• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : إعلام الدار .
              • القسم الفرعي : الضيوف والزيارات .
                    • الموضوع : كلمة سماحة آية الله السيّد مرتضى الأصفهاني في استقبال عدد من طلاب الدار .

كلمة سماحة آية الله السيّد مرتضى الأصفهاني في استقبال عدد من طلاب الدار

 

ضمن البرامج المقامة لتوعية طلاب القرآن الكريم في زيارة العلماء والتواصل معهم للاستفادة من فيوضات علمائهم وتجاربهم القيّمة، قامت دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم بدعوة عدد من طلابها الأعزاء لزيارة سماحة آية الله السيد مرتضى الأصفهاني في مدينة قم المقدّسة للانتهال من وصاياه الكريمة وإفاداته الجليلة، فكان نصّ كلمته الكريمة متوجهاً بها إلى وفد الدار وطلابها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وآله الطيّبين الطاهرين واللّعنة على أعدائهم أجمعين.
قال تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.
أولاً: نبارك لكم أيّها المؤمنون هذه المناسبات الدينية والأفراح الاسلامية في هذا الشهر المبارك؛ شهر ربيع الأول. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه المناسبات والأعياد مباركة لكم ولنا، وستشهدون أيضاً -إن شاء الله تعالى- في السنين القادمة هذه المناسبات بنصر وظفر الإسلاميين والشيعة.
ثانياً: نتشكر قدومكم جميعاً إلى هذا المكان والسؤال عنّا، وأسأل الله لكم التوفيق. وأنا اعتبر زيارتكم الكريمة هذه من السؤال عن المؤمنين والعلماء، مبادرة ميمونة ومباركة، وفيها الخير والخيرات، ومبادرة هي في الواقع تعليمية وإنسانية وإسلامية، وتتبنّى لكم مستقبلاً حسناً وزاهراً مليئاً بالخير والبركات والسعادة والموفقية.
وبعد أن قدمنا لكم هذين النقطتين، أقول:
قبل أسبوع أو أكثر جاءني الحاج أبو أحمد إسلامي (حفظه الله) هذا الإنسان الموفّق لخدمة الدين والمذهب ، وفقه الله تعالى ورحم الله والديه اللّذين رباه هكذا تربية ، فهذا الإنسان يحس بالمسؤولية ويشعر بها، فقد أخبرني بأنكم تحبون أن نتحدّث لكم حول موضوع مسؤولية العلماء ودورهم في تربية الطلبة والدفاع عن المذهب والدين، وهو موضوع واسع وعظيم ومهم، ودراسة شاملة وكاملة ، فإذا أردنا أن ندخل في هذا الموضوع لاستغرق الأمر أيّاماً وأسابيع حتى نبيّن جهود العلماء في التاريخ في مسألة تربية الطلاب والدفاع عن المذهب والدين، وهو موضوع واسع وعظيم ومهم.
ولكن اليوم قد طلب مني سماحة الشيخ شاكر الساعدي حفظه الله وأيضاً هو من الحريصين في الدفاع عن المذهب والقرآن وحريص أيضاً عن تربية الأفراد والمؤمنين على طريق القرآن وعلى طريق سنّة أهل البت (عليهم السلام) ويا ليت كلّ شيعة أمير المؤمنين وكلّ الطلبة يكونون هكذا وبهذا النحو وبهذا الشكل؛ يدافع عن المذهب، يدافع عن الدين، يدافع عن التعليم والتعلّم، واليوم أخبرني أن أتحدّث إليكم عن القرآن وأهمّيته؛ إذ أخبرني بأنّ الضيوف هم من الشباب والناشئة من حفّاظ وقرّاء القرآن في دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم، وأنّهم جميعاً في طريقهم إلى حفظ القرآن وتعلّم وتعليم آياته وتجويده وأمثال ذلك.
فالموضوع قد تغيّر عنوانه، وعليه: فنحن نتحدّث الآن في دقائق بما يسمح لنا الوقت عن هذا المشروع الإسلامي، أعني مشروع قراءة القرآن وتجويده وحفظه ثم مرحلة دراسة الآيات القرآنية ودلالاتها، أي تفسير القرآن، والتخصّص والاختصاص في هذا المجال.
