• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : التعريف بالمشروع المهدوي .

التعريف بالمشروع المهدوي

دار السيدة رقية(ع) للقرآن الكريم

سماحة الشيخ عبدالجليل المكراني

15 شعبان1431هـ

 

قال الله تعالى في كتابه العظيم: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) القصص: 5ـ 6.  

الآية الشريفة من الآيات التي تتكلّم بشكل خاصٍّ عن طبيعة النظرية المهدوية, والغاية من هذه الفكرة والعقيدة الإلهية. لقد قرّرت الآية الشريفة أنّ ظهور العدالة والأمن والرفاه الاقتصادي هو منّة إلهية، ونعمة ربّانية يتفضّل بها تعالى على فئة خاصّة وهم (المُستضعَفون). والمقصود بالمستضعفين هم الذين يعانون من الظلم والحيف, وسلب الحقوق, وقمع الحرية , ومصادرة الحقوق الطبيعية, وهذا ما ينطبق على المؤمنين من أتباع موسى بشكل خاصّ وعلى المستضعفين المؤمنين بشكل عامّ في كل زمان ومكان, وإذا أخذنا الآية بحسب التفسير الوارد عن أهل البيت (عليهم السلام), فإنّ المستضعفين هم الذين يعيشون في هذا الزمان ممّن يعانون القهر والحيف, وهذه المنّة والامتنان الإلهي يتحقّق بشكل خاصّ على يدي الأئمة الذين هم ضمن دائرة المستضعفين؛ ولذلك قالت الآية: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).      

 

أنواع الاستضعاف

والاستضعاف ليس من نوع واحد, فهناك الاستضعاف على مستوى الصعيد الخارجي , ونقصد به الاستضعاف في ممارسة الترهيب , والقتل, والتشريد ومنع الاستفادة من فرص الحياة والعيش, وقد أشارت إلى هذا المعنى الآية القرآنية التي تكلَّمت عن فرعون ودوره في استضعاف أتباع موسى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) القصص: 4.

إنّ الذين استُضعفوا في حكومة فرعون هم بنو إسرائيل , وكانوا يمثّلون الجماعة المؤمنة التي آمنت بالله ورفضت الخضوع لفرعون و عبادته. وبعد المعاناة الشديدة من جور فرعون وجبروته واستبداده، وَعَدَ الله المؤمنين بأن يمكِّن لهم في الأرض , ويجعل لهم السلطان, ويهلك الطواغيت والمستبدَّين والظالمين؛ فرعون وهامان وجنودهما, وهم الأتباع والمؤيَّدون والمناصرون.

وليس هذا خاصّاً بتلك الفئة من بني إسرائيل؛ بل هو وعد الله تعالى لكلّ المؤمنين والمستضعفين على طول التاريخ. وقد تحقّق طرف من ذلك الوعد الإلهي للمؤمنين في فترات زمنية مختلفة من حكومة الأنبياء والأولياء الصالحين, لكنّ تحقيق الوعد الإلهي الشامل والكامل- وهو سيادة المؤمنين والمستضعَفين على الأرض بمطلقها- لا يكون إلاّ في ظلّ حكومة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

وهناك استضعاف آخر؛ وهو ما يمكن  أن نسمَّيه بالاستضعاف الداخلي والنفسي, ونقصد به الاستضعاف الفكري والعقائدي  والروحي. كثير من الناس في مختلف المعمورة يعيشون تحت التضليل, وتحت التثقيف المزيَّف والكاذب. هناك , إنّهم أُناس لا يمتلكون القدرة الفكرية ولا النضج الثقافي والعلمي لتشخيص الحقيقة, ولا الوصول للحق.

 إنّ وسائل الاتصال المعرفي اليوم بقدر ما تقدّمه من خدمة جبّارة في إيصال المعلومات, ونقل الأخبار، فلقد أصبحت وسيلة بيد الكذّابين والدجّالين الذين يعتاشون على تجهيل الناس وإضلالهم.

