن لقاء بقارئ نستعرض حياته وسيرته، وما هو دوره في الساحة القرآنية، وماذا يطمح وماذا يحتاج، وكيفية إنتاجه ودخوله الدورات، كان هكذا مع كل قارئ.

وبعدما انتقلت إلى قناة (آفاق)؛ وهي قناة عراقية، قدّمت فيها برنامج (أصوات وآيات) وكانت هنا القفزة، اعتبرها قفزة نوعية إعلامياً بالنسبة إليّ ولطرح ما هو جديد، وبصراحة أنا كنت أريد أن أتكلم عن الكبار من القرّاء؛ عن العمالقة، عن مَن أسسوا كيفية القرآءة للقرآن الكريم بهذه الطرق وبهذه الأساليب وبهذه الهيكلية الرائعة، من القرّاء المصريين، وكذلك من القراء العراقيين، والمدرسة العراقية هي من أبرز المدارس الإقرائية في العالم الإسلامي، فبدأت من القرّاء القدماء، بداية من سيرة القارئ القرآنية؛ شرح مع وجود صور، ومن ثم نبدأ في الفصل الآخر ونقوم بتحليل القارئ صوتياً، ومن ثم تحليله نغمياً وكيفية أدائه وكيفية أسلوبه.. وهذا فيه كثير من الفائدة للقرّاء والمستمعين؛ أولاً لجهة معرفته بالقارئ وهذه المدرسة وأسلوب هذه المدرسة، ومن ثم الأخطاء التي كانت لدى هذا القارئ و يجب الابتعاد عنها، وما هي مميزات هذا القارئ حتى يستفيد منها المستمع والمتلقي أو قراء القرآن الكريم. هذا البرنامج أخذ صدًى كبيراً، وبعده قدّمت أيضاً برنامج (قرآنيون) في قناة الأنوار، وكان أيضاً (لقاء مع قارئ)؛ التقيت فيه كثير من القراء المصريين وكبار القراء المصريين، وأيضاً برنامج (أحكام وأنغام)، برنامج أنا أقدّمه لوحدي وهو عبارة عن نصف ساعة؛ أتكلّم في الربع ساعة الأولى عن حكم من أحكام التلاوة، وفي الربع الساعة الثانية أتكلّم عن موضوع الصوت أو موضوع النغم بشكل تفصيلي، ولديّ أيضاً برنامج آخر في قناة آفاق ؛ مباشر، وهو برنامج (أمسيات قرآنية) طرح كل ما هو مفيد للقراء، البرنامج يتناول قارئين أو أستاذين أو حافظين للبحث في كل ما هو له علاقة بالقرآن الكريم، وهنا نطرح أهم المشاكل، يعني: جعلت هذا البرنامج عبارة عن منبر ممكن أن يوصل صوت القراء وصوت الحفاظ، صوت من يطمح بشيء جديد في الساحة القرآنية.. فالبرنامج يأخذ صدًى حقيقة، ولذلك الاتصالات كثيرة والرسائل كثيرة، وقد جعلت في كل حلقة سؤالاً، فهو برنامج أمسيات قرآنية، كان في شهر رمضان وبقي مستمرّاً إلى الآن، ولديّ برامج إذاعية مباشرة في إذاعة (الفرقان)؛ برنامج (تغاريد قرآنية) في كل يوم أحد، ولديّ برنامج آخر وهو برنامج (ما يطلبه المؤمنون) وهذا البرنامج عبارة عن ارشيف قرآني يعتمد فيه على الارشيف القرآني، فيتصلون ويقولون نريد أن نستمع إلى القارئ الفلاني، فأبثّ له هذه القراءة مباشرة، والاتصالات لا تتوقف ولا للحظة، مع أربع خطوط هاتف.. ليس مدحاً للبرنامج لكن هو فكرة جديدة لم تكن مطروقة؛ قارئ عراقي مباشرة، قارئ مصري مباشرة، قارئ قديم مباشرة، قارئ حديث، وبهذه السرعة حتى أنهم يتعجبون كيف أنّ الرسائل كثيرة والاتصالات كثيرة، ونسأل الله التوفيق.

