• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : دور القرآن في علاج الأمراض النفسية .

دور القرآن في علاج الأمراض النفسية

 

بقلم: الشيخ نعيم خماس الساعدي
لا شك بأنّ للكتاب المجيد أثر كبير في وقاية الإنسان من الوقوع في العصابات والأزمات النفسية فإذا سقط الإنسان في أحضان الأمراض النفسية فهل للقرآن دور في علاج ذلك؟
وقبل أن نخوض غمار هذا البحث هنالك أمور نرى التنبيه عليها من الأهمية بمكان.
الأول: إنّ بعض المواضيع قد يكون لها دوران علاجي ووقائي كالتوبة مثلاً حيث ذكرنا دورها في الحماية من الأمراض النفسية وسوف نذكر دورها العلاجي لاحقاً انشاء الله.
الثاني: إنّ حديثنا هنا يدور حول ما قام به المتخصصون من الدراسات والأبحاث العلمية في هذا الميدان وانتهوا إلى تأييده في علومهم.
العلاج بالدعاء
لا يختلف شخصان من المسلمين في وجود آيات تتلى آناء الليل وأطراف النهار تحث البشرية على الدعاء والتبتل إلى الله تعالى منها:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([1]).
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}([2]).
ولكن الذي يثير أستغراب إنسان الألفية الثالثة هو أنّ لهذا المفهوم القرآني أثر كبير في علاج بعض الأمراض النفسية ومما يدل على ذلك.
الدراسة التي أجريت من قبل أساتذة الصحة النفسية في جامعة الأزهر.
أ ـ الدكتور: رشاد علي عبد العزيز موسى. ب ـ الدكتور: محمد يوسف محمد محمود.
حيث قاموا بإجراء بحثاً على مجموعتين من الطالبات الملتزمات وغير الملتزمات دينياً وممن يعانين من الأمراض السيكوسوماتية فأجري للعينات محاضرات تحت العناوين التالية:
المحاضرة الأولى: تمهيد وتعارف وزمنها ساعتان.
المحاضرة الثانية: فضل الذكر والدعاء وشروط قبول الذكر والدعاء، وزمنها ساعتان.
المحاضرة الثالثة: فوائد الذكر وزمنها ساعتان.
المحاضرة الرابعة: فوائد الذكر وزمنها ساعتان.
المحاضرة الخامسة: فوائد الذكر وزمنها ساعتان.
المحاضرة السادسة: الأذكار المأثورة من القرآن الكريم وزمنها ساعتان.
المحاضرة السابعة: الأذكار المأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزمنها ساعتان.
المحاضرة الثامنة: أدعية ماثورة من القرآن الكريم ـ وزمنها ساعتان.
المحاضرة التاسعة: الدعاء بالأسماء الحسنى ـ وزمنها ساعتان.
المحاضرة العاشرة: أدعية للأمان من الخوف والكرب والغضب والغم والحزن والهم وكان زمنها ساعتان.
 المحاضرة الحادية عشر: جوامع من أدعية الرسول(صلى الله عليه وآله) وزمنها ساعتان.
 المحاضرة الثانية عشر: تقويم الجلسات السابقة([3]).
وكانت النتائج التي توصل لها الباحثان ما يلي:
1 ـ يوجد فرق ذو دلالة إحصائية لأثر تطبيق الدعاء كأسلوب إرشادي نفسي في تخفيف حدة بعض الاضطرابات السيكوسوماتية بين العينة التجريبية الأولى والضابطة الأولى من الملتزمات دينياً لصالح طالبات المجموعة الأولى([4]).
2 ـ يوجد فرق ذو دلالة إحصائية لأثر تطبيق الدعاء كأسلوب إرشادي نفسي في تخفيف حدة بعض الاضطرابات السيكوسوماتية بين العينة التجريبية الثانية والضابطة الثانية من غير الملتزمات دينياً لصالح طالبات المجموعة الأولى([5]).
وأما النتائج العامة فكانت: (إنّ البرنامج الارشادي النفسي الديني استطاع أن يخفف من حدة الاضطرابات السيكوسوماتية لكل من الطالبات الملتزمات دينياً والطالبات غير الملتزمات دينياً وهذا إنما يدل على جدوى الأساليب العلاجية المستمدة من القرآن الكريم) ([6]).
العلاج بالاستماع للقرآن
لم يكن كتاب الله المجيد معجزة في حلاوته وطراوته ولا في بلاغته واخباراته الغيبية ونظرياته العلمية فحسب.
بل إنّ في القرآن الكريم جانب اعجازي آخر يكمن في الاستماع إليه حيث أثبتت الدراسات أنّ لصوت القرآن أثر كبير في تخفيف حدة الاضطراب، وفي تخفيف الآلام:
فقد إجريت دراسة على المرضى الذين أجريت لهم عمليات في البطن بعد خروجهم من غرف العمليات حيث قام الباحث الذي أجرى الدراسة إلى تقسيم أولئك المرضى إلى قسمين.
فجعل القسم الأول في غرفة وجعلهم يستمعون إلى القرآن الكريم بصوت القارئ أنور شحات.
وأما القسم الثاني فقد تركت لحالها من دون أن يستمعون لأي شيء، ثم جعلت نظاره على طلب المسكن من الغرفتين.
فكانت النتيجة أن لسماع القرآن أثر كبير في تخفيف الالام([7]).
العلاج بالتوبة
