• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : اللقاءات والأخبار .
              • القسم الفرعي : لقاء مع حملة القرآن الكريم .
                    • الموضوع : لقاء مع الحافظ أحمد العبد الله .

لقاء مع الحافظ أحمد العبد الله

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

 

اجری الحوار: السيد عبدالرحيم التهامي.

دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم

 يواصل الموقع الالكتروني التابع لدار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم إجراء سلسلة من الحوارات القرآنية مع أساتذة الدار وطلبتها ومع نخبة من قرّاء و حفاظ العالم الإسلامي.

وتبرز اهميّة هذه الحوارات القرآنية في أنّها تقدم إضاءات وافية على تجارب الحفّاظ وتقرّب مسيرتهم القرآنية للقارئ الكريم، والذي سيجد فيها نماذج جديرة بالاقتداء، خاصّة وأنّ الجيل القرآني المنشود قد يرى في تجارب هؤلاء الحفّاظ والقرّاء ما يشجّعه على الانضمام إلى هذه المسيرة القرآنية المباركة.

كما أنّ الحوارات المخصّصة لأساتذة الدار من شأنها أن تسهم ـ بلا أدنى شك ـ في الكشف عمّا تراكم من خبرة في أساليب التحفيظ والمناهج الدراسية المعتمدة في دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم والتي بدأت تسجّل حضوراً ملفتاً على الساحة القرآنية، سواءً من خلال الدور التأطيري الذي تضطلع به ، أم بالنظر للإنجاز المشرّف الذي يحرزه طلابها في مختلف المسابقات القرآنية.

 

لقاء مع الحافظ أحمد العبد الله

نبذة عن حياة الحافظ الشيخ أحمد العبد الله الراضي

س: هل لك أن تعرّفنا على هويتك الشخصية؟

ج: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين. أنا احمد حسين الراضي العبد الله ولدت في أسرة مفعمة بحبّ القرآن الكريم سنة 1413هـ بمنطقة الأحساء في مدينة العمران.

س: متى بدأتم بحفظ القرآن الكريم ومن شجّعكم في ذلك؟

ج: عندما أنهيت الصف الثالث المتوسّط وكان لي من العمر آنذاك 15 سنة، قرّرت السفر إلى مدينة قم المقدّسة لدراسة العلوم الإسلامية وكان ذلك في صيف 1428هـ. . وبما أنني لم تكن عندي خلفية عن وضع الدراسة، تكفّل بي بعض الإخوة وأخذت بإرشادات الوالد باعتبار تجربته الشخصية في مجال الدراسة والتدريس وبما ينتفع به طالب العلم، فاقترح عليّ في البداية حفظ القرآن لأنه كان قد خاض مضمار حفظ القرآن وأتمّه في سنين خلت فكانت عنده بعض التجارب، فأخذت بقوله. ولا أخفي أنّه كان ينتابني شيء من الخوف ولكن تحقيق الحلم الذي طالما يخطر على بالي كان قد أخذ القسط الأوفر من تفكيري فكان المشجّع الأوّل لي هو والدي، وثانياً شعور والدتي بالفرح تجاهي، فأخذني أخي الذي كان أيضاً من حفّاظ القرآن إلى‌ جامعة‌ القرآن الكريم التابعة للسيد محمد مهدي الطباطبايي والد السيد محمد حسين (الطفل المعجزة) فأحببت أن أخوض في الحفظ على نحو التخصّص لا على نحو الدراسة الجانبية، بمعنى أن لا أنشغل بشيء سوى ‌حفظ القرآن وما يرتبط به، واخترت قسم حفظ القرآن فحفظته على‌ مدى عامين كاملين من دون تعطيل سوى أيام الجمعة، وكنت أحفظ في اليوم صفحة واحدة من المصحف الشريف، وإذا طرأت تعطيلات قهرية كنت أجبر ما نقص من حفظي في الأيام التالية.

وأتذكر أني عندما نزلت إلى البلاد لتجديد جوازي كان الحفظ مستمراً في الجامعة، فخفت من نقصان حفظي عندها التزمت بالحفظ يومياً، ولذلك كنت لا أرى الأصدقاء إلا نادراً وبحمد الله ولطفه أن منّ عليّ بحفظ كتابه بعد مرور سنتين عشتها برفقة الأصدقاء بالأنس مع القرآن.