س- وماذا عن مشاريعكم المستقبلية على الصعيد الإعلامي؟

ج- بصراحة لدي أفكار كثيرة، وأنا معدّ هذه الأفكار ومقدّم بعضاً من هذه الأفكار إلى بعض القنوات، والتي وجدت منها الترحيب، ولكن تعرف ليس كل ما يريد المرء يجده، بسبب مثلاً أن بعض القنوات تحتاج إلى مادة بسبب موسوعية هذا البرنامج، والبعض متوقف على وضعية الديكور أو على سياسة القناة أو على كذا وكذا.. ولكن إن شاء الله نطمح، أنا لدي عدّة مشاريع إعلامية فيها الفائدة وليس من برنامج إعلامي لنجاحي الشخصي، ولكن، نريد فيه فائدة وفيه فكرة وطرحاً موضوعياً حتى يستفاد منه على نطاق واسع.

س- في علاقة أيضاً بالإعلام؛ كيف تقيسون الثقافة القرآنية، فهل نعتبر درجة التفاعل مع البرامج القرآنية معياراً نقيس به درجة انتشار وحضور الثقافة القرآنية في المجتمع العربي و الإسلامي.. كيف هو تقديركم لهذا الأمر؟

ج-  بصراحة في السنوات الأخيرة، لمسنا اهتماماً موسّعاً بالقرآن الكريم من الناس ومن كلا الجنسين الذكور والإناث، وذلك من خلال المشاركة بالبرامج القرآنية والاستماع إلى البرامج القرآنية والحضور في الدورات القرآنية، والحضور في المسابقات الدولية والحضور في المحافل القرآنية.. والأسئلة من قبل الناس ونحن نمشي في الشارع يسألونك عن البرنامج، وعن أوقات البرنامج من كلا الجنسين، فنرى هناك اهتماماً، ومع ذلك أنا أؤكد على مسألة مهمة جداً وهي أنّ القارئ أو الحافظ أو من له علاقة بالقرآن يحتاج إلى ثقافة عامة تفيده؛ لأنّ القرآن عام وموسوعي وتكلّم في كل الجوانب؛ فلم يترك صغيرة ولا كبيرة  إلا وتكلم عنها، وكذلك عندما نأتي إلى سيرة النبي الأكرم  محمد (صلّى الله عليه وآله) وسيرة الأئمة (عليهم السلام) فهم يعلمون بدقائق الأمور في كل المجالات؛ لم يختصوا في مجال واحد، ليس في المجال الديني فقط؛ بل في المجال الاقتصادي  والمجال الاجتماعي والمجال الأخلاقي والمجالات الثقافية الأخرى.. فيحتاج  قارئ القرآن أو من له علاقة بالقرآن أن يكون مثقفاً حتى يتكلّم في أغلب الأمور وحتى يمكن أن يكون مصلحاً ومنتجاً ومؤدّياً لواجبه في كل المجالات، هذا ما أطمح أن يكون إن شاء الله.

س- في موضوع المسابقات القرآنية خاصة في موضوع التحكيم هناك دائماً سؤال المعايير والدقة في هذه المعايير وحضور عنصر الانصاف في هذه المعايير التي بموجبها يتم تتويج المتسابقين. أنتم بحكم تخصصكم في موضوع الصوت وخبرتكم في مجال الصوت.. حدّثونا عن هذه التجربة؛ تجربة التحكيم بشكل عام، وما هو تصوركم الخاص لتطوير موضوع التحكيم؟

