• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : ذكرى ميلاد الإمام الحسن (عليه السلام) .

ذكرى ميلاد الإمام الحسن (عليه السلام)

سماحة الشيخ عبد المجيد البن عيسى

حيث إنّنا على أعتاب ذكرى ميلاد ريحانة رسول الله وسيّد شباب أهل الجنّة، ذكرى ميلاد مَن سالمه سالمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن حاربه حاربه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ الإمام السبط السيّد ابن السيّد أخو السيّد الإمام الحسن عليه أفضل الصلاة والسلام.

نستهلّ حديثنا برفع أسمى التبريكات للإمام الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) ولعلمائنا الأعلام وللأمّة المرحومة الأمّة الإسلامية وللقرّاء الكرام .

وسيكون حديثنا في نقطتين:

النقطة الأولى: الإمامة

والنقطة الثانية: السيرة الذاتية والاجتماعية للإمام الحسن (عليه السلام)

الإمامة

الإمامة هي أصل من أصول الدين ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، فهي شرط في الإيمان وفي النجاة من النار وهي امتداد للنبوة واستمرار لها .

والإمامة في اللّغة هي: الرئاسة، وفي اصطلاح المتكلّمين فتعني: الرئاسة العامة والقيادة الشاملة في أمور الدين والدنيا، الدينية والدنيوية كما عرّفها غير واحد من علمائنا (رحمهم الله).

وذلك: أن الدين الإسلامي اشتمل على الوظائف العبادية و الأخلاقية المرتبطة بالعباد من التكاليف والسلوكيات، كذلك اشتمل على الأحكام المرتبطة بدنيا المجتمع السياسية والحقوقية والاقتصادية والقائم بهذا المنصب وبأعبائه والمنفذ لإحكامه وما يتفرع عنه هو الإمام .

وأمّا العامة فهم ينظرون إليها على أنها رئاسة دولة وتسلط على الأمة ، وهذه الرئاسة هي بيد الناس ولو وصل إلى ذلك بطريق القوة، فإن شاؤوا اختاروه ونصبوه أو انتخبوه وإن شاؤوا أزاحوه  ونصبوا غيره.

 بينما إنّ الإمامة عند متكلّمينا هي نص إلهي على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) أو لسان الإمام السابق، فهي في لسان علمائنا تختلف عما هي عليه في لسانهم وتعريفهم .

كما إن الغرض الداعي لبعث النبي لا يتم إلا بالإمامة فإن الغرض ليس هو تعريف الأمة بالدين في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله) بل تعريف جميع الأمة وفي جميع العصور المتعاقبة والمتلاحقة وهذا لا يتم إلا بالإمامة ، وهذه القيادة استمرار لوظائف النبي فيشترط فيها ما يشترط في النبوة من العصمة عن جميع الرذائل والفواحش من سن الطفولة إلى الموت عدا الوحي الإلهي وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من قبل الله تعالى حاضراً أو غائباً عن أعين الناس .

وعلى ذلك فلابد أن يكون في كل في عصر إمام هاد يخلف النبي (صلّى الله عليه وآله) ويحقق الغرض من البعثة ويكمل المسيرة من هداية الأمة وإرشادها إلى ما فيه الصلاح والسعادة في الدنيا و الآخرة وتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم ورفع الظلم والعدوان ويقوم بوظائفه  .

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً.

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (عليهما السلام) قَالَ: قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ ولَوْلا ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ .

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ أيضاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ و أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَادِلٍ .

وعنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ واللَّهِ مَا تَرَكَ اللَّهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ آدَمَ (عليه السلام) إِلا و فِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اللَّهِ و هُوَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ و لا تَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ  .

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: قُلْتُ: لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَتَبْقَى الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: لَوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ .

والروايات في ذلك متعددة و متضافرة .

فعلى ذلك، إن وظائف النبي هي للإمام. ويمكن أن نجمل الوظائف في أربعة:

الوظيفة الأولى: يفسّر كتاب الله سبحانه وتعالى ويوضّح مقاصده وأهدافه ويكشف عن أسراره، فإنّ القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد والمنسوخ والناسخ.  