س: كيف كان الجوّ القرآني والروحي في تلك الأيام؟

ج: كانت أياماً تنوّر القلب وتصقله لنيل سعادة من نوع آخر وتهيئ النفس للنظر إلى المستقبل بشكل أوضح وكأنّ القرآن يعطي الزاد ويمدّك بما تحتاجه لإختيار الطريق.

إنّ العيش في مفاهيم وتعاليم القرآن كافية لتبيّن صغر الكتب أمام هذا الكتاب الذي يقول سبحانه وتعالى‌ عنه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وينبّئك عن حقارة هذا المخلوق الذي كانت بدايته نطفة قذرة ثمّ ينتهي إلى‌ جيفة تُدسّ في التراب أمام عظمة الخالق الذي يقول عن نفسه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا}، وكم هي عظيمة نعمة فهم القرآن وبالخصوص لجيل الشباب المتعطش؛ لأنّ القرآن عاصفة تضرب في النفس فتغيّر مسارها 180 درجة. فالحفظ إنّما هو طريق للعيش مع القرآن وليس مطلوباً بالذات للتفاخر والتباهي به.

نسأل الله أن يجعلنا ممّن يأنس بالقرآن عند الضياع والتيه في مختلف ألوان الحياة.

س: حبّذا لو أطلعتمونا عن برنامجكم اليومي في الجامعة وخارجها؟

ج: كان برنامجي يبدأ تقريباً من الساعة السادسة صباحاً، حيث كنت أراجع ما حفظته في اليوم السابق إلى حين الساعة السابعة، ومن الساعة السابعة يبدأ برنامج الجامعة إلى الساعة الثانية عشر فكنت خلال تلك الفترة والأصدقاء الذين كان يبلغ عددهم في بداية العام 15 شخصاً تقريباً، نسمع ما حفظناه في البيت على يد الأستاذ المتخصّص في التحفيظ وما يرتبط به من مراجعة الدروس الماضية، وأكثر ما يكون ذلك في الساعتين الأوليين فيما يرتبط بالصفحات الاثنتى عشر الأخيرة فكنّا نتباحث فيها لنتقنها.

وفي الساعتين الباقيتين، أي: من العاشرة إلى الثانية عشر، يأتي أستاذ آخر مرتبط بالمراجعة فقط للمحفوظات السابقة ويقرأ لنا التواشيح القرآنية وكان يركز على المباحثة وفي آخر الدوام يعمل لنا مسابقات لكسر حاجز الخوف في أنفسنا.

وأمّا ما يرتبط بخارج الجامعة، فقد كان لي برنامج خاص أنا وأحد الأصدقاء؛ حيث كنّا نلتقي من الساعة الثالثة ظهراً ونبدأ بالمباحثة بأن يُلقي عليّ ما حفظ وأنا ألقي عليه ما حفظت وكان ذلك في حرم السيدة المعصومة(عليها السلام)، وكانت الجلسة تطول بنا إلى شطر من اللّيل، فإذا أحسسنا بالتعب استمعنا إلى القراءات التحقيقية وبعض أساتذة الترتيل ثمّ عاودنا المراجعة الفردية أو الثنائية، وغالباً ما كنت أحفظ قبل النوم.

س: هل كنتم تستمعون للقرآن بشكل يومي؟

ج: نعم، فقد كان استماعنا للقرآن شبه يومي، وكان ذلك امتثالاً لنصيحة الأستاذ لأنّه يؤثّر على‌ تثبيت الحفظ وعلى‌ فصاحة اللّسان والتجويد ومعرفة أنواع الألحان، مثل: البيات والنهاوند والحجاز وغيرها؛ حيث كنّا نطبّقها عملياً أكثر من حفظها نظرياً، وكان الأستاذ ينصحنا بالاستماع إلى القارئ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي الذي انتفعت به كثيراً من ناحية‌ التجويد والصوت واللّحن وغيرها وأكثر ما جذبني إلى‌ قراءة المنشاوي صوته الشجي عند مروره على‌ بعض آيات الآخرة، فصوته الحزين كان يترنّم في مسامع أغلب حفاظ القرآن في إيران.

