• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : وفاة أبي طالب وإشراقات من حياته .

وفاة أبي طالب وإشراقات من حياته

بقلم : محمد أمين نجف

اسمه وكنيته ونسبه(رضي الله عنه)

أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي.

ولادته(رضي الله عنه)

ولد قبل ولادة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بخمس وثلاثين سنة.

أُمّه(رضي الله عنه)

السيّدة فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران.

زوجته وأولاده(رضي الله عنه)

تزوّج أبو طالب السيّدة فاطمة بنت أسد، وهو أوّل هاشمي يتزوّج بهاشمية، فولدت له أكبر أبناءه من الذكور (طالب) وبه يُكنّى، وعقيل، وجعفر، وعلي. ومن الإناث: أُمّ هاني واسمها فاخته، وجمانة، وكان له زوجات أُخر غير فاطمة بنت أسد.

كفالته للنبيّ(صلى الله عليه وآله)

مات عبد الله بن عبد المطلب والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حمل في بطن أمه، وحينما ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) تكفله جدّه عبد المطلب واسمه (شيبة الحمد) بن هاشم، ولما حضرة الوفاة عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحياطته وكفالته وكان عمره(صلى الله عليه وآله وسلم) ثماني سنين.ولم يكن أبو طالب أكبر إخوته سناً، ولا أكثرهم مالاً، ولكن عبد المطلب اختاره لما توسّمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأنه كان على فقره أنبل أخوته، وأكرمهم، وأعظمهم مكانة في قريش واجلّهم قدراً. فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام. وكان أبو طالب يحبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حبا شديداً، وفي بعض الأحيان إذا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي عبد الله، وكان عبد الله أخاه لأبويه. كما كان يفضله على أولاده ويحافظ عليه، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ولا يخرج إلا معه محافظة عليه، وكان يخصّه بالطعام، وكذلك كانت زوجته فاطمة بنت أسد، فيصبح رسول اله(صلى الله عليه وآله وسلم) كحيلاً دهيناً بينما أولادها رمصاً شعثاً.

واستسقى أبو طالب بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو صغير، فأقبل السحاب من هنا وهناك وأغدق فأخصبت الأرض. وفي ذلك يقول أبو طالب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه  ***  ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وبعد ما بعث النبيّ رحمة للعالمين كان أبو طالب هو الناصر الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمحامي عنه والمُـتحَمّـلُ لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فلم يصل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قومه سوء مدّة حياة أبي طالب.

حبّه للنبيّ(صلى الله عليه وآله)

كان أبو طالب يحبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حبّاً شديداً، وفي بعض الأحيان إذا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يبكي ويقول: «إذا رأيته ذكرت أخي»(1)، وكان عبد الله أخاه لأبويه.

حنوّه على النبيّ(صلى الله عليه وآله)

لمّا أدخلت قريش بني هاشم الشعب إلّا أبا لهب وأبا سفيان بن الحرث، فبقي القوم بالشعب ثلاثة سنين، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا أخذ مضجعه وعرف مكانه، جاءه أبو طالب فأنهضه عن فراشه وأضجع ابنه أمير المؤمنين(عليه السلام) مكانه.

فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) ذات ليلة: «يا أبتاه إنّي مقتول»، فقال:

اصبرن يا بني فالصبر أحجى ** كلّ حيّ مصيره لشعوب

قد بذلناك والبلاء شديد ** لفداء الحبيب وابن الحبيب

لفداء الأغرّ ذي الحسب الثاقب ** والباع والكريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل يُرمى ** فمصيب منها وغير مصيب

كلّ حيّ وإن تملي بعيش ** آخذ من خصالها بنصيب

فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام):

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ** و والله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنّني أحببت أن ترى نصرتي ** وتعلم إنّي لم أزل لك طائعا

وسعيي لوجه الله في نصر أحمد ** نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا(2).