يتفق النفسانيون على أنّ أبرز الأمور التي تسبب عدم الاتزان النفسي وبالتالي تؤدي إلى اختلال الصحة النفسية هي أنتشار مشاعر الأثم والخطيئة في نفس الإنسان، ومع ذلك سوف ينتابه الشعور بالذعر والخطر مما يؤدي إلى اختلالات روحية عنده وسقوطه في مستنقع المرض([8]).
وفي هكذا حالة يؤكد علماء النفس على طرق يمكن انتشال المريض من حالته التي يعاني منها ولكن عن طريق مراحل.
الأولى: اعتراف المصاب بخطاياه وهذه الحالة تسمّى عند علماء النفس بـ (التفريغ) ([9]).
ويذكر الخبير بالصحة النفسية الدكتور مصطفى فهمي حالة مرضية يمكن أن تتوضح الصورة فيها أكثر وأكثر.
يقول: إنّ فتاة عمرها 19 سنة تدرس في إحدى كليات الجامعة كانت تشكو من:
أ ـ تبرم واضح من الحياة.
ب ـ رغبة ملحة في العزلة.
جـ ـ شعور بالضيق والكآبة إلى درجة كانت تحول بينها وبين مواصلة أي عمل تبدأ فيه.
د ـ فقدان الشعور بالقيمة والاستحقاق.
حضرت للعلاج في جلسات عديدة وكان الكلام يدور عند حضورها إلى المعالج حول طفولتها والمشاكل التي حدثت بين أبيها وأمها والتي انتهت بالطلاق، ولكن في المرة الثامنة التي اجتمعت فيها مع الطبيب وعند مشارفة هذه الجلسة على الانتهاء عندما كان الطبيب ينظر إلى ساعته قامت الفتاة نحو الحائط لتأخذ معطفاً كان عندها فارتعشت وانفجرت بالبكاء فسألها الدكتور عن سبب بكائها فأجابت...
ولكن في الجلسات القادمة وبعد أن توطدت العلاقة بينها وبين طبيبها بدأت بالاعتراف عما في داخلها وأنّها كانت تربطها مع والدها علاقة جنسية، فذكرت للدكتور هذا السلوك يؤلمها ويؤرقها وتشعر بأنّها إنسانة قذرة ، وأنّ أول شخص أصحت له عما في داخلها هو المعالج([10]).
وهنا يحقّ لنا أن نتسائل ونقول: هل إنّ الاعتراف وحده يكفي للعلاج، أو أنّ هنالك أمور أخرى.
الثانية: يجيب النفسانيون عن السؤال المتقدم بالنفي ويقولون (يجب أن يتبع أو يصاحب بعملية أخرى تهدف إلى التكفير عن الأثم، أو بعبارة أخرى الرجوع إلى الفضيلة) ([11]).
وهذه هي التوبة التي يصرح بها القرآن الكريم ويحثّ الذين ارتكبوا الآثام أن يركنوا إليها وأن الله سوف يقبل توبتهم وتكون الآثام التي ارتكبوها حسنات عند الله وأنّهم سوف يكونون من أحبائه واودائه.
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}([12]).
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}([13]).
وقال: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([14]).
وقال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}([15]).
وقال: {... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}([16]).
والمتخصصون يذكرون أدواراً لتوبة تساعد على بناء الشخصية وإعادة المريض إلى واقع الحياة منها:
1 ـ إنّها تفتح أمام الإنسان القلق الذي حطمته ذنوبه وآثامه وأصبحت عبئاً ثقيلاً لا يستطيع تحمله في معترك الحياة، وتفتح أمامه الأمل في تطهير النفس وفي تصفية حسابه مع ربه، إنّ هذا الأمل يجعله يشعر بالراحة النفسية والنظر إلى الحياة نظرة مختلفة يسودها التفاؤل بعد أن كانت نظرته كلها تشاؤم وخوف ومرارة.
2 ـ تؤدي التوبة بصاحبها إلى احترام ذاته، وهذا الاحترام يقوي فيه شعوره بذاته، وبعبارة أخرى نستطيع القول أنّ التوبة تؤدي إلى تأكيد الذات، وهذا دافع هام في تكوين الشخصية التي تتمتع بقدر كاف من الصحة النفسية.
3 ـ تؤدي التوبة إلى أن يتقبل الفرد لذاته بعد أن كان على الدوام يعلن الحرب عليها ويحتقرها ويحط من شأنها بسبب الآثام والذنوب التي ارتكبها. إنّ الشخص الذي يتقبل ذاته لا ينصرف إلى الغرور الزائف بل يواجه مشكلاته الشخصية بشجاعة وبأسلوب واقعي. وإن الشخص الواقعي مستعد لمواجهة الحقائق عن نفسه وعن عمله وعن قدراته وظروفه وعن المجال الذي يعيش فيه حتى ولو كانت هذه الحقائق مؤلمة. إنّه يرى في هذه الصعوبات حافزاً لأن يعمل ويكد ويضاعف من كفاحه أمام الأزمات.
4 ـ تدفع التوبة إلى التحرر من الشعور بالذنب والخوف؛ وذلك أنّ الفرد المذنب يعشر بالتعاسة ويحس بالتوتر الذي يعوق نجاحه في أي مجال من المجالات التي يتحرك فيها نتيجة لخوفه الشديد من الأذى الذي قد يصيبه بسبب الشعور المؤلم بالذنب عمّا يعتقد أنّه عمل خاطئ قام به([17]).
إنّ هذه المشاعر من شأنها أن تشكل بعض الأسس التي تكون الإطار الذي يسلك الفرد على أساسه ويتنبأ بنتائج سلوكه ويواجه المواقف بإيجابية وتفهم واضح([18]).
 


