• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الشباب صفاء الروح ونقاوة النفس .

الشباب صفاء الروح ونقاوة النفس

الشيخ  عبد الجليل المكراني

شعبان 1431هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله (سبحانه وتعالى):

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (1).

الآية الشريفة تقسم حياة الإنسان إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: الضعف، وهي مرحلة الطفولة والصغر.

المرحلة الثانية: مرحلة القوة، وهي مرحلة الشباب والفتوة.

المرحلة الثالثة: مرحلة الضعف الثانية، وهي دور الكهولة والشيب والكبر.

 وفي ضوء الآية الشريفة، فإنّ حياة الإنسان في الدنيا محكومة بهذا النظام الإلهي. فهو يبدأ بالضعف وعدم القدرة على تدبير شؤونه بنفسه، ولا يستطيع أن يحافظ على حياته إلا من خلال الأبوين وخصوصاً الأم، إلى أن تتم رحلة الإعداد التربوي، وهي تشمل الجانب المادي والنفسي في الإنسان بحيث يصبح فرداً قادراً على الاندماج في المجتمع، فيقوم بتدبير شؤون حياته، ويمارس سلوكه بحرية وإرادة وقدرة، وبعد أن يمضي شوطاً حياتياً مفعماً بالحيوية والنشاط يبدأ بالضعف مرة ثانية.

و نجد أنّ القرآن الكريم سمى هذه المرحلة بالضعف لكنه أعطاها وصفاً آخر لكي تتميز عن المرحلة الأولى فقال (عز وجل): (ضَعْفاً وَشَيْبَةً).

وهكذا تنتهي رحلة الإنسان في الدنيا فيبدأ ضعيفاً بحسب نظام الخلقة الإلهي، ويعود لربه ويخرج من هذه الدنيا ضعيفاً؛ وهذا أحد الأدلة على توحيد الله بلحاظ دليل القوة والفقر.

وأريد هنا أن أركز البحث حول المرحلة الثانية في حياة الإنسان وهي  مرحلة القوة ـ كما يعبر عنها القرآن الكريم ـ وهذه المرحلة هي الأهم في خلقة الطابع الشخصي للإنسان في الصعيد الاجتماعي والثقافي والنفسي، وبهذه المرحلة تتكون معالم الشخص الفردية، إذاً يمكن لنا أن نطلق على هذه الدورة من حياة الإنسان إنّها دورة خلق الشخصية وتكوين الذات.

وفي هذه المرحلة يبلغ الإنسان الذروة في النشاط والعطاء والقوة على الصعيد البدني والنفس والروحي.

وأهم المميزات التي يمتلكها الإنسان في هذه المرحلة هي: القوة، النشاط، عدم الضجر بسبب أمور الحياة، الابتهاج وحالة المرح والسرور بما يقوم به الشاب أو الشابة وما يمارسه على المستوى المادي.

 وأما على المستوى النفسي والروحي فهو يمتلك الفطرة الإنسانية الصافية، فقلب الشاب والفتى وروحه نقية، طاهرة، لا يعيش الأحقاد كما يقول الأمير المؤمنين(عليه السلام): ((إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما لقي فيها من شيء إلا قبلته))(2)، لا يعيش هَم المعترك الاجتماعي فهو إذاً يمتلك صفاء الروح، وصفاء النفس؛ ولكي تُدرك هذه النعمة فلتنظر إلى الشيخ الذي يشكو من الضعف الجسدي والنفسي وانهيار القوى، ولذلك قال الشاعر:

حملت العصا لا العجز أوجب حملها *** عليَّ ولا أني انحنيت من الكبرِ

ولكنّني عودت نفسي حملها *** لأُعلمها أني مقيم على سفرِ  

قال الإمام علي (عليه السلام): ((شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما الشباب والعافية))(3).