حصار كفار قريش لبني هاشم في شعب أبي طالب:

ما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يصدع بما أمر، ويظهر دين الله على رؤوس الأشهاد … ذكر( صلى الله عليه وآله وسلم ) آلهة قريش وعابها، وعظم ذلك على قريش وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به السوء، فلم يتمكنوا من ذلك وسيد البطحاء ورئيس مكة حصنه وملاذه والمدافع عنه، فعند ذلك تنابذ القوم وثارت الأحقاد ونادى بعظهم بعضاً فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين تعذبهم وتفتنهم عن دينهم الجديد، وهمّت قريش بقتل رسول الله وأجمع ملأها على ذلك، وبلغ ذلك أبا طالب، فقال:

والله لن يصلوا إليـك بجمعهـم***حتى أغيّب في التراب دفينا

وَدَعْوَتني وزعَمتَ أنك ناصح***ولقد صدقت وكنت ثمَّ أمينا

وعرضت ديـناً قـد علمت بأنه***من خـيـر أديان البريّـة ديـنا

ولما علمت قريش إنهم لا يمكنهم الوصول إلى النبي محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبو طالب موجود ومن خلفه بنو هاشم، ضيّـقت الخناق على بني هاشم وذلك بمقاطعتهم وعدم المعاشرة والتعامل معهم، وتعاقدت على ذلك وكتبت صحيفتها السوداء الظالمة وختموها بثمانين خاتماً وعلّـقوها في الكعبة، وحينما رأى بنو هاشم هذا، انحازوا وبنو عبد المطلب فد خلوا كلهم مع أبي طالب في الشِعبْ فكانوا أربعين رجلا ما عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وذلك في بداية شهر محرّم(عام7 للبعثة).

وحصّن أبو طالب الشّعْب حفاظاً على من فيه، وكان يحرسه ويتفقده بنفسه يساعده أولاده بالليل والنهار، وضاق الأمر ببني هاشم، وعدموا القوت إلا ما كان يُحمَـل لهم سرّاً وخفية، وأنفقت خديجة مالها، كما أنفق أبو طالب ما لديه من مال، وكانوا لا يأمنون إلا بموسم العمرة والحج.

ثم كانت عاقبة الذين ظلموا … فشلّت يد كاتب الصحيفة ـ منصور بن عكرمة بن عامر ـ وبعث الله الأرضة على صحيفتهم الظالمة فأكلتها إلا اسم الله. وأعلمَ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عمّه أبو طالب بذلك; فذهب أبو طالب وأخبر قريش بعملهم الظالم وما سببوه من أذى وظلم وقطع للأرحام لبني هاشم وان الله لا يرضى بعملهم ولا يرضى به أي منصف، واستدلّ عليهم بصحيفتهم وما أخبره النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنها، فَبَهَتَ القوم، وجَـلبوا الصحيفة وفتحوها فكانت قد أكلتها الأرضة إلا اسم الله كما أخبرهم بذلك أبو طالب … فحينذاك دخل أبو طالب وأصحابه بين أستار الكعبة وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحلّ ما يحرم علينا، ثم انصرف إلى الشعب.

واختلفت قريش، وعلم البعض بالظلم الذي لحق ببني هاشم; فتعاقد هذا العدد القليل على نقض الصحيفة، ثم أقبلوا على الناس وزعماء قريش وأعلنوا نقضهم للصحيفة. وبين الأخذ والردّ في الكلام، مُزّقتْ الصحيفة التي كانت قد أكلتها الأرضة، فلما مُزّقتْ … خرج بنو هاشم من حصار الشعب. وذلك في نهاية شهر جمادي الآخرة وبداية رجب(عام 10 للبعثة) ـ على الأكثرـ.

إيمانه(رضي الله عنه)

لمّا بعث النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) إلى البشرية مبشّراً ومنذراً، صدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنّه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار، بل كتمه ليتمكّن من القيام بنصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومَن أسلم معه.

من الأدلّة على إيمانه(رضي الله عنه)

أ ـ روايات أهل البيت(عليهم السلام)، نذكر منها:

1ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «ما مات أبو طالب حتّى أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من نفسه الرضا»(3).

وواضح أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يرضى إلّا عن المؤمنين.

2ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف, أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين»(4).

3ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «كان والله أبو طالب بن عبد المطّلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تنابذها قريش»(5).

4ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ»، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: «كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسّكين به»(6).

5ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «نزل جبرئيل(عليه السلام) على النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلبٍ أنزلك، وبطنٍ حملك، وحجرٍ كفلك؛ فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب»(7).

6ـ عن محمّد بن يونس، عن أبيه، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «"يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب"؟ قلت: جُعلت فداك يقولون: هو في ضحضاحٍ من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أُمّ رأسه!

فقال: "كذب أعداء الله! إنّ أبا طالب من رفقاء النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا"»(8).

7ـ عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير قال: «قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في ضحضاحٍ من نار! فقال: "كذبوا، ما بهذا نزل جبرئيل على النبيّ(صلى الله عليه وآله)".