 لقد أصبحت هذه الوسائل هي مصدر المعرفة المطلقة لكثير من الناس, وأصبحت المرشد الروحي والفكري لهم.

 إنّ هؤلاء ليست لهم القدرة على معرفة الحقيقة إلاّ من خلال هذه القنوات والمصادر التثقيفية الضالّة. ولا شكَّ ولا شبهة عندنا أنّ الظلاميين وأصحاب الفكر المزيَّف يعملون الليل والنهار على غسل أدمغة هؤلاء وحجبهم عن معرفة الحق والوصول إلى الحقيقة.

 

إشكاليّات في العقيدة المهدوية

 والذي أريد التحدث عنه في هذه المقالة موضوع  من المواضيع المهمّة والحسّاسة في الأطروحة المهدوية، وهذا الموضوع هو التعريف بالمشروع المهدوي, وكيف يمكن لنا بهذا المشروع وبيان أبعاده المختلفة, وكذلك التعريف بصاحب هذا المشروع (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

تُشاع الآن أكثر من إشكالية حول قضية الإمام المهدي , وفكرة اليوم الموعود, وقضية تحقيق العدل الإلهي والانتصار للمظلومين المرتبطة بظهور صاحب العصر والزمان , وربمّا يكون هذا بسبب الدعايات, أو عدم تبنّي وطرح توضيح دقيق وصحيح للموضوع.

قد عجز أصحاب الدعايات الضالّة , وأصحاب التهريج والتكفير والنهج الهمجي من إبطال هذه العقيدة الصادقة؛ العقيدة الحقّة التي أجمع عليها علماء الإسلام. والآن نجد البعض ممّن لا يمتلك العلم والثقافة الإسلامية الصحيحة, والدراية الواعية بالسنّة الشريفة من يطنطن بخرافة هذه العقيدة وكونها من العقائد المستوردة من الأديان الأخرى، أو ينسبها إلى قومية أو عرق معين؛ كاليهودية والفارسية، أو أنّها تخالف منظومة العدل الإلهي الأسمى والسماحة الإسلامية.

وبحمد الله لقد أصبحت العقيدة المهدوية من أهمّ القضايا في الشأن الديني, والآن تعقد على مدار السنة في مختلف بقاع العالم مختلف النشاطات والمؤتمرات في تحليل العقيدة المهدوية, وبيان تفاصيلها والإشكاليات المترتبّة عليها.

 ولا يمكن لعقيدة أو فكرة خرافية أن تعيش وأن تحيا بهذا المقدار وهذا العمق الفكري والروحي والعاطفي.      

هناك عدّة إشكاليّات يطرحها  المشكَّكون في العقيدة المهدوية, والذين يقفون ضدّ المشروع المهدوي.

الإشكالية الأولى: إنّ المشروع المهدوي يقوم على القتل والذبح والانتقام, وهذا من خلال مجموعة من الأحاديث التي يرويها الشيعة في تفاصل ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف), وحربه مع أعدائه وتفاصيل حكمه وحكومته. وهناك صورة قاتمة ومخيفة يحاول البعض ترويجها  والحديث عنها إلى العالم لتشويه المشروع المهدوي لإبعاد الناس عن هذه الفكرة والسيطرة عليهم نفسياً وعاطفياً.

 ولا يخفى على المتتبّع إنّ أعداء الإسلام اتخذوا هذا المنهج في حربهم ضدّ انتشار الإسلام وتعرّفت الشعوب الأخرى عليه, لكنّ الحقّ يعلو ولا يُعلى عليه, فمهما حاولوا أن يشوّهوا الإسلام, وأن يزيّفوا حقائقه الناصعة ما استطاعوا. والآن الإسلام ينتشر يوماً بعد آخر في البلدان التي تشنّ أعتى الحروب الفكرية والثقافية والعسكرية ضدّ المسلمين.