ج- طبعاً موضوع التحكيم يحتاج أيضاً إلى تخصص؛ كيف أكون محكماً وكيف نطلق على هذا الأستاذ أنه محكم أو صار محكماً، موضوع التحكيم يحتاج إلى اختصاص فليس كل قارئ يصلح أن يكون محكماً. وليس كل أستاذ يصلح أن يكون محكماً؛ لأنّ التحكيم تخصص ودراسة ودقة، فبعد أن تكون أستاذاً وملمّاً وموسوعياً في المادة التي أنت تدرسها وتصبح متمكّناً من هذه المادة وممكن أن تأتي وتتخصص.. لكن ليس مباشرة تحكم، لماذا؟ لأنّ التحكيم شيء جديد وممارسة وهناك منح للدرجة وهناك خصم للدرجة، وفي موضوع الصوت هناك تباين في الأصوات واختلاف فيها وقد تكون هناك أصوات متقاربة ولكن فيها اختلافات دقيقة، فكيف تميّز وتنصف في الدرجة وتفرّق في الدرجة، في بعض الأحيان، إن لم تكن دقيقاً فإنك سوف تعطي من ليس له أهلية بأن تمنحه الدرجة الأكثر ومن له الأفضلية تعطيه الدرجة الأقل، وهذه مسؤولية أولاً أمام الله، وأنت تحكم في القرآن، فيجب أن يكون تخصص وعدم الاستعجال بأن تكون محكماً حتى يطلق عليك محكماً.

بصراحة أنا حكّمت الكثير؛ العشرات من المسابقات المحلّية حتى تصل إلى المائة أو أكثر وحكمت في المسابقات الوطنية أيضاً عشرات المسابقات الوطنية، ثم أنا رشّحت أن أكون محكماً للمسابقة الدولية التي أقامتها الجمهورية الإسلامية في إيران في السنة الماضية، وأول حكم يرشّح من العراق في مادة الصوت بتحكيم مادة الصوت، وحكّمت في مسابقتين في مسابقة الكوثر..

 طبعاً لوائح التحكيم مختلفة في الصوت، مختلفة عندما تأتي للائحة الدولية، وعندما تأتي للائحة الوطنية أو المحلية فيها اختلاف، حتى في الدولية يكون فيها اختلاف، من سنة إلى سنة هناك اختلاف، من أين يأتي؟ يأتي من التشخيص الفردي، أنا أقول وأشجّع أن تكون هناك لجنة متخصصة في مادة الصوت في المواد الأخرى التي تتعلّق بالقرآن الكريم، هذه اللجنة تجتمع في آرائها في وضع لائحة التحكيم حتى تكون الآراء مختلفة وكلٌّ يطرح فكرته بشكل صحيح وبشكل سليم وبشكل منطقي وعلمي دقيق، ثم توضع لائحة واحدة ثابتة، بصراحة اللوائح الموجودة هي ليست بالمستوى، سواء كانت في المسابقات الدولية أم الوطنية ليست في المستوى، هناك الكثير من الفقرات التي يجب أن تكون موجودة في اللائحة غير موجودة، و هناك الكثير من الفقرات التي ليس لها تلك الأهمية الكبرى هي موضوعة في اللائحة ولها أساس في اللائحة، وأنا وضعت حقيقة لائحة، وحتى في المسابقة الدولية أنا طرحت فكرتي في وضع هكذا لائحة، ورأوها لائحة لائقة بالمستوى لأنها تضم أغلب ما موجود في الصوت بشكل ملفت، يعني نقول نحتاج إلى وضع لوائح تحكيمية دقيقة ويجب أن تكون هناك لجان متخصصة في وضع هذه اللوائح، أما بالنسبة إلى لائحة الصوت فأنا لا أراها بالمستوى وقد وضعت لوائح جديدة، وبصراحة أريتها لكثير من المختصين وحكّموا على أساسها في بعض المسابقات، والحمد لله كانت بشكل رائع وجميل ومتماسك، وإن شاء الله تكون مرضية.