وعليه فنقول: أولاً: القرآن كتاب الله، المعجزة الخالدة للإسلام، ولا شك في ذلك، والآيات والروايات جميعاً تشهد على ذلك، وكذلك كبار العلماء على طول التاريخ من المحدّثين والفقهاء والفلاسفة والمتكلّمين؛ إسلاميين وغيرهم، فالجميع يعترفون بأنّ هذا القرآن كتاب شامل وكامل ومعجزة خالدة، وكتاب دستور يتحدّث للمسلمين والبشر قاطبة في جميع المجالات؛ الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأخلاقية والدينية والمعرفية وغيرها، ملبّياً ما يحتاج إليه البشر في مختلف المجالات، وعليه فهو كتاب عظيم، به يمتاز المسلمين على باقي الأديان الأخرى، وبه يفضّلون على غيرهم.
فكما قلت، علماء غير المسلمين يشهدون بذلك، ونحن الآن لسنا بصدد بيان إعجاز القرآن وعظمته، فهو أمر معروف للجميع ومدرج في جميع الكتب، وعلى طول التاريخ، حتى أنّه لم يتمكّن أحد من الشخصيات العلمية أن يدوّن آية في قبال آياته الكريمة، فكيف يدوّن آيات أو سورة من مثله، أو قرآناً مثله، وقد تحدّاهم الله تعالى فيه بقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، فالقرآن معجزة خالدة ، والقرآن كتاب هداية وقانون وإرشاد ونصيحة وموعظة وتوجيه و... إلخ
فإذا راجعتم آياته الكريمة والروايات الشريفة المطوّلة والمفصّلة منها، فإنّكم ستقفون على عظمة هذا القرآن ولا تجدون ما هو أعظم منه أبداً.
وقد جاء في الرواية الشريفة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال بحق القرآن الكريم: (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع). [الكافي، ج2، ص599]
فأنتم أيها الشباب المؤمن، عليكم بالقرآن؛ قراءة ودارسة وكتابة وحفظاً وتلاوة فهو خير لكم، مضافاً إلى أنّه كتاب هداية وإرشاد ومعجزة خالدة، وإذا حفظه الإنسان يحقق له امتيازاً على الآخرين.
كما أودّ أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن أهل السنّة وبالخصوص الوهابيين كانوا سابقاً وقبل الثورة الإسلامية الإيرانية يقولون عن أنفسهم بأنّهم مفضّلون علينا؛ لأنّهم يحفظون القرآن ولديهم قرّاء ، ونحن ليس لدينا هذا العدد من القرّاء والحفّاظ، وهم يعدّون ذلك امتيازاً لهم على باقي المذاهب الإسلامية الأخرى، و لعلّ هذا الادعاء صحيح؛ ولكنهم لا يمتلكون علماء مثل علماء الشيعة الإمامية، لأنّهم يقتصرون على حفظ القرآن وتجويده وقراءته فقط، فالقارئ والحافظ - عندهم - عالم.
ولكن وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران أصبح للشيعة اهتمام خاص بالقرآن بحيث أصبح لديهم دراسات قرآنية وحفّاظ للقرآن كثيرون.
نقل لي أخي الشهيد في العراق عمّا حصل معهم في مدينة مكة المكرّمة حينما ذهبوا إلى الحج قبل (45) سنة، قال: دعونا إلى مكان في مكة وقالوا لنا: نذهب إلى أحد علمائنا ، وكان بصيراً، وفعلاً ذهبنا إلى هناك، وعندما جلسنا معه وتحدثت معه عن بعض القضايا والمسائل والمفاهيم القرآنية والعقائدية وأصولية وفقهية وبعض الأحكام الشرعية، فوجدته لا يمتلك شيئاً من فهمها ومعرفتها، قلت: متعجّباً كيف يكون هنا عالم وهو لا يدرك هذه الأمور، فسألت عن ذلك، فقالوا لي: هذا حافظ وقارئ للقرآن الكريم، فهو عالم.