ومن ذلك قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ} المائدة (38). فإنّ الأمة اختلفت في موضع القطع، فمن قائل بأن القطع من المفصل بين الكف والذراع كما عليه المذاهب الثلاثة ، ومن قائل بأن القطع من المنكب كما عليه الخوارج ، بينما الإمامية أعلى الله درجتهم وأعزهم الله بإتباع الأئمة (عليهم السلام) فقد رأوا أن القطع من أصول الأصابع كما بيّن ذلك الإمام الجواد (عليه السلام) في القضية المعروفة حينما جاء السَارِق وقد أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ و سَأَلَ الْخَلِيفَةَ ( المعتصم ) تَطْهِيرَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَجَمَعَ لِذَلِكَ الْفُقَهَاءَ فِي مَجْلِسِهِ و قَدْ أَحْضَرَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الجواد (عليه السلام) فَسَأَلَ عَنِ الْقَطْعِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ أَنْ يُقْطَعَ ، فأدلى كل من الفقهاء برأيه ثم الْتَفَتَ إِلَى الإمامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الجواد  (عليه السلام) فقال له: مَا تَقُولُ فِي هَذَا يَا أَبَا جَعْفَرٍ - إلى أن قال - إِنِّي أَقُولُ إِنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِيهِ السُّنَّةَ فَإِنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَفْصِلِ أُصُولِ الأَصَابِعِ فَيُتْرَكُ الْكَفُّ ، قَالَ و مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ ؟ قَالَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ الْوَجْهِ و الْيَدَيْنِ و الرُّكْبَتَيْنِ و الرِّجْلَيْنِ فَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ مِنَ الْكُرْسُوعِ أَوِ الْمِرْفَقِ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ يَسْجُدُ عَلَيْهَا و قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ و تَعَالَى و أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ يَعْنِي بِهِ هَذَا الأَعْضَاءَ السَّبْعَةَ الَّتِي يُسْجَدُ عَلَيْهَا فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً و مَا كَانَ لِلَّهِ لَمْ يُقْطَعْ ، قَالَ: فَأَعْجَبَ الْمُعْتَصِمَ ذَلِكَ و أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ مَفْصِلِ الأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ .

الثاني: يبيّن موضوع الأحكام الشرعية فإنّ جملة من الأحكام تحتاج إلى البيان ليتيسّر لجميع المسلمين الرجوع إليها في جميع العصور .

فإنّ التشريع الإسلامي لم ينزل دفعة واحدة بل كان بصورة تدريجية، ومن المعلوم أن هناك مواضيع مستجدة فمن يبيّن لنا أحكامها؟ فإن الآيات القرآنية تصل إلى خمسمائة آية .

جاء رجل إلى الخليفة الثاني فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك وفي زمان الجاهلية تطليقة و في الإسلام تطليقتين ، فما ترى ؟ فسكت الثاني ، فقال له الرجل: ما تقول قال: كما أنت حتى يجي‏ء علي بن أبي طالب.

فإن لم تحسب ثلاث تطليقات جاز له الرجوع إليها قبل انتهاء العدة ، وإن كانت قد انتهت عدتها جاز له العقد عليه مجدداً ، وأمّا إن حسبت ثلاث تطليقات فلابد من الرجوع إليها من محلل بأن تتزوج زوجاً دائماً من آخر ثم إذا طلقها الثاني جاز له إن يعقد عليها مجدّداً، فتحير الثاني في ذلك .

فجاء علي (عليه السلام) وقص عليه القصة فقال:  هدم الإسلام ما كان قبله (يعني الإسلام يجب ما قبله) و هي عندك على واحدة .

الثالث: يردّ عن الدين الحملات التشكيكية والمسائل العويصة التي كان يثيرها الأعداء أعداء الدين بنحو يجنب الأمة التشكيك والشبهات .

