• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : الإمام المهديّ (عج) في القرآن الكريم ـ الحلقة الثانية .

الإمام المهديّ (عج) في القرآن الكريم ـ الحلقة الثانية

بقلم : سماحة الشيخ عبدالله الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين، محمّد وآله الميامين، واللعنة الدائمة على أعدائهم وظالميهم، ومنكري فضائلهم إلى يوم الدين، أمّا بعد:

الإمام المهديّ (عج) في القرآن الكريم

(الحلقة الثانية)

في الحلقة السابقة ذكرنا آيتين من الآيات التي تبشر بوعد الله الصادق، وبظهور الإمام المهديّ المنتظر(عج)، وبنصر الله عزّ وجل للمؤمنين، وجعلهم خلفاءه في الأرض، وهنا في هذه الحلقة نكمل إن شاء الله البحث بجملة من الآيات الأخرى:

الآية الأولى: قال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(1).

هذه الآية الشريفة أيضاً بشارة بالإمام المهديِّ المنتظر(عج)، فإنّها وعدٌ من الله أصدق الصادقين، مكتوب في الزبور، مستعملٌ بكلمة (لَقَدْ) التحقيقية وَ(أَنَّ) التأكيدية، دالة على أن الكرة الأرضية يرثها عبادُ الله الصالحون، عباده المنسوبون إليه.

جاء في تفسير التبيان لشيخ الطائفة الطوسي (ره)، عن أبي جعفر(ع)، قال: (إنَّ ذلك وعدٌ للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض)(2)، كما فَسَّر (ع) العباد الصالحون، بأنهم أصحاب الإمام المهديِّ (عج) حيث تنتقل الأرض إليهم، قال في مجمع البيان للشيخ الطبرسي (ره)، قال أبو جعفر الباقر (ع) (هم أصحاب المهديِّ (عج) في آخر الزمان)(3).

وجاء في بحار الأنوار للعلامة المولى محمّد باقر المجلسي (ره)، نقلاً عن كتاب جامع الفوائد وتأويل الآيات الطاهرة، بإسناده عن أبي الورد، عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال في قوله عزّ وجلّ {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} هم آل محمّد صلوات الله عليهم(4).

وفي المصدر السابق بإسناده عن أبي صادق قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عزّ وجلّ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} ؟ قال: نحن هم، قال: قلت {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}، قال: هم شيعتنا(5).

الآية الثانية: قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(6).

من البشارات بالإمام الحجة المنتظر(عج) هي هذه الآية الشريفة، والتي تكررت ثلاث مرات، ممّا يدل على أهمية الموضوع والاهتمام به(7).

وتبيّن هذه الآية الكريمة أنّ الإرادة الإلهية – والّتي لا تتخلَّف – قد تعلّقت بإظهار دين الإسلام على الدين كله، ومعنى ذلك أنّ الإسلام سوف يعلو ويغلب جميع الأديان الأخرى، حتىّ لا يبقى على وجه الأرض دينٌ غير الإسلام، إلاّ وكان مغلوباً مقهورا.

ومن المعلوم أنّه لم تتحقّق بعدُ هذه الغلبة على وجه البسيطة مع وجود هذه الأديان والمذاهب الباطلة، وإلاّ لم يبقَ على وجه الأرض لا يهودي ولا مسيحي ولا كافرٌ آخر، وإنّما تتحقّق الغلبة في عصر الظهور على يدي بقيّة الله الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، كما أخبرت به الأحاديث المعتبرة من طرق الخاصّة والعامّة، فمنها:

فعن أبي بصير – بسند صحيح – قال: قال أبو عبد الله (ع) في هذه الآية: (واللهِ ما نزل تأويلُها بعد، ولا ينزل تأويلها حتىّ يخرج القائم (عج)؛ فإذا خرج القائم لم يبق كافرٌ بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه، حتىّ لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني واقتله)(8).

وعن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي(ع) يقول: (القائم منَّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهِرُ الله عزّ وجلّ به دينه على الدين كلّه {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عُمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (ع) فيصلِّي خلفه)(9).