فتعجبت من قولهم، وقلت لهم: ليس لديكم عالم نريد أن نتحدّث معه في مسائل ترتبط بالمذهب والدين؟
قالوا: هؤلاء علماء. وبقيت متعجباً من قولهم هذا ، وقلت بأن هؤلاء ما عندهم علماء؛ لأنّ أكثرهم لا يهتمون بمعاني الآيات والدلالات القرآنية ، فهؤلاء يجهلون هذه الأمور.
ثم إننا نستطيع أن ندعي أنّهم اليوم لا يمتلكون قرّاءً وحفّاظاً بهذا الشكل الواسع في أوساطنا الشيعية بعد التوسّع في قراءة وحفظ القرآن الكريم بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، فضلاً عن أنه ليس كل الوهابيين يحفظون القرآن الكريم..
أتذكر أنّنا قبل سنة ذهبنا إلى زيارة السيدة زينب (عليها السلام)، وفي طريقنا نزلنا في مدينة حلب، وكنت من بينهم الوحيد الذي يعرف العربية باعتبار أني عراقي والآخرون هم كانوا من إيران ولكنهم كانوا قادرين على تجويد القرآن ، فمثلاً دخلنا أحد المساجد وكان مكتظاً بالمصلين، فقمت بفرش سجادتي وتربتي وصلّيت وأمّا الذين معي فكانوا خائفين من أن يؤذيني أحد هؤلاء المصلّين من أهل حلب من أهل السنة لما يرونني أصلي على التربة، ولكنهم لم يكونوا وهابيين، بل هم اُناس مرتبين ومنفتحين وعندهم دبلوماسية وأخلاق وآداب جيدة، فلمّا رآني الإيرانيون قد صليت ولم يعترض عليّ أحد من هؤلاء، قاموا وصلّوا بصلاتهم، وبعد الانتهاء من الصلاة رأينا مجموعة جالسين على شكل حلقة دائرية ويقرأون القرآن وكانوا من الشباب، فقمنا وجلسنا معهم، فطلبوا من أن نقرأ معهم القرآن، فقال أحدنا: كأنّهم يريدون أن يختبروننا بقراءة القرآن، فقلت له: لا، هؤلاء ليس بوهابيين، بل هم من السنة العاديين، وذلك واضح من معاملتهم لنا ودبلوماسيتهم معنا، فبدأنا نقرأ واحد تلو الآخر، علماً أنّهم كانوا يقرأون القرآن قراءة خاطئة، ولما بدأنا بالقراءة أخذ الإيرانيون يجوّدون القرآن بصوت حسن وقراءة صحيحة، فأخذوا ينظرون بعضهم بوجه البعض باستغراب وتعجب، لأنّ الذين يقرأون القرآن بهذا الشكل لم يكن بلغتهم، فأنّى لهم كل ذلك؟! وهكذا أخذنا نقرأ القرآن كلّنا ، وعندما وصل إليّ الدور ، وفعلاً قرأت هذه الآية {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} وقد كانت قراءتي جديدة وعربية لا خطأ فيها ولا لكنة فيها، فزاد استغرابهم وتعجبهم بنا، فرأيت الفرصة مناسبة فاستغللتها، فقلت لهم رأساً: أوّلاً: لابد أن تصحّحوا قراءتكم، وثانياً أنا أشكركم على هذه الجلسة؛ لأنكم تريدون أن تتعلموا القراءة فجزاكم الله خيراً، وثالثاً: لا بد أن يكون في وسطكم عالم يعلّمكم كيف تقرؤون القرآن ويصحح لكم أخطاءكم حينما تقرؤون القرآن. ورابعاً: مضافاً إلى تعليمكم قراءة القرآن يعلّمكم تفسير آيات القرآن، وقد كانت هذه الآية {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} مدخلاً للبحث ، فمثلاً يأتي ليعلّمكم ما المقصود من عرض الأمانة، وما هي الأمانة؟ أي أمانة هي؟ فذكرت لهم بأنّ بعض المفسرين يقولون: إن المراد من الأمانة في هذه الآية الكريمة، هي الولاية، ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، فبقي هؤلاء ينظرون باستغراب إلى أنّ هؤلاء الإيرانيين كيف يقرؤون القرآن ويفهمون معناه، وهم ليسوا بعرب، وأنا محسوب عليهم.