س- بحكم تجربتكم في التحكيم و هذا الصدى التي أخذته برامجكم التلفزيونية القرآنية في الفضائيات ثم علاقتكم بالقرآء الدوليين وفي طليعتهم قراء مصر بما تمثّله مصر من وزن ومن ريادة على الصعيد القرآني وبلحاظ الجانب المذهبي؛ كيف عشتم هذه العلاقة وإلى أيّ حدّ تخطّيتم الاعتبارات المذهبية التي تعمل في أكثر من جهة إلى إحداث هذا الشرخ في الأمة، شرخ يصل إلى درجة القطيعة والتنابذ والخ.. نريد انطباعات وملاحظات من وحي تجربتكم القرآنية عن هذا الوضع القرآني الذي يوحّد كل الأمة؟

ج-  طبعاً القرآن الكريم هو الكلمة التي توحّد كل الكلمات والتي تقف عندها كل الكلمات، وهو الرأي الذي تتجمع عنده كل الآراء وهو الموقف الذي تقف أمامه كل المواقف، فبالتالي وبالنتيجة القرآن هو الموحد لكل الكلمات ولكل المفردات ولكل المواقف ولكل المذاهب، فالقرآن خير ثقل حيث أوصى به النبي(صلّى الله عليه وآله): (عليكم بالقرآن.. عليكم بالثقل الأكبر)، والذي هو القرآن الكريم لعلمه بما هو موجود في القرآن الكريم؛ من توحيد ومن جمع الشمل، وكل من يريد أن يذهب هكذا أو هكذا فليأتي إلى القرآن لكي يكون منصفاً وليكون موحداً حقيقياً وليكون مسلماً حقيقياً ومؤمناً حقيقياً. نعم، هذا هو القرآن، وهذا هو ما أثبته في أرض الواقع.

وما نعيشه نحن الآن بحيث إن المذاهب تتجمع وتقف وتجلس على مائدة القرآن، والقرآن يكون هو الشامل لهذه المذاهب ولهذه النوعيات المختلفة ولهذه الأجواء المختلفة، ونلاحظ أن هناك الكثير من الدول الأجنبية والدول العربية تجتمع في دولة ما من الدول في مسابقة ما، بحيث مثلاً المسابقة التي تقيمها الجمهورية الإسلامية في إيران مثلاً، تقام لستين دولة من العالم، تجتمع تحت سقف واحد وتقف في كلمة واحدة وتقول كلمة واحدة، وترى الأسود والأبيض وترى الكلمة الشاردة والواردة تجتمع وترى الجهود تجتمع والمواقف تجتمع والدول كلها تجتمع والمذاهب كلها تجتمع، يعني ما أجمل هذه المائدة التي ينهل منها الجميع ويتعطش لها الجميع وهي الساقي الوحيد للجميع؛ هي مائدة القرآن الكريم. فنرى القارئ المصري ونرى القارئ المغربي ونرى القارئ الأندونيسي ونرى القارئ الماليزي والأفريقي و... والعربي وغيرهم، كلهم يجتمعون وكلهم يتكلمون، ورأيت دائماً أهل القرآن هم أصفياء القلوب وقلوبهم نقية وقلوبهم متواضعة وقلوبهم دائماً مليئة بالرحمة والحنان والأخوة، هكذا القرآن ـ شئت أم أبيت ـ هو يسقيك الرحمة ويسقيك المودة ويسقيك الألفة ويسقيك الإخاء ودائماً يجعلك متواضعاً؛ ترى نفسك لا شيء إلا بالقرآن، وأنك كبير بالقرآن وتعشق أهل القرآن ومن يحب القرآن ومن يستمع إلى القرآن، ومن يحفظ القرآن، ومن يقرأ القرآن ومن يجلس على مائدة القرآن، فالقرآن هو الموحد ومن أراد أن يتمم العلاقة ويجعل علاقته كبيرة وواسعة وشاملة مع الجميع فعليه بالقرآن، فالقرآن هو الذي يمنحه تلك العلاقة الطيّبة والكريمة.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1516
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19