فمن ذلك انه وَفَدَ أحد الأساقفة علَى الثاني لأَجْلِ أَدَائِهِ الْجِزْيَةَ فَدَعَاهُ إِلَى الإِسْلامِ ، فَقَالَ لَهُ الأُسْقُفُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ لِلَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّماواتُ و الأَرْضُ فَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ قَالَ: فَسَكَتَ الثاني و لَمْ يَرُدَّ جَوَاباً ، قَالَ فَقَالَ لَهُ الْجَمَاعَةُ الْحَاضِرُونَ أَجِبْهُ يَا أَمِير حَتَّى لا يُطْعَنَ فِي الإِسْلامِ ، قَالَ: فَأَطْرَقَ خَجِلاً مِنَ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرِينَ سَاعَةً لا يَرُدُّ جَوَاباً فَإِذَا بِبَابِ الْمَسْجِدِ عَيْبَةُ عِلْمِ النُّبُوَّةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) قَدْ دَخَلَ ، قَالَ فَضَجَّ النَّاسُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ، قَالَ: فَقَامَ الثاني والْجَمَاعَةُ عَلَى أَقْدَامِهِمْ و قَالَ يَا مَوْلايَ أَيْنَ كُنْتَ عَنْ هَذَا الأُسْقُفِ الَّذِي قَدْ عَلانَا مِنْهُ الْكَلامُ أَخْبِرْهُ يَا مَوْلايَ بِالْعَجَلِ إِنَّهُ يُرِيدُ الإِسْلامَ فَأَنْتَ الْبَدْرُ التَّمَامُ و مِصْبَاحُ الظَّلامِ و ابْنُ عَمِّ رَسُولِ الأَنَامِ ، فَقَالَ: الإِمَامُ (عليه السلام) مَا تَقُولُ يَا أُسْقُفُ ، قَالَ: يَا فَتَى أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ الْجَنَّةَ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الأَرْضُ فَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ ، قَالَ: لَهُ الإِمَامُ (عليه السلام) إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ أَيْنَ يَكُونُ النَّهَارُ ، ثم انه بعد أن سأل  مسائله الست قال الأُسْقُفُ للإمام (عليه السلام) مُدَّ يَدَكَ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ‏ وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ و أَنَّكَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ و وَصِيُّ رَسُولِهِ و أَنَّ هَذَا الْجَالِسَ الْغَلِيظَ الْكَفَلِ الْمُحْبَنْطِئَ (بيان المحبنطئ الممتلئ غيظاً)  لَيْسَ هُوَ لِهَذَا الْمَكَانِ بِأَهْلٍ و إِنَّمَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَتَبَسَّمَ الإِمَامُ عَلَيْهِ السَّلامُ .

الرابع: يصون الدين من التحريف والدسّ والتزوير

ويكفينا في بيان هذه الوظائف أن نلقي نظرة على كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله) .

ميلاد الإمام الحسن (عليه السلام) وسيرته الذاتية والاجتماعية

ولد الإمام الحسن (عليه السلام) بالمدينة في السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة(1) ليلة النصف من شهر رمضان .

فيكون عمر النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله) سبع وخمسين  فإذا كانت وفاة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) في السنة العاشرة فيكون قد عاش في كنفه ستة سنوات وأشهر تقريباً.

وعمر أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ولادته تسع وعشرين سنة تقريباً وعاش في كنف أبيه المرتضى (عليه السلام) سبع وثلاثين سنة تقريباً.

والمشهور أنّ عمره الشريف سبع وأربعين سنة فيكون قد عاش بعد أبيه عشر سنوات .

وعاش مع أخيه الإمام الحسين تقريباً ستة وأربعين سنة وأشهر على الخلاف في مدّة الحمل بينهما. روى ابن الخشاب (رحمه الله) عن الصادق والباقر (عليهما السلام) قالا: مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) و هو ابن سبع و أربعين سنة وكان بينه وبين أخيه الحسين (عليه السلام) مدّة الحمل وكان حمل أبي عبد الله ستة أشهر و لم يولد مولود لستة أشهر فعاش غير الحسين وعيسى ابن مريم (عليه السلام) فأقام أبو محمد مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبع سنين وأقام مع أبيه بعد وفاة جده ثلاثين سنة وأقام بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) عشر سنين فكان عمره سبعاً و أربعين سنة فهذا اختلافهم في عمره.

فيكون قد عاصر الأدوار المهمّة في عصر النبوة وهي من السنة الثالثة للهجرة النبوية إلى السنة العاشرة، وهذه الحقبة الزمنية من ولادته المباركة إلى سنّ السابعة والثلاثين مليئة بالإحداث نذكر بعضها. ففي السنة الرابعة من عمره المبارك فتحت خيبر وفي السنة الخامسة من عمره الشريف حدثت واقعة مؤتة وفتحت مكة وغيرها من الوقائع والأحداث وعاصر دور النبوة وعصر نشر الإسلام وعاصر منعة الإسلام وعاصر قوّة الإسلام في بقاع الأرض وعصر التشريع. ومن أهمّ الوقائع التي سجّلها لنا التاريخ الخاص والعام هي مباهلة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لنصارى نجران، فقد بآهل الني (صلّى الله عليه وآله) وكان حين غدا معه الإمام الحسن والإمام الحسين وأمير المؤمنين والصدّيقة فاطمة الزهراء (عليهما السلام) كان عمره الشريف حينذاك سبع سنوات. وحينما نقرأ هذا الحدث بتأمل فسينكشف لنا دور الإمام الحسن (عليه السلام) المباشر في نصرة الدين الإسلامي وإعلاء كلمته منذ نعومة أظفاره .