وهكذا البلاغة التي كانت عندهم في الحديث والكلام، فهم مستغربون ومتعجبون، وصاروا يدعوننا سيدنا تفضلوا نحن بخدمتكم ...
وأخيراً أوصيتهم بأن يتأملوا في كثير من المسائل وبدراستها بمراجعة التاريخ وكتب العلماء والمفسرين ، وقد تركتهم في شك من أمور دينهم ومذهبهم.
شاهد كلامي:
أنتم في السابق كنتم محارَبين من قبل الوهابيين، ونحن سابقاً لم نكن مهتمين بالقرآن، ولكن بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران المباركة، صار عندنا اهتمام كبير بالقرآن الكريم، حتى وصل الأمر أن فتحت مراكز ودور وجامعات للقرآن الكريم، فكثر القرّاء والحفّاظ، فاصبح عندنا من الشباب الإيرانيين بالإضافة إلى حفظهم للقرآن الكريم نجدهم يقرؤونه بشكل وكأنهم من أصل الحجاز، قراءة عربية فصيحة وصحيحة بلا لكنة فيها، وهؤلاء لمّا سافروا إلى المملكة العربية السعودية وشاركوا في المسابقات القرآنية، وأهل السعودية متعجبون بهؤلاء الإيرانيين، فهم ليسوا عرباً ويقرؤون القرآن بهذا الشكل من الدقة ويجوّدونه ويحفظونه بهذا النحو المتقن.
وهذا بالنتيجة، فخر لكم ولشيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وللمذهب الإمامي، فهذا المشروع الديني الذي تقومون به هو مشروع إسلامي وإنساني مبارك، اهتمّوا به واستمرّوا عليه وأحفظوا الآيات وادرسوها حتى تمتازوا وتتفوّقوا على غيركم، وحتى تصبح قلوبكم مباركة ومستنيرة بنور القرآن وبحفظ آيات القرآن، وحتى يصير لكم كيان ومكانة في المجتمع الشيعي والعالمي، وتعلّموا وتعرّفوا على المفاهيم القرآنية وعلى الدلالات القرآنية لها، حتى تحصلوا على منزلة ومقام رفيع في المعرفة القرآنية، وحتى تقدرون على دفع هذه التهمة والشبهة عن الشيعة من أن الشيعة لا يهتمون بالقرآن ولا يحفظونه، كما قام إخوانكم الإيرانيون بدفع هذه الشبهة؛ وذلك عن طريق اهتمامهم بالقرآن، عن طريق حفظه وتجويده وتفسيره وفتح المراكز المتعددة للنساء والرجال من الشباب والشيوخ، وبهذا استطاعوا دفع هذه التهمة عن الشيعة، وأنتم يجب عليكم أن تعيشوا في بلادكم حتى تمتازوا على غيركم من الطوائف الأخرى بحفظكم وفهمكم للقرآن، بحيث تصير لكم العزّة والشهامة والمنزلة وسوف تتفوّقون على باقي المذاهب والطوائف الأخرى بهذا المشروع الإسلامي العظيم. وبالنتيجة، فإنكم بعلمكم هذا تلبّون نداء القرآن ونداء النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) في دعائهم للناس إلى الاهتمام بالقرآن الكريم قراءة وحفظاً وفهماً.
النقطة الثانية من كلامنا، ما يرتبط بحفظ القرآن، وقد تكلّمنا عنها في طي كلامنا السابق.