وإلى جانب هذا أيضاً، فالإنسان يعيش في هذه المرحلة دور المراهقة، وضغط الشهوة وهي مرحلة طبيعية في الإنسان ، فليس جرماً على الشاب أن يفكر بالزواج وهو يعيش هذه العواطف والأحاسيس، لكن الخطر في هذه المرحلة الذي يهد بناء الإنسان - ذلك البناء الصالح الذي يحافظ فيه الإنسان على اتزانه الديني والشخصي- هو الانزلاق وراء الشهوات والملذات التي إن فتح الباب لها فإنّها تُخرج الإنسان من سلوكه الإنساني إلى التصرف البهيمي والحيواني، فمن هيج شهواته كان مثل من هيج أسداً عليه ثم يضطر أن يهدئه أو يهرب منه.

وهنا يأتي دور الإرادة الصلبة فإنّ أول عمل يقوم به الإنسان هو أن يستصغر الآلام والشهوات والمصاعب والتي تُرجع الإنسان إلى مرحلة الضعف أو تجعله فيها، فإذا تغلب عليها في هذه المرحلة اجتاز الشيء العظيم؛ ولذلك ورد في الأحاديث أنّ الله خاطب داود: ((يا داود أن حفر الجبل بالظفر أيسر على ابن آدم من مخالفة النفس والهوى))، ولهذا ذكر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وشاب نشأ في عبادة الله))(4)؛ لأنّ مظنة غلبة الشهوة في هذه الفترة أكبر لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى ولذلك فملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى عن أبي عبدالله(عليه السلام) : ((من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب وإذا رضي حُرم جسده على النار))(5).

سيما إنّ الأجواء النفسية والعاطفية للشباب مهيأة؛ لأنّ دور الشباب  هو دور القوة في كل شيء ، القوة في البدن، والقوة في الاستعداد العقلي والإدراكي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((خير شبابكم من تشبه بكهولكم وشر كهولكم من تشبه بشبابكم))(6)، وهكذا القوة في الجانب النفسي والاحساسي، في خِضم هذا الطوفان النفسي والعاطفي يظهر مدى الإلتزام الأخلاقي والديني الذي يحمله الشاب وهذه الفئة هي الممدوحة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام يقول الإمام الصادق(عليه السلام): ((لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالتين إما عالماً أو متعلماً فإن لم يفعل فرط فإن فرط ضيع فإن ضيع أُثم وإن أُثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق))(7).

ولا شك عندي أن هذه الثلة المؤمنة من الشباب التي لديها كامل الإلتزام والوعي بواجباتها الدينية والأخلاقية لهي التي أشار إليها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: ((ما من شاب يَدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً))(8)؛ ولاشك عندي أيضاً أنّ إقدامهم على تعلم  العلوم الدينية والقرآن الكريم لهو دليل على وعيهم وتميزهم عن الآخرين، وكذلك مدى التزامهم الديني وسط كل هذه الإغراءات التي يعج به الشارع سواء كانت على مستوى اللعب واللهو أم على مستوى الأمور المحرمة والشيطانية، وإنّ هذا لهو الدليل الواضح على أنّهم يحملون قلوباً وأنفساً تعيش الطهارة والفطرة السليمة، أَوَليس يباهي بهم الله الملائكة في الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنّ أحب الخلائق إلى الله (عز وجل) شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته يقول: هذا عبدي حقاً))(9).

وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنّ الله (سبحانه وتعالى) يباهي بالشاب العابد الملائكة يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي))(10).

ولنعم الطريق والدرب الذي قصدتموه أيها الشباب، إنّ الله تعالى ليفتح آفاق الإيمان والمعرفة والتخلق بأضعاف ما يعطيها للكبير، في الحديث الشريف الوارد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ((فضل العابد الذي تَعَبد في صباه على الشيخ الذي تَعَبد بعدما كَبُرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس))(11).

وكذا عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ((من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة، يقول القرآن: يا رب إنّ كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلغ به أكرم عطاياك، قال الإمام: فيكسوه الله العزيز الجبار حُلتين من حلل الجنة ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا فيعطى الأمن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة فيقال له: اقرأ واصعد درجة ، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك فيقول: نعم. قال: ومن قرأه كثيراً وتعاهده بمشقة من شدة حفظه أعطاه الله عز وجل أجر هذا مرتين))(12).

وهكذا كل علم يتعلق بالشريعة وعلوم أهل البيت عليهم السلام لها الدرجة العظيمة عند الله، واعلموا ـ أيها الشباب ـ أنّ المُعول عليكم، فأنتم الذين ستحملون الأماني، أماني الآباء والأمهات، وأملِ أساتذتكم وكل محبيكم لتحققوها في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.