[1] ـ سورة غافر، آية: 60.
[2] ـ سورة البقرة، آية: 186.
[3] ـ انظر: رشاد علي، بعد العزيز موسى ومحمد يوسف محمد محمود، العلاج الديني للأمراض النفسية ص113.
[4] ـ المصدر السابق: ص150
[5] ـ المصدر السابق: ص151.
[6] ـ المصدر السابق: ص153.
[7] ـ راجع نصر آبادي نيكبخت علي رضا، استعانت از قرآن كريم در شفاي جسماني.
[8] ـ انظر: فهمي مصطفى الانسان وصحته النفسية: ص168.
[9] ـ المصدر السابق: ص269.
[10] ـ انظر: فهمي مصطفى الإنسان وصحته النفسية: ص271 ـ 272.
[11] ـ نجاتي محمد عثمان القرآن وعلم النفس ص300.
[12] ـ سورة الزمر، آية: 53.
[13] ـ سورة التحريم، آية: 8.
[14] ـ سورة المائدة، آية: 39.
[15] ـ سورة الفرقان، آية: 70.
[16] ـ سورة البقرة، آية: 222.
[17] ـ فهمي مصطفى الإنسان وصحته النفسية: ص281 ـ 282.
[18] ـ المصدر السابق.

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1455
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24