س: من هم أهم أساتذتك الذين حفظت القرآن عندهم؟

ج: كان الأستاذ في مجال المراجعة في الجامعة هو أستاذي العزيز القارئ الحافظ السيد مهدي الحسيني، فقد تعلّمت منه في سنتين تجربة سنوات باعتبار كونه ذا تجربة في مجال المراجعة والحفظ وغيرها من المجالات القرآنية، ولم تكن علاقتي بالأستاذ محصورة في الجامعة،‌ بل امتدت إلى‌ الصحبة والأنس، فالأستاذ له قدرة ومنزلة بين الحفّاظ وقد صدر له أخيراً كتاب في مجال التحفيظ سطّر فيه خبرات سنين طوال في مجال التحفيظ والمراجعة، وأخذ يسافر إلى البلدان الإسلامية لتدريس القرآن وما يرتبط به.

وأمّا أستاذي في مجال الحفظ فهو في غنيٌّ عن التعريف فإنّه أعظم من أن أعرّفه أنا، وهو أستاذي العظيم القارئ الحافظ الشيخ أحمد الدباغ، ولا أبالغ في حديثي عنه إن قلت إنّه أفضل حافظ بلا منازع في العالم الإسلامي، فقد أخذ من الجوائز والشهادات الدولية ما فيه الكفاية وقد أحرز المركز الأول عدّة مرّات على‌ مستوى‌ إيران والدول الأخرى وذلك في بداية العشرينات من عمره، ولا أريد أن أتحدّث عن صفاته ورقّة قلبه تجاه تلامذته وصفاته الأخلاقية هنا؛ بل سأتحدّث عن كونه أستاذاً ذكياً قديراً، فهو يقرأ القراءات التحقيقية وكأنّه مصري المنشأ، ويتلو القرآن تلاوة عذبة بصوته الجميل، وهو فنان من الطراز الأول في تقليد الأصوات والألحان ويحفظ القرآن بصفحاته وأرقام آياته، وكان في أيام حفظنا عنده يلقي علينا تفسير الآيات التي نحفظها ولكن بصورة متقطعة باعتبار أن تخصّصنا هو الحفظ، وبالإضافة إلى ذلك استفدت منه كثيراً في مجال الأصوات والألحان والتجويد وأكثر استفادتي منه كانت في طرق التحفيظ وكيفية مراجعة القرآن، ولم يقصّر في حقّي وحقّ صديقي الأخ العزيز علي وفائي في أيامنا الأخيرة لكوننا نحن الأثنان فقط مَن أتمّ حفظ القرآن من الدورة التي كانت على يد الأستاذ أحمد الدباغ والسيد مهدي الحسيني، وإن كان بعض الأصحاب قد حفظ القرآن في مكان آخر بعد خروجه من الجامعة.

وكان أستاذي السيد مهدي يشجّعني على‌ المداومة‌ والثبات في الحفظ، وكان الأستاذ أحمد الدباغ يغذّينا ويربّينا التربية القرآنية، فوجوده كان يمثّل لي الأساس في عدم التفكير بترك مجال حفظ القرآن.

وأشكر الله على‌ ما وفّقني للحفظ عند أساتذة أكفّاء حبّبوا إليّ القرآن وسأظلّ أشكرهم كلّما ذكرتهم طوال حياتي.

س: هل شاركت في مسابقات حفّاظ القرآن؟ وأين كانت؟

ج: نعم، شاركت في مسابقات كانت تقيمها مؤسسة نهج البلاغة التابعة‌ لوالد الحافظ رضا زاده، وإن كانت في حدّ ذاتها صغيرة ‌إلا أنها كانت مفيدة‌ جدّاً. كما أنّ جامعة‌ القرآن كانت تقيم مسابقات في نفس الجامعة‌ فشاركت فيها أنا والأصدقاء كما أنها كانت و لا زالت تقيم المسابقة‌ السنوية لجميع جامعات القرآن التابعة‌ للسيد الطباطبائي في إيران؛ حيث كانت المستويات الثلاثة الأولى‌ عشرة أجزاء والثانية عشرين جزءاً والثالثة كلّ القرآن، وباعتبار أنني كنت في بداية ‌الحفظ فقد شاركت في العشرة أجزاء الأولى وكانت في مدينة ‌(أراك)، وشاركت مرّة مع مؤسسة نهج البلاغة في مدينة‌ (أردبيل) لمدّة‌ أسبوع واحد في مسابقتها السنوية، فانتفعت بها في كسر الحواجز والتحفيز للمداومة في الحفظ وإتمامه.