وحتّى الحركات الإرهابية الضالّة التي خلقها أعداء الإسلام لتشويه الإسلام وإعطائه صورة الوحشية والدموية عنه ما استطاعت أن تبعد الناس عن الإسلام , واعتناقه كدين محّبة وسلام.

 إنّ المشروع المهدوي هو المشروع الإلهي والإنساني والوحيد الذي يحقّق السلام الإنساني والأمن لكلّ البشرية.

فالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الإمام المُعدّ لنصرة المظلومين في شتّى بقاع العالم , فليس هو إمام للشيعة دون السنّة, وليس هو إمام للمسلمين دون غيرهم من معتنقي الأديان الأخرى.

إنّ المشروع المهدوي هو السلم  والأمن والإنسانية التي يفقدها العالم اليوم بين ثنايا الحروب والقتل, والإرهاب, ومصادرة حقوق الشعوب.وفي روايات الحركة المهدوية المباركة ما يشير إلى تحقيق السلام العالمي الأبدي من خلال هذه الثورة الإنسانية العظمى على التمييز العنصري والتمييز المادّي والدنيوي الضيّق.

ويمثَِّل العطف والتسامح والنزعة الإنسانية الصادقة أهمّ مقوّمات الحكم المهدوي حتّى مع أتباع الأديان الأخرى؛ كاليهود والنصارى، فكيف يتعامل الإمام مع أمّة جدّه على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية والعقائدية؟ روى أحمد في مسنده: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً). فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: (بالسوية بين الناس. قال: ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غنى ويسعهم عدله)(1).

ومن طرقنا: قال الإمام الباقر عليه السلام: (إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسوية ، وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله ، وإنّما سُمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزّ وجلّ من غارٍ بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن ، وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها ، فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام ، وسفكتم فيه الدماء الحرام ، وركبتم فيه ما حرَّم الله عزّ وجلّ ، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله ، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً)(2).

لقد بعث نبي الإسلام رحمة للعالمين لكنّه حمل السيف وقاتل؛ لأنّ عناصر الشرّ ومحاور الاستبداد والكفر والظلم لا يروق لهم هذا النهج الإنساني الذي يملأ حياة الناس أمناً وإيماناً وسعادة. ولم يُقدَّر لتلك الرحمة المحمّدية الغرّاء أن تنتشر إلاّ مع القضاء على رؤوس الكفر والإضلال.

ونحن اليوم ننتظر بوعد من الله تعالى ,وإخبار صادق من نبيه الكريم تحقيق تلك الرحمة الشاملة لكلّ البشرية , والمنّة التي أخبر بها تعالى للمظلومين, والمقهورين, والمستضعفين على يد إمام الهدى والحقّ والعدالة المهدي المنتظر.      

فنحن نحمل هذا المشروع وهذا الفكر الذي يتّسع لكلّ البشر ولكلّ الناس, وليس المهدي للشيعة خاصّة, وليس المهدي معدّ لتحقيق انتصارات طائفية أو عرقية أو عنصرية كما يصوّرها البعض.

أما الشعار الذي يطرحه البعض كعنوان للتحّرك العالمي المهدوي وهو شعار: (يا لثارات الحسين)، فإنّ هذا الشعار يحمل في داخله ومحتواه ـ حسب قراءتنا وفهمنا لهذا الشعارـ  الأهداف  الإسلامية و المنطلقات الإنسانية التي ثار الإمام الحسين من أجلها وما قامت عليه تلك الثورة المقدَّسة في مبادئها وقيمها.