وعليه، فننتقل إلى النقطة الثالثة والأهم، وهي: فهم دلالات الآيات القرآنية وتفسيرها، فإنّ ذلك يحتاج إلى دراسة دقيقة لدلالة الآيات الكريمة، وكما أنها تحتاج إلى الاستمرار على ذلك لأجل أن تسيطروا عليها، فمثلاً: غداً عندما تذهب إلى بلدك السعودية وأنت شاب وتجلس في السيارة أو الباص وإلى جنب رجل من أهل السنة ، وتقوم بالتحدّث معهم عن القرآن والمفاهيم والدلالات القرآنية بعد حفظها ، فإنّه سوف يستغرب منك ذلك، وأنت بهذا العمر (20 أو 25 ، أو 30) ولديك هذه القدرة وهذه المعلومات عن القرآن الكريم، فمن المسلّم أنّه سيقوم بسؤالك: من أين أنت ومن أي مذهب؟ وعندما تقول له: أنا سعودي، ومن الشيعة الإمامية، فهذا يجعله يتنبّه ويتفكّر كيف أن هؤلاء الشيعة عندهم هذا الاهتمام بمذهبهم وبقرآنهم، فهذا بنفسه امتياز لكم على الطوائف الأخرى.
أتذكّر أنني عند ذهابي إلى أداء العمرة في أحد السنين، وبعد أن طلب مني رفيقي وهو سيد إيراني لا يجيد العربية، بأن أخرج معه إلى خارج الشقة نتمشى عسى أن يصادفنا أحد يسأل عن بعض المسائل الدينية، أو على الأقل نغيّر جو، إذ أنني كنت ملازماً الشقة بعد الرجوع من أداء أعمالي العبادية، وقد كان ذلك في شهر رمضان، وفعلاً خرجنا سوية إلى السوق، وعندما دخلنا إلى أحد المحال، قرأت لصاحب المحل رواية في المناسبة، وكانت رواية بليغة وفصيحة بلسان عربي ، قال لي: من أين هذه الرواية؟ فقلت له: من الإمام الباقر (عليه السلام) وهو مدفون عندكم في المدينة.
وفي مناسبة ثانية قرأت له رواية أخرى، فقال لي: من أين هذه الرواية، فقلت له: هذه من الإمام الصادق (عليه السلام) وهو مدفون عندكم في المدينة أيضاً، وهو الإمام السادس من أئمة المسلمين (عليهم السلام).  فبقي يتفكّر، وترك البيع والشراء وانشغل معي في الحديث، وأخذنا نتباحث سوية، فقلت له: هل تقدر أن تروي لي رواية من غير الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بهذا المحتوى والمضمون وبهذه البلاغة والدلالة والتعبير، بحيث تمتاز على باقي الروايات أم لا ؟
فقال: لا، فقلت له: هذا أكبر دليل على حقانية الأئمة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم من المسلمين.
قال: صحيح سيّدنا، وبقي يتفكّر بقولي له، ثم قال لي: ما تريد أن تشتري ؟ فقلت له: فعلاً جئت مع السيد الفاضل، فقال: أتريد أن تشتري شيئاً؟ فقلت له: أشتري هذا الثوب، فأعطاني إياه وما قبل أن يأخذ مني قيمته أبداً،  وقال لي: أنت تفرق عن الآخرين، أنت وجودك بركة، وهو رجل سني، وهكذا أصرّ على أن لا يأخذ مني قيمة الثوب، ثم تركناه وذهبنا إلى محل آخر، وكذلك قرأت له بعض النصوص من نهج البلاغة، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) حول الدنيا، وعندها جاء وهابي، فقرأت لهم هذا النص: ((الدنيا بالبلاء محفوفة....)) فقال هذا الوهابي: لمن هذا القول؟ فقلت لمولانا وسيّدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فنظر إليَّ ثم انصرف، وبقي يتحدّث معي صاحب المحل، ثم جاء آخر وآخر وأخر وانضموا معنا وأخذوا يشاركوننا في الحديث، وهكذا بقينا إلى السحور في هذا السوق ننتقل من محل إلى آخر ، فأصبحنا من المبلّغين. وهذا السيد كان متعجباً وهو لا يعرف العربية كما ذكرنا سابقاً، فلما وصلنا إلى الجمهورية أخذ ينقل للناس في المجالس ما حدث معنا هناك، وما كنّا نقوم به من نقل الروايات والنصوص من محل إلى آخر في السوق، هذه الروايات والنصوص الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام) في حسن الخلق وسوء الخلق، والقضايا الاجتماعية ، وغيرها، وكيف كنا نقرأ لهم وهم متعجبون ومستغربون وهم ينظرون بعضهم إلى البعض الآخر.
