• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : محبّة الله في اتباع النبي (صلى الله عليه وآله) .

محبّة الله في اتباع النبي (صلى الله عليه وآله)

بقلم: الشيخ عبدالله القضي

قال الله تعالى في كتابه الكريم في ضرورة اتباع النبي (صلى الله عليه وآله) وطاعته، ناهياً عن الإعراض عنه وترك أوامره: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الكَافِرِينَ} [آل عمران: 31-32].

سبب النزول

لهاتين الآيتين روايتان في سبب نزولهما: إحداهما في (تفسير المنار)، والأخرى في (مجمع البيان في تفسير القرآن).

الأولى تقول: ادّعى جمع من الحاضرين في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّهم يحبّون الله مع أنّ العمل بتعاليم الله كان أقلّ ظهوراً في أعمالهم، فنزلت هاتان الآيتان بشأنهم.

وتقول الأخرى: نزلت الآيتان في وفد نجران من النصارى لما قالوا: إنّا نعظّم المسيح حبّاً لله [مجمع البيان، الطبرسي، ج2، ص277]، حيث زعموا في حديثهم هذا أنّ مبالغتهم في تقديس المسيح (عليه السلام) إنّما تنطلق من حبّهم لله، فنزلت الآيتان تردّان عليهم.

الحب الحقيقي

تقول الآية الأولى إنّ الحب ليس بالعلاقة فحسب، بل يجب أن تظهر آثاره وعلاماته في عمل الإنسان؛ إذ إنّ من يدّعي حب الله فعليه أوّلاً اتباع رسوله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} ؛ لأنّه في الواقع إنّ من آثار الحب الطبيعية انجذاب المحب نحو المحبوب والتحبّب والتودّد له.

صحيح أنّ هناك نوعاً من الحب بدرجة ضعيفة بحيث لا تتجاوز أشعته جدران القلب وليس لها القابلية على اختراقه، إلا أنّ هذا من التفاهة بحيث لا يمكن اعتباره حبّاً؛ لأنّه لا شك أنّ للحب الحقيقي آثار عملية تربط المحب بالحبيب وتدفعه للسعي في تحقيق طلباته، وغير ذلك لا يمكن أن يعطي ثماراً عملية في تصرّفات وسلوكيات المحبّ على الواقع العملي حيث يستطيع التعبير من خلالها على ما يختلج في صدره من حب نحو شخص معيّن أو شيء ما، وهو أمر يحتاج إلى برهان وبيان في الخارج كما هو واضح.

والدليل على ذلك واضح؛ فحبّ المرء شيء لابد أن يكون بسبب عثوره على‌ أحد الكمالات فيه التي تميّزه عن غيره من الأشياء ممّا يشكّل قوّة دافعة إلى الانجذاب والتوجّه إليه، ولا يمكن أن يحب الإنسان مخلوقاً ليس فيه شيء من قوّة الجذب، وإلا سيستلزم منه اللّهو والعبثية والادعاء الخالي من الدليل.

وعليه فإن حبّ الإنسان لله ناشئ من كونه منبع جميع الكمالات، التي أصلها أنّ محبوباً هذا شأنه لابد أن تكون أوامره كاملة أيضاً، فكيف يمكن لإنسان يعشق الكمال المطلق، وهو يعصي أوامر الحبيب وتعاليمه، فإن عصي فذلك دليل على أنّ حبّه غير حقيقي.

فالحب أسمى رابطة‌ تربط الإنسان بحبيبه، وبواسطته يتسنى له جلب الجهة وحصوله عليها لانجذابه لها، وأمّا الله تعالى فإنّه محبوب لذاته؛ لكونه مصدراً وأصل كل جهة من جهات الخير والعطاء، فلابد أن يكون حبّه على‌ رأس كلّ حبّ، ولمّا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشريعته يمثّلان أثر الله على الأرض، وواسطة الفيض الإلهي فكان ولابد من منطلق الحب له اتباعاً لله الذي أمرنا بطاعته ومحبته، ولابد من اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) وشريعته، لأنّ أثر الحبيب هو لزوم الإطاعة، ولكون الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الإنسان القدوة والأسوة الحسنة والمثل الأعلى ‌للأمة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

ومن البيّن أنّ من لوازم ذلك الحب العمل طبق السيرة العملية للنبي (صلى الله عليه وآله) واتخاذ نهجه وهديه،  ونقرأ في عدّة آيات كريمة - إضافة إلى الآية مورد البحث - أنّ الله تعالى أمر أن يتخذ الناس سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) أسوة وقدوة فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} {الأحزاب:21}  ويقول تعالى أيضاً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ} {الممتحنة:6} ، ويقول سبحانه أيضاً:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} {الأنفال:24} .

ومن الأحاديث الشريفة ما رواه الشيخ المفيد في أماليه في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول عند وفاته: «لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي». وروي في جامع الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان يقول: «أكرموا أولادي، وحسنوا آدابي». وروي في حديث مشهور مستفيض عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال: «أدبني ربي فأحسن تأديبي». وروى ابن شعبة الحراني في (تحف العقول) في حديث عن علي (عليه السلام) أنه قال: «فاقتدوا بهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه أفضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها أشرف السنن». وقد جاء في خطبة عن الإمام علي (عليه السلام) أنه يقول: «فتأس بنبيك الأطيب الأطهر ( صلى الله عليه وآله )، فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزى. وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لأثره». [عن سنن النبي (ص) للسيد الطباطبائي: ص12].

الدين والحب

أكّد الدين الإسلامي على أهمّية الحبّ ودوره الفاعل في حياة الإنسان الدينية وأثره الكبير في علاقاته الاجتماعية ممّا يعزّز من الروابط والأواصر بين الأفراد، حيث جاء في كثير من الأحاديث أنّ أئمة الإسلام كانوا يقولون: «ما الدين إلا الحبّ» ومن ذلك ما جاء في الخصال والكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «وهل الدين إلا الحب» ثمّ تلا هذه الآية: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي}، هذه الأحاديث تريد أن تبيّن أنّ حقيقة الدين وروحه هي الإيمان بالله وحبّه، ذلك الإيمان والعشق اللّذان يعمّ نورهما كل الوجود الإنساني ويضيئانه وتتأثّر بهما الأعضاء والجوارح ويظهرا أثرهما في اتباع أوامر الله سبحانه وتعالى.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1443
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24