إنكم مُقبلون على مرحلة علمية حساسة تحتاج إلى الجهد والتنافس العلمي لبلوغ هذه الأهداف وتحقيق الأماني، ولاشك فإنّكم أهل لكل ما يرجى منكم.

يقول إسماعيل بن عبد الخالق: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي جعفر الأحول ـ وأنا أسمع ـ : ((أتيت البصرة؟))، فقال: نعم، قال: ((كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر و دخولهم فيه يعني دخولهم في التشيّع؟ قال: والله إنهم لقليل ولقد فعلوا وإن ذلك لقليل، فقال : ((عليك بالأحداث، فإنّهم أسرع إلى كل خير))(13).

وها أنتم أحداث ليس فيكم قديم، وليس فيكم التائه أو الذي لا يحمل هدفاً يسير نحوه، بل تحملون روح التجدد والتطور والمثابرة والعزيمة الصادقة؛ وأنتم المصابيح التي نراها في المستقبل.

هناك قِوى هي التي تؤهل الشاب إلى تحقيق العبودية وتُصِله إلى الكمال، وهي:

1ـ قوة العقل: التي تتولد عنها قوة العلم والتذكر والتأمل والتبصر .

2ـ قوة العاطفة: التي يتولد منها المبادرة وصحة العزم والمسارعة والإقبال الحار والانتماء الصادق.

3ـ قوة البدن: التي ينتج منها الفعل والإنجاز.

ومن يريد التحلي بهذه القوى فهو يحتاج إلى هذه المقومات، وهي:

أـ الالتزام بتحديد الرمز والقدوة: لمن يصل لهذه المرحلة سعياً إلى تقليد وطاعة هذا الرمز على أن تكون القدوة تتحلى بصفات يحبها الله (عز وجل) وتتمتع بالأخلاق الحميدة والفكر السديد والإيمان الكامل المثمر، وهل نجد خيراً من الرسول ووصيه وأهل بيته عليهم السلام؟!

ب ـ طلب العلم: فإنّه أكثر نفعاً وأشدُ أثراً وضرورةً وإلزاماً لما في الشباب من التقى والصفاء والقابلية المثلى لتلقي المعلومات والاستفادة منها؛ أوصى الإمام الصادق أحد أصحابه قائلاً: ((عليك بالأحداث ـ حديثي السن ـ فإنهم أسرع إلى كل خير)).

ج ـ التعقل في كل الأمور.

د ـ اغتنام فرصة الشباب: قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من شيء أحب إلى الله من شابٍ تائب))(14).

قال نبي الله أيوب(عليه السلام): ((إن الله يزرع الحكمة في قلب الصغير والكبير فإذا جعل الله العبد حكيماً في الصّبى لم يضع منزلته عند الحكماء حداثة سِنه وهم يرون عليه من نور الله وكرامته))(15).

قال الشاعر:

أهدي الشباب تحية الإكبار *** هو كنزنا الغالي وذخر الدار

ما كان أصحاب النبي محمد *** إلا شبابًا شامخ الأفكار

أشباب دين يا حصن العلا *** أهديك حسن الحب في أشعار

من يجعل الإيمان رائده يفز *** بكرامة الدنيا وعقبى الدار

ــــــــــــ

(1) الروم: 54.

(2) تحف العقول: 70.

(3) عيون الحكم والمواعظ: 298.

(4) الخصال: 343/ 7.

(5) الأمالي (الصدوق): 408/ 527.

(6) مشكاة الأنوار: 297.

(7) الأمالي (الطوسي): 303/ 604.

(8) الأمالي (الطوسي): 535.

(9) كنز العمال 15: 785/ 43103.

(10) كنز العمال 15: 776/ 43057.

(11) كنز العمال 15: 785/ 43059.

(12) الكافي 2: 603.

(13) الكافي 8: 93.

(14) روضة الواعظين: 481.

(15) ميزان الحكمة 2: 1401.

دار السيدة رقية عليها السلام للقرآن الكريم


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1101
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24