• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : حقيقة الإنسان في القرآن .

حقيقة الإنسان في القرآن

آية الله الشيخ أمين زين الدين

الحمد لله الذي أبدع المكوّنات من حيث لا يعلم غيره، ولا يقدر سواه، ربطها بأسبابها وهو المقدّر لذلك المحيط به، المهيمن عليه.

عباد الله؛ إنّ حقيقة الإنسان في رأي الإسلام وفي نظر القرآن؛ هي أنّه جسد مخلوق من طين، وروح تُنفخ فيه من علّيين. {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ سورة ص: 71ـ72].

جسد يتألف من تراب المادّة ومائها، ويتكوّن من عناصرها وأجزائها، وينطبع بخصائصها وسماتها ويخضع لقوانينها ومتطلّباتها، وروح تسمو به إلى العالم الأعلى، وتنزع به إلى الصفات المعنوية المثلى، فهو وحدة مركبة من هذين الكيانين المختلفين ومجموعة مؤلفة من هاتين الجهتين المتمايزتين.

هذه نظرية الإسلام في الإنسان وعلى‌ أساس هذه النظرة وضع للإنسان نظامه وشرع له مناهجه وأحكامه، فهو يتناول بما هو روح وجسد، فيعطي كلّاً من الناحيتين ما تستحق ويوليها من العناية ما تستوجب.

لا يكبت جسداً لحساب روح، ولا يرهق روحاً لحساب جسد، و لا يفصل جانباً عن جانب، ولا ينقصه حظٌّ من الحظوظ ولا رغيبة من الرغائب، بل يضع له التشريع الوافي والعلاج الشافي الذي لا ينقص ولا يزيد ولا ينحرف ولا يحيد.

عباد الله؛ هذه فطرة‌ الإنسان وحقيقته ثم هذه تنظيماته في الحياة وشريعته ممتزجة مترابطة لا انفصال لجهة منها عن جهة، ولا انفكاك لنظام عن نظام، ولا بُعد لغاية عن غاية، كلّها من وضع الله العظيم العليم؛ خالق الإنسان ومقدّره وبارؤه ومصوّره، وكلّها أدلّة قاطعة على‌ عظمة الإسلام دين الفطرة‌ ومنظّم الإنسان في الجسد والروح والفكرة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[ آل عمران: 85].

هذه تشريعات الإسلام لحياة الإنسان متشابكة‌ مترابطة‌ لا انفصال فيها لنظام روح عن نظام جسد، ولا لمنهاج عمل عن منهاج فكرة، ولا لقانون دنيا عن قانون آخرة. وكلّها أنظمة تربية وتزكية وإعلاء وترقية وغايتها كلّها إنشاء الإنسان الكامل الإنسانية ‌الموفّي لربّه حقّ العبودية.

عباد الله؛ إنّ منهج الإسلام منهج عبادة، وقد جعل في القرآن العبادة هي الغاية الأُولى من خلق هذا الخلق، فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[ الذاريات: 56].

وقد قلتُ في حديث سابق: إنّ الإسلام يحرص أشدّ الحرص على أن يكون الإنسان دائم الصلة بالله دائم الشعور به، دائم اللّجوء له والتوكّل عليه دائم الرجاء له والخوف منه.

وإنّ هذه الصلة الدائمة بالله والشعور المستمرّ به وبعظمته وبشديد رقابته، هي الأساس والمحور لمنهاج الإسلام في تربية الإنسان، وكلّ منهاج شرعة لتنظيم حياته وحلّ مشكلاته.

إنّ منهج الإسلام منهج عبادة ولا ريب، ولكنّ العبادة التي يريدها الإسلام هنا ويقيم عليها منهجه وتربيته، ليست هي العبادة بمعناها الخاص.

ليست هي الصلاة فقط والصيام والحج والزكاة والخمس وحدها، بل هي كل عمل يأتيه الانسان أو يدعه وكل صفة يتخذها الإنسان أو يتجنّبها وكل صلة له بالناس الآخرين يقيمها أو يتخلّى عنها، كل هذه من العبادة في رأي الاسلام إذا سار الإنسان فيها وفق أحكام الله واتبع هداه وابتغى رضاه.

فالإنسان دائم العبادة بهذا المعنى، وحبل الله به مشدود وثوابه متصل ممدود وعطاؤه غير ممنوع ولا منكود.

إنّ العالِم يمضي في عمله وفق أحكام الله ويراقب الله في أداء أمانته وفي إخلاصه وفي غايته وفي ساعة عمله وراحته، ويبتغي رضا الله في ذلك فيكون في عبادة ما دام في العمل، وينال الزكاة من الله والعقبى الحميدة لديه.

وإنّ التاجر يسير في تجارته وفق شريعة الله وحدوده، ويراقب الله في أخذه وعطائه وفي رأس ماله ونمائه، ومع عمّاله وعملائه، ومع تجّاره وشركائه، ويبتغي القربة إلى الله في ذلك فيكون في عبادة ما دام في تجارته، وينال الزكاة من الله والعقبى الحميدة لديه.

وإنّ صاحب المعمل يؤسس معمله وفق دين الله وشريعته ويراقب الله في أخذه وردّه ومعاملته، وفي انتاجه واستهلاكه وعمّاله ومعامليه، ويبتغي التقرّب إلى الله في ذلك فيكون في عبادة ما دام كذلك، وينال الزكاة من الله والمثوبة العظيمة‌ لديه.

وإنّ الفلاح والزارع يسير في عمله وفق احكام الله وضمن حدوده ويراقب الله في كده ومكسبه ومقصده ومأربه وفي امانته ان يخونها وي ذمته ان يصونها ويقصد القربة الى الله في ذلك فيكون في عبادة محبوبة وطاعة‌مرغوبة ويستوجب المثوبة من الله بما عمل.

وإنّ الرجل يتّجه في سيرته مع أهل بيته، وأولاده وإخوانه وأقربائه وخلاّنه وفق مناهج الله وأحكامه ويراقب الله في حبّه وبغضه وإبرامه ونقضه وفي الوفاء بحقوقهم والحفاظ على شؤونهم وتوقير كبيرهم والبرّ بضعيفهم والحلم عن جاهلهم والتجاوز عن مسيئهم...

إنّ الرجل يصنع كذلك وفق مناهج الله ويبتغي الزلفة عند الله بذلك فيكون في عبادة كبيرة، ما دام سائراً على هذه السيرة، ويستوجب من الله المثوبة على ذلك.

فاتقوا الله ـ أيّها المؤمنون ـ وارغبوا في هذه المنازل واكتسبوا هذه الفضائل واحذروا نقمة الله لارتكاب مساخطه، تمسّكوا بمحاسن دين الله فإنّها السعادة‌ الدائمة والرحمة القائمة: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ}[ الزمر: 17ـ18].

إنّ خير الكلم، قول من أنشأ الإنسان بعد العدم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ* نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [ الهمزة: 1ـ9].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1489
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24