س: هل حصلت على شهادات معتبرة في حفظ القرآن؟

ج: كانت تعطى شهادات للحفّاظ من قبل مؤسسات، أي: بإمكان الحافظ أخذ الشهادة بعد الإمتحان الذي يقدّمه، ولكني اقتصرت على‌ شهادات جامعة القرآن فأخذت شهادة خاصة في العشرة الأجزاء‌ الأولى، وشهادة أخرى في العشرين جزءاً، وشهادة لحفظ القرآن كاملاً.

وتوجد الشهادة الأخيرة والمعتبرة المدوّنة بثلاث لغات؛ العربية والفارسية والأنجليزية، وكان معدّلي فيها: 75/19 من 20. وأجرت لي جامعة ‌المصطفى العالمية عدة امتحانات لكي أقبل فيها كطالب من حفاظ القرآن تمنح له بعض الامتيازات.

س: ما هي الفوائد التي وجدتموها أثناء حفظكم للقرآن الكريم وبعده؟

ج: إنّ فوائد حفظ القرآن منها ما هو مرتبط بالآخرة ومنها ما هو مرتبط بالحياة‌ الدنيوية وسأقتصر على الثاني باعتباره ملموساً لدينا. وأيضاً باعتبار أنّ لكل حافظ تجربته الخاصة في حفظ القرآن فسأقتصر على‌ ما لمسته بنفسي في المسيرة الحفظية‌، أمّا من الناحية الروحية فلا يخفى على‌ أحد أن من ينظر إلى ‌الحلوى ليس كمن يتذوّقها، فكذلك تأثير اللّفظ على النفس هو من قبيل من يتذوّق ويشعر به، لا من يدرك ويعلم التأثير، فهو من قبيل العلم الحضوري لا العلم الحصولي، وهذا طبعاً يحصل بالأنس مع القرآن فلا يكفي مجرّد الحفظ فحصول الارتباط بل حفظ القرآن إنما هي وسيلة لتطهير وصفاء الروح لا لتطهير قطعة من اللّحم تسمّى بـ (اللسان). أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممّن ينظر إلى الغاية من حفظ القرآن الكريم وأن يشعرنا دوام الإخلاص والصدق في النية؛ لأن طريق حفظ القرآن يحتاج إلى‌ إبعاد الشوائب من قبيل الرياء والتكبّر وحبّ الظهور التي هي من أكبر الموانع في عدم توفيقنا لحفظ الكتاب العزيز. وأمّا من الناحية الذهنية فهذا ليس بغريب أن يحصل تغيير لدى الذاكرة بعد تمرينها لحفظ آلاف الكلمات، فيكون الحفظ لدى الشخص من الأمور العادية بعد حفظه للكتاب العزيز وكذلك في الاستذكار باعتبار كثرة استذكاره للآيات، فتكون هناك قوّة في الحفظ وقوّة في الاستذكار بشكل عام لا بخصوص حفظ الآيات القرآنية ويستفيد الحافظ كثيراً من ألفاظ القرآن، فيستطيع أن يوصل المعنى بأكثر من لفظ باعتبار المخزون الهائل من الألفاظ العربية، ‌ويقال إن الحافظ بإمكانه أن يصبح شاعراً، أي: لا يصعب عليه ذلك، وأيضاً إنّ حفظ القرآن يجعل اللّسان فصيحاً ينطق الألفاظ العربية بكل سهولة بلا تكلّف وقد ذكر بعض الأطباء أن من يقرأ القرآن بشكل مستمر تحصل له هذه الأمور.

وهناك بعض الأمور التي يلمسها الحافظ في نفسه من قبيل عدم الشعور بالتوتر والإضطراب والشعور بالإتزان النفسي؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} والشعور بالإطمئنان والراحة النفسية تبعد كل هذه الأمور التي تذبذب النفس، وهناك بعض الأمور لا يتسع المجال لذكرها.