لا يتحرّك الإمام الحجّة وفق النوازع الشخصية والخلافات البشرية الضيِّقة, ليس في قاموس حركة المصلح العالمي الانتقام للذات, أو الثأر الشخصي . نعم، الإمام الحجّة يثأر للمبادئ التي استشهد من أجلها الإمام الحسين. الإمام الحجّة يثأر للشريعة المقدَّسة التي استشهد من أجلها الحسين والتي انتهكت في حكومة الأمويين ابتداءً من معاوية ويزيد الفجور إلى آخر جائر في هذا التيار. الإمام الحجّة يثأر لجدِّه الحسين؛ لأنّه قُتل مظلوماً, لأنّه انتهكت حرمته وهو يمثَّل رسول الله في نهجه وإسلامه وتحّركه, وكلّ من يحمل هذه المظلومية فإنّ الإمام الحجَّة يثأر له. اليوم نحن نعيش ونشاهد الآلاف المظلومين والمضطهدين والمسحوقين, وهؤلاء لا ناصر لهم, ولا يوجد من يأخذ بيديهم ومن يعيد إليهم حقوقهم, هؤلاء هم محيو حركة الإصلاح العالمي, والعمل الإنساني الكبير الذي ننتظر تحقيقه على يدي صاحب العصر وإمام هذا الزمان مهدي آل محمد .

وبالمناسبة أقول: إنّ الإمام المصلح والمؤمّل المُنقذ، ليس له عداء مع قومية دون أخرى, فهو يقف ضدّ خطّ الانحراف والباطل أينما كان وفي أيّ ثوب تلبّس, ولا يمنعه الحقّ أن ينتزع الحقّ من أيّ أحد لكي يصل إلى الحقيقة.

الإشكالية الثانية : ممّا يثيره البعض الآن إنّه ما الفائدة في وجود إمام تزعمون أنّه مُدَّخر لإقامة العدالة وتحقيق الغرض الإلهي من بعثة الأنبياء والرسل؟ وإذا كان الأنبياء والرسل على طول التاريخ لم يستطيعوا أن يحققّوا الغاية التي بُعثوا من أجلها بما فيهم خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله، ويرى هؤلاء أنّ فكرة اليوم الموعود ودور الإمام المهدي المنتظر فيه هي فكرة خرافية ,وذلك أنّها تجاوزت حتّى دور الأنبياء والرسل.

 والمهدي بهذا الطرح عند الشيعة تجاوز دور الأنبياء ومهمّتهم الرسالية الإلهية، وبالمناسبة فإنّ هؤلاء ممّن يتبنّون طرح هذه الإشكالية يحاولون أن يوحوا للنّاس وللجمهور المخاطب بأنّ قضية الإمام المهدي المنتظر ليست واردة أو مذكورة في الأحاديث النبوية الشريفة. وهذا نوع من التدليس والتظليل والخيانة العلمية والأخلاقية في طرح القضايا التي تمسّ عقيدة المسلمين وقضاياهم الدينية. ويحاول البعض تعميق هذه الإشكالية بالقول:

 إنّ الدين الإسلامي والدين الإلهي- عموماً قد اكتمل وتمَّ في عهد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وهذه من خصوصيات النبي الخاتم عليه  أسمى الصلاة وأتمّ التسليم. فالشريعة الإسلامية تامّة وكاملة, والمسلمون قد عرفوا كلّ شيء من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولهذا فإنّ الغرض الذي تؤسَّس عليه دعوى الإمام الغائب هي دعوى باطلة وزائفة.

والإجابة عن هذه الإشكالية تكون بنقطتين:                  

الأولى:إنّ من أهداف المشروع المهدوي هو تحقيق العدالة الكاملة على الصعيد الاجتماعي والإنساني بشكل عامّ, وهذا ما أخبر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورواه المسلمون: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(3).

 فإذن، الهدف الأول : هو إقامة العدل بموازينه الإنسانية والأخلاقية الكاملة, وهذا الهدف هو الهدف الإنساني الأسمى في الحركة المهدوية؛ بل في مسار التاريخ البشري بأجمعه، لكنّه لم يتحقّق ولن يتحقّق إلا بظهور الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

الثانية: إنّ الهدف المقدَّس والأهمّ في حركة منقذ البشرية والمصلح العالمي هو تطبيق المبادئ الإلهية والشريعة الربّانية المقدَّسة التي بُعث الأنبياء جميعاً من أجل الإعداد لها والبشارة بها وهي الدين الإسلامي الحنيف , الذي قال عنه تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة: 3.

