• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : حالات الإمام السجاد عليه السلام عند قراءة القرآن .

حالات الإمام السجاد عليه السلام عند قراءة القرآن

السيد الحسيني الطهراني

إنّ القرآن الكريم كتابٌ لرشد النفوس وتكميلها، وكانت تلاوة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وشرح حالاته، وحال الإغماء والتحيّر والفناء التي كانت تحصل عنده وقت تلاوته القرآن؛ لأمرٌ عجيبٌ حقّاً،تُرى بأيّ نظر ورؤية كان يتلوه؟ وأيّة جهة من جهاته كان يواجه ويُقابل؟

ولإدراك الأبعاد الواسعة والجهات الكثيرة التي كانت تستلفت نظره المقدّس من كلّ جانب عند قراءته القرآن،نطالع دعاءه (عليه السلام) في ختم القرآن الوارد في الصحيفة السجادية، حيث يقول (عليه السلام) فيه:

«اللّهمّ إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً، وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته، وفضلته على كلّ حديث قصصته وفرقاناً فرقت به بين حلالك وحرامك، وقرآناً أعربت به عن شرائع أحكامك، وكتاباً فصلته لعبادك تفصيلاً، ووحياً أنزلته على نبيك محمّد صلواتك عليه وآله تنزيلاً، وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه، وشفاءً لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه، وميزانَ قسط لا يحيف عن الحق لسانُه، ونورَ هدىً لا يُطفأ عن الشاهدين برهانه، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنّته، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته.اللّهمّ فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته، وسهلت جواسي ألسنتنا بحسن عبارته، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته، ويفزع إلى الاقرار بمتشابهه وموضحات بيّناته».

حتى يقول: «اللّهمّ وكما نصبت به محمّداً علماً للدلالة عليك، وأنهجتَ بآله سبل الرضا إليك، فصل على محمّد وآله، واجعل القرآن وسيلةً لنا إلى أشرف منازل الكرامة، وسُلّماً نعرج فيه إلى محل السلامة، وسبباً نجزى به النجاة في عرصة القيامة، وذريعةً نقدُمُ بها على نعيم دار المقامة».

ثم يصل إلى القول: «اللّهمّ صلّ على محمّد وآله، وأدِم بالقرآن صلاح ظاهرنا، واحجب به خطرات الوساوس عن صحّة ضمائرنا، واغسل به درن قلوبنا وعلائق أوزارنا، وجمع به منتشر أمورنا، وأروِ به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا».

نعم، لقد كانت آيات القرآن تستقرّ في أعماق نفس الإمام السجّاد (عليه السلام) فتسوق فكره وذِكره وعنايته من عالم الدنيا والغرور مباشرةً إلى عالم التوحيد والعرفان والبقاء. ولقد كان القرآن هو الذي ينزّه ويطهِّر الأئمّة وأولياء الله ويوصلهم إثر المجاهدة وصقل النفس إلى أعلى المدارج المتصوّرة، لا أن يكون الله قد خلق وجودهم ملائكيّاً لا حاجة معه للمجاهدة والإرادة، أو أن يكونوا قد قدموا في هذه الدنيا متفرّجين ومعلّمين فقط.

فهذا القول خلاف للعقل، وخلاف الضرورة، وخلاف الشواهد القطعية للكتاب والسنّة، وهو قول المتقاعسين.

وروى الكليني بسنده المتّصل عن الزهري، قال: قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام):

«لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي. وكان عليه السلام إذا قرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يكرّرها حتى كاد أن يموت» [أصول الكافي: ج2، ص615].

وأورد الكليني أيضاً بسنده المتصل عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، أنّ النوفلي ذكر الصوت عنده، فقال عليه السلام:

«إنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يقرأ فربما مرّ به المار فصعق من حسن صوته. وإنّ الامام لو أظهر من ذلك شيئاً لما احتمله الناس من حسنه. قلت: ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يُحمِّل الناس من خلفه ما يطيقون» [أصول الكافي: ج2، ص161].

وروى الكليني أيضاً بسنده المتّصل عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «كان علي بن الحسين صلوات الله عليه أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان السّقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يسمعون قراءته، وكان أبو جعفر عليه السلام أحسن الناس صوتاً» [أصول الكافي: ج2، ص161].

إنّ المواعظ الإلهية في كتاب الله المقدّس تحرّك النفس الهيولانيّة المستعدّة للإنسان، وتهب الفعليّة لجميع الاستعدادات والمواهب خلال السير في طريق التربية والتعليم، فهي تعالج الأسقام الكامنة والمتراكمة في النفوس، وتضع مرهم الشفاء على الجراحات المستعصية على العلاج فتمنحها الشفاء والالتئام، وتعمّم وتوسّع رحمة الظاهر ورحمة الباطن.

وعلى المؤمنين أن يتمسّكوا بالقرآن الكريم ويسعدوا ويسرّوا بتعليمه، ممّا يستتبع فضل الله ورحمته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} {يونس:57- 58} .

ويعجز العقل عن وصف ما وصل إليه المسلمون إثر تعليم القرآن، فأُولئك الأقوام المتعطّشة للدماء، المفتقدة للحميّة والعاطفة والإنصاف، وأُولئك الذين كانوا يئدون بناتهم أحياءً، صاروا وقد ألّفت المودّة والأُلفة بين قلوبهم إثر اتّباعهم القرآن الكريم بشكل يصعب تصوّره.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1427
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24