قلت: وبما نزل؟ قال: "أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرّتين، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من الله تعالى بالجنّة".

ثمّ قال(عليه السلام): "كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمّد، أخرج من مكّة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب"»؟(9).

8ـ عن أبي بصير ليث المرادي قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام): سيّدي، إنّ الناس يقولون: إنّ أبا طالب في ضحضاحٍ من نار يغلي منه دماغه!

فقال(عليه السلام): "كذبوا، والله إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم".

ثمّ قال: "كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحجّ عن أب النبيّ وأُمّه(صلى الله عليه وآله) وعن أبي طالب في حياته، ولقد أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم بعد مماته"»(10).

ب ـ وجود روايات عن الصحابة تثبت إسلامه(رضي الله عنه) ، بل إيمانه، منها:

1ـ عن حمّاد بن سلمة، عن العباس بن عبد المطّلب قال: قلت لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يا بن أخي، ما ترجو لأبي طالب عمّك؟ قال: "أرجو له رحمة من ربّي وكلّ خير"»(11).

2ـ ما رواه ابن عمر في إسلام أبي قحافة يوم الفتح بقول أبي بكر: «والذي بعثك بالحقّ لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلامه»(12).

ج ـ إجماع علماء مذهب الشيعة على إسلامه, بل إيمانه، وإجماعهم هذا حجّة، وقد وافقهم على إسلامه(رضي الله عنه) من علماء السنّة جماعة ، لكن عاقّهم على خلاف ذلك.

وقد وافق أكثر الزيدية الشيعة على إسلامه(رضي الله عنه)، وبعض من شيوخ المعتزلة، وجماعة من الصوفية، وغيرهم.

د ـ أشعاره(رضي الله عنه) التي تنبئ عن إسلامه، والتي يقول عنها ابن أبي الحديد المعتزلي: إنّ كلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر من حيث مجموعها.

ونحن نذكر هنا أحد عشر شاهداً من شعره، وهي:

1ـ ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً ** نبيّاً كموسى خطّ في أوّل الكتبِ

2ـ نبيّ أتاه الوحي من عند ربّه ** ومن قال لا يقرع بها سنّ نادمِ

3ـ يا شاهد الله عليّ فاشهدِ ** إنّي على دين النبيّ أحمدِ

4ـ يا شاهد الوحي من عند ربّه ** إنّي على دين النبيّ أحمد

5ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه ** عليك نزل من ذي العزّة الكتب

6ـ بظلم نبيّ جاء يدعو إلى الهدى ** وأمر أتى من عند ذي العرش قيم

7ـ لقد أكرم الله النبيّ محمّداً ** فأكرم خلق الله في الناس أحمد

8ـ وخير بني هاشم أحمد ** رسول الإله على فترة

9ـ والله لا أخذل النبيّ ولا ** يخذله من بني ذو حسب

10ـ قال(رضي الله عنه) يخاطب ملك الحبشة ويدعوه إلى الإسلام:

أتعلم ملك الحسن أنّ محمّداً ** نبيّاً كموسى والمسيح ابن مريم

أتى بالهدى مثل الذي أتيا به ** فكلّ بأمر الله يهدي ويعصم

وإنّكم تتلونه في كتابكم ** بصدق حديث لا حديث الترجم

فلا تجعلوا لله ندّاً فأسلموا ** فإنّ طريق الحقّ ليس بمظلم

11ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة(رضي الله عنه):

فصبراً أبا يعلى على دين أحمد ** وكن مظهراً للدين وفّقت صابرا

وحطّ من أتى بالحقّ من عند ربّه ** بصدقٍ وعزم لا تكن حمزة كافرا

فقد سرّني أن قلت إنّك مؤمن ** فكن لرسول الله في الله ناصرا

وباد قريشاً في الذي قد أتيته ** جهاراً وقل ما كان أحمد ساحرا(13).