 إنّ الله تعالى أخبر أنّه رضي الإسلام ديناً ومنهجاً, لكنّه ليس للمسلمين, وليس لمن آمن برسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) آنذاك فقط.

  وهذا الخطاب الإلهي كما تعلمون كان في واقعة تتويج الإمام علي(عليه السلام) إماماً وقائداً للمسلمين بعد رسول الله . وهذا يعني إنّ مشروع الهداية الربّانية, ومشروع الدين الإلهي الخاتم المُعدّ للإجابة على كلّ المشاكل والهموم والحاجات البشرية, هذا المشروع مرتبط بمبدأ الإمامة والخلافة الرّبانية المتجسِّدة بأوصياء النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله). وهذا الارتباط الوثيق بين إتمام الشريعة وبين سلسة الإمامة  هو من زاوية تطبيق النظرية الإسلامية الإلهية, وإيجادها على صعيد الواقع, وهذا ما لم يتحقَّق حتّى على يدي الإمام علي(عليه السلام) الوصي المباشر والإمام الأول للمسلمين فضلاً عن الصحابة والحكّام الذين اعتلوا كرسّي الخلافة بعد رسول الله.

والذي يرى أنّ الدين الإسلامي قد اكتمل مبادئً وتطبيقاً فإنّ هذا قد اختزل الإسلام في ظرف زماني محدود, وفي الواقع فإنّه يخرج الدين الإسلامي عن دائرة تنظيم وترشيد الحياة والحضارة الإنسانية التي لا زالت بأوج ظلاميّتها وتقهقرها.

وبهذا نعرف أنَّ فكرة اليوم الموعود والإمام المصلح هي الحلقة الأهمّ التي تتمَّم مسيرة  الأنبياء وتحقَّق ذلك الحلم الذي عاشه المؤمنون على طوال التأريخ الإنساني, وهو ظهور الدين الإلهي وتمامية الهداية الربّانية على صعيد الساحة البشرية.

 نحن نعتقد أنّ الأنبياء(عليهم السلام) قد أدّوا الواجب الإلهي الذي كلَِّفوا به, ونعتقد أنّ الدين الإسلامي تامّ على عهد رسول الله, لكنّنا ننتظر التطبيق الكامل والظهور المطلق لهذه المبادئ الإلهية على سائر الأديان والمذاهب المزيّفة والأيديولوجيات الملحدة والكاذبة, ولقد أخبرنا الله تعالى بهذه المسيرة الإلهية المباركة (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف : 6.

 وتحقَّق ذلك الوعد الإلهي وصدَّق به البعض وكفر الآخر؛ لذا قال تعالى في الآية التي بعدها: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) الصف: 7ـ 8.

وأخبر تعالى بأنّ الكافرين والمنحرفين عن الخطّ الإلهي يريدون أن يطفئوا هذا النور وهذا الوهج الإلهي- وهو الإسلام- بكلّ وسيلة, ويحدِّثنا التاريخ عن  المؤامرات التي انطلقت لتقوّض هذا الدين منذ رحيل النبي الأكرم ولهذا اليوم، لكنّها ما استطاعت. والنهاية التي يريدها الله تعالى لهذا الدين آتية لا محالة، وهذا ما يخبر عنه تعالى في كتابه الكريم فيما بعد هذه الآية وهي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف: 9.

والحمد لله ربّ العالمين

 

ــــــــــ

(1)مسند احمد3: 37.

(2)كتاب الغيبة للنعماني: 234.

(3)سنن أبي داود2: 309.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1093
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 07 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24