فأين نحن ، وأين هم؟ فقد جعلناهم كلهم في شك، فأخذوا يتباحثون فيما بينهم، فضلاً عن أنهم لم يأخذوا منا أي مبلغ في قبال ما قمنا بشرائه من محالهم، تكريماً لنا.
فأنتم لما تحفظون الآيات القرآنية ولما تتعرفون على المفاهيم القرآنية وتيسيطرون على الدلالات القرآنية، فستتمكّنون من شرح و تفسير الآيات القرآنية للآخرين.
فهذا امتياز لكم ولشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وموفقية لكم واعتبار لكم في البلاد الشيعية وغير الشيعية.
فلما يرى السني أنك حافظ للقرآن وتفسّر القرآن وتنصح الآخر بآيات قرآنية وترشده بذلك، هذا يتصل إلى هنا وهناك ويذكر لهم ذلك، وغداً إذا قال احد الوهابية أو السنة بان الشيعة لا يحفظون القرآن وما يفهموا القرآن فهذا يردهم، يقول لا أنا رأيت شابّاً شيعيّاً حافظاً للقرآن ومجوّد للقرآن وفي نفس الوقت مفسّر للقرآن.
والآن انتم شيعة امير المؤمنين تفوزون بعدة جهات فأيضاً عندكم اخلاق؛ فالشيعة بجميع طوائفها عندهم رأفة ورحمة، وما عندهم خشونة في تعابيرهم أو في اقلامهم وفي امورهم، من هذه الجهة الآن ما ترون في العالم. ومن جملة العلم لابد ان تدرسون وتجدّون وتقرأون بالخصوص الآيات القرآنية تفوزون على الآخرين ونحن الآن بالفعل نفوز على باقي الطوائف الاسلامية وغيرها بوعينا وبأخلاقنا وبثقافتنا عن هذا الطريق.
وهذه المسؤولية تقع على عاتقكم أيها الشباب وخصوصاً أنتم الشباب الناشئة، المسؤولية الكبرى عليكم انتم، احفظوا مفاهيم ومعاني الآيات والدلالات القرآنية، واكتبوا كلمات ومقالات حول المفاهيم القرآنية، ولا تبردوا فاذا بردتم ولم تهتموا فإن هؤلاء الوهابية سيغزونكم ويقطّعونكم، وإن شاء الله الفوز لكم انتم، وشيعة امير المؤمنين ومحمد (صلى الله عليه وآله) عندهم ادب و اخلاق..
كنا في دعوة في لندن للعلاج وهناك في كل يوم مجموعة مجموعة يدعوننا فد يوم مجموعة دكاترة ومنهم تجار وطلبوا مني موعظة او نصيحة، فقدمت لهم ذلك، اوصيتهم بالالتفات حول العلماء والاستفادة من العلماء؛ لأن هذا العصر عصر النور والمعرفة لا تضلوا، لا تبقوا جاهلين بالمعارف الدينية والمسائل الدينية، وبينت اهمية ‌العلماء ومقام العلماء، وأخيراً بيّنت بعض المطالب، فخرج رجل تاجر وقا:، أنا اول أمس كنت آتياً للبيت في لندن، فطرق الباب قوم يمتازون بالخشونة فخرجت الى الباب، قال: هذه سيارتك مصطدمة، تعال خذها، قلت له: بخدمتك فلما خرجت معه و في نصف الطريق قال: انت من اين؟ ومن أيّ مذهب ودين وملة؟، قلت: مسلم قال: من أي طائفة؟ قلت: شيعي، فلما سمع بذلك انبسط وبدأ يجاملني ثم قال: الشيعة ‌عندهم رأفة ومحبة ودبلوماسيون، اما هؤلاء الوهابية فهم قتلة وجزارون ولا يعرفون قيمة للانسانية.
الم يكن هذا اعلام لك ايها الشيعي.