بعض حكم إخفائه لإيمانه

لما بعث النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى البشرية مبشراً ومنذراً ، صَـدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار بل كتمه; ليتمكن من القيام بنصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن أسلم معه، فإنه إن أظهر إيمانه إظهاراً تاماً كان كأحد المسلمين الذين اتبعوا الدين الجديد وبالتالي تـتـقطع الخيوط والروابط التي تربطه بقريش ودينها ورجالاتها. فما دام مُظهراً لمذهب قريش يكون أشدّ تمكناً من المحامات والدفاع عن النفر القليل الضعيف الذي أسلم، إضافة لذلك، فإنه إن أظهر الإسلام لازدادت نفرة قريش وبغضها له، ولاعتبر كأحد المسلمين الذين اتبعوا الدين الجديد ونكل دينهم، ولارتفع حجاب المراعاة والمداراة بينه وبينهم تماماً فينابذوه بالقتال، فيُـقتل، ويُـقتل محمد ( صلوات الله عليه وآله وسلم ) ويُـقبَر الدين الجديد … وهذا ما تريده قريش. فما دام أبو طالب على دينهم ظاهراً يكون لهم بصيص أملٍ في أن يسلّمهم ابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليقتلوه. ولذلك كانوا لا يفترون عن المطالبة بمحمد بكل ما يستطيعون من مال وجاه ومقابلة وعوض …الخ. ومن جهة أخرى، لو كان أبو طالب غير مؤمن بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعمل على تكذيبه، وتسليمه إلى قريش ولا يتحمل تلك المعانات والمآسي التي مرّت به في الشعب وفي غيره.

إضافة إلى ذلك، لو تتبعنا أبو طالب في أخلاقه وأفعاله وسيرته وسلوكه وتربيته و.. و… قبل البعثة، لوجدناها هي نفس السيرة والسلوك والأخلاق والأفعال التي كان عليها النبيّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وهي نفسها تعاليم الدين الإسلامي الجديد المستمدّة من دين إبراهيم ( عليه السلام )، ومعنى ذلك إنه لم يكن يعبد الأصنام، بل كان يعبد الله ويوحّده على الدين الذي جاء به إبراهيم ( عليه السلام )، وخير دليل على ذلك هو خطبته التي ألقاها في طلب يد خديجة لابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل أن يبعث بخمسة عشر عاماً.

لقد صرّح أبو طالب عما في داخل نفسه وما يؤمن به في أشعاره الكثيرة المشحونة بالإقرار على صدق النبي وحقيقة دينه. ناهيك عن الروايات الواردة عن النبي الأكرم وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) في شأن إيمانه.

 

عام الحزن:

وتكالبت قريش ونالت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغيتها وأصابته بعظيم الأذى بعد فقد الحارس الأمين والناصر لدين الله سيد البطحاء أبو طالب(رضوان الله عليه)، فقال صلى اله عليه وآله وسلم): ‹‹لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم…›› .

وتوالت الأحزان والآلام على النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتموت خديجة بعد ثلاثة أيام؛ سكنه الأمين وساعده الآخر التي تطمئنه وتصبّره وتقاسِمه الآلام والمحن، فيا لها من صدمة عاطفية جسيمة وخسارة معنويّة عظيمة، ويا لها من أيام مُحزنة يفتقد فيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ساعداه اللذان بهما نبتت بذرة الشريعة الإسلامية وانتصب كيانها، فعبّر عن ذلك بقوله:‹‹ اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان لا ادري بأيهما أنا أشدّ جزعاً››.

وفاته(رضي الله عنه)

لم يُمهل القدر سيّد قريش ورئيس مكّة الذي ساد بشرفه لا بماله، فتُوفّي في 7 شهر رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة، وكان عمره آنذاك 86 سنة، وقيل: 90 سنة، وقيل: تُوفّي في 26 رجب 10 للبعثة النبوية الشريفة.

وحينما علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بوفاته، قال لابن عمّه: «امضِ يا علي فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فأعلمني».

ففعل ذلك، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عمّ، فلقد ربّيتَ وكفلتَ صغيراً، وآزرت ونصرت كبيراً».

ثمّ أقبل على الناس وقال: «أنا والله لأشفعنّ لعمّي شفاعةً يعجب لها أهل الثقلين»(14).

ــــــــــــــــ

1. شرح نهج البلاغة 14/64.

2. الفصول المختارة: 58.

3. شرح نهج البلاغة 14/71.

4. الكافي 1/448.

5. الصحيح من سيرة النبيّ 3/255، ينقله عن تاريخ الخميس 1/301.

6. كمال الدين وتمام النعمة: 174.

7. الكافي 1/446.

8و9 و10. بحار الأنوار 35/111.

11. أعيان الشيعة 8/117.

12. تاريخ مدينة دمشق 66/327.

13. الصحيح من سيرة النبيّ 3/230.

14. إيمان أبي طالب: 25.

منقول من

bintalarab7.maktoobblog.com

ومن

موقع مركز آل البيت العالمي للمعلومات

www.al-shia.org


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 08 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24