وهكذا عاصر الوقائع والأحداث التي وقعت في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) ودور خلافته لرسول الله (صلّى الله عليه وآله).

واما فضائله وكملاته فمنها نفسية ومنها بدنية، ونحن نتعرض لبعضها:

الأول: في اختصاصاته

فقد روي عن النَّبِيّ (صلّى الله عليه وآله) انّه قال لِلْحَسَنِ (عليه السلام): أَشْبَهْتَ خَلْقِي وخُلُقِي‏.

وروي أن فاطمة (عليها السلام) أتت بابنيها الحسن والحسين (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شكواه التي توفي فيها ، فقالت:  يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً، فقال: أمّا الحسن فإنّ له هديي و سؤددي وأمّا الحسين فإنّ له جودي و شجاعتي.

الثاني: كثرة جوده وسخائه

قِيلَ وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَقَالَ: يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي مَا تَلِيهَا مِنْهُ بِشَفِيعٍ مِنْكَ إِلَيْهِ بَلْ إِنْعَاماً مِنْهُ عَلَيْكَ إِلا مَا أَنْصَفْتَنِي مِنْ خَصْمِي فَإِنَّهُ غَشُومٌ ظَلُومٌ لا يُوَقِّرُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ ولا يَرْحَمُ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ ، وكَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالِساً وقَالَ لَهُ: مَنْ خَصْمُكَ حَتَّى أَنْتَصِفَ لَكَ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ: الْفَقْرُ ، فَأَطْرَقَ (عليه السلام) سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى خَادِمِهِ وقَالَ لَهُ: أَحْضِرْ مَا عِنْدَكَ مِنْ مَوْجُودٍ ، فَأَحْضَرَ خَمْسَةَ آلافِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: بِحَقِّ هَذِهِ الأَقْسَامِ الَّتِي أَقْسَمْتَ بِهَا عَلَيَّ مَتَى أَتَاكَ خَصْمُكَ جَائِراً إِلا مَا أَتَيْتَنِي مِنْهُ مُتَظَلِّماً .

الثالث: زهده وعبادته

فكان (عليه السلام) من أعبد أهل زمانه.

فعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (عليه السلام) حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ (عليه السلام) أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ و أَزْهَدَهُمْ و أَفْضَلَهُمْ و كَانَ إِذَا حَجَّ حَجَّ مَاشِياً و رُبَّمَا مَشَى حَافِياً و كَانَ إِذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ بَكَى و إِذَا ذَكَرَ الْقَبْرَ بَكَى و إِذَا ذَكَرَ الْبَعْثَ و النُّشُورَ بَكَى و إِذَا ذَكَرَ الْمَمَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ بَكَى و إِذَا ذَكَرَ الْعَرْضَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ شَهَقَ شَهْقَةً يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْهَا و كَانَ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ وكَانَ إِذَا ذَكَرَ الْجَنَّةَ و النَّارَ اضْطَرَبَ اضْطِرَابَ السَّلِيمِ و سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ و تَعَوَّذَ بِهِ مِنَ النَّارِ وكَانَ (عليه السلام) لا يَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِلا قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ و لَمْ يُرَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ إِلا ذَاكِراً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وكَانَ أَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً وأَفْصَحَهُمْ مَنْطِقاً.

الرابع: جهاده

فهو سفير الإمام  أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة في حربه لأهل الجمل.

وفي المناقب لابن شهر آشوب‏ أن أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ دعا مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ الْجَمَلِ فَأَعْطَاهُ رُمْحَهُ و قَالَ لَهُ: اقْصِدْ بِهَذَا الرُّمْحِ قَصْدَ الْجَمَلِ ، فَذَهَبَ فَمَنَعُوهُ بَنُو ضَبَّةَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى وَالِدِهِ انْتَزَعَ الإمام الْحَسَنُ (عليه السلام) رُمْحَهُ مِنْ يَدِهِ و قَصَدَ قَصْدَ الْجَمَلِ و طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ و رَجَعَ إِلَى وَالِدِهِ و عَلَى رُمْحِهِ أَثَرُ الدَّمِ فَتَمَغَّرَ وَجْهُ مُحَمَّدٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: لا تَأْنَفْ فَإِنَّهُ ابْنُ النَّبِيِّ و أَنْتَ ابْنُ عَلِيٍّ .