وعن سُماعة، عن الإمام الصادق (ع) في هذه الآية قال: (إذا خرج القائم لم يبقَ مشركٌ بالله العظيم ولا كافرٌ إلاّ كره خروجه)(10).

وورد عن النبيّ الأكرم (ص) أنّه قال (تُملأ الأرض من الإسلام، ويُسلب الكفار ملكُهم، ولا يكون ملك إلاّ الإسلام، وتكون الأرض كفاثور الفضة)(11).

الآية الثالثة: قال تعالى {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}(12).

وهذه الآية الشريفة ورد أيضاً تأويلُها ببقية الله المهديِّ (عج). وأنّها تبشّر بظهور الإمام (عج)، وذلك بظهور الحقّ وزهوق الباطل واضمحلاله وهلاكه، ومن الواضح والجليِّ للجميع أنّ المصداق الأتمَّ لزهوق الباطل والكفر وظهور الحقّ والإسلام هو في عصر الإمام المهديِّ (عج)، فقد أشارة روايات كثيرة إلى هذا التأويل والتفسير، منها:

جاء في تفسير الصافي للفيض الكاشاني، وتفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي، وتفسير الأمثل للشيخ مكارم الشيرازي، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر الباقر (ع) في قوله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}، قال: إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل(13).

وأيضاً ما قالته السيدة الجليلة حكيمة، في حديث ولادة الإمام (عج): (ولما ولد الإمام القائم كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}(14)، شاهدٌ على أن ظهور الإسلام وغلبته على الأديان الأخرى، يتحقق بظهور الإمام المهديّ الموعود (عج).

وقد أُحصِيت البشاراتُ الإلهيّة – في الكتب السماوية السابقة – بالإمام المهديِّ(عج)، كما جاء في كتاب إلزام الناصب(15)، بـ (36) بشارة؛ من  ذلك:

الأُولى: (يا إبراهيم، إنّا قد سمعنا دعاءك، وتضرّعك في إسماعيل، فباركت لك فيه، وسأرفع له مكاناً رفيعاً، ومقاماً عليّاً، وسأظهر منه اثني عشر نقيباً...، وستكون له أمّة عظيمة)(16).

الثانية: (وسيظهر في دولته حجّة، ويزيد العدل والقسط، إلى أن يزول القمر (أيّ يوم القيامة)، ويحكم من البحر إلى البحر، ومن الوادي إلى جميع ما على وجه البسيطة، وتنعطف له العالم،...)(17).

أقول: نكتفي بهذا المقدار من الآيات البينات الموؤلة بالإمام المهدي(عج)، والأحاديث الواردة حول تلك الآيات الشريفة، ولعمري لهي الحجة البينة لمن أراد الحق والرشاد، والتوفيق والسداد، قال تعالى في محكم التنزيل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}(18).

{وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

الهوامش :

ـــــــــــ

(1) الانبياء:105.

(2) التبيان:7/284.

(3) مجمع البيان:7/66: يقول الشيخ الطبرسي: ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبيّ (ص) أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلً صالحاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما قد ملئت ظلماً وجوراً)، وقد أورد الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتاب البعث والنشور أخباراً كثيرة في هذا المعنى...)، انتهى.

(4) بحار الأنوار:24/358.

(5) بحار الأنوار:24/358.

(6) التوبة:33.

(7) فقد جاءت هذه الآية في كلٍ من: التوبة:33، الفتح:28، الصف:9.

(8) تفسير كنز الدقائق:5/445، تفسير الميزان:9/255.

(9) كمال الدين:1/309، بحار الأنوار:52/191، الأنوار البهية:374.

(10) تفسير البرهان:1/420.

(11) الملاحم والفتن:173، قوله "فاثور الفضة" أيّ: الصفحة البيضاء النقية الفضية.

(12) الاسراء:81.

(13) التفسير الصافي:3/212، تفسير نور الثقلين:3/212، تفسير الأمثل:9/96.

(14) كمال الدين للصدوق:2/389.

(15) كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب:1/115.

(16) التوراة: سفر التكوين – الفصل 17 –  الآية 20.

(17) الزبور: السفر 71.

(18) ق:37

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=127
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 08 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29