اليوم أرضيّتك الدفاع عن دينك ومذهبك واسلامك، فهذا الاعلام يهيئ لك الارضية اينما تريد ان تذهب وتعيش بسلام وأمان تستطيع ذلك، بينما غيرك الوهابية والسني لا يمتلك هذا الاسلام وهكذا ارضية وامكانية ان يعيش اينما اراد، فقط انت مهيئ لك ذلك.
خصوصاً اذا عندك معرفة عن القرآن ودارس القرآن وتفسير القرآن ومعارف قرآنية.
فشاهد كلامنا هذا كله مقدمة، فنقول: يا شباب يا طلبة يا مؤمنون اهتموا بمسألة حفظ القرآن ودراسته ومفاهيمه، ففيها فوائد كثيرة فتارة نريد ان نتحدت عن القرآن كيف أنه كتاب هداية وكيف يكون الانسان على‌ معرفة التوحيد؟ وكيف يتحدث القرآن عن القضايا الاقتصادية وإلى آخره.
فقط بهذا المقدار الكلي نقول: اهتموا بالقرآن وحفظه حتى تتنوّر قلوبكم وحتى تفوزون في مجمعكم وحتى تدفعون بذلك الشبهة عن مذهبكم، عن الشيعة.
واخيرا اوصيكم باساتذتكم المتصدين لهذا الامر؛ حفظ القرآن وتفسير القرآن هؤلاء الاساتذة احترموهم قدروهم والتفوا حولهم واسألوا منهم ما يرتبط بحفظ القرآن وتفسير الآيات القرآنية لا يكون عندكم برود لا سامح الله، وجودكم في هذه البلاد توفيق لكم ليس عندكم ابتلاءات ومشاغل انتم شباب صغار ناشئة فامكان الحفظ موجود عندكم، ومشاكل اجتماعية ليس لديكم، وامكانية دراسة وتفسير القرآن ايضاً عندكم، وان شاء الله في فوز وأمن وأمان تكونون، وان شاء الله انتم مفخرة لمذهب جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في المستقبل، وأن ارى هذه التوصية تعملون بها، وبالنتيجة انتم تعيشون اسياداً ومؤمنين.
ثم اشار سماحته الى‌ اهمية‌ الكتاب وحاجة المذهب الى‌ الثقافة‌ والحفظ والتبليغ، واخيراً‌ ذكر توصية قال فيها:
كونوا دائماً عملكم على‌ مذهب اهل البيت عليهم السلام لوجود عثرات حزبية تعمل على تفريق الصف والكلمة بين المؤمنين وهي عثرات غير شيعة وتقضي علينا وعلى‌ ديننا ومذهبنا ولا تسمحوا لهم ولا تتأثروا بكلامهم وبالمطالب التي يبينونها لكم لانهم مثل الاجانب يريدون تفريق الشيعة وتمزيقها فاحذروهم.
وادرسوا معتقداتكم على اسس المعطيات القرآنية، وطبق نصوص اهل البيت حتى لا سامح الله لا يغزوكم هؤلاء وانتم الآن قد تعب آباؤكم واجدادكم لاجل هذا المذهب في سبيل حفظ هذه المعتقدات الشيعية وحفظوها وحولها لكم كأمانة وانتم ايضاً حافظوا على ‌هذه الامانة، امانة بايديكم، فلا تتأثروا بالافكار التي هي لدى البعض الذين يدعمون بها الافكار في باقي المذاهب ابقوا على طريقة آبائكم واجدادكم وطريقة جعفر الصادق (عليه السلام) وعلى طريقة‌ اهل البيت (عليهم السلام) وعلى الطريقة التي رسمها الله لنا، اسلكوا على نفس هذا الطريق ولا تتأثروا بهؤلاء الغلاة ولابد ان تستميتوا في الدفاع عن المذهب مثل آبائكم واجدادكم، فعلينا ان نضحي عن ديننا ومعتقداتنا وان شاء ‌الله نراكم في زيارة ثانية‌ لنتحدث معكم في مسائل و نقاط أخرى ونراكم ان شاء الله انكم مجتازون بعض الخطوات التي في الواقع تكون نصراً وانتصاراً لكم وبهذا نكتفي وندعو لكم بالتوفيق والتسديد.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1465
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28