وقد نقل المؤرّخون أنّ للإمام الحسن الدور الفعّال والبارز في حرب صفين، فإنّ الإمام أمير المؤمنين عندما نظّم صفوف الجيش جعل الإمام الحسن (عليه السلام) أحد قادته على ميمنة الجيش.

الخامس: توج شجاعته بحلمه و بحسن خلقه، كيف لا ؟ وهو سليل النبوة ومن تلك الشجرة المباركة

فمِنْ حِلْمِهِ مَا رَوَى الْمُبَرَّدُ وغيره، أَنَّ شَامِيّاً رَآهُ رَاكِباً فَجَعَلَ يَلْعَنُهُ و الْحَسَنُ لا يَرُدُّ فَلَمَّا فَرَغَ ، أَقْبَلَ الْحَسَنُ (عليه السلام) فَسَلَّمَ عَلَيْهِ و ضَحِكَ ، فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ أَظُنُّكَ غَرِيباً و لَعَلَّكَ شَبَّهْتَ فَلَوِ اسْتَعْتَبْتَنَا أَعْتَبْنَاكَ (بيان: تقول استعتبته فأعتبني، أي: استرضيته فأرضاني) ولَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ و لَوِ اسْتَرْشَدْتَنَا أَرْشَدْنَاكَ و لَوِ اسْتَحْمَلْتَنَا أَحْمَلْنَاكَ و إِنْ كُنْتَ جَائِعاً أَشْبَعْنَاكَ و إِنْ كُنْتَ عُرْيَاناً كَسَوْنَاكَ و إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجاً أَغْنَيْنَاكَ و إِنْ كُنْتَ طَرِيداً آوَيْنَاكَ و إِنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ قَضَيْنَاهَا لَكَ فَلَوْ حَرَّكْتَ رَحْلَكَ إِلَيْنَا و كُنْتَ ضَيْفَنَا إِلَى وَقْتِ ارْتِحَالِكَ كَانَ أَعْوَدَ عَلَيْكَ لأَنَّ لَنَا مَوْضِعاً رَحْباً و جَاهاً عَرِيضاً و مَالاً كَثِيراً ، فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ كَلامَهُ بَكَى ثُمَّ ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ و كُنْتَ أَنْتَ و أَبُوكَ أَبْغَضَ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ و الآنَ أَنْتَ أَحَبُّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ و حَوَّلَ رَحْلَهُ إِلَيْهِ و كَانَ ضَيْفَهُ إِلَى أَنِ ارْتَحَلَ و صَارَ مُعْتَقِداً لِمَحَبَّتِهِمْ .

النقطة الثالثة: القرآن. في المأثورات عن الإمام الحسن (عليه السلام)

منها: قوله (عليه السلام):  مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كَانَتْ لَهُ دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ إِمَّا مُعَجَّلَةٌ وَ إِمَّا مُؤَجَّلَةٌ.(2)

ومنها: ما روي عن َالامامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام): إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَصَابِيحُ النُّورِ وشِفَاءُ الصُّدُورِ فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ و لْيُلْجِمِ الصِّفَةَ فِكْرَهُ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ.(3)

ففي هذه الرواية يشير الإمام (عليه السلام) إلى ما عليه القرآن من عظمة ويدعو إلى مدارسته والتفكر فيه حتى ندرك معانيه وأسراره ونصل إلى حقائقه ونبلغها وذلك بجلاَء البَصيرَةُ وبصقل قلبه ولْيُلْجِمِ الصِّفَةَ (لجم: شدّ، أي: وليشد) فِكْرَهُ ، فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ بمعنى أنّ التفكّر سبب لحياة العالم والفطن،  فإنّ الإنسان الفطن لابد له من النور الظاهري إذا أراد المشي في الظلمات كذلك إذا أراد السير الأخروي والنور إلى هذا الطريق هو القرآن الكريم .

وفي الختام ندعو الله سبحانه أن يحسن لنا العاقبة وأن يثبّتنا على ولاية الأئمة الأطهار من آل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) والمتمسّكين بحبلهم إنّه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ــــــــــــــــــ

1 - وعلى قول: إنّ ولادته المباركة كانت في السنة الثانية للهجرة النبوية .

2 - مستدرك ‏الوسائل ج: 4 ص: 261

3 - بحار الأنوار ج: 89 ص: 33


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1352
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24