س: ما هو المقدار الزمني الكافي لحفظ القرآن بنظركم؟

ج: ليس من الفخر أن يقول الحافظ أني حفظت القرآن في ستة أشهر مثلاً، وليس من العيب أن يقول أني حفظت القرآن في ست سنوات، إذ ربما يكون حفظ هذه السنوات الست أفضل بعشرات المرات من حفظ الستة أشهر، وكذلك العكس. ثمّ إنه يوجد تفاوت في الإستعدادات من حيث المقدرة على الحفظ السريع عند بعض الاشخاص وعدم مقدرة ‌البعض الآخر، ومن جهة أخرى إنّ المقدار الزمني ربّما يؤثر على‌ روحية الشخص وربّما لا يؤثر، فالبعض غرضه الإتقان والتثبيت في حفظه من دون أن ينظر إلى الزمن، وبعضهم يحدّد الزمن لكي يكون له محفّزاً في مواصلة الطريق، فعلى‌ كل شخص أن ينظر إلى حاله تجاه حفظ القرآن من أي الأصناف هو؛ هل هو ممّن يحبّ الإلتقان في الوقت القصير أم في الوقت الطويل؟ وهل هو من الأشخاص الذين يتملّلون من طول الوقت وقد يؤدي به إلى‌ ترك الحفظ؟ فالمسألة ليست ثابتة وإنما فيها شيء من المدّ والجزر، ونصيحتي إلى كل من أراد حفظ القرآن هو أن لا يستعجل بالمقدار الذي لو ترك القرآن شهراً فكأنّما تركه دهراً؛ بل يجب على كل شخص أن يحفظ المقدار المعيّن ولا ينتقل إلى غيره حتى يطمئن من حفظه السابق وإن طال به الزمن، وعن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): أنّه قال (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (قيمة كل أمرء ما يحسنه) ومشكلتنا هي العجلة وعدم التأنّي {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: 11]. وممّا رأيته بنفسي أنّ هناك بعض الأشخاص كان يقطع حفظه بسبب التقصير والإهمال في الحفظ السابق؛ لأنّه يشعر بالكذب على نفسه عندما يقول أني حافظ وهو ليس كذلك، وهذه نصيحة لنفسي قبل غيري. وكذلك هناك بعض ما تقدّمه مراكز حفظ القرآن الكريم في زمن محدّد كسنة أو سنتين أو ثلاث فهذه الأزمنة جيدة لمن يدرك طبيعته الشخصية في الحفظ وكم هو يحتاج من وقت، وأكتفي بهذا المقدار؛ لأنه من أكثر في الجواب خفي الصواب على ‌قول الأمير (سلام الله عليه).

س: ما هي الأمور التي تساعد على حفظ القرآن وتهيّئ الجوّ المناسب له؟

ج: توجد أمور كثيرة أذكر أهمها على نحو الإختصار:

1ـ وجود الدافع الذاتي لحفظ القرآن لا أن يجبر الشخص على‌ الحفظ من قبل الوالدين أو المدرسة أو غيرها.

2ـ الإخلاص، فإنّه كثيراً ما يستهان به. فإذا لم تخلص في حفظك فإنه قد ينقطع ولأبسط الأشياء باعتبار أنه يحفظ وفي ذهنه غرض غير الله، فعندما يزول ذلك الغرض أو الهدف فإنّه سيتوقف لا محالة ‌إلا أنه يخاطب نفسه بأني لم أحفظ لكي يقال لي: حافظ، أو ليقول للآخرين: عندي ما ليس في جعبتكم، أو ليراني الناس ومن هذا القبيل.

3ـ وجود الأستاذ الحافظ القدير والناصح؛ لأنّ وظيفته حساسة ويجب أن يكون ممّن لم تشغله الأمور المادية أكثر من أن يخدم ويقدّم كل وسعه لأن يخرج حفّاظاً.

4ـ وجود الصاحب والصديق والملازم لك الذي يشجعك حيث تكسل، وتثابر حين تراه، ويحسسك أنك لست وحدك في الطريق بل إنّ معك من يمسك بيدك ويدلّك للوصول إلى نهاية الطريق.

5ـ خلق الجو القرآني لنفسه، فإن له من الفوائد التي لن ينساها طوال حياته، كأن يستمع للقراءات القرآنية التحقيقية أو لما يصدر القرّاء من ترتيل، ومن قبيل المشاركة في المسابقات وغيرها مما يحصل للشخص أنس وانجذاب نحو القرآن، ولا يجب أن يكون الجو موجوداً بل يستطيع هو إيجاده.

6ـ ترفيه النفس وإرضائها بالأمور المعللة من قبيل الرياضة والسفر إلى الأماكن الطبيعية؛ فيهب لنفسه بين الحين والآخر ما يرضيها بسبب حفظه مقداراً أكثر من السابق، وكل هذه الأمور هي ممّا لا مدخلية له في الحفظ وليست العلة والسبب التام فيه، فمن فقدها كلها فليوجد بعضها إن أمكن ومن وجدها كلّها فنور على نور.

وأكتفي بهذه الأمور باعتبار أنها تساعد الكثير في مسيرة حفظ القرآن الكريم.

 

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1345
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24